..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نقاش هادئ حول فكر تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) (1) بين يدي النقاش

محتسب الشام

٥ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 16115

نقاش هادئ حول فكر تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) (1) بين يدي النقاش
26eba50b2ed8fa73c005f65cfbb0ff7e.jpeg

شـــــارك المادة

الحمد لله ناصر المستضعفين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وبعد:
فمنذ الإعلان عن تأسيس (الدولة الإسلامية في العراق والشام) والحديث حول هذا التنظيم لم يتوقف أو يهدأ، فقد شهدت الساحة الفكرية حالات اشتد فيها الجدل واحتدم، إلى أن زادت وتيرته وحدته في الأيام الأخيرة.

 


أما الاتهامات الموجَّهة (للدولة)، فيمكن تلخيص أصولها في الآتي:
1- أنَّ لهم منهجًا في التكفير مخالفًا لمنهج أهل السنة والجماعة؛ إذ أنهم يتوسعون في تكفير شرائح عريضة من المسلمين.
2- إسقاط الرموز الدينية من علماء وطلبة علم في شرق العالم الإسلامي وغربه، والاعتداد بمن يوافق منهجهم فقط.
3- إعلان (الدولة) والدعوة إليها عن غير رضا من جماهير المسلمين في الأرض التي أقاموا الدولة عليها.
4- احتكار الحق في (دولتهم)؛ فما المجاهدون إلا هم، وما الحق إلا ما كان معهم، ومن عارضهم فهو إما عميل للغرب الصليبي أو تابع للحكام الطواغيت، أو من الخونة والمفتونين أو الصحوات.
وتتفرع عن هذه التهم العامة تهم أخرى ومسائل أخرى خطيرة.

وعمومًا، فإنَّ الناس في موقفهم من تنظيم (الدولة) والتهم الموجهة لها على ثلاثة ضروب:
1- ضرب يرى أنهم مجاهدون صادقون، يثخنون في العدو، وعندهم أخطاء ككل بني البشر، وأن الهجمة عليهم مؤامرة كبرى على المشروع الجهادي برمته؛ ولأجل ذلك يدافعون عنها وينافحون، ويرفضون التهم الموجهة إليها، ويرون أنه مبالغ فيها.
2- وضرب يرى أنها جماعة خطيرة من جهتين:
فمن الناحية الفكرية تمثل امتدادًا لفكر الخوارج في التكفير والتعامل مع المخالفين من المسلمين، ومن ناحية التنظيم أنها مُختَرقةٌ من قبل المخابرات العالمية والإيرانية، إن لم تكن تُدار من قبله، وأنها خلال تاريخها لم تقدم شيئًا يُذكر للإسلام والمسلمين، بل كانت وبالاً عليهم أينما حلَّت، كما يشهد بذلك تاريخها في العراق، وأنها شوكة في خاصرة الثورة السورية حاليًا.
3- وضرب ثالث لا يُهوِّن من أخطائها، ولا يوافقها في العديد من أفكارها، لكن يرى أنَّ لها مشاركة في الإثخان في العدو من جهة، ومن جهةٍ أخرى أننا الآن أمام عدو أكبر وأخطر وهو النظام القائم، ففقه الأوليات يحتِّم علينا عدم مواجهتهم أو التعرض لهم إلى حين إسقاط النظام.
وغني عن القول أنَّ هناك فريقًا آخر سيء النية خبيث الطوية، من المتآمرين على الجهاد والمسلمين، من أعداء صليبيين، ورافضة ونصيريين، ومن بعض بني جلدتنا من العلمانيين الكارهين للدين وأهله، يكيلون التهم جزافًا، ويفترون الكذب، ويعمدون إلى التحريش وبث الفتن.. ضمن حرب واسعة على حَمَلةِ المشاريع الإسلامية من فصائل عسكرية، أو جهات مدنية، ويُسخِّرون لذلك آلاتهم الإعلامية الضخمة، وجيوشًا من الجواسيس والمتآمرين، وينفقون في سبيل ذلك المئات من الملايين، وهم وإن كانوا لا يقصرون حملتهم على تنظيم (الدولة) فحسب، لكنَّهم يُظهرون اهتماهم بها أكثر من غيرها –حاليًا- لغايات في نفوسهم. 
ولقائل أن يقول: إذًا لم الحديث عن (الدولة) وأخطائها في هذا الوقت الحرج من عمر الثورة السورية؟
ألا يُعدُّ ذلك إشغالاً للناس عن الهدف الأكبر وهو إسقاط النظام؟
ألا يستفيد الأعداء من هذا النقد في إضعاف الثورة والجهاد؟
والجواب:
إنَّ بذل النصيحة، وبيان الخطأ واجب على المسلمين في كل حال وحين، فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: (بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ) متفق عليه.
فكيف إذا كانت النصيحة في أمور غاية في الخطورة والأهمية؟
وقد قرر أهل العلم أنَّه (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة) وحاجة الناس شديدة –بما فيهم أتباع (الدولة) وأنصارها- إلى معرفة حقيقة هذه التهم وصحتها بإنصاف وعدل.
كما أنَّ بذل النصيحة –وتصحيح الخطأ- لا ينبغي أن تكون في أوقات الرخاء والراحة فحسب، بل إن الحاجة إليها وقت حصولها زمن الشدة مطلوب، وإلا لن يكون لها أثر وفائدة، وهذا هو منهج القرآن في تربية المسلمين، فقد عاتب الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بشأن أخذ الفداء من أسرى بدر، فقال: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 67]،
حتى إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمِ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) رواه مسلم.
فضلاً أنَّ هذا النقاش والنقد يُقصد به الإسهام في إرساء منهجية علمية في نقد الجماعات الإسلامية ومناهجها، نصرةً للمشروع الإسلامي، ونصحًا له، من أن يضيع أو ينحرف بسبب تراكم الأخطاء والسكوت عنها، أو علاجها بطريقة غير سليمة يستفيد منها الأعداء.
فانعقد العزم بحول الله وقوته على مناقشة هذه التهم عبر سلسلة من المقالات، عبر المنهج التالي:
أولاً: الاقتصار على الدراسات والمقالات والبيانات الرسمية الصادرة عن تنظيم (الدولة)،  مع البعد عن التحليلات والتفسيرات للأحداث، والتي يختلف الناس في النظر إليها، والحكم عليها.
ثانيًا: قصر الحديث عن الفكر والمنهج، دون الخوض في تفاصيل الأفعال والحوادث على الأرض وتقييمها، سواء كانت إنجازات أو إخفاقات، فهذا له مجال آخر غير هذه السلسلة.
فكثيرًا ما يقع الخطأ والخلط من المتحاورين في هذه المسألة، فيستدلون على خطأ المنهج أو سلامته بصحة الفعل أو خطأه، وهذا غير صحيح بإطلاق، إلا إن كان الفعل مطرداً مستمراً يدل على منهجية معينة.
فمن القواعد المعتبرة:
أنَّ سوء العمل لا يقتضي سوء المعتقد والنية، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معتذرًا للصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة لما أرسل بخبر المسلمين إلى المشركين: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) متفق عليه، فقد يكون الدافع للعمل خطأ، أو اجتهادًا، أو تأويلا، أو غير ذلك.
كما أنَّ حُسن العمل والاجتهاد فيه لا يعني سلامة المنهج وصحته، ولا يقتضي النجاة.
فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الخوارج محذرًا من الاغترار بكثرة عبادتهم في مقابل بدعتهم الخطيرة، ومنبِّهًا على الأساس في الحكم عليهم: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ..) متفق عليه.
بل إن نية الخير وقصده لا تنفع صاحبها إن لم يكن على المنهج الصحيح، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2]: "أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة".
ثالثًا: لا تهدف هذه المناقشات إلى الحكم بصحة أو خطأ تنظيم (الدولة) أو منافسيها في موقف معين، أو في نزاع ما؛ فهذا شأن المحاكم الشرعية، وأهل الحل والعقد من أهل العلم وطلبته.

وأخيرًا:
إنَّ هذه السلسلة من المقالات ستطرح العديد من التساؤلات والإشكالات الخطيرة، التي لا تهم (الدولة) وحدها، بل هي من صميم اهتمام وعقيدة الأمة بكاملها؛ لذا: فإنه لا بد أن تكون لها إجابات رسمية واضحة محددة، معلنة يعرفها القاصي والداني وضوحًا لا لبس فيه ولا غموض.
ولا يكفي فيها ولا في توضيح الأخطاء التي سبقت الإشارة لها التعويل على عموميات ليست محل نزاع في أكثرها، أو دعوة من أراد معرفة الإجابات لمراجعة زعماء (الدولة) والقائمين عليها في ميادين الجهاد؛ فليس هذا بالمنهج الصحيح، ولا الذي يمكن فيه للجميع الاطلاع عليه والوصول إليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
... يتبع

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع