..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كلمة مختصرة حول نقد المجاهدين في وسائل الإعلام

ناصر بن سعيد السيف

١٢ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3162

كلمة مختصرة حول نقد المجاهدين في وسائل الإعلام
000.jpg

شـــــارك المادة

إن الأحداث على أرض الشام جعلت منها منطقة تحت المجهر ميَّزت الدول والشعوب, وأظهرت بعض المُسلَمات التي تشربتها العقول منذ زمن طويل فوضعتها في ميزان الحقيقة عبر وسائل الإعلام الجديدة, وتعتبر هذه من الحِكَم العظيمة في طول الابتلاء على أهل الشام الذي نهايته -عند أهل الإيمان- النصر والتمكين والعاقبة للمتقين بإذن الله تعالى.

 

ويستغرب المتابع الذي يحمل العلم والعدل تلك الهجمات المتتابعة والتراشق بالتُهم الجارحة والردود التي تجاوزت الأدب والأخلاق في وسائل الإعلام الجديدة –تويتر مثلاً– بين فريقين كل واحد منهما يرى أنه على الحق والصواب واختلفت أساليبهما في عرض رأيهما على المتابعين في مساحة ضيقة تعرض فيها الفكرة ويُصيبها –غالباً- الغموض وتحتاج إلى مزيدٍ من الإيضاح.

ما حدث من خلاف في الآونة الأخيرة بين بعض الفصائل الجهادية على أرض الشام المباركة يحدث في أي ساحة جهادية ولكن تختلف طريقة تصحيح الأخطاء وإنهاء الخلافات ففي واقعنا المعاصر دخلت وسائل الإعلام الجديدة في التأثير سلباً وإيجاباً, وشاركت أطراف كثيرة بعضها تريد الإصلاح والبعض الآخر استغل الأحداث في تحقيق مصالحه وأهدافه؛ فتسبب ذلك في جعل المسافات طويلة وقصيرة بين الخطأ والتصحيح.

المبتغى الحقيقي لأهل العلم والعدل والحكمة هو جمع الكلمة وتوحيد الصفوف بين الفصائل الجهادية والسعي إلى ذلك من الأعمال العظيمة والموفق في الحقيقة من وفقه الله –تعالى– في سلوك هذا الطريق مستعيناً بالله –تعالى– ومقتدياً بسنة رسولنا –عليه الصلاة والسلام- وأما رمي التُهم والتجريح المتبادل وسلاطة اللسان ثم النوم على الفراش الوفير فهذه الكل يحسنها.

ومن المتعين في كل قضية تطرح أو مشكلة تناقش أن توزن جميعها بميزان الشرع, وأن يقدم فيها العالم والمتخصص المصالح على المفاسد فيقودهما إخلاص النية والتجرد الكامل من كل الدوافع والتخلص من كل الضغوط والخروج الحقيقي من كل الدوائر الفكرية والحزبية وأن تكون العصمة ليست مدعاة لأحد من البشر ويتقرر عند الجميع أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وتكون الأجواء مفعمة بالمحبة والمودة والأخوة الإيمانية.

ومن المناسب إذا أراد الناقد أن ينقد فليكن نقده عاماً, وأما إذا كان النقد من أجل فكرة معينة أو خطأ واقع منسوب لأفراد أو جماعات فيجب أن يحتاط كثيراً بعد التثبت من المعلومات من مصادرها الصحيحة وخاصة إذا اتجه النقد لأهل الثغور والجهاد لما يتحمله من آثار جانبيه متحققة أو يغلب على الظن وقوعها ومدعاة لدخول المنافقين في طريق النقد واستغلال الأحداث.

ومن المهم أن يدرك الجميع أنه ليس هناك فرداً أو طائفة ممنوعة من النقد سواءً كانوا علماء أو مجاهدين أو حكَّام فالكل يمكن أن يُنقد ويُعترض عليه ولكن يكون بعلم وعدل وعبر قنوات النقد الصحيحة ومن المتخصصين في ذلك, ومن الإنصاف أن يُعلم في هذا السياق أن النقد المعتدل الذي يقوم على المعلومات الصادقة والعدل التام لا علاقة له بالمعاداة أو الخصومات, وإنما دافعه الحقيقي هو النصح والتعاون على البِّر والتقوى.

إن الطريق القويم لتصحيح الأخطاء يرتكز على الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام, وهو منهج شرعي ونهايته واضحة بجمع كلمة الموحدين وتوحيد صفوف المسلمين وتحقيق محبة الله –تعالى– بأن يكون الذين يقاتلون في سبيله كأنهم بنيان مرصوص, بهذا تَميَّز أهل السنة والجماعة عن غيرهم, وفي هذا السياق سطَّر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى– كلاماً جميلاً حول ذلك فقال: (وقد نهى اللَّه في كتابه عن التَّفرق والتَّشتُّت؛ وأَمَرَ بالاعتصام بحبله. فهذا موضع يجب على المؤمن أن يتثبَّتَ فيه ويعتصم بحبل اللَّه فإنَّ السنة مبناها على العلم والعدل؛ والإتباع لكتاب اللَّه وسنة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-).

ومن ضل طريق تصحيح الأخطاء في ساحات الجهاد والقتال فقد أصبح مُعولاً للهدم ومُشتتاً للجمع ومُلفتاً انتباه العامة ومُشعلاً لفتيل الأحاديث في مجالس الناس ويحسب أنه أحسن عملاً وقد تشرَّب قلبه الهوى وألبسه الشيطان لباس التقوى وزيَّن له الكذب والبهتان والنجوى وصدَّ بتصرفاته الحمقى الطريق عن المصلحين والمتخصصين الذين يريدون الإصلاح الحقيقي وأَوسع الفجوة بين الناصح والمنصوح.

ويُلاحظ فيمن دخل في دائرة نقد تصرفات بعض الفصائل الجهادية يجد أن أغلبهم جعل عمدته على بعض المعرفات (التويترية) المجهولة تارة والمشبوة تارة أخرى وزاد عليها بعض التحليلات الشخصية التي يعتريها النقص والخطأ واستشهد ببعض أخبار القنوات الفضائية وهو متكأ على أريكته فيخرج للناس حُكماَ أعرجَ أعورَ بحاجة إلى تقويم وقائد يقوده للحق والصواب؛ لأنه بنى على معلومات خاطئة أو صحيحة ناقصة فكانت النتيجة مخالفةً للصواب وابتعد عن العلم التام والعدل المطلوب ووقع في الجهل المركب وحكم بالظلم ولم يلتفت إلى الايجابيات الكثيرة كما حرص على تدوين السلبيات القليلة.

إن المجاهدين في سبيل الله –تعالى- عموماً لهم من الفضل والشرف والمكانة في كتاب الله –تعالى– وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- كما لا يخفى على الجميع, ولكن عندهم بعض الأخطاء والمخالفات في بعض تصرفاتهم ومناهجهم التي تذوب في بحر حسناتهم كما لا يخفى على المتخصصين والمنصفين.
ومن هنا فإن مرحلة تصحيح الأخطاء في أحداث الشام أصبحت ساحة كبيرة يتكلم فيها الجميع بعدما أضاع زمام الأمور بعض العلماء والمتخصصون الحكماء وضلوا طريق التصحيح الصحيح فتربص الأعداء من الداخل –المنافقون– والخارج –الغرب الكافر بقيادة أمريكا وأذنابها– وافتعلوا مايزيد الفجوة بين المجاهدين والعلماء وسعى القرار السياسي في البحث عن تحقيق المصالح المشتركة وتسابقت القنوات المُغرضة بإشعال الفتيل بين الناس ووقع الإعلام الجديد في القيل والقال فنتج عن ذلك غلق أبواب الحوار العلمي والوصول إلى نقاط يجتمع عليها الجميع.

ومن المعلوم أن أحكام وفقه الجهاد والقتال المرجع فيها علماء الشريعة, وأما سياسة الجهاد والقتال ومعرفة مجرياته على الواقع المرجع فيه إلى الخبراء والمتخصصون؛ لأن أكثر ما يضر بالمشاريع الجهادية علماء لايفقهون سياسة الجهاد والقتال وخبراء لايفقهون أحكام الجهاد والقتال.
نحن نحتاج في واقعنا المعاصر إلى تشكيل مجموعة من العلماء والمجاهدين والباحثين والمتخصصين في أحكام الجهاد والقتال ويكون لهم مركز للدراسات الشرعية والسياسية من أعماله إصدار البيانات والفتاوى ودراسة النوازل وفض الخِلافات بين الفصائل الجهادية وتقريب وجهات النظر بعيداً عن السطح الإعلامي الذي يتصيد الأخطاء وينفخ فيها بهوائه المسموم فتتلقفه بعض العقول المريضة, ويعتبر هذا المشروع في الحقيقة من المواطن التي تغيظ الأعداء, ومن المناسب أن يرى النور مع الأحداث السورية.

وختاماً... فإني أسأل الله تعالى أن يجمع كلمة العلماء والدعاة والمجاهدين على الحق والهدى, وأن يؤلف بين قلوبهم ويوحد صفوفهم, وأن يجعل جهادهم في سبيله وإعلاء كلمته, وأن ينصرهم على القوم الكافرين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


صيد الفوائد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع