..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل تهدم الثورة ما قبلها

أبو مضر

٣ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3529

هل تهدم الثورة ما قبلها
000.jpg

شـــــارك المادة

جاء في صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ((..أَتَيْتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قال فَقَبَضْتُ يَدِي قال مالك يا عَمْرُو قال: قلت أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قال تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قلت أَنْ يُغْفَرَ لي قال أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ ما كان قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كان قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ ما كان قَبْلَهُ..)).

 

 

وفي سورية الحبيبة انتشر الفساد حتى عمّ وطمّ وكثر النفاق لأهل الظلم والحكم حتى من بعض العلماء، وأصبح كثير من الناس يتباهون مَن منهم أقرب إلى جهات الأمن والفساد، وبغى كثير من الناس على بعضهم فأُكلت الحقوق، وديست الكرامة، وتكلم الرويبضة باسم العامة.
حتى أكرمنا الله تعالى بثورة مباركة، انتفض فيها الشرفاء من كل بلدة ليزيلوا عن أنفسهم ركام الذل والهوان، وليعيدوا الكرامة المسلوبة والحرية المفقودة، والأموال المنهوبة، والحقوق المغتصبة.
ووقف العالم بأسره ضد إرادة الشعب المضطهد:
فقائل عصابات إرهابية وقائل مؤامرة كونية وقائل جماعات قاعدية، ولم يفهم الكون أنه شعب أراد الحرية والانعتاق من ظلم واضطهاد وعبودية العصابات الأسدية.
ولما قويت شوكة الثوار وحققوا الانتصار تلو الانتصار وأيقن العالم أنها ثورة منصورة وأن مركب النظام الفاشي أوشك على الغرق عندها قفز الكثيرون من ذاك المركب واعتلوا موجة الثوار، بل وأرادوا أن يستلموا دفة القيادة وراحوا يتبجحون بهجاء النظام الذي تغنوا بأمجاده زمنا طويلاً...
فهل الثورة تهدم ما قبلها أم لا بد من التفريق بين من أسلم من قبل الفتح وقاتل عن الذين أسلموا من بعد وقاتلوا...
لا شك أن الكثيرين كانوا مجبرين على التعامل مع النظام وكان العلماء والخطباء والوعاظ ملزمون بالدعاء للطاغية كي يتمكنوا من مباشرة أعمالهم، ولكن هناك فرق بين من أتى أخف الضررين وبين من كان مقتنعاً بما يفعل، وكان غارقاً بالنفاق إلى آذانه...
ومنهم من كان يخطب الجمعة فدخل ضابطٌ برتبة لواء فقال الشيخ وهو يخطب الجمعة: أوسعوا لسيادة اللواء!!! والآن يزعم أنه من قادة الثوار ومن قضاة الثورة..
أليس الأولى أن يقاضي نفسه أولاً...؟؟.
يقول ابن كثير -رحمه الله-: إن من المحظورات الكبار أن تظن بأهل الفجور الخير.
ويقول الإمام الغزالي: علماء السلطان شياطين الإنس.
ويقول ابن القيم: علماء السلطان قطاع طرق.
ويقول ابن مفلح في الآداب الشرعية: كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَأْتِي الْخُلَفَاءَ وَلَا الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ وَيَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمْ، وَيَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا...
وقد سُئل عن إبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَرَوِيِّ فَقَالَ: رَجُلٌ وَسِخٌ.
وسُئل لماذا فقَالَ: مَنْ يَتْبَعُ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ فَهُوَ وَسِخٌ. ووافقه على هذا الرأي طاووس والنَخعي والثوري وابن المبارك وغيرهم.
وفي الحلية يقول سفيان الثوري: إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنه لص!
وإذا رأيته يلوذ بالأغنياء فاعلم أنه مراء! وإياك أن تُخدع ويقال لك: ترد مظلمة وتدفع عن المظلوم فإن هذه خدعة إبليس اتخذها القراء سلما".. والمراد بالقراء العلماء.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه وأبو داود والنسائي واحمد وغيرهم يقول -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَكَنَ البَادِيَةَ جَفَا، وَمَنْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنَ» وفي زيادة صحيحة عند أحمد: ((... وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنْ سُلْطَانٍ قُرْبًا إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا)).
وما ذكره الشوكاني -رحمه الله- في رسالته: رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين، وأن عدم الاتصال بهم تعطيل للشريعة وتبرير لهم بارتكاب الأخطاء والفواحش بحجة عدم وجود من يعظهم ويذكرهم... الخ.
هذا يكون لحاكم مسلم، ومن عالم رباني لا يخاف في الله لومة لائم ولا تأخذه رأفة في دين الله كالعز بن عبد السلام والأوزاعي وأمثالهم.
وليس لمن يريد الوصول للحاكم من أجل منصب معين ومصلحة معينة، ولا يأمر ولا ينهى إنما يبرر للظالم ظلمه و يسكت عن جرائمه وأفعاله وتنكيله بشعبه.. كما كان عليه البوطي وحسون وكفتارو وغيرهم ممن سكتوا عن طغيان الأسد المقبور في الثمانينيات، وكذلك على جرائم ولده الفاجر اليوم.
يقول المفكر الإسلامي محمد عمارة ما مختصره: كنت أتحدث مع شيخنا الغزالي عليه رحمة الله وجاءت الإشارة إلى أحد زملائه في مجمع البحوث الإسلامية وكان زميلاً للشيخ الغزالي في المجمع وكانت له فتاوى وشهرة كبيرة في مجال الإفتاء، ودهشت عندما قال الشيخ الغزالي عن ذلك الشيخ الشاويش فلان ولم يقل الشيخ فلان، ولما رأى استغرابي لهذا الوصف (الشاويش) قال لي إنه يعمل مع أمن الدولة..
إن وقوف العلماء على أبواب الأمراء يجرح عدالتهم، فكيف بالذين يقفون بأبواب أجهزة الأمن ويعتبرون أنفسهم أبواقاً لهم؟! اهـ.
وبناء على ما تقدم أرى –والله أعلم- أن من عمل مع النظام مضطراً محتاجاً أو مجبراً ثم انحاز إلى صفوف الحق وأهله فإن الثورة تهدم ما قبلها وعسى الله أن يتجاوز عن هفواتهم فيما مضى ويثبتهم فيما بقي.
وأما من عمل مع النظام منافقاً مرائياً متغاضياً عن ظلمه وجرائمه- وأخص العلماء- فإن الثورة لا تهدم ما قبلها وينبغي أن يجلس في بيته يبكي ما فرط في جنب الشعب المسكين وأن يتوب لله رب العالمين على سنوات أمضاها ممالئاً للطغاة الظالمين.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع