..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الأمر بالمعروف: بالترغيب والتأليف، وقد يكون بالتخويف والترهيب (لكل مقامٍ مقالٌ)

الأمين الحاج محمد أحمد

٢١ يوليو ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4244

الأمر بالمعروف: بالترغيب والتأليف، وقد يكون بالتخويف والترهيب (لكل مقامٍ مقالٌ)
والمنكر00.png

شـــــارك المادة

الحمد لله الذي شرط خيرية هذه الأمة بقيامها بالفريضة الغائبة، والشعيرة الضائعة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ باللهِ} [سورة آل عمران: 110].
وصلى الله وسلم على رسولنا الذي لم يكلف أمته ما لا طاقة لها به فقال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (مسلم رقم 49).

 


فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمَّام الأمان لهذه الأمة، وهو سفينة نجاتها، وسبيل صلاحها.
هذه الفريضة الغائبة، والشعيرة الضائعة، لها شروط وضوابط.
من أهم شروطها:

  • الصدق والإخلاص، وأن يبتغي المحتسب بعمله وجه الله.
  • أن يكون الغرض الأساس من ذلك الإصلاح.
  • العلم بما يأمر وينهى فلا يأمر ولا ينهى إلا بما اتفق عليه.

أما ضابط الأمر والنهي الأول فهو مراعاة المصلحة والمفسدة.
فإذا غلب على ظنه زوال المنكر بالكلية أو نقصانه وجب عليه الإنكار، وإن غلب على ظنه زيادة المنكر أو بقائه وجب عدم الإنكار.
وإذا استوى عنده الأمران فاختلف العلماء في ذلك، فمن أهل العلم من قال ينهى، ومنهم من قال لا ينهى، قال ذلك الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين.
تنبيهات:
هنالك ظنون وأوهام متعلقة بالأمر بالأمعروف والنهي عن المنكر يجب التنبيه عليها والتحذير منها، وهي:
1- يظن البعض هدانا الله وإياهم أنه إذا استقام في نفسه واهتدى لا يضره ضلال غيره من الناس، مستمسكاً بظاهر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة المائدة: 105].
وهذا خلاف مراد الآية تماماً.
خرَّج أهل السنن أبو داود رقم [1734]، واللفظ له، والترمذي والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا راوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه").
قال الإمام النووي (في الأذكار صـ294): (هذه الآية الكريمة مما يغتر بها كثير من الجاهلين ويحملونها على غير وجهها، بل الصواب في معناها: أنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به فلا يضركم ضلال من ضل، ومن جملة ما اُمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية قريبة المعنى من قوله تعالى: "مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ"(سورة المائدة: 99)).

2- البعض يظن أن الأمر بالمعروف لا يباشره إلاَّ العدول، ولو كان الأمر كما يظن هؤلاء ما أمر ولا نهى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستدلين بقوله تعالى: }أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{ [سورة البقرة: 44]، وقوله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ{ [سورة الصف: 2-3].
فالآمر الناهي مُطالب بأمرين، هما: ان يأمر بالمعروف ويعمل به، وأن ينهى عن المنكر، وينتهي عنه، فإن أمر ونهى ولم يلتزم بذلك، يُؤجر على أمره ونهيه، ويُحاسب على تقصيره.
لا شك أن الأولى والأكمل للآمر الناهي أن يلتزم بما أمر ونهى، ولكن إن لم يلتزم بذلك فعليه أن لا يدع الأمر والنهي، فما لا يدرك كله لا يترك جله.
فالعدالة ليست شرطاً عند أهل السنة في الآمر الناهي، بل يقول العلماء المحققون: ينبغي لأصحاب الكؤوس ان يأتمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر.

3- يظن البعض أيضاً أن الإنكار بالقلب ليس عملاً إيجابياً، بل هو عمل إيجابي بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، فمن لم يستطع الإنكار باليد واللسان فلا يحرم نفسه من أضعف الإيمان، الإنكار بالقلب.

4- يظن البعض كذلك أنه لا ينكر من قلَّ علمه أو صغرت سنه على من كَثُرَ علمه وكبرت سنه، وهذا خطأ فاحش: (لا أحد بأصغر من أن يقول لغيره: اتق الله، ولا أحد بأكبر من أنْ يُقال له: اتق الله) (العواصم والقواصم لابن الوزير اليماني جـ1/166).
لقد قال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتصلي على ابن أبيّ؟"، فنزل القرآن مؤيداً له: }وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ{ [سورة التوبة: 84].
قال الإمام إسحاق العلثي رحمه الله في إنكاره على ابن الجوزي رحمه الله لتفضيله الإنس على الملائكة وهو من الأمور التي لم يتكلم بها السلف: (ولا يغرك كثرة اطلاعك على العلوم، فرُبَّ مُبَلِّغ أوعى من سامع، ورُبَّ حامل فقه لا فقه له، ورُبَّ بحر كدر ونهرٍ صافٍ، فلست بأعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال له الإمام عمر: "أتصلي على ابن أبيّ؟"، ولو كان لا ينكر من قلَّ علمه على من كَثُر علمه إذا لتعطل الامر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل، فينكر المفضول على الفاضل، وينكر الفاجر على الولي، على تقدير معرفة الولي) (كتاب الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي جـ2/206).
قال رجل لعمر رضي الله عنه: اتق الله يا أمير المؤمنين، فقال: (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم) (مجموع رسائل ابن رجب جـ1/246).
ورُوِيَ عن الإمام أحمد أنه قيل له: إن عبدالوهاب الوراق ينكر كذا وكذا، فقال: (ما نزال بخير ما دام فينا من ينكر هذا) (المصدر السابق).

4- يسيء البعض فهم قول بعض الفقهاء: (يشترط ألا يجر النهي إلى منكر أعظم)، فيتخذه ذريعة لتعطيل هذه الفريضة بالكلية.
قال العلامة ابن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير جـ4/41)، في تفسير قوله تعالى: }وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ{ [سورة آل عمران: 104]: (للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط مبنية في الفقه والآداب الشرعية، إلاَّ إني أنبه إلى شرط ساء فهم بعض الناس فيه، وهو قول بعض الفقهاء: [يشترط ألاَّ يجر النهي إلى منكر أعظم]، وهذا شرط قد خرم مزية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واتخذه المسلمون ذريعة لترك هذا الواجب، ولقد ساء فهمهم فيه، إذ مراد مشترطه أن يتحقق الآمر أن أمره يجر إلى منكر أعظم لا أن يخاف أو يتوهم، إذ الوجوب قطعي، لا يعارضه إلاَّ ظن قوي).

5- كذلك يظن البعض أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون إلاَّ بالتأليف والترغيب، وإن كان هذا هو الأصل لكنه يمكن أن يكون الأمر والنهي بالتخويف والترهيب إذا دعت الحاجة فإن لكل مقام مقال، وضابط هذا المصلحة والمفسدة، ولهذا ينكر البعض على المحتسب إذا أغلظ واستعمل التخويف والترهيب في بعض الأحيان.
أمَّا بعد..
فما الدليل من القرآن والسنة، وأقوال الصحابة، والسلف الصالح على ذلك؟

هذا ما نريد الإشارة إليه في هذه العجالة، فنقول وبالله التوفيق (انظر الأذكار للنووي صـ315-316، والعواصم والقواصم لابن الوزير اليماني جـ1/164-167).
قال الإمام النووي رحمه الله: (ويجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وكل مؤدب أن يقول لمن يخاطبه في ذلك الأمر: ويلك، أو يا ضعيف الحال، أو يا قليل النظر لنفسه، أو يا ظالم نفسه، وما أشبه ذلك، بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظ قذف صريحاً كان أو كناية، أو تعريضاً، ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوز ما قدمناه، ويكون الغرض منه التأديب والزجر، وليكون الكلام أوقع في النفس).
وقال ابن الوزير اليماني رحمه الله: (الوعظية نوعان: التأليف والترغيب، والتخويف والترهيب.
إلى أن قال: أمَّا النوع الأول: وهو نوع التأليف والترغيب، فهو الدعاء إلى الحق بالملاطفة وضرب الأمثال، وحسن الخلق، ولين الجانب، وحسن التصرف في جذب القلوب، وتمييل النفوس، وهذا النوع أشهر من أن يبين بمثال.
وأمَّا النوع الثاني: وهو نوع التخويف والترهيب، وهو الدعاء إلى الحق بذكر الزواجر وكشف غطاء المداهنة مع المخاطب، وقد ورد ذلك وروداً كثيراً في السنة النبوية، والآثار الصحابية).
الأدلة على ذلك:
من القرآن:
ما حكاه الله على لسان موسى عليه السلام عندما استنصره أحد بني إسرائيل على عدوه القبطي: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} [سورة القصص: 18]؛ لأنه أراد أن يغويه بقتل قبطي آخر.
وكذلك قول يوسف عليه السلام لإخوته: {أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} [سورة يوسف: 77]، وذلك عندما نسبوه إلى السرقة زجرهم هذا الزجر.
وقال عز من قائل: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ *عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [سورة القلم: 10-13].
وقال سبحانه: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [سورة النساء: 34].
من السنة
خرَّج الشيخان عن أنس -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يسوق بَدَنَة، فقال: "اركبها"، فقال: إنها بدنة، قال: "اركبها"، قال: إنها بدنة، فقال في الثالثة: "اركبها ويلك".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال، بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقسم قَسْماً، أتاه ذو الخويصرة، رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟" (متفق عليه).
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن رجلاً خطب عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصمهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعصِ الله ورسوله" (مسلم).
وعن جابر -رضي الله عنهما-: أن عبداً لحاطب رضي الله عنه جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكو حاطباً، فقال: يا رسول الله: ليدخلنَّ حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت، لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية" (مسلم).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عندما قال لبلال -رضي الله عنهما: يا ابن السوداء: "إنك امرؤ فيك جاهلية" (متفق عليه، مسلم رقم [4313]).
 وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن رجلاً أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "كل بيمينك"، فقال: لا أستطيع، فقال: "لا، استطعت، ما منعه إلاَّ الكِبر"، قال: فما رفعها إلى فيه (مسلم رقم [5268]).
 هذا الرجل الذي دعا عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك صحابي، وهو بشير بن راعي العِيِر الأشجعي- رضي الله عنه- كما قال النووي -رحمه الله-.
 وقوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل: "لا ردَّها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا" (مسلم رقم [1260]).
 وفي رواية عن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نَشَد في المسجد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا وَجَدْتَ" (أحمد رقم [2344]).
 وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك" (رواه الترمذي رقم [1321]، وقال: حديث حسن، وابن حبان رقم [1650]، وإسناده صحيح كما قال محقق العواصم والقواصم).
 وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع" (أبو داود رقم [495]، وهو حديث حسن).
 قال صلى الله عليه وسلم ليهود بني قريظة: "يا إخوة القردة"، فقالوا: يا محمد ما علمناك جهولاً. وقيل: قال ذلك بعض المسلمين لهم.
 الآثار:
 فمنها:  قول أبي بكر -رضي الله عنه- لابنه عبد الرحمن -رضي الله عنه-: وذلك أن أباه ضَيَّف جماعة، وأجلسهم في منزله، وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتاخر رجوعه، فقال: (أعشيتموهم؟)، قالوا: لا، فأقبل على ابنه عبد الرحمن فقال: يا غنثر –الثقيل الوخم– فَجَدَّع وسبَّ (متفق عليه، البخاري رقم [602]، ومسلم رقم [5365]).
 رد أبي بكر الصديق رضي الله عنه على عروة بن مسعود عندما جاء مفاوضاً عن قريش في الحديبية، ونال من الصحابة قائلاً: (أرأيت لو استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟، وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوهاً، وأرى أوشاباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك.
 فقال له أبو بكر: أمصص بظر اللات، أنحن نفرعنه وندعه.
 قال: من ذا؟، قالوا: أبوبكر.
 قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك، وجعل يكلم النبي –صلى الله عليه وسلم– وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- عند رأس النبي–صلى الله عليه وسلم–، ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة إلى لحية النبي –صلى الله عليه وسلم– ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله) (صحيح البخاري، وزاد المعاد جـ3/292-293).
  فأنت ترى أن عروة عندما وصف الصحابة بهذا الوصف الذي لا يليق بهم، رد عليه أبوبكر بهذا الرد القاسي، وأفحش عليه فيه على الرغم من أنه كان عف اللسان، ليس بفاحش ولا متفحش.
 قول عليّ لابن عباس -رضي الله عنهم- حين راجعه في متعة النساء، التي هي أخت الزنا: (إنك امرؤ تائه) (مسلم رقم [3432])، لكن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن هذا القول، ولم يثبت عليه بعد نسخه إلاَّ الشيعة الأمامية.
 وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- لنوف البكالي في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، عندما قال نوف: إنه ليس موسى بني إسرائيل (كذب نوف) (مسلم).
 وعندما ناظر عليّ عثمان رضي الله عنهما في جواز العمرة في أشهر الحج ولم يرجع عثمان ما كان من عليّ إلاَّ أن قال: لبيك عمرة.
 زجر، وسب، وضرب، وهجران ابن عمر لابنه بلال عندما روى ابن عمر الحديث: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، فقال بلال من باب الغيرة: أما أنا فأمنع.
 قول عليّ -رضي الله عنه- لمصقلة: فعَل فِعْل السادة، وفرَّ فِرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته، وما صدَّق واصفه حتى بكته: "وذلك لأنه كان مع عليَّ ثمَّ تحول إلى معاوية وكان معه في صِفِّين، ثمَّ ولاَّه معاوية طبرستان وقُتِل هنالك سنة 50 هجرية".
 قول عائشة -رضي الله عنها- لعروة ابن الزبير عندما سألها عن قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} [سورة يوسف: 110]، قالت عائشة: (بل كذبهم قومهم)، فقلت: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن.
 فقالت: "يا عُرَية، لقد استيقنوا بذلك..." (صحيح البخاري رقم [3389]).
قول مالك لتلميذ عمرو بن عبيد المعتزلي: (وما أراك إلاَّ ضالاً فأخرجوه عني).
 وقول الإمام الشافعي رحمه الله لحفص الفرد، وقد لقبه بالمنفرد: كفرت ورب الكعبة، عندما قال له القرآن مخلوق، وكذلك عندما جاء عائداً له وقال: أعرفتني؟، فقال له: لا حيَّاك الله ولا بيَّاك وإياك أن تأتيني مرة ثانية، أو كما قال.
 ما قاله عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه- لما ذهب يخرص ليهود خيبر وعرضوا عليه الرِّشوة: "والله لأنتم أبغض الخلق إليّ، وجئتكم من عند أحب الخلق إليّ، ولن يحملني بغضي لكم، ولا حبي له أن أحيف فيكم، فإما أن تأخذوا بنصف ما قدرت، وإما أن تكفوا أيديكم ولكم نصف ما قدرت؟".
 فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض –أي بالعدل– .
 قال ابن الوزير: (وفي هذا النوع أقسام –أي الوعظ بالتخويف والترهيب– منه ما يقع مع أهل المعاصي، ويتضمن الذم لهم، والدعاء عليهم.
 ومنه ما يكون مع أهل العلم والفضل، ولكن على سبيل التأديب، ومنه ما يكون على جهة التنبيه لأهل الفضل والعلم بقوارع الكلام الموقظة على سبيل الحدة في الموجدة والموعظة.
 إلى أنْ قال:
 واعلم أن للزجر والتخويف بالألفاظ الغليظة، شروطاً أربعة:
 شرطين في الإباحة: وهما ألاَّ يكون المزجور محقاً في قوله أو فعله، وأن لا يكون الزاجر كاذباً في قوله، فلا يُقال لمن ارتكب مكروهاً: يا عاصي، ولا لمن ارتكب ذنباً لا يعلم كِبَرُه: يا فاسق، ولا لصاحب الفسق من المسلمين: يا كافر، ونحو ذلك.
 وشرطين في الندب: وهما أن يظن المتكلم أن الشدة أقرب إلى قبول الخصم للحق، أو إلى وضوح الدليل عليه، وأن يفعل ذلك بنية صحيحة، ولا يفعله لمجرد داعية الطبيعة.
 فإن قلت: فكيف تكون الشدة أقرب إلى القبول؟، قلت: قد يكون كذلك في بعض المواضع، مثل أن يقع مع الصالح الخاشع المتواضع، وذلك قليل).
 ينبغي للآمر الناصح أن يختار الوسيلة التي تناسب المنصوح، وألاَّ يستعمل الشدة إلاَّ عند الحاجة، فالرفق ما دخل شيئاً إلاَّ زانه، وما فارق شيئاً إلاَّ شانه، ولله در أبو الطيب حين قال:
 ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
 قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [سورة النحل: 125]:
(هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف. وهكذا ينبغي أن يوعظ إلى يوم القيامة، فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين. وقد قيل: إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة، والله أعلم) (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ10/200).
 اللهم يسرنا لليسرى، وانفعنا بالذكرى، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا ذي الخلق العظيم، وعلى آله وصحبه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.
 
البيان

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع