..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أجل، أنها حرب سنّية- شيعية شاملة في المنطقة (الحلقة الثانية)

سعد محيو

١٢ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6496

أجل، أنها حرب سنّية- شيعية شاملة في المنطقة (الحلقة الثانية)
-500x300.jpg

شـــــارك المادة

 

- I -

أشرنا بالأمس إلى أن "الحرب الأهلية الإسلامية" الراهنة بين السنّة والشيعة لاتجري في فراغ، بل في إطار تخطيط أو على الأقل توجهات أميركية- إسرائيلية، وسنقول اليوم لماذا.
في أواخر آذار\ مارس 2006، ابتعثت " لوموند" موفداً إلى بغداد لدراسة جوانب الوضع العراقي، خاصة منه احتمالات الحرب الأهلية.
بعدها أيام قليلة، كان الموفد يرسل أولى تقاريره مشفوعة بالخلاصة الآتية: " أميركا في العراق (وبالتالي في باقي الشرق الأوسط الإسلامي) اكتشفت سلاحاً أخطر من أسلحة الدمار الشامل: الحرب المذهبية داخل الإسلام، بين السنّة والشيعة".
خلاصة مخيفة؟ 
بالتأكيد. لكنها حقيقية.
فالسؤال في المنطقة العربية والعالم الإسلامي الآن لم يعد: هل ينجح الغرب في تفجير اللغم المذهبي في العالم الإسلامي، بل إلى أي مدى، لأن اللغم انفجر بالفعل.
ويكفي للتأكد التلفّت حولنا قليلاً . حينها سنصطدم سريعاً بجملة حقائق دفعة واحدة على كل الصعد الأكاديمية والإعلامية والسياسية، وبالطبع الفكرية والثقافية ، التي تصب في هذا الاتجاه.
على سبيل المثال ، اشتكى لكاتب هذه السطور مؤخراً صديق أكاديمي  يعمل بروفسوراً في أحد جامعات باريس الكبرى، شكوى مرّة من إصرار زملائه الأساتذة الفرنسيين على توجيه طلابهم العرب والمسلمين إلى دراسة الطوائف والمذاهب والعشائر المفتتة لبلدانهم، بدل دراسة المفاهيم والعناصر الموحّدة للأمة والشعوب تاريخاً وحاضراً.
استنتاج البروفسور:

الجسم الأكاديمي الغربي يتحّرك إما بدافع استشراقي – استعماري كذلك الذي حذّر منه إدوارد سعيد، عبر تطبيق نظريات الأنثروبولوجيا على شعوب الشرق ( التي تتحّول حينها إلى حيوانات اختبار )، أو بحافز غير بريء  هو خدمة سياسات القادة الغربيين التقسيمية الجديدة في المنطقة.
وعلى سبيل المثال أيضاً، نشر الكاتب البريطاني البارز مارتن وولاكوت مقالاً في"الغارديان" حمل العنوان المثير: " كيف أساء الغرب فهم الشرق ؟ ". لكن من يبدأ بقراءة المقال، سرعان ما يصدم حين يعلم أن سوء الفهم هذا  يكمن، برأي الكاتب،  في عدم تركيز الغرب على استخدام  الصراع السنّي- الشيعي كمفتاح لتحليل كل ما يجري في الشرق الأوسط.
وهكذا ، يفسّر وولاكوت كل ما يحدث راهناً في المنطقة على أنه مجرد صدام مذهبي، مروراً حتى بخلافات إيران الشيعية مع أميركا البروتستانتية !.

- II -

بالطبع، لسنا هنا في وراد نفي وجود خلافات أو حتى الصراعات على السلطة بين السنّة والشيعة، خاصة في العراق.  فهذه باتت الآن، وبعد الكوارث التي حلّت بالقوى الحديثة من ليبرالية وعلمانية وقومية وماركسية، مجرد تحصيل حاصل.
 بيد أن هذا شيء، وإعادة قراءة كل التاريخ الراهن على هدي الفتنة المذهبية، شيء آخر مختلف تماماً. هنا لا تصبح العوامل الداخلية هي وحدها الأمر الحاسم ، بل يناط الأمر أيضاً  بالعوامل الخارجية. هنا يصبح لنظرية " اللااستقرار البناء " الذي أطلقها الباحث الأميركي روبرت ساتلفوف وتبنتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، معنى وحيداً: تفجير البنى الاجتماعية العربية،  ليس لبناء الديمقراطية فوق أشلائها، بل لتأبيد الحروب الأهلية المذهبية "غير البناءة " فيها .
الأدلة؟ إنها أكثر من أن تحصى. وهذه بعضها:
-- في صيف 2004، " نشر  "مجلس العلاقات الخارجية"  الأميركي، وهو أهم مركز أبحاث في الولايات المتحدة دراسة مطولة عن آفاق الحرب في بلاد الرافدين، خرج منها بالخلاصة الآتية: "  العراق، وعلى عكس فيتنام، منقسم إلى سنّة وشيعة، الأمر الذي يخلق ميزان عداوات داخلية لا مقاومة واحدة، و"يغري "  الولايات المتحدة لمواصلة التدخل هناك بشتى الطرق.
"يغري " الولايات المتحدة ؟.
أجل، ويغويها أيضاً. وهذا من طبائع الأمور السياسية، وسنن الحياة الدولية.
 فإذا ما أرادت قوة خارجية غزو قوة محلية وضرب جهاز المناعة والممانعة فيها، ليس أمامها سوى  خيار من اثنين: إما إلحاق الهزيمة الكاملة والماحقة من الخارج  بالمجتمع المعني، وليس فقط الدولة، ودفعه إلى الاستسلام واليأس ( كما فعلت أميركا مع ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية) ، أو تفجير هذا المجتمع من الداخل ( كما فعلت بريطانيا في شبه القارة الهندية وفلسطين والملايو، وفرنسا في سوريا ولبنان وبلدان المغرب العربي).
وبما أن واشنطن لم تهزم المجتمع العراقي، فبديهي أنها عملت على تفجيره. وهذا البديهي هو الذي حدث، منذ أن حلّت الإدارة الأميركية الجيش ومؤسسات الدولة.

لا بل حدث إبان الاحتلال الأميركي ما هو أدهى من النسيان: معظم الأطراف السنيّة والشيعية العراقية، بما في ذلك حتى بعض فصائل المقاومة البعثية، تسابقت على كسب ود السفارة الأميركية، ثم اتهمت بعضها البعض بأنها السباّقة إلى هذا الود. هذا في حين كان المندوب السامي الإمبراطوري الأميركي زالماي خليل زاد ينغمس في حفر الأفخاخ السياسية والدستورية (والبعض يقول أيضاً  الأمنية " الزرقاوية "  و " المهداوية " )  لكل هذه الأطراف كي تقع في النهاية في ما ليس منه مفر: الانفجار المجتمعي الداخلي.

- III -

 تفجير الحروب الأهلية المذهبية في أنحاء  الشرق الإسلامي، كانت الطريقة الأمثل  لتوجيه سهام " الإرهاب" بعيداً عن صدور الغربيين وقريباً نحو صدور الشرقيين. وبما أن الإسلام منشطر إلى سنّة وشيعة منذ نيف وألف سنة، كان من المغري كثيرا طلي  تباين الاجتهادات بينهم باللون الأحمر القاني.
والمدخل إلى كل ذلك كان، ولايزال، العراق.
لماذا؟


(يتبع الحلقة الثالثة)

 

 

اليوم غدا

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع