جمال قارصلي
تصدير المادة
المشاهدات : 6701
شـــــارك المادة
ما نعيشه الآن من أحداث أليمة في سوريا لم يكتبه التاريخ من قبل، ولن نجد حالة مشابهة له ولو دققنا في أعتم وأظلم طيات التاريخ وصفحاته. لم يكتب التاريخ من قبل عن حاكم دمر بلده وقتل «شعبه» بواسطة صواريخ باليستية، وأسقط عليهم ولمدة أشهر طويلة قنابل عنقودية وفراغية وما يسمى بالبرميلية، مدعيا أنه يحارب عصابات إرهابية وجهاديين أجانب.
ما يتم الآن في سوريا هو تدمير عشوائي بامتياز للوطن والمواطن.. تدمير يفتك بالحجر والبشر.. طائرات حربية ترمي حمم نيرانها على مدن سورية مكتظة بالسكان الآمنين والمشغولين بكسب لقمة عيشهم اليومية، وهي غير مكترثة على رأس من ستسقط هذه الويلات والمصائب. إضافة إلى ذلك يطلق الجيش النظامي السوري صواريخ الجولان الباليستية من أقصى جنوب البلاد إلى أقصى شمالها خاصة على مدينة حلب وريفها، وأثناء سقوطها لا تفرق بين معارض وموال، أو ثائر وشبيح، أو حي شعبي وثكنة عسكرية. في الآونة الأخيرة وصل بنا الحال إلى وضع يدعو للشفقة، وأصبحنا نشعر بنوع من السعادة عندما نفيق باكرا ونطمئن إلى أن أهلنا بخير، وأنه لا أحد في الليلة الماضية من أقاربنا أو أصدقائنا أو أحبتنا قد قُتل أو دُمر بيته أو كان ضحية أحد أعمال «النظام» الوحشية. بهذا العمل الشنيع سيدخل بشار الأسد التاريخ كمجرم حرب ضد «شعبه» والإنسانية. سيدخل التاريخ من بابه المظلم الداكن.. باب سلكه قبله أشخاص قد تشمئز النفوس عند ذكر أسمائها، مثل نيرون روما، وهتلر وموسوليني وفرانكو وكثيرين آخرين في المقابر، ومنهم من أبت شعوبهم أن تكون لهم قبور على أراضيها. رغم كل هذه الأنواع من العنف التي يستخدمها الرئيس السوري ضد «شعبه» لا يزال كثير من الناس يبررون مواقفهم المناصرة له، ويتذرعون تارة بالمقاومة وتارة بالمؤامرة وتارة بالتطرف الإسلامي وتارة أخرى بالمصالح الاستراتيجية. ما يحصل في العالم الآن هو حقا مؤامرة كونية ولكن ليس على «النظام» بل على الثورة السورية. هل يستطيع أحد أن يفهم موقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مما يحصل في سوريا؟ هنالك علامات استفهام كثيرة وكبيرة حول تقاعسه باتجاه ما يقوم به نظام سوريا وزبانيته. هل يستطيع أحد أن يفهم لماذا حصل هذا الانقلاب الفظيع في الموقف الفرنسي في الأسابيع القليلة الماضية باتجاه الثورة السورية؟ أو ما هي أسباب التقارب الروسي - الأردني في الآونة الأخيرة؟ أو لماذا تترك الثورة السورية يتيمة بهذا الشكل؟ لو قارنا ما يحصل في سوريا الآن وما حصل في عام 1991 عندما أطلق العراق بعض الصواريخ الباليستية على إسرائيل: في ذلك التاريخ سارع كثير من السياسيين في العالم لمساندة هذا الكيان والوقوف إلى جانبه، وكان على رأسهم وزير الدفاع الألماني آنذاك (غيرهارد شتولتنبرغ) الذي قدم شيكا للحكومة الإسرائيلية بمبلغ قدره 800 مليون مارك كتعويض عن الخسائر التي أصابت إسرائيل من هذا القصف، وكانت ذريعة الحكومة الألمانية لهذا الدعم هي أن شركة ألمانية كانت قد أسهمت في تطوير هذه النوعية من الصاروخ. هذا الكرم الحاتمي الذي قدمته الحكومة الألمانية لإسرائيل لم يفهمه كثير من الألمان آنذاك، لأنه كان معروفا بأن هذا القصف قد سبب، إلى جانب بعض الأضرار المادية، موت رجل واحد فقط وهو الذي مات بسكتة قلبية أصابته على أثر سقوط صاروخ «سكود» ليس بعيدا عنه. الآن تسقط على الشعب السوري كل يوم عشرات الصواريخ الباليستية (سكود - الجولان) تاركة خلفها الكثير من الدمار والمئات من الضحايا الأبرياء، وعلى الرغم من ذلك لا يزال الكثير من ساسة العالم ينظرون إلى ما يحصل في سوريا بنوع من اللامبالاة واللامسؤولية، ولم يحسموا أمرهم بعد في هذه القضية. التاريخ علمنا بأن للبشر قيم (أثمان) مختلفة، فمنهم الغالي ومنهم الرخيص. الذين ماتوا بسبب عملية إسقاط الطائرة الأميركية «لوكربي» كان تعويض (دية) كل واحد منهم ثلاثة ملايين دولار.. أما في المقابل فكان ثمن (دية) المواطن العراقي أو الأفغاني الذي تقتله القوات الأميركية وعلى أرضه مائتي دولار فقط. هذا يعني أن قيمة الإنسان «المتحضر» تعادل 15000 ضعف الإنسان «غير المتحضر». وقياسا على هذا المبدأ بات واضحا أن ثمن المواطن السوري الآن أصبح رخيصا جدا في بورصة أوباما وميركل وهولاند وغيرهم من الذين يدعون حرصهم على كرامة الإنسان .. حتى لفظهم لكلمات مثل: «أوقف قتل الأبرياء»، أو «ارحل»، أصبح يكلفهم كثيرا، وكأن ذلك فوق قيمة المواطن السوري. الدم السوري ليس رخيصا، وثوار سوريا الأبطال يدفعون بدمائهم الزكية الطاهرة ثمن الحرية والكرامة، ولا يهمهم ما يقوله هؤلاء الزعماء، ولن يتراجعوا عن هدفهم ولو تآمر الكون كله عليهم، لأنهم على يقين تام من أن التاريخ في القريب العاجل سيكتب: مع بداية الثورة السورية تغيرت خريطة العالم وبزغ فجر إنسانية جديد!
الشرق الاوسط
لبيب النحاس
محمد غريبو
عامر راشد
إحسان الفقيه
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة