..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الطائفة العلوية في سورية و صراع البقاء

سلوى الوفائي

٥ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7757

الطائفة العلوية في سورية و صراع البقاء
-بشار-الأسد1.jpg

شـــــارك المادة

الطائفة العلوية في سورية وصراع البقاء "الأسد أو نحرق البلد" ليس مجرد شعار تباهى به المنحبكجية الموالون للعصابة الأسدية.
بل هو كلمات تحمل وراءها جثثاً قتلها الجهل، وسعى لدفنها خلف ذاكرته وحاول جاهداً أن يكون النسيان مثواها الأخير.
اصطدم هذا الشعار منذ بداية الثورة السورية بشعارات الحرية التي نادى بها أبناء الشعب السوري الذين رسموا لوحة أمل وردية و ساروا على ضوء مشاعل الصبر كي يحققوا حلماً بعيداً في خاطر الوجدان آن له أن يتجسّد واقعاً ملموساً.


وظلّ الموالون للعصابة الأسدية يغلقون كلّ الدروب التي حاول طلاب الحرية أن يسلكوها وكلّما شقّوا طريقاً في جبال المستحيل وجدوا حماة شعار "الأسد أو نحرق البلد" واقفون في آخر الدرب فاتحين أذرعهم لاصطيادهم والفتك بهم وأكثرهم لم يكن على يقين تام بما يملك من حيثيات الفتك لكنهم كانوا يؤمنون بنبل التهمة التي ألصقوها بطلاب الحرية (تهمة العصابة المسلحة المخربة) وأصبحت هذه التهمة مزيجاً من الغباء وغريزة البقاء.
وتوالت المجازر وسط توالي صمت العالم عنها، وتمادى الطاغية وأعوانه أكثر فأكثر، ولم يكتف بالقنص والاستهداف بالرصاص والمدافع والقاذفات والراجمات بل تعداها إلى استخدام البراميل المتفجرة ذات القوة المضاعفة في الفتك واستخدام صورايخ سكود البعيدة المدى وتجاوز كلّ الخطوط الحمراء باستخدامه للسلاح الكيماوي الذي خنق أطفال حمص، دون أن تحرك مشاهد القتل والدمار الضمير الجمعي للعالم الإنساني فسقطت كلّ شعارات حقوق الإنسان الزائفة وظهر نفاق المجتمع الدولي لأول مرة جلياً واضحاً.
ولعلّ أسوأ المجازر التي ارتكبها السفّاح هي تلك التي استعمل فيها السلاح الأبيض (السكاكين والخناجر) لتعذيب الضحية حتى الموت بصور وفيديوهات انتشرت على اليوتيوب وموقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، وأثارت حفيظة كلّ أصحاب الضمائر واستنكارهم إلى حدّ الغثيان، بل إلى حدّ الموت قهراً لهول ما رأينا من فظائع وجرائم وحشية ضد البشرية لا يقوى على ارتكابها إلا ذوي القلوب الميتة و الضمائر العفنة.
هزّتنا تلك الصور بعنف وأحدث فجوة كبيرة وانقساماً حقيقياً بين أبناء الشعب السوري بين طائفتين (الموالون للأسد) المجرمون القتلة والطائفة السنّية التي ينتمي إليها الشريحة الأعظم من الضحايا وتعالت أصوات المطالبين بالثأر والانتقام وحقّ لهم ذلك بعد ما عاشوه ورأوه من فظائع يندى لها جبين الإنسانية.
وقد بدأت ظاهرة الذبح بالسكين في حمص تحديداً في مجزرة بابا عمرو وتلتها مجزرة كرم الزيتون ثم الحولة والتريسمة والقبير وداريا و ليس آخرها مجرزة حلفايا التي مزجت الخبز بالدماء الطاهرة ومجزرة تلبيسة والمليحة والقائمة تطول وتطول.
ومن أعجب الأمور التي يكاد العقل يرفض تصديقها هو كمّ الحقد والعنف والكراهية التي عبر عنها الموالون للأسد بأفعالهم وأقوالهم والتي تأبى وحوش الفلاة أن تأتي بمثلها، فما هي تركيبة هؤلاء القتلة وما هي دوافعهم للإجرام؟
من أيّ تربة جُبلت نفوسهم ومن أيّ معدن قُدّت؟
وهل هو سلوك عدواني فطري موروث في الذاكرة الجمعية لأبناء الطائفة الموالية أم هي حالة تشوّه جينات و غسيل أدمغة تعرضوا مدروسة تعرضوا لها فحولتهم إلى وحوش كاسرة؟
يذكر الكاتب عزام أمين محمد أربع دوافع نفسية خلف ارتكاب تلك المجازر باسم الولاء للأسد و هي:
1- التماهي بالمعتدي
2- الخوف من المجهول
3- الخوف من الحرية
4- الخوف الرهابي من الطائفة السنّية.
إذ يتماهى الموالون في شخصية الأسد ويجدون فيه وسيلة لرفع مستوى التقدير الذاتي المنخفض أصلاً لديهم نتيجة عهود من القمع والرضوخ ألغت كياناتهم وشخصياتهم وعززت لديهم الشعور بالدونية، فيرون في شخصية المستعبد لهم ردّ اعتبار للأنا المجروحة والشخصية المشروخة تجلى في شعار "منحبك" وكلّما ازدادوا عبودية له ارتفع تقدير الذات عندهم لذا يحاربون كلّ ما يتناوله ويسيء إليه ويدافعون عنه دفاعاً مستميتاً ويفخرون بالعبودية له التي تظهرها بوضوح صور السجود على صورته وتقبيلها ووضع البوط العسكري على رؤوسهم والتباهي به، وكلّما ازداد طغيانه واستبداده ازدادت حالة انفصام الشخصية لديهم بين الإعجاب به نتيجة لضعف تقديرهم الذاتي والتعلق به كمخلص وبين كرهه والخوف منه الذي يحاولون إخفاءه وتجاهله.
وهذا الشعور يعتبر من أقوى عوامل مقاومة التغيير والتحرر.
وانطلاقاً من فكرة الانتماء للأقليات التي عمل حافظ الأسد على ترسيخها في أذهان فئات الشعب السوري المختلفة، وعلى بثّ كلّ عوامل التفرقة والكراهية والخوف من الأكثرية الساحقة، يعاني الموالوان للأسد من فوبيا الخوف من المجهول، الخوف على مصيرهم كأقليات سورية، والحرص على استمرار التمتع بالحقوق والميزات والمصالح التي كانوا أول المستفيدين منها في بلد هضم حقوق الأكثرية وهمّشهم لصالح الحفاظ على سيادة الطائفة وهيمنتها، وككل أنظمة الحكم المنبسقة من الأقليات عمد الأسد إلى توطيد حكمه بالتحالف مع القوى الخارجية ضدّ مصالح القوى الشعبية الداخلية، فباع الجولان لإسرائيل استرضاء لها ولقوى التحالف الاستعماري الغربي، وتحالف مع حزب الشيطان وإيران ذات التوجه الشعوبي الفارسي الصفوي و أسس له امبراطوية من التحالفات الاقتصادية الأخرى مع عدد من دول العالم وكلّها في سبيل دعم حكمه المتهالك الضعيف الذي لا يستند على شرعية داخلية ورضا شعبي جماهيري.
فكيف يقبل أبناء الطائفة الموالية للأسد التخلي عن هذه الميزات التي منحتهم الشعور بالأمان المزيف ففضلوه على الحرية الفردية و الكرامة والكبرياء؟
إن الحاجة للأمان هي ثاني الحاجات الإنسانية في سلم أبراهام ماسلو (1943) الشهير وهي تأتي بعد الحاجات الفسيولوجية الأولية وقبل حاجات الحب وتقدير الذات وتحقيق الذات والحاجات المعرفية.
وهذا ما أدركته تماماً الأنظمة الديكتاتورية عندما لجأت للمعادلة الشهيرة “الحرية أو الأمان”، فأشاعت وبطريقة ممنهجة الفوضى والجريمة عندما انتفضت عليها شعوبها ثمّ اتخذت القمع والاستبداد وسيلة لفرض الأمان مقابل مصادرة الحريات.
لهذا أصبحت الحرية تلك الشبح الذي يخشونه كما يخشى الأطفال "البعبع" في القصص الطفولية والخيال الطفولي ولهذا سمعناهم مراراً يكررون عبارة "هاي هي الحرية اللي بدكن إياها" مع محاولة إيهام الضحية أنّ الحرية لا تليق بها وأنّها وبال عليهم ستودي بحياتهم.
فأصبحوا بعد عهود من الرضوخ والانقياد الأعمى للرمز القائد عاجزين عن التحرر والانطلاق في فضاء الحرية الرحب كطفل يمسك يد والده في زحمة الأسواق بقوة وتشبث ويخشى إن أفلتها أن يضلّ الطريق ويتوه في الزحمة.
والحرية مسؤولية تتطلب تقديراً عالياً للذات وثقة بالنفس وإرادة فولاذية ومقومات علمية وثقافية وضوابط شرعية قانونية لا يتمتع بها الموالون للقائد بالطاعة العمياء.
كلّ هذه العوامل اجتمعت لتكرس في عقلية المؤيد الخوف من الآخر الذي يتجسد في الطائفة السنية ولاشكّ أنّ الأسد قد أتقن لعبة تأجيج الطائفية بجدارة وخلق الفتنة عامداً متعمداً وأثار مخاوف الأقليات تجاه الأكثرية تجلّت بوضوح في عبارة السخرية من الشيخ العرعور وقناة صفا والوصال ووصف الثائرين الأحرار بالعراعير، وملاحقتهم وتعذيبهم والتنكيل بهم أصبحت متعتهم اليومية، ويعرف علم النفس الطائفية على أنها السلوك العدواني تجاه شخصٍ ما أومجموعةٍ ما بسبب انتمائهم الديني.
وكلمة سلوك عدواني تعني هنا: فكرة سلبية، موقف سلبي مُسبق، صورة سلبية نمطية، شعور سلبي، …
ويشكل العدوان الجسدي واللفظي تعبيراً عن هذا السلوك شهدناه مراراً في فيديوهات التعذيب حتى الموت التي مارسها المؤيدون ضدّ أبناء الطائفة السنّية عموماً وكلّ من ثار ضدّ حكم الأقلية.
وتبقى طائفية الأكثرية ردة فعلٍ على حالة يشعر بها الفرد بالغبن والظلم تزول بزوال هذه الحالة، بينما طائفية الأقليات فهي الأكثر شراسة وعنفاً وعدوانية وناتجة عن خوف عميق كامن في المساحة اللاشعورية من الذاكرة الجمعية.
وكي يبرر المؤيدون موقفهم هذا لجئوا إلى أربع استراتيجيات واضحة وهي:
1- تبني نظرية المؤامرة حيث يدّعون أن الثورة قامت بفعل موجه خارجي مدروس ومدبر يضمر إرادة خفية في زعزعة أمن الوطن والمواطنين ولم تقم من الداخل فقالوا أن ما يحدث في سورية هو مؤامرة كونية وأنكروا وجود الثورة على أرض الواقع بادعاء (الفبركة) الإعلامية تجسّدت في أعلى صورها في فكرة المجسمات القطرية.
وبالتالي إلقاء التهم على المفبركين والمدبرين وتحميلهم مسؤولية ما يحدث كاتهام (سعد وحمد وبندر....) وأصبح تعريف الشريف هو كل من يدافع عن النظام والخائن هو من ثار ضد النظام.
2- تبني فكرة الإنكار لما يحدث من خلال إشاعة شعار "الأزمة خلصت وسورية بخير" وإنكار المظاهرات والاحتجاجات وإظهار الشعب السوري وكأنه يعيش حياة طبيعية.
ساعد الإعلام السوري الرسمي كثيراً في تجسيد هذه الفكرة من خلال تجاهله للأحداث واستمرار بثّ البرامج التقليدية على القنوات الفضائية وكأن البلد لا يعيش حالة حرب حقيقية.
3- عمدوا إلى استراتيجية قلب الحقائق باختراع نظرية العصابات المسلحة.
فكل ما يحدث في سورية من قتل وترويع ودمار هو من فعل العصابات المسلحة وكلّ الضحايا هم ضحايا العصابات المسلحة ولا ينسون أن يتباكوا عليهم ويمعنوا في الحزن على تخريب الوطن و ترويع المواطنين الآمنين.
4- لجئوا إلى سياسة الانتقائية في نقل الخبر فما كان يخدم نظريتهم وأفكارهم نقلوه وما كان مغايراً لها تجاهلوه، فسلطوا الضوء مثلاً على بعض الشعارات الطائفية النادرة في بعض المناطق الساخنة وتجاهلوا آلاف المظاهرات التي نادت (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد).
و خلاصة القول:
إنّ كلّ ما نشاهده من فظائع يرتكبها المؤيدون للعصابة الأسدية نابع بشكل أو بآخر من غريزة البقاء، ودفاعهم المستميت عنه لا يمكن تفسيره على أنه عشق لا ينتهي، و لعلّهم في أحاديثهم السرّية يلعنونه ويمقتونه حدّ الموت لكنّهم عميت أبصارهم فظنّوا أنّ وجودهم مرهون بوجده ولم يدركوا حتى اللحظة أنّهم يخوضون معركة خاسرة ويراهنون على بغل خاسر ولعلّهم أكثر من سيدفع فاتورة الدم المراق والخراب المتعمد بعد أن يرحل الرمز هارباً بجلده من موت محتّم.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع