..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

العقدة الساداتية: يتدحرج بشار.. فيتهاوى فلاديمير وينكمش أحمدي نجاد

فؤاد مطر

٦ يناير ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6603

 العقدة الساداتية: يتدحرج بشار.. فيتهاوى فلاديمير وينكمش أحمدي نجاد
مطر1.gif

شـــــارك المادة

تتعامل روسيا في الموضوع السوري وبما يتعلق برأس النظام مثل التعامل الذي تقوم به شركة كبرى إزاء أحد أهم المديرين فيها الذي تصافق على ظهر الشركة طمعا بمردود الصفقة التي أبرمها لمصلحته أو تجاوز الأصول متسببا للشركة بخسائر ضخمة وسمعة بالغة السوء، فتجد نفسها تقرر إعطاء هذا المدير إجازة مفتوحة بحيث إما تهدأ العاصفة فيستأنف هذا المدير عمله وإما تكون خلال هذه الإجازة استنبطت أسلوب إدارة يعوضها ما خسرته ويملأ هذا الأسلوب فراغ ذلك المدير.


وما نعنيه بالإجازة المفتوحة بالنسبة إلى الرئيس بشار الأسد هو تحويله إلى شخص يترأس إنما لا يحكم فلا يمارس بالتالي كل هذه الممارسات التي حولت النظام إلى مجموعة منتقمين تعكس المشاهد التي تبثها الفضائيات بالصوت والصورة مدى البغضاء المتبادلة بين أهل النظام والشعب.
أما الذي يدير شؤون البلاد والعباد فإنها الحكومة الانتقالية بصلاحيات رئيس الدولة..
مما يجعل روسيا تجترح هذا الحل العجيب من دون أن يستوقف رئيسها أن ما كان جائزا في الأشهر الثلاثة الأولى للأزمة السورية لم يعد ممكنا بعد انقضاء سنتين من الفواجع المتتالية وبلوغ عدد الضحايا ستين ألفا وفق تقرير أممي موثوق لا يشمل أعداد اللاجئين والمشردين ولا الخسائر المادية، كما أن الذي يجعل روسيا تجترح هذا الحل العجيب هو أن الحضور الوحيد المؤثر لها خارج حدودها يقتصر على الورقة السورية وبالذات العلاقة مع النظام وهي بعد السنوات الثلاث الأولى من تسلم الرئيس بشار الحكم وارثا والده الرئيس حافظ الأسد لاحظت أن الالتفاف الأميركي - الأوروبي حول الرئيس بشار ثم كثرة الزيارات المتبادلة بينه وبين الدول الأوروبية ذات التأثير وبالذات بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا يمكن أن يتطور بحيث يقلص من أهميتها، كما لاحظت الترويض اللافت من جانب الإدارة الأميركية لاستقطاب الرئيس بشار وذلك من خلال إيفاد أكثر من مسؤول أميركي إلى دمشق للتمهيد لزيارة يقوم بها إلى البيت الأبيض استكمالا للقاءات منتصف الطريق في جنيف بين والده والرئيس الأسبق بيل كلينتون.
وفي ضوء تحليل لما يمكن أن يحدث مستقبلا وضع الرئيس بوتين في الحسبان احتمال أن يتطور هذا الالتفاف الأوروبي - الأميركي حول الرئيس بشار إلى لحظة مفاجئة وبقرار «بشار الصديق» اعتماد لعبة الرئيس أنور السادات عندما فاجأ قادة الكرملين وهم في ذروة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة ويملكون ورقة الوجود العسكري في مصر نتيجة العلاقة الوثيقة مع عبد الناصر (بضع طائرات مقاتلة ميغ متطورة ومائة طيار من النخبة في سلاح الجو السوفياتي ونحو ألف خبير دفاع جوي وصاروخي وبضع محطات إطلاق صواريخ ورادار وكلها من النوع المتطور على أساس أنها في عهدة السوفيات) بأنه وتجاوبا مع مغريات جاءته من وزير خارجية الولايات المتحدة زمنذاك الدكتور هنري كيسنجر أبلغ وزير الدفاع الفريق محمد أحمد صادق يوم 7 يوليو (تموز) 1972 بأمر إخراج الخبراء السوفيات (أي قبل أربعة عشر شهرا من موعد قرره من دون الإفصاح عنه لخوض حرب تحرير سيناء وإنهاء احتلال إسرائيل للضفة الشرقية من قناة السويس الشريان الاقتصادي المهم الذي عطلته إسرائيل متسببة في فقدان مصر عوائد مليارية).
وبلغت المفاجأة ذروتها عندما قال السادات للسفير السوفياتي، الذي جاءه مستفسرا عما سيحدث متمنيا عليه إعادة النظر فيما سيقوم به، إنه في موضوع الخبراء لن يعيد النظر لكنه على استعداد لاستبقاء الوحدات العسكرية السوفياتية التي تتولى تشغيل محطات الصواريخ والرادار والدفاع الجوي، إنما تحت القيادة المصرية أي بما معناه ينفذ العسكري الروسي أوامر القائد المصري، وفي حال الرفض تغادر هذه الوحدات الأراضي المصرية قبل 17 يوليو 1972 (أي أمام هؤلاء عشرة أيام فقط للترحيل وهو قرار في غاية الإذلال لدولة عظمى).
واستكمالا من جانبه لورقة الضغط على الاتحاد السوفياتي فإنه من باب الإبقاء على خيط رفيع يربط العلاقات خشية أن ينتهي ملعوب كيسنجر إلى أن السادات فقد جحيم العلاقة مع الاتحاد السوفياتي من دون أن يربح نعيم العلاقة مع الولايات المتحدة (هذا حصل إلى حد ما بعد ذلك) فإنه ارتأى إيفاد الدكتور عزيز صدقي أحد أركان نظامه المطلع منذ عهد عبد الناصر على خصوصية العلاقة المصرية – السوفياتية إلى موسكو ليقترح على قادة الكرملين فكرة إصدار بيان مشترك يخفف من صدمة قرار إنهاء عمل الخبراء السوفيات وذلك بتضمين البيان تسجيل الشكر من جانب القيادة المصرية للدور الذي أداه هؤلاء الخبراء.
لكن (والعهدة على الراوي الأمين العام للجامعة العربية محمود رياض) الزعيم السوفياتي الأهم في «ترويكا» الكرملين ليونيد بريجنيف والمصدوم - المخذول مما فعله السادات به رد على الاقتراح الساداتي بما معناه أن مصر هي التي قررت وهي وحدها تسجل الشكر وليس من خلال بيان مشترك.
وتدليلا على حدة الغضب والصدمة فإن تعليمات لقائد الخبراء المرحلين وجهت بعدم تسليم المعدات الإلكترونية المتطورة للجيش المصري.
وهذه الثقة بالنفس من جانب السادات تشبه في بعض ملامحها الثقة الملموسة في نفس الرئيس بشار والفريق المحيط به من بعثيين وأمنيين ويعبرون عنها بكلام لا يوحي بالطمأنينة معتمدين في شعورهم بالثقة على أن الكرملين في عهدة الرئيس بوتين لن يكون مع سوريا البشارية مثل الكرملين الشيوعي بزعامة بريجنيف مع مصر الساداتية وأنه لا بد سيأخذ العبرة مما جرى زمنذاك، خصوصا أن علاقة سوريا مع روسيا أكثر ارتباطا من علاقة مصر مع روسيا.
وعندما يقرر الرئيس بوتين خلال زيارة الرئيس بشار إلى موسكو في يناير (كانون الثاني) 2005 شطْب أربعة عشر مليار دولار ديونا مستحقة بفعل التراكم على سوريا فإنه يفعل ذلك لقطع الطريق على السعي الأميركي – الأوروبي لاستقطاب الرئيس بشار، ولكي يؤكد أن سوريا هي حصة روسيا في الخارطة المرسومة للشرق الأوسط لتحقيق مخططه الرامي إلى أن يكون «فلاديمير الأكبر» مثل «بطرس الأكبر» أو كما كان الكرملين في عهود «الترويكا» كوابيس على نحو ما حدث في زمن مصر الساداتية التي تسببت خطوة محسوبة من جانب الرئيس السادات (إخراج الخبراء السوفيات وكأنهم مطرودون) في أن أعمدة الهيكل الشيوعي تداعت ثم تهاوت بالتتابع على أيدي غورباتشوف ثم يلتسين ثم بوتين.
وأيا كانت طبيعة مخطط الرئيس بوتين فإن الحلم مرشح لأن يصبح كابوسا، ذلك أن روسيا بوتين تفتقد إلى الشعبية في سوريا كما سابقا في مصر.


وبالنسبة إلى سوريا فإن عدم استيعابها لما هو حاصل وكيف أنها في نظر الناس شريكة للنظام في العلاج الأمني التدميري، سيجعل النظام البديل الآتي عاجلا أم آجلا، يفعل ربما أكثر مما فعله السادات، ذلك أن الكرملين الشيوعي تباطأ في تحقيق إصرار النظام المصري على تحرير الأرض ولم يتسبب عمليا في إراقة دم مواطن، لكن كرملين بوتين يشارك النظام البشاري عمليا فيما يمارسه منذ سنتين، حيث إن كل نقطة دم أريقت لطفل أو امرأة أو عجائز أو فتية وشبان وشابات تواقين إلى التغيير وكل تدمير لمنازل ومؤسسات، يتحمل مسؤوليتها الموقف الروسي ومعه الموقف الإيراني كون الاثنين يستطيعان على الأقل إحراج المعارضة أو تشقق صفوفها ووضْع حد لجولات القتل وصولات التدمير جوا وأرضا ومن دون خفقة قلب إشفاقا على أرواح حرم الله قتْلها، لكنهما لا يفعلان ذلك خشية من تغيير سيكون رموزه غير مستعدين لاستمرار العلاقة الحالية معهما وبحيث ينزع التغيير ورقة المعاهدة من كتاب العلاقات ويرحل الخبراء ويودع الأسطول ومن دون أن يعترض الجمْع السوري على ذلك.
وعلى هذا الأساس يصبح جائزا القول إن العقدة الساداتية هي التي تتحكم في موقف الطرفين ويمكن تلخيصها بالمعادلة الآتية: يتدحرج بشار... فيتهاوى فلاديمير وينكمش محمود أحمدي نجاد. والله أعلم.

 

 

الشرق الأوسط


 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع