سلوى الوفائي
تصدير المادة
المشاهدات : 7664
شـــــارك المادة
الرجوع إلى الخلف والنكوص على العقبين وصف يترفع عنه أولو الهمم السامقة، لأنّ هذا الوصف ينبئ عن انحراف المبدأ و مرض الضمير، إذْ أنّ من مضى في سبيل تحقيق الحلم عليه مواصلة الدرب مهما بلغت التضحيات ومهما تعثر بالعراقيل ولو اضطر أن يطأ الألغام في طريق اللاعودة فإنّ نازعته الدنيا وهوى النفس الذي يحدو بنا إلى الراحة والقهقرى فعليه أن يدرك أن ذلك من نزغ الشيطان ويتعوذ منه ويتفّ عن شماله ثلاثاً.
فمن ترك لرياح السموم أن تعصف به سيمشي خبط عشواء ويَضلّ الطريق. وكي لا نضل نحن السوريين علينا أن نتبع بوصلة الثورة والتي ليس لها سوى مؤشر واحد ألا وهو حتمية سقوط حكم الأسد. لن نكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، نصلح ثمّ نفسد، نحسن ثم نسيء فتحبط أعمالنا ونحن لا نشعر. رغم ضرواة المشهد ورغم غرقنا جميعاً في نهر الدماء، ورغم الجوع والبرد والخوف والهلع ورغم اليتم واللجوء والنزوح والتشرد والضياع، ورغم الاعتقال والتنكيل والسلب والنهب، ورغم ضبابية الرؤية على المدى البعيد، ثمة ما يبعث على مواصلة الدرب، يقيناً بالوصول، في عتمة المسير سنسرج من دماء شهدائنا قنديلاً، ووسط ازدحام الطريق بأشلاء الأبرياء وركام البيوت والممتلكات سنغزل من بقايا الأجساد جسراً نعبر عليه وسلّماً نرتقيه، حالنا حال الحصان الأغرّ الذي رماه الكلاب في بئر مهجور وظنّ الجميع أنّه هالك لا محالة وبدأوا يهيلون عليه التراب ليدفنوه، فجعل من هذا التراب سلم النجاة، كلّما زادوه تراباً ازداد علواً فنجا رغم أنف الكلاب. إنّ حيازة وسام الفضل لا يحتاج إلى تريث ولا تسويف ولا مهادنة. ولا يطيب عيش الكريم إلا إذا كان يومه خير من أمسه وغده خير من يومه. وقد أحرزت الثورة السورية تقدّماً كبيراً يثلج الصدور، فمنذ شهور طويلة حرّر الثوار مدن وأحياء وبلدات هنا وهناك. وكانت تلك المرحلة حافلة بالتضحيات والدماء والآلام، فكم من مدينة سيطروا عليها ثم انسحبوا منها مضطرين. و هذه هي طبيعة المعركة، كَرّ وفَرّ وتقدم وانسحاب وانتصار وانكسار، وما يزال الطرفان يتداولان النصر حتى تدين الأرض لأشدّهما صبراً وقدرةً على المواصلة والاحتمال. إنه صراع القُوى وصراع الإرادات وصراع الباطل ساعة وصراع الحقّ إلى قيام الساعة. وخلال الأيام الأخيرة حقق الثوار في حلب انتصارات عظيمة لها مدلولاتها العميقة، فقد سيطروا على مدرسة المشاة، وعلى مستودعات الذخيرة في بلدة خان طومان، وعلى كلية الشؤون الإدارية في منطقة خان العسل، وعلى كتيبة حندرات للدفاع الجوي قرب مدرسة المشاة. وقد غنم الجيش الحرّ أسلحة عظيمة بعد السيطرة على مدرسة المشاة ومستودع الذخيرة في حلب والفوج 46 في الأتارب وإدارة المركبات في حرستا واللواء 34 في درعا. هذه الغنائم تشمل كمية هائلة من الأسلحة الثقيلة سيكون لها دور فاعل في حسم المعركة لصالح الجيش الحرّ في الأيام المقبلة. و قد شارف الثوار على إعلان حلب محررة وبدأوا يطرقون أبواب حماه لبدء معركة تحريرها لفتح الطريق لتحرير حمص وفكّ الحصار عنها الذي دام شهوراً ولن يبق بعد ذلك سوى معركة الحسم في قلب العاصمة دمشق. و قد أصبح واضحاً جلياً أنّ الأسد تقهقر وانحصر وتحصّن في دمشق فلاذت أكثر كتائبه بها وكثر عدد الحواجز الأمنية بشكل مخيف فأصبحت العاصمة تحت حصار أمني خانق تحسّباً من اقتراب موعد المعركة النهائية. إنّ انتصار فصائل الجيش الحرّ على الأرض سترغم العالم على تغيير مواقفه المخزية من الثورة وستقلب المعادلة لصالح الثورة. و قد بات تدخل القوات الدولية في سورية وشيكاً، لا لدعم الجيش الحرّ ومؤازرة الثورة بل لحماية فلول النظام الأسدي وحماية مصالحها في المنطقة وضمان أمن اسرائيل ومنع أيّ ضرر يلحق بالكيان الصهيوني زريعة الغرب في الشرق الأوسط. و قد بدأ المجتمع الدولي يبدي قلقه الشديد إزاء انتصار الكتائب الإسلامية المتشدّدة في سورية ووصولها إلى سدة الحكم و لهذا السبب جاء تصنيف جبهة النصرة تحت قائمة الإرهاب ولهذا يقودون حملات الإسلاموفوبيا ويخوّفون الأقليات الطائفية في سورية من احتمال حدوث ذلك ويدعمون بكلّ قوتهم التيارات العلمانية والليبرالية والإسلامية المعتدلة. و قد تعامى العالم عن موقف الجيش الحرّ من أبناء الطائفة العلوية في عقرب حيث قام بتأمين وحماية أطفالهم من أيدي المسلحين من أبناء الطائفة العلوية الذي نفذوا انتحاراً جماعياً بعد ما ارتكبوه من مجازر بحقّ أهل عقرب والحولة قرب حمص وقد تحدّث أم أيمن الناجية من القتل، من الطائفة العلوية كيف غدر بهم أبناء طائفتها وأنقذها وأنقذ بناتها الجيش الحرّ وأحسنوا معاملتها وأكرموها. يرفض العالم أن يسمع أو يرى هذه الأحداث لأنّه دأب على زرع الفتنة وعلى تشويه سمعة الثوار المقاتلة في سورية ووصفها بالجماعات الإرهابية المسلحة. ولن يصحّ إلا الصحيح. و رغم تطورات الأحداث لصالح الثورة يصرّ حسن نصر الله ومعه إيران على دعم الأسد سياسياً وعسكرياً ومادياً ومعنوياً ويصرون على أنّ الأسد باق، بل يصرّحون سفاهة " ممنوع إسقاط النظام الأسدي في سورية" وكلمة "ممنوع" تدلّ على أنهم سيبذلون النفس والنفيس لمحاربة مشروع تحرير سورية وانتصار الثورة وسقوط الأسد لأنّ سقوطه يعني سقوط المشروع الصفوي الفارسي الشعوبي في المنطقة وإلى الأبد. وما المبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية إلا كذبة كبرى تقضي أنّ على الثوار أن يستسلموا بحيث يحكم الأسد سوريا لخمسين سنة قادمة وتستعمر إيران سوريا إلى ماشاء الله. وأهم ما في الاقتراح الإيراني لحلّ الأزمة السورية إبقاء الأسد رئيساً وتشكيل حكومة جديدة بقيادة المعارضين شريف شحادة وخالد العبود ونبيل فياض. والسؤال الذي يؤرق السوريين الذي يدركون تماماً موقف شحادة العبود وتأييدهم المطلق للأسد "ألا يشعر هؤلاء وأمثالهم بانفصام شخصية مزمن؟ وحسب تصريحات إيران مؤخراً لحلّ الأزمة في سوريا، فإنّ إيران لا تعترف إلا بالمعارضين السوريين الذي يحجون إليها ويسبحون بحمدها أمثال شحادة والعبود أمّا المعارضون الحقيقيون فهم إرهابيون. أمّا الموقف الروسي فتغيره أصبح حتمياً لا لأنّ روسيا بدأت تؤمن بأحقية الشعب السوري في مطالبه وحريته وحتمية انتصار ثورته بل لأنّ من عادتها الانقلاب على الحلفاء والجري خلف مصالحها حسب قانون "من يتزوج أمّي أناديه عمّي" فهي لن تظلّ تراهن على بغل خاسر حماية لمصالحها أولاً. و قد ذكرت رويترز نقلاً عن الرئيس الروسي بوتين: ما يهمّ روسيا بالدرجة الأولى مستقبل سوريا وليس مستقبل بشار الأسد وبدأت بسحب رعاياها من دمشق. وختاماً:
بدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر، وشارف السوريون أن يعلنوا القيامة السورية التي لن تبق ولن تذر من فلول النظام الأسدي البائد وستحاسب كلّ من سانده ودعمه يوم الموقف التاريخي للنصر، وسيأتي كلّ حاملاً كتابه بما اقترفت يداه، وستبدأ ساعة العدالة الانتقالية السورية التي ستعيد لسورية أمنها وأمانها، سلامها واستقرارها وتحاسب المفسدين والمخربين والقتلى وتردّ الحقوق إلى أهلها حتى ترتاح أرواح شهدائنا البررة في جنان الخلد ويطمئنون أنّ دماءهم لم ولن تذهب سدى أبداً. اقتربت ساعة الحسم فانتظروا واصبروا وصابروا ، إنّ الله مع الصابرين.
أبو مضر
مؤمن مأمون ديرانية
نجوى شبلي
سمير متيني
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة