فداء السيد
تصدير المادة
المشاهدات : 3488
شـــــارك المادة
لست أزعم أنّي سآتيكم بجديد, فالجديد هو ما نتفاجأ به يومياً ونحن نشاهد ما يرفع من هممنا مرّة ويُسقطها مرّات, وفي الوقت الذي تبتهج دول كتونس ومصر وليبيا احتفالاً بأعراس الديمقراطية ونحن لهم فرحون ولحالهم سعيدون, وتكاد تصل اليمن لها لولا بعض المعوّقات التي نتمنى أن تتجاوزها سريعاً لتعود اليمن سعيدةً كما كانت, بين هذه الأحداث يعيش قوم آخرون ساعات عصيبة امتزجت بابتهاجات الثورة والحرية وعذابات الوصول للأخيرة بما يقتضي ذلك من دماء تُسفك ومُدن تُدمّر وحضارة تُباد و – خصومات – تزداد خشونة على مرّ الأيام بين الأشقاء والإخوة وهنا بيت قصيدي وموضع غرضي ممّا سأعرضه عليكم من تساؤلات نزيهة من قلب مكلوم على حال إخوانه وندمائه من أهل الثورة والسياسة, وممّا نشاهده من مساجلات تنقصها الرزانة وحوارات تفتقر إلى اللباقة وآراء تعوزها الدقة والتهذيب, وما أحوجنا اليوم إلى حوار مؤدب, ونقاش محتشم, وطرح آراء مروّض.
فالنفس تعشق التطرف ولو تُرك لها العنان لخلعت عن نفسها رداء التسامح والحِلم لترتدي بدلاً منه رداء الغلظة والجفاء وهو أمر يتطلب إخلاصاً ومصافاة وابتعادا عن الشكوك والإلتباسات وتجريح في الأشخاص والمؤسسات. سألقي بين جنابكم أسئلة واستفهامات مبعثرة وأترك لفطنتكم حرية الإجابة: -ترى هل نستطيع أن ننتقد حالة ما, أو موقفاً ما دون ممارسة ثقافة التصنيف التي تجعل من الفئة الاجتماعية والجنسية والقومية والمستوى التعليمي أو الفكري محوراً من محاور النقاش؟ وذلك يدعوا غالباً إلى التمييز والتعصب, ألا يكون ذلك سببا لانتشار التعميم في كل جزئية من أجزاء حياتنا؟ وتنعدم حينذاك أي فرصة من فرص الحوار الهادف للخروج بنتائج إيجابية تتعلق بالوطن والمواطن؟ -هل ترانا نراعي حالة المواطن الفعلية وأزمته الحقيقية حينما تأخذنا مشاكل شخصية واعتبارات فئوية أخذاُ جسيماً؟ -هل نحن إيجابيون في اختلافنا؟ أقصد ما سبب الاختلاف – هذا إن لم يكن خلافاً – حقاً؟ هل هو نفعي؟ هل هو ضروري؟ هل يعود بالخير على الأمة لينتج عن ذلك عصف ذهني يخرج بخاتمة حميدة وعواقب حسنة؟ -هل يعني اختلافي معك وعدم اقتناعي بفكرتك فرقة لا عودة عنها؟ هل هناك إطار جامع موحد لكافة الجهود والأفكار لا يجوز الخروج عنه؟ -لو نظرت حولك لوجدت أن أكثر الأخبار الواردة والأنباء المنتشرة إمّا ظنية لا يعتمد عليها أو غير ثابتة أصلاً, فأين التثبّت الذي يُفضي إلى التوضيح والتبيين؟ وكم من آراء متسرعة أدّت إلى مصائب تَبيّن بعد فترة خلافها لمجرد نقل عجول؟ وكم من إشاعات تناقلها الناس على أنّها راسخة ثابتة وقامت لها قيامة الجميع ثم ظهر واستبان نقيض ذلك تماماً, حينها هل تُغني الإعتذارات والمبررات؟ -هل نعي حقاً نقاط الإختلاف؟
أقصد في كثير من الأحيان يكتب الكاتبون ويردّد الناس كلاماً كثيراً يأكل بعضه بعضاً ثم يتجلّى للجميع أنّ مواطن الخلاف معدومة, فلماذا وعلى ماذا نختلف أذاً؟ ربما نحن متفقون, أليس كذلك؟ -إذا كنّا نتجادل أو نتناقش حول فكرة معينة, أو موقف معين, فلماذا نتهم النيّات؟ لماذا نفترض سوء النية وفساد القصد؟ تصوّر لو بادلك الآخر نفس الخطاب وذات الشعور, كيف سيكون حال نقاشنا؟ هل سينقلب عداوة؟ سيكون هدف كل واحد منكما تحطيم الآخر, أليس كذلك؟ -هل حدث أن اتهمت فكرتك ورأيك؟ بعبارة أخرى هل يسهل عليك اتبّاع الحق إن ظهر لك؟ -اختلاق الأزمات والخلافات هواية بعض محبي الخصومة والتعاند, فهل يعي البعض أنّ هذه الأفعال تهدر كثيراً من الطاقات وتُقعد الناس عن العمل؟ هل يفطن هؤلاء إلى أنّهم يصنعون بلبلة وتردداً عند العامة يُنفرّهم من المشاركة في نفع الوطن ويحرفهم عن التعاون من أجل الإصلاح والتغيير؟ -هذه اللهجة العنيفة التي يستخدمها البعض في توضيح وجهة نظره, هل تزيد من مقدار نسبة الحُجيّة والإقناع أم تجعل منه مترهلاً ناقصاً؟ ما أريد الذهاب إليه أنّ عقلانية كلامك لا يتعلق بمقدار درجة شراسة حكاويك ولا بمقدار قسوة أقوالك, بل باستدلالاتك ومعارفك وأدلتك وحقائقك, إذا استقام ذلك عندك فاعلم أنك قادر على إيصال أكثر الأفكار غلظة وصعوبة بكل يُسر ولين. -الانتقال من مناقشة الفكرة إلى تجريح الأشخاص أو المؤسسات أو التكتلات يجعل من الحوار هائجاً مائجاً بلا معنى ولا قصد سوى التشهير والتنقيص, وأي منصف عاقل سيهجر هذه الحوارات الخاوية. فلمَ التجريح والكلمة الطيبة لا مبرر للعدول عنها؟ فهل نتعلم النقد بلا تجريح؟ هل نتقن المعارضة دون الإيذاء؟ هل نحسن النقاش دون بغي أو تعدٍ؟ -هل نحن متفهمون أن التنوع سمة من سمات المجتمع الصحي ودليل على استمرارية الطبيعة البشرية والحياة والكون؟ لأنّ من الملفت للنظر وجود أصوات كثيرة تريد توحيد الآراء عن بكرة أبيها لنصبح فجأة نسخة واحدة وذاك صعب بل مستحيل, والأهم من ذلك أن نوحد الصفوف لا الآراء. -مُجتمعاتنا تتميز بثقافة راقية وحضارات باهرة, جمعت خير الأمور والآداب وجعلتها في ميزان القيم والأخلاق الذي يضع سابقة المرء وفضله وعلمه ومكانته في مرمى البصر, فما بال قوم يبخسون الناس اشياءهم وحقوقهم ومكانتهم؟ نحن لا ندعو إلى التقديس بقدر ما ندعو إلى أدب الحديث وإقالة ذوي الهيئات وتوقير الكبير, فليس من كبير أو عالم أو صاحب فضل إلا وله عيب, ألم يقل ابن المسيب يوما: ومن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه فضله؟ فلماذا تضيع المنازل في خضم الأحداث؟ ولماذا تتطاول الأعناق تحت قرائن واهية؟ لماذا تزدحم الأكتاف وتختلط الحدود من أجل أهداف سقيمة؟
نجوى شبلي
مجاهد مأمون ديرانية
ميمونة جنيدات
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة