..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الثّورة وحمّى الاستهلاك

مدونة صبا قلبي

١٥ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 9123

الثّورة وحمّى الاستهلاك
291-300عنب بلدي.jpg

شـــــارك المادة

شاهدت صباحاً بثاً حياً لمدينة نييورك الأمريكية، حيث الأسواق تضجّ بالناس وناطحات “الإستهلاك” تشتعل وتنطفئ بإعلاناتها التي تخطف العقول، وتسرق عيون المارة لتتابعها برضاها أو رغماً عنها! معلنةً عن سلع جديدة ومنتجات وليدة تجذب المزيد من الناس وتأتي بهم إلى المولات ليجترّوا المزيد والمزيد من السلع حيث الاستهلاك ثم الاستهلاك هي الثقافة السائدة هناك.

 


لا أحد يستطيع أن ينكر أن نمط الحياة الغربية عامة والأمريكية خاصة قد تسربل إلى مجتمعاتنا من بين أيدينا ومن خلفنا وخاصة الشق المتعلق منها بالاستهلاك، ذلك أنّ العولمة ودخول تفاصيل الحياة الأمريكية إلى بيوتنا عبر وسائل الاتصال الحديثة، حولت الكثير من الكماليات والمرفهات إلى حاجات وضروريات وذلك من خلال الجهد والمال اللذان يبذلان في مجال الدعاية والإعلان للترويج لتلك الكماليات.
فقبل انطلاق ثورة الحرية والكرامة في سوريا بل وحتى في الأشهر الأولى منها، كان الناس يرتادون الأسواق ليأتوا بالجديد دوماً انطلاقاً من الحكمة الأمريكيّة الراكدة في العقول الباطنة والقائلة: إن الجديد هو الجيّد “Good is new” حيث ثقافة الاستبدال تغزو العقول والقلوب، فالجديد هو اللامع والجديد هو من تضفو عليه القداسة ويبعث في النفس الطمأنينة، وذلك بعكس كل القيم القديمة التي تقول إن القديم هو صاحب الأفضلية.
ففي عهد ما قبل الثورة ركبنا شيطان التسوق لسنوات وساد بيننا وفرض نفسه على الجميع، فغالباً مايتحسّر الفقير لعدم قدرته على شراء السلع، ويفعل مثله الغني لأنه لايدري أين يذهب بالمزيد من السلع! فالشعور بالرضا أصبح مرتبط بالاستهلاك واستشرى ذلك المرض بشكل خطير جداً في مجتعنا، في حين أن الإحصائيات تقول أن الذين قالوا إنهم سعداء لم يكونوا من الأغنياء جداَ!!
الانقطاع ” القسري” الذي فرضته الثورة عن الأسواق في الكثير من المدن المشتعلة بعد أن دمّرت آلة القتل والتدمير الأسدية الأسواق وحرق “رجال الوطن البواسل ” الأسواق القديمة والحديثة، يجب أن نستغلّه جيداً، يجب أن يعطينا الفرصة لنستعيد التوازن الذي فقدناه طوال الفترات السابقة، التوازن في العيش، التوازن فيما نريد من هذه الحياة!
لاحظنا أن الناس بسبب الظروف الأمنية الصعبة قد مُنعوا من الذهاب إلى الأسواق لأشهر في هذه الثورة، إلا أننا لم نشاهد أحداً مات لأنه مُنع من التسوق، ولم نسمع أن أحداً قد أصابه الشلل من جراء عدم ارتياده الأسواق والمولات يومياً!، كان السواد الأعظم من الناس قبل الثورة تعيش لتأكل وتشرب وتتسوّق، أما الآن أصبحت تأكل وتشرب ولاتتسوق ومازالت تعيش، إذا الاستهلاك إدمان يعالجه بيمارستان الثورة شيئاً فشيئاً لا أكثر.
الثورة برهنت أننا أصحاب إرادة قوية جداً والعمل على تسليط الضوء على تلك الإرادة وتعزيزها في نفوس أبناء مجتمعنا جزء كبير من من معالجة قضية الاستهلاك، فالقصور في الإرادة هو الذي يمنعنا من القيام بالكثير من الأعمال، والثورة أتاحت لنا الفرصة المناسبة لنعزز من ثقافة الانقطاع عن الأسواق ولنقوي إرادة الناس في ذلك، لنؤكد باستمرار للناس قول النبي قليلٌ يغني خيرٌ من كثير يطغي لنبين للناس أن اليقين والسعادة والطمأنينة ليس بالاستهلاك وإنما بعبادة الله سبحانه (واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين) .
فلنعمل معاً على تجاوز حمّى الاستهلاك بعد أن لازمتنا لسنوات وسنوات، ولنؤكد للناس أن مانمتلكه من سلع ومتاع قليل قديم يكفينا من أجل عيش حرّ كريم.

 

 

المصدر: جريدة عنب بلدي

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع