أبو أحمد
تصدير المادة
المشاهدات : 9326
شـــــارك المادة
تعود بنا الذاكرة إلى سابق عهد الثورة الأول عندما كانت سلمية خالصة، حيث كانت الأسواق تعج بالناس مازالت، والمحلات التجارية وحركة المرور - خاصة في المدن الثائرة- على قدم وساق إلى وقت لا بأس به من الليل، وحالما بدأ العمل المسلح يلوح أفقه وبدأت الكتائب في مختلف المناطق تنفذ عملياتها ضد الحواجز المنتشرة في طول البلاد وعرضها ولظروف أمنية أخرى عديدة، بدأت المدن تسكن ليلاً .. بدأ الناس يلتزمون البيت باكراً وعاد الليل ليكون لباساً من جديد بعد أن كان معاشا قبل الثورة!
الترتيب القرآني الذي أعدّه الله لنا في المعاش النهاري والسكن الليلي هو الترتيب الأمثل لحياه ملؤها الجد والنشاط والإنجاز بلا شك، فلقد دعا النبي – صلى الله عليه سلم - للبكور من أمته تلك البكورية التي لن تتحقق إلا بالعودة للبيت مبكرا وإنهاء النشاطات مبكرا وبالتالي النوم مبكرا، ومن نعم الثورة العظيمة التي ما نزال وسنبقى نتحدث عن شمائلها العظيمة أنها أعادتنا من حيث لاندري إلى ذلك الترتيب الإلهي الرائع في العيش الذي طالما غفلنا عنه وعن جودته العالية ونتائجه العظيمة على الأمة. فعندما نمعن النظر في الآيات التي تقسم لنا اليوم إلى نهار معيشي وليل سكني من قبيل قوله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ” أو من قبيل “أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” ونقاطع تلك النصوص مع بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : “وليسعك بيتك ” نلحظ تلك البركة العظيمة التي كنا نفتقدها في الجلوس في المنزل ليلاً . كم من الأوقات كانت تضيع في التسكع ليلاً بلا فائدة ترجى – طبعا حديثي عن التسكع الذي تحول إلى طقس يومي وليس إلى نشاط ترفيهي – فهذا السكن المبكر في البيت أبرز لنا المساحة الوقتية الكبيرة التي كنا نضيعها هنا وهناك بلا فائدة، فأصبح لكل منا اهتمامه الذي ينميه ويهتم به، فهذا الذي عاد للقراءة بنهم وهذا الذي جلس يكتب وآخر يبحث في الشبكة عما يفيده وبركات أخرى عديدة .. من جانب آخر وعلى صعيد الأسرة أعاد الوقت الليلي المكتسب بفعل الثورة الآباء والأبناء إلى بعضهم أكثر، فالجلوس في البيت فترات أطول عند الآباء وكذلك الأبناء في ظلّ الثورة عمّق هذا الترابط الأسري بين الأهل والأولاد الذي كان مبددًا، فبعد أن كان الأب أو الولد الشاب يعود للبيت بعد منتصف الليل، أصبح الآن الكل يلتزمون البيت عند الغروب أو بعده بقليل مما زاد من فرص التقارب في الأفكار بين أفراد الأسرة الواحدة وغدا التفاعل بين الأفراد أكثر وجوداً من ذي قبل، عاد الوقت للآباء لتحنو على الأبناء وعاد الاستشعار لمعاني الأبوة والأخوة التي فقدت لزمن. كنا نظنّ أن الثورة ستسقط النظام فحسب، أما الآن نراها ترسم معالم حياة جديدة لنا كنا قد تمنيناها يوماً ما.
المصدر: صبا قلبي
موفق مصطفى السباعي
خالد خوجة
مدونة صبا قلبي
عبد الكريم بكار
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة