..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سوريا: تخطي قيود السياسة

هاني البنا

٣٠ سبتمبر ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3035

سوريا: تخطي قيود السياسة
وروسيا وروسيا.jpg

شـــــارك المادة

شهد شهر أغسطس (آب) زيادة مأساوية في حدة الأزمة السورية، إذ أشارت التقارير إلى مصرع أكثر من 5000 سوري، وجرح أعداد لا تحصى، وفرار 100,000 من البلاد. وكان يوم الأربعاء الماضي هو اليوم الأكثر دموية حتى اليوم، بمقتل 343 وإعلان الأمم المتحدة نزوح نحو ألفين إلى ثلاثة آلاف مواطن خارج الأراضي السورية كل يوم.

 

 

ومنذ بداية أعمال القمع الوحشية في مارس (آذار) 2011، أجبر 10% من الشعب السوري على ترك منازلهم، وأصبح ربع مليون سوري – ومن بينهم أطفال بلا عائلات – لاجئين، فروا إلى مخيمات مؤقتة رثة في الدول المجاورة، الأردن، وتركيا، ولبنان، وغيرها من البلدان القريبة.

لكن الغالبية العظمى من السوريين نزحوا داخل البلاد نفسها، لتتسم حياتهم اليومية بالمعاناة المستمرة جراء محاولات الهروب من أعمال العنف، ومواجهة غياب المأوى المناسب، والزيادة الرهيبة في أسعار الطعام، وقلة النفاذ إلى وسائل النظافة الشخصية الأساسية.

المرافق الطبية تنهار بوتيرة يومية، وكثير من المدنيين الذين ألقت بهم الظروف وسط النزاع يلقون حتفهم لمجرد الافتقار للرعاية الصحية المناسبة. العيادات الطبية إما مدمرة، وإما تحتلها جماعات مسلحة، والإمدادات الطبية منع وصولها، وعلاج مرضى الحالات المزمنة توقف.

ويعاني السوريون من صدمة ما مروا به وشاهدوه من مذابح وقصف جوي وفقد لذويهم.

ليس هذا فحسب، بل إن الأخضر الإبراهيمي - المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا - حذَّر، في إفادته أمام مجلس الأمن يوم الاثنين، من أزمة غذاء وشيكة في سوريا. كذلك لفتت وكالات الإغاثة، بشكل متكرر، إلى أن الاستجابة الإنسانية الحالية في سوريا غير كافية، إذ إن الهلال الأحمر السوري، الباسل، لا يمتلك القدرات ولا الإمكانات اللوجستية الضخمة اللازمة للوفاء باحتياجات النازحين السوريين.

على مدار أكثر من 18 شهرا، ومع استمرار زيادة وتيرة العنف في سوريا، ظل المجتمع الدولي منقسما، وظلت حكوماته تتبادل الاتهامات بالتعاطف مع النظام أو مناهضته. هذه الحالة أفضت إلى انسداد سياسي وزيادة عسكرة النزاع، ليصبح المدنيون السوريون العاديون هم الخاسر الأكبر. يتمثل الهدف الأهم، حاليا، في حمل الحكومة السورية على وقف هجماتها في شتى أنحاء البلاد، وإرساء وقف إطلاق نار دائم، ووقف العنف من قبل جميع الأطراف. بيد أن المنظمات الإنسانية الدولية غير المنحازة، الغربي منها والشرقي، إن أتيح لها النفاذ، فستستطيع، بما لها من مهارات وخبرات، أن تخفف كثيرا من آثار العنف وترفع الكثير من معاناة مئات الآلاف من السوريين. فتلك المنظمات قادرة على تقديم الإغاثة الطبية الأساسية، وتوزيع الغذاء، وإعادة تأهيل إمدادات المياه والرعاية الصحية للمدنيين الضعفاء، مهتدية في ذلك بالمبادئ الإنسانية واتفاقيات جنيف، وفي نأي تام عن أي أجندات سياسية. وبإمكانها أيضا أن تنسق جهودها مع منظمات المجتمع المدني السورية المحلية الشعبية، التي ظهرت خلال عام ونصف مضت، وتعزز عملها بشكل كبير، حتى تلعب دورا إنسانيا حيويا وتتواصل بشكل فريد مع السكان المحليين.

تستطيع روسيا والصين وإيران، اليوم، بوصفهم الحلفاء الرئيسيين للنظام السوري، أن يضغطوا على الحكومة السورية لرفع قيودها عن المنظمات الإنسانية المستقلة القادرة على توفير الإمكانات المتخصصة، اللازمة لعلاج الوضع المتزايد سوءا.

ومن شأن قرار كهذا أن يدلل على أن دولة مثل روسيا لم تعد تريد أن تظل حياة ومعيشة مئات الآلاف من النازحين والضعفاء في سوريا رهينة للانسداد السياسي الحالي. ومع اقتراب الشتاء السوري القاسي سوف يزداد الوضع الإنساني السيئ سوءا، وبسرعة كبيرة، ما لم تتخذ تحركات جدية تجاهه.

في أوائل سبتمبر (أيلول) التقى الرئيس الجديد للجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر مورير، بالرئيس السوري بشار الأسد، وأعلنت الحكومة السورية، بعد اللقاء، أن «الرئيس أكد تأييده لعمل الصليب الأحمر على الأرض، طالما حرص على الاستقلال والحيادية». كذلك أكدت الحكومتان الروسية والصينية على أن المساعدات الموجهة إلى سوريا يجب أن تتسق بصرامة مع المبادئ الإنسانية الخاصة بالحيادية وعدم التحيز. وعلى الرغم من ذلك، فالطلبات التي تقدمت بها منظمات إنسانية مستقلة وغير منحازة للسماح لها بالعمل في سوريا، وقفت في وجهها عراقيل المطالب الإجرائية المعوقة من قبل وزارة الخارجية السورية. هذا فضلا عن أن المنظمات الموجودة في سوريا بالفعل أعاقت نشاطها القيود التي فرضتها السلطات السورية على السفر والتنقل، مما منعها من نشر خدماتها في مناطق من سوريا تشتد فيها الحاجة إلى تلك الخدمات.

شهد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، في نيويورك، إدانة الكثير من قادة العالم لما يحدث في سوريا، في نفس الوقت الذي يستمر فيه الوضع على الأرض في التدهور. لقد آن الأوان ليرى الشعب السوري أن حلفاء النظام لن يتركوه وحده؛ فتوفير نفاذ غير معوق وآمن ومستدام للخدمات الإنسانية إلى سوريا ليس بالخيار السياسي، بل هو بالأحرى مسؤولية أخلاقية.

 

المصدر: الشرق الاوسط

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع