عبد الرحمن جعفر الشردوب
تصدير المادة
المشاهدات : 7284
شـــــارك المادة
لم يتوقع أشد المتشائمين من الثورة السورية ومآلاتها وتعامل النظام بها مع شعبه، أن تكون أخلاقيات الرئيس غير الشرعي بشار الأسد كأخلاق أبيه بهذه الوحشية والهمجية رغم وجود الإعلام بأشكاله، وأن يضطهد شعبه بأبنائه وجيشه الذي كان يدفع المواطن له من عرق جبينه وقوت يومه لبنائه وتقويته والذي سرعان ما قلب لهم ظهر المجن ووجه سلاحه بكل أشكاله عليهم، مدمرا البنية التحتية والأخلاقية والإنسانية في سورية.
وبعد مرور أكثر من سنة ونصف على الثورة، أصبح المواطن الذي يترقب ساعة استشهاده، ولا يشغله سوى معرفة طريقتها، هل بالقصف أم الذبح أم القنص أم غير ذلك من صنوف القتل التي لم تعرف البشرية شبيها لها؟ (أصبح يترقب) متسائلاً أي دين وأي تربية وأي عمالة وأية أخلاق؟! تلك التي انطلت علينا طوال العقود الأربعة الماضية!! وأي خوف وأي تردد وأي جهل حملناه في قلوبنا في تعاملنا مع هذا النظام الذي لا يحده وصف في قباحته؟! بل أي ظلم وأي خذلان حملناه في قلوبنا لمن قام وانتفض على هذا النظام في ثمانينيات القرن الماضي؟! نعم ... أما استوعبنا في حينها أننا أمام مجرم لا يحرّم حراما ولا يحل حلالا؟! لماذا ظلمنا من خرج فلم نقف معهم لعلنا على الأقل تدراكنا هذا النظام المجرم قبل أن يقوى ويتحالف مع القاصي والداني في سبيل تحقيق مصالحه على حساب قمعنا واضطهادنا واستعبادنا؟! المجرم في الأمس هو مجرم اليوم، تشابها عقيدة وأخلاقا وعمالة ونهباً للوطن واختلفا أشخاصا، وضحية الأمس هو ضحية اليوم تشابها عقيدة وأخلاقا وتربية وحبا للوطن واختلفا أشخاصا، والجندي القاتل الأمس هو القاتل نفسه بصفاته، وابن الوطن الحر المجاهد هو ذاته بين اليوم والأمس، والمعتقل هو المعتقل، والمهجّر هو المهجّر، غير أن الأسماء اختلفت، فأصبح مجاهد ومقاتل الأمس مثلاً، جنديا ًفي الجيش الحر اليوم، كما ساهم اتساع رقعة الثورة وفضح كذب النظام في إعطاء كلّ ذي حق حقه من التسمية والوصف بعكس ثورة الأمس التي كان النظام مسيطرا فيها -ترهيبا وتضليلا- على الشعب، فلم ينصف الشعب كله ابنه الثائر في حينها، واليوم أصبح عامة الشعب يميّزون بين الشبيح المأجور والثائر الوطني كما يميّزون بين الجندي الخائن في كتائب الأسد وبين الجندي الحر في الجيش الحر. في الأمس قام نظام الأسد – على يد المجرم الأب حافظ - بارتكاب مجزرة حماة وتدمر بالقصف بالطيران والذبح والتصفية والإعدامات الميدانية، وبذات الأساليب التي يستخدمها الآن الابن بشار مع الشعب نفسه، ولكن على نطاق أوسع، واللافت أنّ التهمة ذاتها هي التي يتذرع بها المجرمان الأب والابن بحق الشعب الضحية وهي أن الضحية عصابات مسلحة عميلة لأمريكا وإسرائيل تريد هدم جدار المقاومة والممانعة الصامد في وجه أعداء الأمة إلى الآن، وبعد أن استطاع إلى حد معين من تغيير نظرة الشعب إلى الضحية الثائر الأول الذي بذل دمه وماله وعرضه وشرّد من أجل فضحه وكشف حقيقته ، وذلك بالترهيب والتضليل، عاد اليوم ليمارس الأسلوب نفسه مع الثائر الابن، ولكن على نطاق أوسع؛ لأنه كلما كبرت الجريمة واتسعت رقعتها كان بحاجة إلى كذب وتضليل يناسبها وها هو يخرج علينا مجددا بذريعة العصابات المسلحة وجرائمها وعمالتها ودخول القاعدة إلى غير ذلك من الأساليب التي لا تعد ولا تحصى من البروباغندا التي قل نظيرها، مستعينا بالآلة الإعلامية الإقليمية الطائفية التي فضحت وبان عوارها للقاصي والداني. مجريات الثورة في الأمس علمت ثائر اليوم أمورا كان لها الدور الأكبر في صموده وثباته الأسطوري الحالي وانتصاره القريب بإذن الله ، فالثائر الذي خرج في بداية الثورة بكل سلمية ينادي بالحرية ثم ووجه بالرصاص والنار ومن ثم الإعلام الكاذب الذي يغطي جريمته أدرك حقيقة النظام الذي يحكمه، ومعنى السكوت عليه وتكرار سيناريو الماضي؛ لذلك أصبح الخيار عند الشعب خيار وجود وعدمه، وشاهدنا نطاق الثورة يتسع ويكبر والثورة تمتد أفقيا وعموديا إلى أن عمّت سورية بأكملها –سوى بعض المناطق المحسوبة على النظام- ولو تأملنا في مجريات ثورة الأمس –الثمانينات- وأسقطناها على ثورة اليوم –15 آذار– وانتشارها وصبر الشعب، وكثرة الانشقاقات في جسم النظام الدبلوماسي والعسكري والأمني لأدركنا الانتصار المحتم لثورة اليوم، لأنّ العامليْن الرئيسييْن اللذين اعتمد عليهما نظام الأب المجرم سقطا، وهما عاملا الترهيب والسطوة الأمنية الحديدية الذي أسقطته إرادة الشعب رغم كل الجحيم الذي يعاملون به ، وعامل التضليل الذي ساعد على كشفه الإعلام الجديد وانتشاره. وإذا كانت آلة النظام الإعلامية في الثمانينات استطاعت أن تصرف الثورة عن وجهتها الحقيقية الوطنية المطالبة بالحرية وإسقاط النظام الأمني وتنبيه المواطن السوري في حينها على خطورة هذا النظام غير الشرعي المتوحش وذلك بزعم ارتباط الثوار في حينها –الإخوان المسلمون– بإسرائيل وزعم نيتهم إقامة دولة إسلامية، فقد عجزت آلته الإعلامية بضخامتها وانتشارها اليوم عن ذلك، وذلك لأن فئات الشعب كلها انضمّت للثورة وشاهدت كيف أن ذات الاتهام الذي وجه للإخوان في الثمانينيات يلصق اليوم للإسلامي والعلماني والمواطن البسيط الذي لا يربطه بالسياسة والمعارضة رابط ، متهما إياهم بالاتهامات الأخرى التي لا حصر لها والتي صوّرها نظام الأسد بالحرب الكونيّة على نظامه المقاوم والممانع، كما أن سطوته الأمنية وتضليله وكذبه هي ذاتها التي نقلت حراك الثورة من سلميته إلى المقاومة وحمل السلاح سواء كان في حراك الثمانينات عندما اضطر بعض الإخوان لحمل السلاح لمواجهة إرهابه ومجازره، أو في ثورة اليوم التي أصبحت في مراحلها الأخيرة عسكرية بحتة مع وجود الزخم الشعبي السلمي إلى الآن. وختاما لا بدّ لهذا النظام الذي بدأ يتصدّع وينهار والذي لم يستطع أن يقضي على من انتفض عليه في الثمانينات –وهم عشرات الآلاف- رغم كل أشكال بطشه وظلمه والثلاثة عقود التي أبعدهم بها عن بلدهم وحرمهم هم وأقاربهم من العيش مواطنين مثل غيرهم فكانوا من أكثر الداعمين لثورة إخوانهم (لا بد له) من أن يدرك أن الملايين التي اضطهدتها ونكلت بها آلته الإجرامية لن يسكن لها جرح أو يهدأ لها بال حتى يسقطوه ويأخذوا حقهم وحق أسلافهم...
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث وكاتب في مركز أمية
المصدر : مركز أمية للدراسات والبحوث
عبد الوهاب بدرخان
مجاهد مأمون ديرانية
رضوان زيادة
محمد علي الهرفي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة