..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سفن غالاوي التي اختارت اللاذقية لدعم غزة

حازم الأمين

٦ مايو ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7223

سفن غالاوي التي اختارت اللاذقية لدعم غزة
27.jpeg

شـــــارك المادة

يُعِدّ النائب البريطاني جورج غالاوي حملة جديدة لإيصال مساعدات إلى قطاع غزة، وهذه المرة استبدلَت الشواطئ التركية منطلَقاً لسفن التضامن بالشواطئ السورية، تحديداً ميناء اللاذقية!

 


إذاً هي حملة تضامن مع النظام السوري، يُستعمل فيها الفلسطينيون مجدداً لتحصين أنظمة فقدت شرعيتها وأمعنت في القتل والاضطهاد.
والحال أن مشروع غالاوي الجديد يمثل تكثيفاً غير مسبوق لما أصاب القضية الفلسطينية جراء الإمعان في توظيفها لحماية النخب العسكرية الحاكمة في عدد من دول المنطقة. فالانتقال من الشواطئ التركية إلى الشواطئ السورية فيه «عقاب» لتركيا على مواقفها من النظام في دمشق، وفيه محاولة يائسة للقول بأن النظام السوري هو «القلعة الأخيرة» لمواجهة حصار إسرائيل قطاعَ غزة. والحاجة إلى أبلسة تركيا وتعزيز موقع النظام في سورية تعود إلى شعور النُّخب الممانعة بأن نظامها في دمشق مهدد. وهذا كله لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد بمأساة الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
هذا بديهي طبعاً، كما هو بديهي التذكير بمشروع التضامن اللبناني مع قطاع غزة عندما تولت رعاية سفن «التضامن» سيدات أقدمن لاحقاً على تنظيم حملات دعم للنظام في سورية في بداية ثورتها،
علماً أن الحملة اللبنانية جمعت تبرعات ومساعدات للقطاع ثم حالت «خلافات داخلية» بين المنظمين دون إرسالها، ولم تجرِ مكاشفة للرأي العام اللبناني حول مصير المساعدات والتبرعات التي كان من المفترض إرسالها.
كل هذا يبقى جـزءاً من رقـص ألفـناه على جثث الفلسطينيين، صار التذكير به رتيباً، لكنه في الحالة السورية امتد ليصـبـح رقـصـاً على جـثـث الـسـوريـين، وأيضاً على جثث سكان المخيمات الفلسطينية في المدن السورية، أولئك الذين لم توفرهم آلة القمع لدى النظام. فغالاوي الذي ستقلع سفنه من ميناء اللاذقية إلى قطاع غزة المحاصر، يعرف تماماً أن هناك على بعد أمتار من سفنه الراسية في ميناء اللاذقية، مخيماً (فلسطينياً أيضاً) محاصراً، وقبل أشهر قليلة وصلت إلى قبالته فرقاطات النظام وقصفته من المكان الذي ترسو فيه «سفن التضامن مع غزة». وربما تزودت سفن التضامن مع الفلسطينيين (في غزة) بوقود من فرقاطات قصفت الفلسطينيين (في اللاذقية).
ولكن يبقى لمأساة السوريين والفلسطينيين مع «المتضامنين» معهم، بعدٌ آخر صار ملحّاً بعد ما شهدته المنطقة من ثورات وانتفاضات، يتمثل في أن المجتمعات العربية اليوم تُقدم عناصر أزماتها الداخلية على أي اعتبار آخر، وهو أمر قد يبدو أن القضية الفلسطينية ضحيته الأولى، إذ تراجع مستوى الانشغال بها إلى درجة ثانية وربما ثالثة في سلّم أولويات المجتمعات والأنظمة الجديدة. لكن ما قد يبدو نكوصاً مرشح لأن يكون فرصة أيضاً. ذاك أن تخليص القضية الفلسطينية من مساعي ابتذالها في خطاب الممانعة وفي حماية أنظمة استبدادية، هو الآن فرصة فعلية.
القول أن جورج غالاوي هو مجرد متسوّل على أبواب النظام في دمشق، وقبله في بغداد، لا يمكن أن يُرد، لا بل هو حاجة وطنية فلسطينية، إذ كيف يستقيم التضامن مع أصحاب حق في فلسطين في سياق مساعٍ لحماية نظام يسلب السوريين حقهم في الحياة؟
الحاجة إلى ذلك فلسطينية وليست سورية، فارتباط الحق الفلسطيني بمآسي مجتمعات أخرى يصيب القضية الفلسطينية، وهو أصابها في العراق عندما انحازت منظمة التحرير إلى نظام صدام حسين فخسرت القضيةُ العراقَ بعد سقوط الطاغية، وها هو سوء التفاهم العراقي - الفلسطيني مستمر ومولّد للكثير من المرارات.
حصل ما يُشبه ذلك أيضاً في ليبيا، على رغم أن تأثيره أقل لأسباب جغرافية أولاً، ولضعف الانغماس الفلسطيني في الضائقة الليبية ثانياً، لكن فلسطينيين كثر ممن يقيمون في ليبيا ينقلون أخباراً عن عمليات ثأر تعرّض لها كثيرون منهم في أعقاب سقوط النظام «المتضامن» مع القضية الفلسطينية.
كم سيبدو نقياً لو أن الفلسطينيين تصدوا لسفن غالاوي في غزة، وكم سيستقبل السوريون ذلك بحفاوة. أن يقف مواطنون فلسطينيون على شاطئ غزة لـيبـلغوا ربان السفينة قرارهم التبرع بالـمسـاعدات لســكان مـدينة حـمـص المنكوبة، فهم بذلك سيصيبون هدفين: الأول: رسالة تضامن مع السوريين، والثاني: القول أن قضيتنا أحق من أن تُستخدم في سحق مجتمعات أخرى.
لن يبـالغ المرء فـي القول أن حاجة الفلسـطـينيين إلى رد سـفـن غـالاوي عن شــواطئ غـزة تـفـوق حـاجة السورييـن إلـى ذلـك، إذ أن الإمـعـان في تلويث قضيتهم بلغ الذروة مع أسطول التضامن الجديد هذا، وفي مواجهة حكومة إسرائيلية من نوع حـكومة نتانـياهـو لا يـمـكن الـتـسـاهـل في حـقـوق الآخرين. والمسؤولية الفلسطينية هـذه الـمرة حـقيـقية ولا يـمـكن الـقـفز فوقهـا، ذاك أن المـجـتمعات «المستيـقظة» تراقب وتدرك حجم اعتماد أنظمتها على المأساة الفلسطينية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى على الفلسطينيين أن يستعيدوا وقائع الانتفاضة الأولى، تلك التي كان انغماس أنظمة الاستبداد العربية فيها منعدماً أو يكاد. ففي تلك الانتفاضة انتزع الفلسطينيون اعترافاً دولياً بحقهم في أن تكون لهم دولة عاصمتها القدس، ونجحوا في إقناع العالم بأنهم الضحية. واستمر ذلك إلى أن بدأ الإقليم بالـتسـرب إليهم وبتفكيك وحدتهم الوطنية، فنجح الإسرائيليون في الانقضاض على إنـجاز الانتفاضة.
على هذا النحو يشرع الفلسطينيون في الانخراط في حركة التغيير الجارية في محيطهم، أي عبر تخليص قضيتهم مما علق بها خلال سنوات تضامن غالاوي ونماذجه العربية. فالأخير هو أحد الجسور التي تصل بين اضطهاد البعث السوريين وقبلهم العراقيين وبين قضية عادلة، وقد أُريد لهذا الجسر تسويغ الاضطهاد.

المصدر: دار الحياة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع