..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

اقتلوا 3000

مجاهد مأمون ديرانية

٢٣ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7773

اقتلوا 3000
13.jpeg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة السورية المباركة (93)

اقتلوا 3000

لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه عن مقتل عقيد أو عميد من كبار ضباط جيش الاحتلال، وهؤلاء هم الحلقة الأقوى في بنية النظام، أو ثاني أقوى الحلقات بعد قادة أجهزة الأمن، فمَن كان قادراً على الوصول إليهم فإنه على الوصول إلى الحلقات الأضعف أقدر.

 


تذكرت وأنا أتابع تلك الأخبار مقالةً كنت قد قرأتها قبل عدة شهور، وأردت أن أستشهد بما جاء فيها لأبني عليه وعلى الأخبار السابقة فكرةَ هذه المقالة، لكني فشلت في العثور عليها -على طول بحثي عنها- ولذلك سأعتمد على ما بقي منها في ذهني. الذي أذكره أن كاتب المقالة كان واحداً من الكتّاب الغربيين المختصين بمتابعة الشأن السوري، والفكرة المهمة هي قوله إنه درس النظام السوري دراسة متأنية فاستنتج أنه يستمد قوته وقدرته على البقاء من عدد محدود من الأشخاص، استطاع إحصاءهم فبلغوا ثلاثة آلاف وبضعَ مئات.
هل تبدو هذه الفكرة غريبة؟ أبداً، فكروا فيها تفكيراً منطقياً. ذات يوم شبّهتُ الدول -في بعض مقالاتي القديمة- بالمؤسسات والشركات. تخيلوا واحدة من أعظم الشركات وأكبرها، شركة تويوتا اليابانية على سبيل المثال، وهي كبرى شركات صناعة السيارات في العالم. تملك الشركة 522 فرعاً حول العالم ولها مصانع في بضعة وعشرين بلداً، وقد بلغت عائداتها في السنة الأخيرة نحو 240 مليار دولار، وهو مبلغ يساوي أربعة أضعاف الناتج القومي الإجمالي لسوريا، وتقدَّر قيمة أصولها بنحو 370 مليار دولار، ويعمل فيها نحو ثلث مليون موظف.
لو أردنا أن نُسقط الشركة فلا بدّ من وقف الإنتاج في مصانعها عن طريق فرض إضراب عام لفترة طويلة، ربما لمدة سنة أو سنتين، لأن احتياطيات الشركة وأصولها تستطيع امتصاص الصدمة لبعض الوقت، ثم سيبدأ الانهيار التدريجي بعد ذلك فيُلجئ الشركةَ إلى البدء ببيع بعض الأصول للوفاء بالتزامات السوق، وربما اضطرت إلى بيعها بأسعار أقل من قيمتها السوقية بسبب ضغط الحاجة. وإذا استمر الإضراب العام لمدة طويلة جداً ولم تستطع الشركة تعويضَ نقص العمال بتوظيف عمّال مَهَرة غيرهم فقد تنهار انهياراً كاملاً ونهائياً، أما إذا كان الإضراب جزئياً (عشرات الآلاف من العمال فقط) فسوف تتراجع واردات الشركة وتتعرض إلى خسائر واسعة، مما يؤثر على قيمة أسهمها ويهز موقفها المالي في المصارف الدولية، وسوف تصبح أقلَّ قدرةً على المنافسة في الأسواق العالمية، ولهذا السبب فإنها سوف تضطر إلى مقاومة الإضراب الجزئي بكل الوسائل، بما فيها الاستجابة (الجزئية أو الكاملة) لمطالب العمال المُضْربين.
هذا الطريق يمكنه أن يُضعف الشركة أو يدفعها باتجاه الإفلاس، ولكنه صعب وطويل، فأما صعوبته فلأن إقناع ثلث مليون عامل بالإضراب، بل ربما إقناع نصفهم على الأقل، ليس بالأمر الهيّن. وأما الطول فسببُه قدرةُ الشركة على امتصاص الضغط -لوقت يطول أو يقصر- اعتماداً على المخزون الاحتياطي أو على الأصول القابلة للتسييل، وقد تستثمر الشركة علاقاتها القديمة وتلوّح باتفاقيات وصفقات مستقبلية في سبيل الحصول على أموال إضافية من بعض المصارف الكبيرة أو من ممولين مستقلين.
* * *
في ثورتنا السورية تشبه الخطة السابقة -من حيث الشكل والتأثير- مشروعَ العصيان المدني الذي لم يهتم به الثوار كثيراً ولم تنجح محاولاته المتكررة لسبب لا أعرفه، مع أنه من أفضل الأسلحة الثورية وأكثرها أماناً وضماناً. لا أعلم لماذا لم يحتفل به الثوار احتفالهم بعمليات الجيش الحر والدفاع المسلح عن الأحياء والمدن. صحيح أن العصيان المدني سلاح ذو حدّين وأنه يؤذي الطرفين (وقد أفضت في بيان هذه الحقائق ولم أحاول إخفاءها حينما دعوت إليه وشجعت عليه في مقالة "الثورة تستعمل أفتك أسلحتها")، ولكن أليس العمل العسكري مكلفاً أيضاً؟ على الأقل كان ينبغي على الثورة أن تكمل الطريق وأن تَمضي في تنفيذ العصيان المدني، مع استمرار الجيش الحر وكتائبه المسلحة في توفير الحماية والدعم النفسي للثورة والثوار كلما كان ذلك ممكناً.
ليس هذا هو موضوعي اليومَ على أية حال، ومن كان مهتماً به فليرجع إلى مقالة العصيان المدني ومقالات المقاومة المدنية، وهي كثيرة، وقد مضى على نشرها زمن طويل. موضوع اليوم هو الطريق الآخر. لنعد إلى شركة تويوتا.
صحيح أن القوة العاملة في مصانع الشركة وفروعها المنتشرة في أنحاء الدنيا تبلغ ثلث مليون، ولكن لو بحثنا فسوف نجد أن مفاتيح البحث والتصميم والإنتاج والتسويق والإدارة المالية والتنفيذية تتركز كلها في أيدي بضع مئات من كبار المديرين والمسؤولين الكبار. ماذا لو خرج هؤلاء من المعادلة؟ ماذا لو استقال (أو أُقيل) أولئك المئات من المديرين والمهندسين والقادة الكبار في الشركة؟ ببساطة: سيتوقف الإنتاج أو يتعثر، وسيتوقف البيع أو يتأخر، وستضطرب الموازنات وتفشل الشركة في حفظ مركزها المالي أمام الموردين والممولين، وسوف تختل العلاقات مع المستوردين والوكلاء في البلدان المختلفة وتفقد الشركة ثقة عملائها وينفد مخزونها وتهبط مبيعاتها إلى الحضيض، وسوف يصبح ثلث مليون عامل مجمّدين في مصانعهم بلا عمل وستتحول المصانع إلى بيوت أشباح.
الفرق بين الخطتين السابقتين (إضراب العمال وإقالة المسؤولين) هو كالفرق بين ربح المباراة بالنقاط وربحها بالضربة القاضية.
* * *
لنَعُدْ إلى سوريا وثورة سوريا. زعم ذلك الكاتب (الذي ضاع مني اسمه وضاعت مقالته) أن قوة النظام السوري تتجمع في عدد محدود من الأشخاص لا يزيدون على الثلاثة الآلاف إلا قليلاً. سنستعين بأخيلتنا لفهم الأمر بصورة أفضل. أنا شخصياً أستطيع التفكير في أولئك الأشخاص في صورة هرم من عدة طبقات، يبدأ عند الرأس بعدد محدود جداً من كبار الرؤساء والمسؤولين، قد يبلغون ثلاثين، هم الرئيس ومستشاروه وقادة الأجهزة الأمنية والجيش وكبار المسؤولين السياسيين والماليين والإعلاميين والحزبيين. ثم نبدأ بالنزول إلى الطبقة التالية فنجد أن كل واحد من أولئك الثلاثين يؤدي وظيفته من خلال مجموعة مركزية قد يبلغ عدد أفرادها نحو عشرة أشخاص، وهكذا يصبح الثلاثون ثلاثمئة، وعندما نحصي معهم الطبقة الثالثة يصبح العدد ثلاثة آلاف.
لنأخذ إدارة المخابرات الجوية مثالاً. ذلك الجهاز الخبيث يوجد فيه نحو ثلاثين ألف شخص ويقوده اللواء جميل حسن، فهل تتخيلون أن يصفر في صفارة فيركض إليه الآلاف الثلاثون لتنفيذ أوامره؟ مستحيل، إنما يتم الأمر من خلال معاونيه ومسؤولي الفروع والأقسام ومساعديهم، إلى آخر التشكيلات التنظيمية المعروفة. نجد مثلاً أن الطبقة الأولى في الجهاز تضم رئيس فرع مطار المزة ورئيس فرع التحقيق في القصاع ورئيس قسم العمليات الخاصة في المخابرات الجوية ورئيس فرع المخابرات الجوية في حرستا ورؤساء الفروع في المناطق (كفرع المنطقة الوسطى الذي يسيطر على حمص وحماة)… وتحت كل واحد من أولئك القادة الرئيسيين مجموعة صغيرة من ضباط المخابرات الجوية الكبار الذين يعملون معه في إدارته الفرعية… وهكذا في تسلسل هرمي متكامل.
هل يتوجب القضاء على ثلاثين ألف عنصر وضابط في المخابرات الجوية للتخلص من شر ذلك الجهاز المجرم؟ لا يقول أحد بذلك، ولن يرى عاقل أيضاً أن التخلص من أفراد صغار من الجهاز يمكن أن يشلّه ويعطله عن العمل، فالجسم يعيش ولو فقد إصبعاً أو عقلة في إصبع. لتعطيل الجهاز اقطعوا الرأس. إذا ذهب كبار الضباط ومعاونوهم الأقربون ومن يلوذ بهم ويعمل في دوائرهم سيتعطل الجهاز عن العمل.
ولكن ليس القادة الأمنيّون والعسكريون هم مصدر الشر الوحيد. إن الأذى المنظور يأتينا منهم لأن الجيش وأجهزة الأمن هي الظاهرة في العمليات الأمنية القمعية، لكن النظام ما كان له أن يعيش ولا قدرة له على البقاء لولا تكامل أجهزته المتنوعة، فليس المسؤولون الكبار في المصرف المركزي وسوق الأوراق المالية والغرف الصناعية والتجارية أقل خطراً وأهمية من المسؤولين العسكريين، وإن يكونوا أهدافاً أسهل على التصفية. بل لو تأملنا فسوف نجد أن تعويض عقيد أو عميد يغتاله جيشنا الحر أسهل على النظام من تعويض مسؤول إعلامي كبير بحجم مدير محطة فضائية أو مسؤول اقتصادي كبير بحجم مدير المصرف المركزي أو السوق المالي.
* * *
لقد وضحت الخطة الآن وظهر الهدف من المقالة. لو كان المطلوب هدم شركة من الشركات فسوف نسعى إلى حمل المتنفذين الكبار على الاستقالة فتصاب الشركة بالشلل، أما كبار مجرمي نظام الاحتلال الأسدي فلن يستقيلوا من تلقاء أنفسهم، ولستم أنتم من وضعهم في أماكنهم لتُقيلوهم، فماذا تصنعون؟ اقتلوهم.
الحروب تبدأ على الورق لا تبدأ على الأرض، حيث توضَع الخطط وتُحسب الحسابات ثم يبدأ العمل في دنيا الواقع تبعاً لما حُسِب وخُطّط. فتعالوا نبدأ على الورق؛ لنرسم خريطة كاملة لنظام الاحتلال الأسدي، تظهر فيها مواقع وأسماء المتنفذين الكبار في مفاصل النظام جميعها، في طبقاتها الثلاث العليا. هؤلاء هم كل شيء، هم الدماغ والحبل الشوكي اللذان إنْ تَلِفا تَلِفَ الجسم كله وتعطل عن الحركة. هؤلاء هم الهدف.
"قائمة الموت" يجب يتعاون على كتابتها عدد من كبار أهل الرأي والمعرفة وقادة الثورة الميدانيين والسياسيين، ويجب أن تشمل بالتأكيد المسؤولين المباشرين عن القمع والقتل، وهم قادة الأجهزة والفروع الأمنية ومعاونوهم وقادة الفرق والألوية وضباط هيئة أركان الجيش، ولا بدّ أن يكون فيها أيضاً محافظو المحافظات ومساعدوهم، وقادة الحزب وكبار أعضائه، وكبار المسؤولين الإعلاميين في الإعلام المرئي والمكتوب والإعلام الإلكتروني، وكبار الفنيين والخبراء التقنيين في الاتصالات، ومحافظ المصرف المركزي وكبار مساعديه، ورؤساء الغرف الصناعية والتجارية، والممولون الكبار وأصحاب الشركات التي يملكها النظام أو التي تدعمه وتمول أنشطته العدوانية، وغيرهم ممن يعرفه قادة الثورة ومفكروها ومستشاروها المطّلعون على الخفايا والأسرار.
هؤلاء جميعاً سيبلغون بضعة آلاف، ربما ثلاثة آلاف لو صدق صاحب الدراسة التي تحدثتُ عنها في مطلع المقالة. ولا تظنوا أن المسؤول العسكري أشد ضرراً على الثورة من المدني فيشغلكم الأول عن الثاني، بل اهتموا بالنوعين معاً، اقتلوا الاثنين. ولكنهم ليسوا سواء في المنعة والقوة، فإن اغتيال رؤوس النظام الكبرى أمر عسير والوصول إلى الطبقات الأدنى أيسر من الوصول إلى العليا، فلا تبدؤوا من الأعلى ولكن ابدؤوا من الأسفل؛ اضربوا الطبقة الثالثة أولاً، ثم ارتفعوا من الأدنى إلى الأعلى بعزم وثبات واطّراد، فلن يلبث أن يأتي يوم تبقى فيه الطبقة العليا بلا ظهر ولا دعائم، طائفةً من الفئران المذعورة.
نعم، اقتلوهم، اقتلوا الآلاف منهم؛ إن العمارة كلما فقدت المزيد من دعائمها صارت أقرب إلى الانهيار.

المصدر: الزلزال السوري 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع