..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حيّ على الجهاد

مجاهد مأمون ديرانية

١٣ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 10214

حيّ على الجهاد
5877.jpeg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة السورية المباركة (83): حيّ على الجهاد

ليست هذه المقالة إعلاناً للجهاد، ولكنها دعوة صريحة إلى إعلان الجهاد، فإن قرار إعلانه أجَلّ وأخطرُ من أن يحتكره فردٌ أو بضعة أفراد من الناس نيابةً عن الأمة، إلا أن يكونوا من أهل الحل والعقد، ولست منهم، إلا أنني أوجه النداء إليهم وأضمّ صوتي إلى أصواتٍ لا تُحصَى تنادي أنْ حيّ على الجهاد.


-1-
أما إنه قد وجب النفير وآن أوانُ الجهاد بلا ريب، بل إن الجهاد كان واجباً منذ اليوم الأول، وإنما تأخرت الثورة في إعلانه لأمرين؛ أولهما: حرصها على أن لا تقدم للنظام هدية مجانية تسوّغ له ضربَها واجتثاثها من جذرها، لأنها لو دخلت عليه من باب السلاح من أول يوم لأبادها غيرَ وَجِل ولا متخوّف من مجتمع دولي أو عالَم خارجي. ولماذا يعبأ المجتمعُ الدولي والعالم الخارجي بنظام يقمع تمرداً مسلحاً ضده؟ هذا هو السبب الأول، أما الثاني: فالخوف من الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب عندما يرفع السلاح، وما مجزرةُ حماة عنا ببعيد.
أمَا وقد قصف النظام المدنَ بالمدفعية والصواريخ واقتحمها بالدبابات، أمَا وقد استباح المجرمون الحِمَى فاعتقلوا الرجال والنساء والصبيان والبنات، وعذبوا الأحرار من المؤمنين واغتصبوا الحرائر من المؤمنات، أما وقد حصل ذلك كله وأكثر منه حصل، فماذا بقي لنخسره أكثر مما خسرنا أو لندفعه فوق ما دفعنا؟
ولم يكفِ النظامَ كلُ ما ارتكب بحقنا من آثام حتى أباحَ بلادنا لأعدائنا، فوطئت أرضَنا نعالُ الغزاة من إيران ولبنان والعراق، ودخل علينا آلافٌ وآلاف من مجرمي الحرس الثوري وجيش المهدي وحزب الله، فقتلوا رجالنا ونساءنا وعاثوا الفساد في بلادنا، فإذا لم يُنْهِضنا إلى الجهاد ذلك كله فأيّ شيء يُنهضنا؟ ألا لقد بلغنا نقطة الانفجار، ألا لقد وجب الجهاد، فحيّ على الجهاد.
-2-
ولكن الجهاد -يا أيها المؤمنون- ليس نزهة قصيرة ولا مغامرة عابرة، بل هو مشروع متكامل ورحلة طويلة شاقة نهايتُها رفعةٌ وسموّ وفوز في كل حال، موتٌ في سبيل الله بعدَه حياةٌ في كنف الله ورعاية الله بلا موت، أو حياة بعزّ وكرامة وانتصار. إنها رحلة شاقة طويلة تحتاج إلى صبر وثبات، ومن أين جاءت الكلمة أصلاً؟ أليست من الجهد الذي يستلزمه الجهاد؟ إذا أردتَ أن تنجز أمراً وجدَدْتَ فيه قلت: إنني أبذل فيه جهدي. فالجهاد بذل للجهد إلى الغاية. وإذا أتعبك أمر قلت إنك مُجهَد، فالجهاد مُجهِد متعب. ولكنْ متى ارتاح شعب سوريا من يوم استولى على سوريا حزبُ البعث ومن يوم حكَمَته هذه العصابة البغيضة؟ أما إنه ما ارتاح قط وإنه لفي جهد جهيد الوقتَ كله، فما ضرّه لو بذل مزيداً من الجهد أياماً أُخَر؟
إن إعلان النفير ليس كلمات تقال باللسان ولا هو إعلان كأي إعلان، فإن له تَبِعات جِساماً من أهمها أمران:
(1) سيكون على كل قادر على القتال أن يتطوع للقتال، ما لم تكن له وظيفة أخرى يدعم بها مشروع الثورة ومشروع الجهاد. وهذه أهون التبعات وأقربها إلى التحقيق، فإن الذين يتشوّقون للقتال ويتحرقون للجهاد لا يحيط بهم إحصاء ولا يعدّهم عادّ، ولسوف نقرأ بعد قليل آية العذر فنقول: كأنها ما أُنزلت إلا في هؤلاء الناس. وهي قوله - تعالى -: {ليس على الضّعفاء ولا على المَرْضى ولا على الذين لا يجدون ما يُنفقون حرجٌ… ولا على الذين إذا أتَوْكَ لِتحملَهم قلتَ لا أجد ما أحملكم عليه تولَّوا وأعينُهم تَفيضُ من الدّمع حَزَناً}… كأني أرى أمامي -بعين الخيال- أحرار سوريا يأتون متطوعين آلافاً وراء آلاف فيُقال لهم: معذرة، لا سلاح نقدّمه لكم ولا طاقةَ لنا باستيعابكم في جيش الأحرار، فيعودون وأعينهم غارقة بالدمع السخين المِدرار.
(2) وسيكون على كل قادر أن يدعم المقاتلين بالمال والسلاح، من أهل سوريا ومن الذين يلونهم من أهل البلاد الإسلامية، فريضةَ عين لا نافلةً ولا فريضةَ كفاية، فليس لأحد في الحرب أن يرمي التبعة على أحد، واقرؤوا -إن شئتم- مع الآيتين السابقتين الآية بعدهما: {إنّما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء..}، وبعدها بآيات: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسَهم وأموالهم بأن لهم الجنة..}؛ الجنة هي السلعة والثمن هو الأنفس والأموال، ومَن لا يريد الجنة؟ وهل أحدٌ أضمَنُ لوعده وأوفى بعهده من الله الذي تعهد بها لمن قاتل في سبيله وأنفق؟ {ومَن أوفى بعهده من الله؛ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم}.
-3-
على أن لكل مجاهد في الجهاد دوراً ووظيفة لا يُستغنَى عنها وليس حمل السلاح أَوْلى منها بخدمة الثورة ودفعها إلى النجاح، فإن الناس لم يُطالَبوا بحمل السلاح جميعاً لمّا فُرض عليهم الجهاد، ولو فعلوا لما بقي من يصنع للجند السلاح من سيوف ورماح، ولما بقي من يَخيط لهم الكساء ومن يوفر لهم الغذاء.
وكذلك هي ثورتنا اليوم، فإن كل من يعمل في الثورة مجاهد ولو لم يحمل السلاح: الذين يخططون للمظاهرات، والذين يشاركون فيها، والذين يصورونها ويوزعون صورها، والذين ينشرون أخبارها ويقومون على صفحاتها، والذين يخططون اللوحات ويقودون الهتافات، والذين يتبرعون بالأموال، والذين يقدمون للجنود الأحرار المأوى والرعاية، والذين ينقلون المؤن، والذين يعالجون المصابين، والذين يدفنون الشهداء… كل أولئك -وغيرهم ممن فاتني عدّهم- مجاهدون، وكلهم لا يستغني عنه الجهاد، ولو توقف ذلك الجيشُ الخفيّ عن العمل فلن تبقى ثورةٌ ولن تقوم قائمةُ الجهاد.
تذكروا -يا أيها الناس- أن الثورة الشعبية السلمية التي فجّرتموها في سوريا هي العمود الفقري لمشروع التحرير، وأن القتال هو فقط عنصر الحماية والحسم، فلا يجوز وقف الثورة الشعبية أبداً، ولا يجوز أن يهوّن أحدٌ من شأنها وهو يدعو إلى الجهاد. هذا تحذير أستبق به الأحداثَ لأنني أعلم أن السلاح فتّانٌ، وأن عملية عسكرية واحدة صغيرة تثير مشاعر الناس أكثر مما تثيرها خمسون مظاهرة حاشدة. ولست أقلل من قيمة أية عملية عسكرية مهما تكن متواضعة، ولكني أؤكد وسوف أظل أؤكد أن الثورة الشعبية هي الأساس وهي الضمان، وأن المتظاهر السلمي لا يقل قيمة عن المقاتل المسلح، ولو أنكم سألتموني أيهما أكثر شجاعة لقلت بلا تردد إنه المتظاهر السلمي وليس المقاتل الذي يحمل السلاح.
-4-
نقطة أخيرة أحب أن أؤكدها قبل الخروج من هذا الموضوع: نحن لا نريد محاربين ومتطوعين من خارج سوريا، لا من القاعدة لا من غيرها، فإن في سوريا مليون شهيد حيّ يتحرقون للجهاد قد زهدوا بالأنفس والأرواح، إنما ينقصهم العتاد وينقصهم السلاح، فليكن جهاد كل أخ من إخواننا من وراء الحدود بالمال الذي يُشترى به السلاح والعتاد فيفوز بالأجر اثنان، المقاتل المجاهد، والمموّل الذي دفع قيمة العتاد وقيمة السلاح.
ثم إن أحداً من خارج سوريا لن يعرف سوريا ويميز العدو فيها من الصديق مثل أهلها، وهم أعلم بعلل مجتمعهم وأعلم بالعلاج، أما القادم من بعيد فإنه يخطئ في تشخيص الداء ويتعجل بفرض المرّ من الدواء فيسيء من حيث يريد الإحسان، وقد طالما شاهدنا مصداق ذلك في ساحات النزال السابقات، في أفغانستان والبوسنة والعراق، فاتركوا الشام لأهل الشام وادعموهم فقط بالمال والسلاح والدعاء.
-5-
أختم بالتأكيد على أن لإعلان الجهاد شرطاً أساسياً لا يمكن التهاون فيه، وإذا لم يتحقق فأنا أبرأ إلى الله من فتح بابه ومن الدعوة إليه. هذا الشرط هو وحدة العمل المسلح -وقد كرّست له مقالاتي الخمس الأخيرة واعتبرتها مدخلاً إلى هذه المقالة-.
لقد عشت ورأيت ما تصنع فوضى السلاح بالأمة وما ينتج عن تعدد الجهات المسلحة في الساحة الواحدة؛ رأيت كيف قتل المسلمون بعضهم بعضاً في أفغانستان وفي الصومال كما لم يقتلهم أعداؤهم، فعلمت أننا إن كنا مقتولين فخيرٌ لنا أن نموت بسلاح عدونا من أن نموت بسلاح يوجهه بعضُنا إلى صدور بعض. فإن لم يوحّد المسلحون جماعاتهم ويضعوا لصيانة وحدتهم أمنعَ الخطط وأعصاها على الافتراق والاختراق فلا خيرَ في أي دعوة إلى الجهاد، لأن القوم الذين يستعملون السلاح لحل خلافهم مع عدوهم يمكن أن يستعملوه لحل خلافاتهم بين أنفسهم، ولأن أمة لا تتفق وهي تواجه عدوها اليوم لن تتفق إذا فرغت منه في الغد القريب.
* * *
يا أهل الشام، يا أبطال سوريا في كل مدينة وقرية وفي كل جبل وسهل وواد: إنها ستكون أيام عصيبة لا يعلم طولها إلا الله، فإنه لا يكون جهاد بلا تضحيات ولا يكون نصر بلا ثمن، ولكن النظام ألجأكم إلى هذا القرار ولم يترك لكم الخيار؛ لقد أحرق النظامُ الجسورَ فلا عبور وأحرق الثوارُ السفنَ فلا عودة، ولم يعد لنا بدّ من النفير:

ولا أتمنّى الشرَّ والشرُّ تاركي *** ولكنْ متى أُحمَلْ على الشرّ أركَبِ

أما إنها ثورة أمة، ثورة شعب رفض الاستبداد والطغيان ونفض الذل والهوان، وقرر أن يولد من جديد على عين الزمان وأن يكون له بين الأمم أعزُّ مكان. أما وإنه لا بدّ للميلاد من مخاض، ولا بدّ للمخاض من آلام، فاصبروا يا أهل سوريا الكرام، لقد أوشك أن يطلع ضوء الفجر من بعد طول ظلام.

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع