..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بين القبعات الزرق... وقبلة الحياة لسوريا

خير الله خير الله

١٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6720

بين القبعات الزرق... وقبلة الحياة لسوريا
8.jpeg

شـــــارك المادة

منْ يراهن على التزام النظام السوري مبادرة كوفي أنان، إنما يراهن على سراب، بغض النظر عن توجه مراقبين دوليين إلى سوريا.
المسألة تتجاوز المراقبين الدوليين، على الرغم من أن وجودهم في دمشق يعتبر حدثاً في غاية الأهمية. من كان يصدّق أننا سنرى أخيراً ذوي القبعات الزرق في الأراضي السورية، حتّى داخل العاصمة نفسها لمعرفة ما يدور في شوارعها وفي المنطقة القريبة منها؟ أليست تلك خطوة يمكن أن تسبق تطوراً من نوع آخر في مرحلة لاحقة، تطوّر من نوع إرسال قوات حفظ سلام تحمل أسلحة إلى هذا البلد، حيث نظام يعتبر أن من مهماته في السنوات الخمس والأربعين الأخيرة تصدير الأمن، أو على الأصح الإرهاب، إلى المنطقة المحيطة به؟
ما على المحك مستقبل بلد عربي بات مهدداً. تمرّ سوريا حالياً بمرحلة مصيرية في ظلّ نظام يرفض الاعتراف بأنه انتهى. لا يشبه النظام السوري سوى تلك الأنظمة التي تحكّمت بدول أوروبا الشرقية فترة طويلة من الزمن امتدت بين العامين 1945 و1990.


عاشت تلك الأنظمة نحو خمس وأربعين سنة، أي ما يقارب عمر النظام السوري الحالي. كانت تلك الأنظمة مرفوضة من شعوبها. انتهت مع انتهاء الاتحاد السوفيتي. منذ سقوط جدار برلين في تشرين الثاني- نوفمبر من العام 1989، كرّت السبحة. استعادت ألمانيا الشرقية حريتها وعادت إلى ألمانيا. لم تمض أشهر إلاّ واستعادت تشيكوسلوفاكيا بدورها حريتها ثم اختارت بطريقة حبية أن تصبح دولتين هما تشيكيا وسلوفاكيا. عادت هنغاريا إلى أهلها، كذلك رومانيا التي تخلّصت من عائلة حاكمة جسّدت كل أنواع التخلف والوحشية. على الدرب نفسه سارت كلّ من بولندا وبلغاريا.
لم تكن يوغوسلافيا جزءاً من المنظومة السوفيتية. انتهت يوغوسلافيا مع انتهاء تيتو الرجل الذي وحّدها وتوفى في العام 1980. انتهت يوغوسلافيا بعد عقد على وفاة تيتو دولاً عدة إثر سلسلة من الحروب التي حركها انفلات كل أنواع الغرائز.
دفعت يوغوسلافيا ثمن الوحدة غير الطبيعية التي استطاع الماريشال جوزف بروز تيتو فرضها بفضل شخصيته القويّة. ما لا يمكن تجاهله أن تيتو، أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز، تحدّى ستالين عندما كان في عزّ قوته وجبروته وأبقى على مسافة بين بلده والاتحاد السوفيتي. لكنّ ذلك لم يحل دون انفراط عقد يوغوسلافيا في مرحلة كانت دول أوروبا الشرقية تستعيد حريتها!
لم يكن الوضع في أي دولة من دول أوروبا الشرقية طبيعياً. كانت هناك شعوب تقاوم الديكتاتوريات والأنظمة الأمنية والدبابات السوفيتية منذ ضمها إلى دائرة النفوذ السوفيتية. قاومت هنغاريا الظلم، فكانت انتفاضة بودابست في العام 1956 تعبيراً عن تلك المقاومة. وكان "ربيع براغ" في العام 1968. أما بولندا، فلم ترضخ أو تهدأ يوماً وقد لعبت كل من الكنيسة الكاثوليكية والحركة النقابية دوراً حاسماً في مجال تأكيد أن أنظمة تقوم على الأمن وعلى دعم الدبابات السوفيتية لا يمكن أن تستمرّ إلى ما لا نهاية.
بعد تحرر دول أوروبا الشرقية، لم يبق في العالم سوى عدد قليل من الدول تتحكم بها الأجهزة الأمنية. بقي مثلاً النظام العراقي، وهو نظام عائلي- بعثي يشبه إلى حد كبير النظام السوري. اعتقد صدّام حسين في العام 1990 أنه لا يزال في استطاعته لعب دور أكبر من دوره. ذهب إلى الكويت هرباً من أزمته الداخلية. لم يجد من ينقذه عن طريق صفقة يعقدها مع الولايات المتحدة. تخلّى الاتحاد السوفيتي، الذي كان في أواخر مراحل التحلل، عن صدّام ونظامه وترك المجتمع العراقي يتفكك والمؤسسات العراقية تنهار من داخل في انتظار التدخل العسكري الأميركي في العام 2003.
من سوء حظ سوريا اقتناع النظام فيها أنه يستطيع الرهان على روسيا التي تعتقد أنها ورثت قسماً من القوة التي كان يمثلها الاتحاد السوفيتي. كلّ ما تفعله القيادة الروسية حالياً يتمثل في البحث عن صفقة تستفيد منها موسكو وليس النظام السوري. إن عذابات الشعب السوري تبدو آخر همّ من هموم القيادة الروسية التي تدرك قبل غيرها أن ليس في الإمكان تغيير مجرى التاريخ. لو كان ذلك ممكناً، لكان الاتحاد السوفيتي لا يزال حيّاً يرزق.
في حال كان فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف يمتلكان حدّاً أدنى من الشعور الإنساني، لكانا أفهما النظام السوري أنه ليس أقوى من النظام الروماني أيّام تشاوشيسكو، ولا النظام البلغاري أيام جيفكوف، ولا النظام الألماني الشرقي أيّام اريش هونيكر. في آخر المطاف، جاء ميخائيل غورباتشوف إلى برلين وتكرّم على الزعيم الألماني الشرقي بقبلة الموت. كانت قبلة على الفم على الطريقة المتبعة بين زعماء دول حلف وارسو. لم تكن تلك القبلة في الواقع سوى قبلة الوداع لهونيكر والنظام، وقبلة الحرية والحياة الكريمة للألمان. كان غورباتشوف يعرف أن كلّ شيء انتهى، وأن ليس في الإمكان إنقاذ أنظمة لا تمتلك سوى الشعارات والدبابات لاكتساب شرعية ما. وهذه بالضبط حال النظام السوري الحالي.
مهّدت تلك القبلة لاستعادة ألمانيا وحدتها. كانت قبلة غورباتشوف لهونيكر بمثابة قبلة الرحمة للشعب الألماني كلّه. أظهر غورباتشوف أنه رجل عظيم يعرف إلى أين يتجه العالم.
برفض موسكو التكرّم بقبلة الموت على النظام السوري، وهي في الواقع قبلة الحياة، فهي تسمح بقتل آلاف السوريين الأبرياء الذين لا يريدون سوى استعادة حريتهم وكرامتهم. هل تفعل ذلك عن قصد من منطلق رفض الاعتراف بأن هناك عالماً جديداً نشأ عن انهيار الاتحاد السوفيتي؟ هل هناك في موسكو من لا يريد الاعتراف بأنّ جدار برلين انهار قبل ثلاثة وعشرين عاماً، أم أن كلّ ما في الأمر أن موسكو تعتقد أن في استطاعتها الاستفادة من حرب أهلية في سوريا تؤدي إلى تقطيع أوصال البلد؟ إنه بالفعل منطق اللامنطق في عالم معروف فيه مصير نظام مثل النظام السوري، نظام في مواجهة يومية مع شعبه.
المسألة مسألة وقت ليس إلاّ. ليس طبيعياً أن تتوقف رياح الحرّية عند أبواب دمشق وحلب. ليس طبيعياً أن يتفرّج السوريون على النظام يزيل أحياء كاملة في حمص عن الخريطة. قبلة الحياة للشعب السوري آتية لا محالة. يمكن أن تأتي من موسكو التي لا يمكن تجاهل موافقتها على القرار الأخير لمجلس الأمن الذي وصل ذوو القبعات الزرق بموجبه إلى دمشق.

المصدر: المختصر، نقلاً من: ميدل ايست 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع