هشام محمد سعيد قربان
تصدير المادة
المشاهدات : 3350
شـــــارك المادة
الحرية مطلب عزيز، بل هو أعز مأمول، وأشرف مقصود، وأعلى الدرجات، وأغلى السلع. ابتغاها الناس بفطرتهم منذ قديم الأزل، وطلبها الكثير والكثير، وتخيلوها، وحلموا بها، وحكوا عنها الحكايات، ولكن لم يدركها بحق إلا القلة، وما أدركوا جمالها، وما دخلوا إلى رحابها إلا بمفتاح الوحي. عروس مصونة، ودرة مكنونة، بعيدة المنال، عصية تتمنع على كل جبان خمول كسول، ولا ينالها إلا ذلك العزيز الهمام المقدام، الذي يأنف من الذل، ويرفض الهوان، ولا يرضي الدنية، ويرخص النفس لإعلاء الحق، وإزهاق الباطل، وتحطيم أصنام الوهم والوهن. عزيز شعاره وكل من اتبعه: أنا نفخة الإله، أنا خليفته في أرضه، ومجتباه من خلقه، أنا خير الأمم، أنا أمة الشهادة، أنا جند الله، ولغير الله لا نحني الجباه. ما أغلى ثمن الحرية، وما أشرفها من غاية، ويا له من نداء رباني لا يبلى، تتخلل جذوره أعماق التاريخ، ويتحدى الزمن، ولا يحده مكان، نداء لا يغيب، وأمل لا يخيب، يورثه السابق للاحق، والمتقدم للمتأخر. نداء يلمع سره في عيون المظلومين والأسارى والمعذبين، نداء علوي يتحدى الأغلال، ويسخر من القيود. نداء مغروس وكامن في أعماق كينونتنا، قد يخفت صوته لزمن، وقد يحاول البعض تشويهه، وتنفير الناس منه. لكن هذا النداء لا يغيب، ومن المحال كتمه للأبد، فهنالك تحت الرماد - الذي يظنونه بارداً - شرارة صغيرة، بل قوافل من الشرر، تنتظر بشوق، وتتوق بلهفة لرياح التغيير، وترقب نسائم الفجر الصادق، لكي تودع سباتها، وتضطرم نارها، وتتأجج حممها، فتحرق الباطل، وتعريه، وتفضح زيف مقاله، وتنزع قناع الزور عن ذلك الوجه القبيح. نداء جميل حبيب تتردد أصداؤه في مسامع الزمن، ما أغلى ثمن الحرية. ألم تسمع هذا النداء عند الأخدود؟ حيث النار ذات الوقود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، حرية الإيمان بالله الحق والدين الحق، حرية كعادتها تغضب الباطل الذي لا يستمد قوته وجبروته إلا من بعدنا وإبعادنا عن وحي السماء، وجهلنا وتجهيلنا، وخوفنا وتخويفنا، وضعفنا وأضعافنا، وابتغي الباطل إسكات النداء، فحرق كل أصحاب الأخدود، ولكن ذلك النداء الخالد لم يفن، ولن يفنى، ولم تزده النار إلا صفاءً ونقاءً، ووضوحاً وعلواً: أحد...أحد، أحد.... أحد، الله أكبر، الله أكبر. ما أغلى الحق، وما أرخص الروح في دربه الشريف، ذلك الفوز الكبير. ألم تسمع أصداء هذا النداء على لسان كليم الله مخاطباً فرعون؟ أن أرسل معي بني إسرائيل، ولا تعذبهم، ولا تقتل أبناءهم، ولا تستحي نساءهم. أم لعلنا نسينا نداء السحرة، حين لم يأبهوا للصلب والقتل، وقالوا: لا ضير إنا إلى ربنا راغبون، إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المسلمين، ما أعجبه من موقف! أشرقت عليهم شمس ذلك اليوم وهم أذلة عبيد فجرة، فما أن ذاقوا طعم الإيمان والحرية، رفعوا جباههم لأول مرة، وغربت الشمس، وأمسى أولئك السحرة شهداء بررة، قدموا الثمن نفوساً مؤمنة أبية، ودماءً زكية، باعوها لمن اشتراها، وجعل الجنة عوضها، وأنعم به من عوض. نداء من مفارق مودع لوطنه الحبيب، باحثاً عن وطن الحق وأرض الحرية، نداء يتعالى عن التثاقل والالتصاق بالتراب: يا مكة، يا أم القرى، يا مولدي، يا مراتع الصبا، والله إنك أحب البلاد إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك، ما خرجت، نبي عظيم ورسول كريم يتسلل من وطنه متخفياً، تاركاً أهله وماله من أجل الحرية: حرية الإيمان بالله والعبودية له وحده، وحرية التكذيب بالشرك والباطل واستعباد الخلق للخلق. يغيب النداء لزمن، ولكنه يعود، يعود قوياً منتصراً، يعود متواضعاً خاشعاً متسامحاً: اذهبوا فأنتم الطلقاء. يرجع النداء بعد حين، ويصدح عالياً من عرفات، ويقرر ميثاق الحرية كما لم تعرفه البشرية، ويؤكد على معان ومفاهيم راقية ليت قومي فهموها ووعوها: ((يا أيها الناس، إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد)). نداء الحق، وإرث الخلود يخلفه نبي الحق، لصاحب الغار، وصديق المسار، وحافظ الدين، ويورث الصديق للفاروق هذا النداء الإلهي والدرس السماوي، فيصدح به الفاروق في صيحة حق، كلماتها من نور، ويسافر النداء الطيب من طيبة مهاجر الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى مصر أرض الكنانة، ويشرق ويغرب في كل الدنيا، صيحة إلهية السند، واضحة جلية، صافية نقية، تنقش على جبين الدهر درساً يريد أعداء الحرية أن ننساه، ولن ننساه، درساً للبشرية أجمع، درساً للأمس واليوم والغد: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
علي العبد الله
عوض السليمان
نبيل شبيب
برهان غليون
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة