عطية عدلان
تصدير المادة
المشاهدات : 3976
شـــــارك المادة
بين المجاملات وجلد الذات تكثر وتتعدد وتتنوع وتتدرج المخالفات الواقعة فيما نطلق عليه في بعض أدبياتنا المعاصرة: المراجعات، إلى حدِّ أنك إن جزمت بأنها اشتملت على كل شيء سوى حقيقة المراجعات لم تكن راكباً من الزعم شططاً، ولا ممتطيا من القول شُرفاً ناشزاً، وإلى درجة أنَّه لو دعا داع إلى غلق ذلك الباب بأعقد الأغلاق وأثقل الأقفال لوجدنا لقوله في مصادر الشرع مسلكا ومساغا. كيف السبيل إلى اعتبارها مراجعات وهي التي انتهت جميعها إلى حقيقة واحدة، مفادها أن كل ما قمنا به باطل لا أصل له، وضلال لا رشد فيه، وضرر لا نفع يرجى منه، وسخف وطيش وحمق لا تطيق الأرض أن تقله ولا السماء أن تظله، حتى صرنا في هذا الكون نشازاً وفي هذه الحياة شذوذا ؟!! فسعينا للحكم كان ركضاً إلى الهاوية أسرع من ركض الصيد الغافل إلى حتفه، وقتالنا على الجبهات والثغور لم يكن سوى مداعبة للأسد تحت أنفه، بل إنَّ كلامنا عن الجهاد والجلاد والولاء والبراء كان بمثابة النفخ الحماسيّ اللامنطقيّ؛ الذي لم تجن الأمَّة منه سوى (دعشنة) الجيل، ونشر الخراب واليباب في ربوع البلاد. هذه هي النتيجة التي تسلمنا إليها تلك (التوجعات) التي نسميها مراجعات، ووراء هذه النتيجة الحتمية ما وراءها مما لا يمكن أن يثبت عقلك في رأسك إذا قايسته بأدبيات الصحوة عند جميع من ينتسب إليها صدقاً أو كذباً جداً أو هزلاً، ومما لا تجد مسوغاً لقبوله إلا بإدارة الظهر لكل ما تردد في فضاءاتنا الرحبة عن عوم الرسالة وخلود الدعوة وأستاذية العالم وغير ذلك مما كنا نعتبره ثوابت أرسى من الجبال. وسوف تبلغ بك الدهشة منتهاها إذا رأيت هذا الخط التشاؤمي المحبط يمضي معه على التوازي خط تمجيدي للجماعة وتاريخها ورموزها؛ ليجتمع الضدان: تمجيد الذات وجلدها، في أغرب وأعجب منظومة خطابية تناقضية، فالجماعة معصومة ورموزها بالمجد والعز موسومة، أمّا النتيجة فهي كما ترى فشل تفشى وشر استشرى حتى لم يعد على الأرض على رحابتها وسعة أطرافها شبر لم يتلوث بآثار أخطائنا وخطايانا. فيا أيها الكاتبون المنظرون رويدكم؛ فلقد نال خطابكم من الجيل ومن القضية أشد مما ناله الأعداء الألداء، ولقد جاوزتم موضع الداء ووضعتم السم موضع الدواء، فها أنتم تستبدلون بالكفاح الانبطاح، وتسمون الجهاد عنفاً والنضال تطرفا، وترفعون فوق رؤوسكم ما وضعته الرموز التي تمجدونها تحت أقدامها؛ فما أبقيتم لمن يهوى التناقض مساحة يزاحمكم فيها أو ينافسكم عليها. وخلاصة ما يقضي به العقل البسيط الذي لم تفسده الجدليات المتشابكة أنَّنا لم نخطئ في قيامنا بما أمر الله به، ولكنَّنا أخطانا في عدم القيام به على الوجه الذي أمر الله به. فنحن لم نخطئ في سعينا للحكم؛ إذ إنَّ الإسلام دين ودولة، وتولية الحاكم المسلم العدل فرض كفاية، والسعي لتمهيد السبيل إلى تحكيم منهج الله واجب لا تنعتق الأمة من عهدته إلا ببذل الجهد واستفراغ الوسع في هذا السبيل، ولم نخطئ في جهادنا لعدونا وعدو ديننا وأمتنا؛ لأنَّ الجهاد ذروة سنام الإسلام، ولأنّ الأصل أنَّ الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأنَّ وعاء الزمن لا يفرغ من طائفة قائمة بأمر الله في نحور أعداء الله لا يضرها من خذلها حتى يأتي أمر الله، ولم نخطئ في تعبئة الجيل بما هو من الحق الذي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهو الهدى والبينات والفرقان، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إنما كان الخطأ الذي ارتكبناه في منطقة أخرى هي الأحرى بالمراجعة والأولى بالنظر والمدارسة، وهي منهجيتنا في إتيان هذه الأمور، هل كانت موافقة لمراد الله؟ ومتطابقة مع ما شرع في كتابه وسنة رسوله؟ أم إنّ الاعتبارات - وما أكثرها - كانت حاكمة على المنهج ووصية على الأداء؟ ومن ثمَّ؛ فبدلاً من أن نسأل أنفسنا: لماذا سعينا إلى الحكم وتولينا مسئولية البلاد؟ نسألها: لماذا لم نقم بهذا الأمر على الوجه الذي ينبغي؟ وما هي الأخطاء التي ارتكبناها فأدت إلى انقلاب الأوضاع؟ وبدلاً من الندم على الجهاد نندم على أخطائنا التي ضيعت جُلَّ ثمرات الجهاد؟ فإذا لم نفعل ذلك وتمادينا فيما نحن فيه من الانحراف في التقويم فلا يمكن أن يوصف عملنا بالمراجعات، مهما اجتهدنا في حشر المصطلحات وانتحال الأسماء، وسيسجل التاريخ هذا في صفحات الكذب والتزوير والهروب من مواجهة الحقيقة أن المراجعات وسيلة لتصحيح المسار لا ريب، لكنها تكون كذلك عندما تصبح مثل تلك التي تعلمناها من كتاب الله تعالى وهو يراجع مع المسلمين أداءهم في غزوة أحد، ويقفهم على أخطائهم الحقيقية التي كانت سببا في الهزيمة، بصورة جعلت من الواقعة المريرة فتحاً مبيناً.
حرية بوست
لجينيات
عبد الرحمن الراشد
عمر قدور
منذر الأسعد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة