..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الدور الأمريكي الحالي في سوريا

مصعب بن محمد حواري

١٦ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5450

الدور الأمريكي الحالي في سوريا
1.jpg

شـــــارك المادة

كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في عداء أمريكا، يزبد ويرعد في خطاباته، حتى أن المستمع إليه كاد ليظن أنه على وشك دك نيويورك وحصار ميامي ودخول واشنطن دي سي دخول الفاتحين. إلا أن نظرة خفيفة فيما كان يدور على الأرض، من لقاء مع السفير الأمريكي ليلة انقلاب 52 وتدخل مباشر من أمريكا لصالح ناصر إبان هجوم 56 ووحدة مع سوريا في 58 وتدخل أردني فاعل لإنهاء ذلك في 61 وتدخل ناصري في اليمن في 62 وقصف إسرائيلي متعمد لأهداف أمريكية في الأبيض المتوسط إبان هجوم 67، وغير ذلك كثير يقول لنا أن الأمور تكون بالأحداث على الأرض وليس بالخطابات والكلام.

 


إن النظام الناصري كان على وفاق كامل مع السياسة الأمريكية سراً، وكتاب "لعبة الأمم" لمايلز كوبلاند وكذلك كتاب "يا ولدي، هذا عمك جمال" لأنور السادات يكفيان لوضع النقاط على الحروف بهذا الخصوص؛ انتقل نظام السادات بالأمر من السر إلى العلن، ولا داعي لكثير تفصيل في هذا الأمر.
لننظر في واقع مصر آنذاك: عداء كلامي مع أمريكا في العلن، علاقات سياسية وعسكرية ممتازة مع أمريكا في السر، وعلاقات سياسية وعسكرية جيدة مع الاتحاد السوفييتي البائد في العلن.
لننظر اليوم في واقع سوريا: عداء كلامي مع أمريكا في العلن، وعلاقات سياسية وعسكرية جيدة مع روسيا في العلن، وهما أمران يتفقان مع النظام الناصري؛ السؤال: ما هو واقع العلاقات السياسية والعسكرية بين النظام الأسدي وأمريكا في السر؟
أمريكا هي التي ترفض التدخل العسكري الدولي في سوريا لحماية المدنيين الذين تذبحهم الآلة العسكرية الأسدية، وهذا ثابت. أمريكا هي من شجعت على فرض عقوبات على النظام الأسدي وتقول أن هذه العقوبات كافية وتؤتي أكلها، في حين أن العقوبات على النظام الصدامي كانت أقسى ولم تجد نفعاً، وهذا ثابت. أمريكا لا تسلح ولا تسمح بتسليح الثوار ضد النظام الأسدي، وهذا ثابت. التدقيق في واقع الدول العربية التي تظهر العداء للنظام الأسدي اليوم وكيف أنها كلها دول لا تدور في فلك السياسة الخارجية الأمريكية هو أمر في ذات السياق. منذ لقاء حافظ الأسد بأنور السادات في 71 وإلى ساعة كتابة هذه الأسطر في 2012 لم يقم النظام الأسدي بعمل معاد واحد للمصالح الأمريكية في سوريا أو لبنان أو الأردن أو العراق أو غيرهم، وهو أمر في ذات السياق. منذ لقاء حافظ الأسد بأنور السادات في 71 وإلى ساعة كتابة هذه الأسطر قام النظام الأسدي بأعمال كثيرة في صالح المصالح الأمريكية: كل أعماله في لبنان والمعادية للنفوذ الأوروبي التقليدي هي في ذات السياق؛ استعداده للصلح الكامل مع إسرائيل والاعتراف بها مقابل وضع قوات دولية على الجولان تكون في معظمها أمريكية ودون أي وجود مسلح سوري وهو ما ترفضه إسرائيل وترحب به أمريكا هو في ذات السياق؛ تدخل أمريكا المباشر لمنع إسرائيل مرتين في آخر خمس سنوات من القرن الميلادي المنصرم من شن حرب تسقط النظام الأسدي هو في ذات السياق؛ قيام طائرة أمريكية بإسقاط مروحيتي قوات خاصة إسرائيلية وقتل 72 من قوات النخبة في 4 فبراير 97 بينما كانوا يهمون بهجوم مباغت على قوات حزب حسن نصر الله، وقيام الاستخبارات الأمريكية بتغيير كافة معلومات الطيار الأمريكي الذي قام بالعمل وإجراء عمليات جراحية له لحمايته من ملاحقة الموساد هو في ذات السياق "رسمياً قيل أن المروحيتين اصطدمتا في الجو، وكان الأولى بالفبركة الرسمية أن تكون أكثر ذكاء لتقنع المتقصين للمعلومات"؛ وموقف النظام الأسدي من المصالح الأمريكية في حرب 91 وحرب 2003 ضد العراق هو في ذات السياق.
كذلك فإن النظام الأسدي كان وما زال الحليف الأخلص للنظام الإيراني القائم منذ 79 رغم زعمه أنه قومي عروبي، وفي إطار العلاقات الدولية يعتبر النظام الإيراني القائم منذ 79 معاد لدول الخليج العربية، ولذلك كان وقوف هذه الدول مع العراق في حربه 80-88 طبيعياً. وقد صرح مسئولون في هذا النظام بأن أمريكا ما كانت لتفعل ما فعلته في أفغانستان والعراق لولا الدعم والسند المباشر على الأرض من ذلك النظام: هذا يفيد أن مثيل العلاقة بين مصر الناصرية وأمريكا (عداء علني وحلف سري) يوجد بين إيران الخمينية وأمريكا، ونستطيع أن نستطرد في إثبات ذلك في مقام آخر.
من هذا الباب، نجزم بما يلي:
إن العلاقة بين النظام الأسدي وأمريكا هي كالعلاقة بين النظام الناصري وأمريكا، وهذا يفيد بوجود عداء كلامي مع أمريكا في العلن، وعلاقات سياسية وعسكرية ممتازة مع أمريكا في السر، وعلاقات سياسية وعسكرية جيدة مع روسيا في العلن.
إذن: من انتظر أمريكا لتقوم بأي عمل في صالح الشعب السوري ضد النظام الأسدي فهو ينتظر وهماً، ويستحيل أن تقوم أمريكا بإسقاط النظام الأسدي إلا إذا ضمنت نظاماً آخر موال لها بدلاً عنه. وحيث أن الأحداث تفيد بغير ذلك، فإن الدور الأمريكي الحالي في سوريا هو دور معاد لثورة الشعب ضد النظام الأسدي ومعاد للجنود المنشقين عن جيش النظام الأسدي والمقاتلين له، وينبغي التعامل معه من هذه الزاوية دون إهمال مقتضيات كياسة السياسة وحصافة العلاقات الدولية.
هذا؛ ولا بدّ أن نذكر على الهامش ودون أن نطيل: لماذا علاقات السوفييت/الروس العلنية مع أنظمة تخدم السياسة الخارجية الأمريكية سراً تكون جيدة؟ الجواب: لأن السوفييت/الروس ليس لهم أي نفوذ حقيقي في منطقتنا، وهم في نفس الوقت يفتقرون للحنكة السياسية التي تمكن السياسي من إيجاد موطئ قدم حقيقي في أرض أجنبية عليه، ولذلك يتصرفون بنمطية سهلة التوقع تفتقر للكياسة السياسية، فيفرحون بصفقات تسليح وتدريب تافهة ويظنون أن هذا يساعدهم على خلق نفوذ سياسي لهم في حين أن الأمر بعيد كل البعد عن ذلك، وواقعه في حالتي مصر الناصرية وسوريا الأسدية هو أن السياسة الخارجية الأمريكية تتلاعب بهم كما تتلاعب الفتاة بدميتها.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع