إياد أبو شقرا
تصدير المادة
المشاهدات : 3114
شـــــارك المادة
بني سورية اطّرحوا الأماني *** وألْقوا عنكمُ الأحلامَ ألقوا وللحـرّيّة الحمــراءِ بابٌ *** بكلِّ يدٍ مضرَّجــةٍ يدقُّ
(أحمد شوقي)
المواطن السوري يواجه اليوم أربعة خصوم في وقت واحد، هم: نظام أمني دموي لا يفهم غير البطش وسيلة للحوار السياسي، وعجز عربي مقيم أفظع تجليّاته "جامعة دول عربية" لها بحكم تركيبتها وآلية عملها سجل حافل في خذلان الشعوب العربية، ومناخ إقليمي تفوح منه روائح التواطؤ والانتهازية، وأخيراً.. مجتمع دولي يثرثر عن حقوق الإنسان لكن أولوياته غالباً في مكان آخر. السوريون قدّموا خلال انتفاضتهم الحالية آلاف الشهداء، واقتيد إلى سجون النظام وأقبية تعذيبه نحو 70 ألفاً آخرين.. من المستبعد جداً أن يصل إليهم مراقبو جامعة الدكتور/ نبيل العربي. وهم ماضون في انتفاضتهم، المكلفة إنسانياً، لا لشيء إلا لأنهم يدركون أن إيقافها الآن بعد التضحيات المقدَّمة سيكون أعلى تكلفة بكثير سواء على مستقبلهم أو مستقبل أولادهم وبلدهم. وها هم يكتشفون ويكتشف العالم كله - لدى التمعّن في الوضع العربي الراهن - كيف أن الحكم الديكتاتوري لا يولّد غير المرارة والمزيد من الحقد.. وكيف تتعمق المرارة ويتجذّر الحقد كلما طال أمد التسلط وثقلت وطأة القمع. في المقابل، تثبت الأيام مجدداً جملة من الحقائق المؤلمة التي يتعلمها السوريون، ومعهم كل عربي حر وعاقل. الحقيقة الأولى أن الرهان على قدرة "النظام العربي" على معالجة الأزمات الإقليمية غباء مطبق.. يوازي غباء تصديق شعارات الرئيس بشار الأسد عن الإصلاح، والوثوق بتوقيعه على "بروتوكول المبادرة العربية"؛ فجامعة الدول العربية تفتقر أولاً إلى آليات الإلزام والتنفيذ، وثانياً إلى القيادات الرؤيوية والمستقلة القادرة على استنباط استراتيجيات ناجعة. ومع الاحترام لشخص الدكتور/ نبيل العربي، أمين عام الجامعة، لا بدّ من القول إنه منذ تولّى التعامل مع الأزمة السورية، وهو ينتقل من خطأ إلى خطيئة.. وبالعكس. ومنذ زيارته الأولى إلى دمشق بعيد تفجر الانتفاضة صدمت تصريحاته ومواقفه المفرطة في "طيبتها" متابعي الشأن السوري وفاهميه. وبالنتيجة، ورّط العربي الجامعة بمسار متردّد الخطى، وضعيف المضمون، ومبهم الغايات. وكانت الحصيلة أنه أتاح للنظام السوري استعادة زمام المبادرة وتسجيل النقطة تلو النقطة، مستقوياً بتواطؤ جيرانه المباشرين من الحكومات "التابعة" إقليمياً. وكان أسوأ ما تفتّق عنه ذهن الأمين العام –أخيراً- تكليف السيد خالد مشعل، قائد حركة حماس، بتسليم "رسالة" إلى النظام السوري! أصلاً، ما هو الهدف المتوخّى من إرسال مزيد من "الرسائل"؟ وماذا يُنتظَر منها؟ وإذا كانت "الرسائل" ما زالت مطلوبة فلماذا لا يحملها الدكتور العربي نفسه؟.. أوليس هو - بحكم منصبه - وسيط كل العرب مع بعضهم البعض؟ ثم أين المصلحة في توريط الفلسطينيين في أزمة عربية داخلية؟ بل أين المصلحة في إعادة فتح جرح انقساماتهم، خاصة أن جرح انقسام القيادة الفلسطينية ما زال مفتوحاً؟ ثم ألا يلحظ الدكتور العربي أن وجود مشعل في دمشق بصفة لاجئ يقلّص كثيراً قدرته على التأثير على النظام السوري؟ وهذا كله من دون أن ننسى أن مشعل عاجز أصلاً عن انتقاد النظام السوري على تخوينه "إخوانه" في العقيدة وإهداره دماءهم؟ هل غفل الأمين العام عن حقيقة أن حركة حماس هي الجناح الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين التي يتهمها حكام دمشق بأنها أساس الفتنة والطابور الخامس لـ"الهجمة الأميركية الصهيونية" على مواقف سوريا "الممانعة" والمقاومة"؟؟!! لقد تلاعب النظام السوري لأسابيع عديدة في موضوع التوقيع على "بروتوكول المبادرة العربية". ثم عندما وقّع فإنه كلّف نائب وزير خارجيته الدكتور فيصل المقداد - وليس وزير خارجيته وليد المعلّم - بالتوقيع، في استهانة واضحة بالجامعة ومبادرتها. ومن ثم، زاد الوزير المعلّم الطين بلة خلال مؤتمراته الصحافية في ردّين صارخين يكشفان حقيقة موقف دمشق من المبادرة ومدى استخفافها بها؛ إذ قال رداً على سؤال حول التوقيع: "نحن وافقنا على ورقة عمل الدوحة وليس على المبادرة". وأجاب باستخفاف شديد، تعليقاً على سؤال عن تخوّف البعض من أن تلتفّ دمشق على المبادرة فتلجأ إلى إغراقها بالتفاصيل: "لازم يتعلّموا السباحة! ". ولننحِّ جامعة الدول العربية جانباً، وننظر إلى الوضع الإقليمي: الموقف الإسرائيلي من مسألة بقاء النظام السوري أو التخلص منه ما زال غامضاً.. بل مشبوها. وعلى الرغم من تصريح هنا و"توقع" هناك، الثابت الوحيد يبقى أن مؤسسة السلطة في إسرائيل غير جدية في كلامها عن عدائها لنظام يزعم لفظياً كل يوم أنه يعاديها ويصرّ على تحرير الأرض المحتلة من رجس احتلالها(!). إن نظاماً حافظ على صمت جبهته مع "الاحتلال الصهيوني" منذ 1973م، باستثناء توريط شبان غيورين خلال يونيو –حزيران- الماضي وتعريضهم لمجزرة بعد نقلهم في حافلات إلى خط الهدنة.. لا يقلق إسرائيل. إسرائيل لو كانت حقاً قلقة، أو قل متضايقة، ما كانت لتصبر 40 سنة على نظام بلد "جار" يشكل تهديداً حقيقياً لها. بالإضافة إلى خط هدنة الجولان، خطوط حدود سوريا الأخرى هي مع العراق والأردن ولبنان وتركيا. وهنا، البحث في موضوعي العراق ولبنان يتعلّق بخريطة التمدّد الإيراني نحو البحر الأبيض المتوسط. فالكيانان واقعياً تحكمهما إيران، ويتبعان "المشروع الإقليمي الإيراني" - الملقّب في ظلم شديد لعروبة الشيعة العرب - بـ"الهلال الشيعي". ولقد جعل نظام دمشق، في جيلي الأسد الأب والأسد الابن، سوريا جزءاً لا يتجزأ من هذا "المشروع". وبالتالي، كان مفهوماً وقوف لبنان والعراق ضد اتخاذ أي موقف عربي حاسم يردع حكام دمشق عن مواصلة قتل مواطنيهم. من ناحية أخرى، لدى مراجعة "السلام الفعلي" الذي يجمع سوريا وإسرائيل في الجولان، وموافقة حزب الله الحاكم في لبنان على مضمون قرار مجلس الأمن الدولي 1701 (الذي يمنع وجود سلاح الحزب جنوب نهر الليطاني)، والتعاون الاستراتيجي الوثيق بين رأس الحكومة العراقية الحالية وقاعدته السياسية مع "اللوبيات" التي شنت حرب احتلال العراق عام 2003م، قبل الاحتلال وإبانه وبعده، يتبيّن لأي محلل جاد حقيقة قاطعة. هذه الحقيقة هي أن ارتفاع حرارة "العداء الاستعراضي" الإيراني لإسرائيل، وتهديدات طهران "الاستعراضية" أيضاً للمصالح الأميركية في الخليج والمنطقة العربية، يرميان للتوصل إلى "تعايش عادل" مع الحضور الإسرائيلي/ الأميركي، وفق أسس تراها إيران متناسبة مع ثقلها الإقليمي. وهناك مثل شعبي ذكي في بلاد الشام يقول: "من يلمّ حجراً كبيراً جداً لا يكون هدفه التراشق به". أما الأردن، كما نعرف، فهو كيان يعيش وضعاً اقتصادياً وسياسياً وديموغرافياً لا يحسد عليه، وله وضع خاص إزاء قضايا سوريا وفلسطين. وحقاً، في ظل الترابط العشائري بين جنوب سوريا وشمال الأردن، و"الحالة الإسلامية" في الأردن، واعتماده على تجارة الترانزيت والمناخات التجارية الدولية المواتية.. لا يستطيع خوض مواجهات أكبر منه، بصرف النظر عن تقييمه لطبيعة الأزمة السورية. ونصل إلى تركيا: تركيا اليوم يهمّها - على ما يبدو - اعتباران اثنان: الأول، طمأنة إيران عن طريق الدبلوماسية إلى أن التزاماتها الإسلامية تدفعها لرفض احتضان "فتنة" إسلامية. والثاني، استعادة دور إقليمي تدرك أنها مؤهلة جداً له - لا سيما في ظل الانتحار السياسي العربي - في منطقة كانت جزءاً من إمبراطوريتها حتى الحرب العالمية الأولى. ولكن هذين الاعتبارين يربكان خطواتها، ويزيد من ارتباك هذه الخطوات "العامل الكردي" الذي يشكل عنصر شد وجذب داخل كل من العراق وسوريا، وكذلك تركيا وإيران. وأخيراً، هناك المشهد الدولي، ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة، وانشغال واشنطن بالانتخابات. وهو ما يخلق حالة من التراخي واللاقرار أتاح لموسكو وبكين حتى اللحظة ممارسة الابتزاز المؤسف في الشأن السوري، مما سمح لنظام دمشق بالتغوّل أكثر فأكثر في القمع الدموي. واستمرار هذا الوضع، بمستوى أدنى أو أكثر، من شأنه إطالة أمد الأزمة السورية، وبالتالي، معاناة الأبرياء، وحشر النظام نفسه في زاوية سيعقّد تنامي الحقد خروجه منها.
المصدر: الشرق الأوسط
مهند الخليل
الطاهر إبراهيم
فهمي هويدي
إسماعيل ياشا
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة