..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مؤتمر تونس.. أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل!!

صالح القلاب

١ مارس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3374

مؤتمر تونس.. أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل!!
0002559.jpeg

شـــــارك المادة

لأن نتائج اجتماع «أصدقاء سوريا»، الذي انعقد في تونس يوم الجمعة الماضي بمشاركة سبعين دولة، قد جاءت محبطة ومخيبة للآمال مثلها مثل نتائج ذلك الاجتماع الوزاري العربي الذي كان قد انعقد في الرباط وحضره وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، ولأنه لا تجوز المراهنة على اجتماع اسطنبول المماثل، الذي من المفترض انعقاده بعد نحو أسبوعين، ولا على الجامعة العربية التي ثبت أنها بلا حول ولا قوة وأنه ينطبق عليها ذلك المثل القائل: «العين بصيرة واليد قصيرة»، فإنه لا بدّ من إيقاف كل هذه المحاولات الكسيحة، ولا بدّ من الاتجاه نحو سياسة المحاور؛ إن لجهة إعداد وتسليح «الجيش السوري الحر»، وإن لجهة القيام بضربات عسكرية منتقاة ومميزة لتقريب لحظة انهيار هذا النظام الذي بعد تجربة نحو عام بأكمله ثبت أنه لا يفهم لغة الحلول العقلانية.


لم يترك العرب - إن من خلال جامعتهم العتيدة، وإن من خلال بعض المبادرات الفردية - بابا إلا وطرقوه من أجل إقناع بشار الأسد بخطورة الطريق الذي يسلكه، وأنه - لتجنب أسوأ الاحتمالات وتجنيب هذا البلد العربي المحوري مخاطر الانقسام والحرب الأهلية المدمرة - لا بدّ أن يستمع لصوت العقل، وأن يأخذ العِبر من النهايات التي انتهى إليها الذين سبقوه من زين العابدين بن علي إلى حسني مبارك إلى العقيد معمر القذافي إلى علي عبد الله صالح، ويستجيب للذين يعرضون عليه بعد أن فقد شرعيته، هذا إذا كان يتمتع بالأساس بأي شرعية، أن يضع حداً لكل هذه الأفعال الجنونية، وأن يقبل بالتنحي والمغادرة والاتفاق على المرحلة الانتقالية الضرورية المطلوبة.
لكن هذا الشاب رفض كل هذه المحاولات وبقي يركب رأسه واستمر في رفض كل مبادرات وعروض الحلول بالوسائل السلمية، بما في ذلك المبادرة العربية التي غدت مضرب مثل على الواقع المزري الذي وصل إليه العرب ووصلت إليه جامعتهم، واختار أن يواجه انتفاضة شعبه، التي بدأت في درعا قبل نحو عام بمطالب متواضعة ومعقولة وممكنة التنفيذ، بالعنف وبالحديد والنار وبفيالق المرتزقة من مجرمي السجون ومن الذين استقدموا بدوافع طائفية وللأسف من ضاحية بيروت الجنوبية ومن فيلق القدس الإيراني ومن بعض الميليشيات العراقية ذات اللون الطائفي، وكل هذا بالإضافة إلى الاستعراضات الحربية البحرية لقطع إيرانية وروسية.
لم يستمع بشار الأسد لكل الذين قالوا له إن عليه ألا يعتمد على التشجيع الروسي والإيراني، حيث هناك حسابات إيرانية وروسية خاصة تريد كل واحدة من هاتين الدولتين تحقيقها حتى وإن جرى تدمير سوريا كلها، وإن أُبيد الشعب السوري عن بكرة أبيه، وإنه من الأفضل له - حتى لا تكون نهايته كتلك النهاية المزرية والمأساوية التي انتهى إليها القذافي - أن يبحث عن مخرج للأزمة التي وصلها وأوصل إليها بلده وأن يمد يده ويلتقط مبادرة الجامعة العربية قبل أن تزداد الأمور تعقيداً ويصبح الحل الوحيد الذي لا غيره حل هو القوة العسكرية؛ إن من جانب المجتمع الدولي، وإن من جانب المعارضة السورية.
كان على بشار الأسد، الذي وصل به الغرور حد الاعتقاد بأن الزمان لم يَجُد بمثله منذ بداية الخليقة وحتى الآن، أن يدرك أن هذا التدخل الروسي في الشؤون السورية الداخلية، بالمواقف السياسية واستخدام «الفيتو» في مجلس الأمن وبالسلاح والقطع البحرية التي ترابط في طرطوس له أهداف لا علاقة لا لسوريا ولا للشعب السوري بها، أولها: الحفاظ على نظامه خدمة للتوجهات الإسرائيلية التي تريد استمرار الهدوء المتواصل منذ نحو أربعين عاماً في هضبة الجولان وخطوط التماس ووقف القتال، وثانيها: استمرار الاقتتال الداخلي لسنوات طويلة كي يأكل هذا البلد الذي هو أحد بلدان المواجهة نفسه من الداخل، وثالثها: الإثبات للأمريكيين أن هناك قطباً دولياً يرفض الانصياع لأوامرهم والتلاؤم مع توجيهاتهم، أما رابعها: فهو استخدام الأزمة السورية رقماً ضاغطاً لتغيير المعادلة القائمة الآن؛ إن بالنسبة لجدار الصواريخ المنصوب في تركيا وبعض دول أوروبا الشرقية، وإن بالنسبة لنفط بحر قزوين، وأيضاً إن بالنسبة لأوضاع الدول التي كانت ذات يوم جزءاً من الإمبراطورية السوفيتية التي انهارت نتيجة التآكل الداخلي في بدايات تسعينات القرن الماضي.
وكذلك فإنه كان على بشار الأسد أن يدرك أنه لا يستطيع الاستمرار في التحالف مع إيران وفقاً للصيغة التي كان قد «حبكها» والده في ظروف إقليمية ودولية هي غير هذه الظروف التي استجدت بعد غزو عام 2003م وإسقاط نظام صدام حسين.
فالمنطقة لم تبقَ على ما كانت عليه والعرب كلهم باستثناء نظامه وأنظمة بعض «المؤلفة قلوبهم» باتوا في مواجهة مع المشروع التمددي الإيراني، ثم والاهم من هذا كله أن الشعب السوري الذي أوصله ضغط السنوات الماضية الطويلة إلى هذا الانفجار لا يمكن أن يقبل بعمليات تغيير هويته وتحويل بلده من «قلب العروبة النابض» إلى ملحق بـ«قم» و«طهران» وبالولي الفقيه وبفيلق القدس!! وحراس الثورة الإيرانية.
إن كل هذا لم يحصل إطلاقاً وإن بشار الأسد المحشو رأسه بأوهام أنه مبعوث العناية الإلهية، وأنه قادر على اغتيال ثورة الشعب السوري التي انطلقت شرارتها من درعا كما كان والده قد اغتال ثورة «حماة» في عام 1982م في تلك المذبحة المرعبة، ولذلك فإنه وجد نفسه، وقد اعتمد منذ البداية على القوة العسكرية الغاشمة والبطش البدائي ورفَضَ كل محاولات الإنقاذ التي قام بها بعض العرب وقامت بها الجامعة العربية، في هذا المأزق الذي يعيشه ووجد أن نهاية حكمه قد أصبحت قريبة وأن مصيره، إن هو لم يتدارك الأمور في اللحظة الأخيرة وهو لن يتداركها، سيكون في أفضل الأحوال وأحسنها كمصير صدام حسين إن ليس كمصير معمر القذافي.
ويبقى هنا أنه لا بدّ من أن يدرك العرب الذين تحولت مبادرتهم إلى ما يشبه:

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة *** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

أنهم إن هم بقوا يمضغون كلام هذه المبادرة ويحاولون تسويقه على بشار الأسد، فإنهم سيصبحون مجرد شهود زور على دمار بلد عربي يحتل مكانة أساسية في الواقع العربي قديمه وجديده، وأن التاريخ سيدينهم كمشاركين في جريمة دفع سوريا إلى التمزق والانقسام والحرب الأهلية.
لقد كان مؤتمر «أصدقاء سوريا» الأخير، و«اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فإني كفيل بهم»!!، دلالة على أن هذا البلد العربي الذي ابتلى بسلسلة انقلابات عسكرية تواصلت خلال ثلاثة عقود وأكثر ذاهب إلى الانهيار والحرب الأهلية إذا بقي نبيل العربي يسوِّق مبادرة هذه الجامعة التي هو أمينها العام، وإذا بقي العرب ومعهم أصدقاء سوريا يكتفون بالمساعي الترقيعية القاصرة وبإطلاق تصريحات الشتم العرمرمية، والمثل يقول: «أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل»، ولهذا فقد جاء تأكيد خادم الحرمين الشريفين الحازم والحاسم رداً على الرئيس الروسي ميدفيديف: «إن المملكة العربية السعودية لا يمكنها إطلاقاً أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سوريا وإن الحوار الذي دعت إليه روسيا لم يعد له جدوى».
ولهذا أيضاً وجد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أنه لا بدّ من الانسحاب من اجتماع أصدقاء سوريا بعد أن تحول إلى مهرجان استجداء للمساعدات الإنسانية، ووجد أنه لا بدّ من التأكيد على أنه لم يعد هناك أي حل غير حل نقل السلطة من هذا النظام الذي أصبح محتلاً وغير شرعي؛ «إما طوعاً أو كرهاً»، والدعوة إلى تسليح الجيش الحر وتأمين الحماية للشعب السوري الذي بقي يتعرض على مدى عام كامل إلى عمليات تقتيل وإبادة، وهنا فإنه لا بدّ من قول الحقيقة والتشديد على أن إنقاذ سوريا من الذهاب إلى التشرذم والانقسام والحرب الأهلية لا يمكن أن يكون بالاكتفاء بشتم هذا النظام الذي تمادى في إجرامه ولا بالاستمرار بتسويق مبادرة الجامعة التي غدت مستهلكة وبلا أي قيمة بل بالتدخل العسكري على غرار ما جرى في ليبيا وما جرى في ساحل العاج وكوسوفو وفي البوسنة والهرسك خلال انفجار المنطقة البلقانية.

المصدر: الشرق الأوسط

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع