مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3776
شـــــارك المادة
الثورة السورية: عِبَر وفِكَر (26): درعا: لن ننسى فضلك على الثورة
بدأتُ من وقت قريب بنشر خاطرة ثورية يومية قصيرة في صفحتي الفسبوكية، ثم أكرّر نشرَها في مدونة الثورة (الزلزال السوري) باسم "خواطر فسبوكية"، نشرت أمس واحدة منها بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمظاهرة الحريقة الشهيرة بدمشق، قلت فيها: "بدأت حكاية الثورة في دمشق على بعد مئات الأمتار من جامع بني أمية العظيم، فهل كتب الله في لوح القدر المحفوظ أن تنتهي الحكاية حيث بدأت؟"
فما لبث أن تدفق عليّ سيلٌ من الرسائل تراوحت لهجتها بين الغضب والعتب، وكلها تجتمع على إنكار قولي إن الثورة بدأت في دمشق، يقولون: بل بدأت في درعا، وشدّد بعض الغاضبين على أن تاريخ الثورة الحقيقي هو الثامن عشر من آذار وليس الخامس عشر، واتهمني أحدهم بتزوير التاريخ فقال: "الثورة عمرها أقل من سنة وبدأتم بالتزوير منذ الآن، فكيف بعد عدة سنوات؟ هل ستقولون بأن الثورة بدأت من حلب أو السويداء؟ أو ربما من القرداحة؟".
ما أعجبَ أن أُضطر إلى نشر مقالة أُثبتُ فيها اعترافي بفضل درعا وأهل درعا على الثورة، بعدما أشَدْتُ بهم عدداً لا يُحصى من المرات فيما كتبته عن الثورة من يومها الأول إلى اليوم، وبعدما خصصتهم بمقالتين لم أشرك فيهما معهم أحداً من ثوار سوريا: "معجزة اسمها درعا" و"حوران أسطورة الصمود". ولست أمُنّ على درعا بهما، فلو أني كتبت عنها في كل يوم مقالة ما وفّيتها حقها على سوريا وعلى ثورة سوريا، وإنما اضطررت إلى ذكرهما لأدفع عن نفسي تهمة من أعجب التّهم وأسوئها، وهي تهمة التحيّز أو تهمة التزوير. عفا الله عنكم يا من اضطَررتموني إلى كتابة هذه الكلمات، فلقد جعلتموني -حين أمطرتموني برسائل الغضب والعتب- واحداً من اثنين أحدُهما شرٌ من صاحبه، لأن فضل درعا على الثورة لا ينكره إلا لئيم أو حاقد، فهل أنا حاقد أو لئيم؟ أو أن أكون ضعيف الذاكرة لدرجة أن أنسى أن درعا هي أصل الثورة وأن حوران هي المهد الذي ترعرعت فيه أولَ ما ترعرعت، حتى وصلت إلى سائر أنحاء سوريا فتيّةً عصيّةً على الاقتلاع؟ * * * يا أهلنا في درعا ويا أبطال حوران الكرام: اليوم يعترف كل واحد من الناس أنكم أصل الثورة وأول من فجّرها، وغداً سيقرؤون في كتب التاريخ أن عبودية نصف قرن انتهت بثورةٍ أوقدَ أهل حوران نارها وغذّوها بالتضحيات. ولكن هل يحملنا الاعتراف بفضلِ بعضٍ على إنكار فضل آخرين؟ هل يسرّكم أن تُطوى وتُخفى حقائقُ من حقائق التاريخ؟ لن يسرّكم ذلك سواء أكانت لكم أم عليكم، ليس وأنتم أهل النخوة والإنصاف. لماذا لا نقول إن أول احتجاج علني وأول حركة ثورية -وإن كانت من نوع لا أحبه ولا أوافق عليه- كانت في السادس والعشرين من كانون الثاني، عندما أحرق شاب نفسه في الحسكة، مقلداً ما فعله مُوقد الثورة التونسية الأشهر، البوعزيزي؟ لماذا تَضيق صدور بعض الناس إذا قلنا إن أول دعوة إلى الثورة صدرت من حلب، قبل انفجار الثورة بأكثر من ستة أسابيع؟ لماذا لا نعترف بأن أول تحرك ثوري جماعي -وإن يكن عفوياً- كان في دمشق في الحريقة في السابع عشر من شباط؟ وأن نشاطين لاحقين على الأقل سُجّلا أواخر شباط في دمشق أمام السفارة الليبية، ودفع المشاركون فيهما الثمن: القمع والضرب والسحل والاعتقال؟ هذه كلها ليست البداية الحقيقية للثورة ولكنها إرهاصات يستوجب الإنصافُ ذكرَها ولا ينبغي إغفالها عندما يكتب المؤرخون تاريخ هذه الثورة العظيمة، ولكنهم -بعد أن يكتبوها- سيُجمعون على أنها كانت مقدمات للثورة وإرهاصات لها، وسيُجمعون على أن الثورة بدأت فعلياً يوم الثلاثاء الخامس عشر من آذار، ثم انفجرت الانفجار الكبير في درعا يوم الجمعة الثامن عشر من آذار؛ في ذلك اليوم المجيد سقط أول شهداء الثورة في درعا، ومنذ اليوم التالي (السبت 19 آذار) استلمت درعا وحوران الرايةَ فلم تزل رايةً عالية خفّاقة في سماء العزة والكرامة، سماء درعا وسماء حوران، بارك الله في أهل درعا وأهل حوران. أما الخلاف على تحديد واحد من اليومين علامةً على بداية الثورة فلا أرى له أي فائدة وأرجو أن لا يثيره إخواني الأحبة في درعا -ويبدو أن بعضهم يفعلون-، لأن درعا ودمشق شاركتا معاً في مظاهرات الثلاثاء وشاركتا معاً في مظاهرات الجمعة، فسواء اعتبرنا البداية في هذا اليوم أو ذاك فكلاهما كانتا حاضرتين؛ يوم الثلاثاء سُجّلت مظاهرات في أربع مدن: درعا ودير الزور وحلب ودمشق، ويوم الجمعة خرجت المظاهرات في تسع مدن: المدن الأربع السابقة ومعها حمص ونوى والشيخ مسكين وبانياس والقامشلي، وفي كل خير. * * * سيقرأ الناس في كتب التاريخ بعد ألف عام أن درعا هي التي أوقدت شرارة الثورة، بل إن أطفال درعا هم أبطال الثورة الحقيقيون وهم الذين أشعلوا الفتيل، ولكنهم سيقرؤون أيضاً أن أول حراك ثوري بدأ في الخامس عشر من آذار في دمشق وحلب ودرعا والدير، ولكنه كان حراكاً محدوداً، ولولا درعا أولاً ثم حمص ثانياً -بعد الله أولاً وأخيراً- لخَبَت شعلةُ الثورة وماتت في مهدها. وليقرأ الناس في كتب التاريخ في الغد ما يقرؤون، الذي يهمّنا اليوم هو أن لا تتغير نفوس الإخوة بعضهم على بعض بسبب تسجيل السبق والأفضلية. إنهم أصلاً أشقاء ثم صاروا في الثورة شركاء، فهل يختلف الشقيق مع الشقيق أو الشريك مع الشريك من أجل تقديم في الذكر أو تأخير؟ إن الهتاف الشهير الذي ما يزال الثوار يرددونه، "الشعب السوري واحد"، هو أحب هتاف إلى قلبي وهو أبغض هتاف في أذن النظام، فاستمروا في الصدع به وأخرجوه من قرارة القلب لا من طرف اللسان، عسى أن يكون هو البلسم الدائم لكل جرح وهو المهدئ للخواطر في كل حين، وحفظ الله لأهل سوريا الكرام وَحدتهم ومحبتهم اليوم وفي قادم الأيام. وليقل الناس ما يقولون، ولعلهم يُنصفون أصحابَ الفضل أو لا يفعلون، فهل رجوتم -يوم أوقدتم ثورتكم يا أهل درعا- هل رجوتم الذكر في أهل الأرض أم في أهل السماء؟ وهل رجوتم الشكر من الناس أم من رب الناس؟ وهل يضيع عند الله العمل أو يَطغى الله في الميزان؟ معاذ الله أن يفعل، وعند الله وبين يدي الله ينال السعداء خيرَ الجزاء.
المصدر: الزلزال السوري
أحمد أبازيد
محمد علي الشيخي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة