مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 7659
شـــــارك المادة
رسائل الثورة السورية المباركة (82) العمل المسلّح: الوَحدة أو إجهاض الثورة (5) آليّة مقترَحة لتوحيد العمل العسكري
سقت في المقالات الأربع السابقة المبررات والحججَ لإقناعكم بأن استمرار التفرق والتشرذم قد يُجهض العمل العسكري، بل قد يجهض الثورة نفسها -لا سمح الله-، وقلت إن الوحدة شرط ضروري لنجاح العمل العسكري، فهي فريضة ثورية وليست من باب الندب والاستحسان. سأفترض أنكم اقتنعتم بفكرة التوحيد، والآن ستطرحون هذا السؤال: اقتنعنا بالفكرة، لكن كيف ننفذها؟ كيف نستطيع جمع عشرات، بل ربما مئات الجماعات المسلحة المبعثرة في كيان واحد بهيكل تنظيمي واحد وتحت قيادة عامة واحدة؟
الأمر سهل وصعب، صعب لأن العدد كبير والتفرّق حاصل والاتصال خطير، وسهل إذا صدقت النية وجَدّت العزيمة على الوَحدة، وإذا اتبع الإخوة في الجماعات المختلفة منهجاً سليماً في عملية التوحيد. البداية لا يمكن أن تكون من الأعلى إلى الأسفل، بل بالعكس: من الأسفل إلى الأعلى. يجب أن تلتقي الفروع الصغيرة في أغصان، ثم تلتئم الأغصان في جذع واحد كبير. للتوضيح سنأخذ حالة عملية من واحدة من عواصم الثورة الكبرى، حمص، التي صارت أحياؤها وحاراتها وشوارعها معالمَ عالميةً، يعرفها الناس أكثرَ مما يعرفون أحياءهم وحاراتهم التي وُلدوا فيها وفيها يعيشون. في مدينة حمص اليوم نحو خمسين حياً أو منطقة داخلة في الثورة، وقد نجحت هذه المناطق -بعد شهور طويلة مريرة من المعاناة- في تكوين جماعات مسلحة دفاعية، تضم أخلاطاً من جنود أحرار انشقوا عن جيش الاحتلال الأسدي ومجاهدين متطوعين من أبناء المناطق نفسها، بعض هذه الجماعات ينتمي اسماً إلى الجيش الحر ويتحرك تحت مظلته وبعضها ليس كذلك. من هنا سنبدأ، من القطع الصغيرة. لنأخذ حياً من الأحياء على سبيل المثال، وليكن حي الثورة الأشهر، بابا عمرو. أهل الحي يعرف بعضُهم بعضاً، فإذا اجتمعت طائفةٌ منهم للدفاع عن الحي وحَمَل أفرادُها السلاحَ فسوف تكون جماعةً مغلقة موثوقة، إذ لا يُعقَل أن يقبل الرجالُ بينهم مَن يوالي النظام من سكان الحي -لو وُجد في الحي من يوالي النظام أصلاً-، بل سيكونون كلهم من أهل الثورة المخلصين -بإذن الله-، ولن يقبلوا بينهم غريباً عنهم -كعسكري لجأ إليهم منشقّاً عن الجيش الأسدي- إلا بعد التوثق الكامل من ولائه وانتمائه، كما أنهم لن يسمحوا بإنشاء جماعة مسلحة أخرى من غيرهم في الحي نفسه… وهكذا تكون للحي جماعة مسلحة واحدة ويكون الحي في أمان من الاختراق. التفصيل السابق ينطبق على كل حي من أحياء المدينة، مما يعني أن الأحياء كلها ستكون في أمان من خطر الاختراق ومن خطر ازدواجية العمل المسلح في الحي الواحد. والآن سنخطو الخطوة الأولى باتجاه توحيد جماعات حمص في كيان عسكري موحّد. نريد أولاً لجنة جامعة مستقلة ومحايدة ومقبولة من جميع الأطراف، وأقترح أن تتكون من مجموعة من أعضاء اتحاد تنسيقيات المدينة، ثلاثة مثلاً، ومعهم اثنان من علماء المدينة الثقات واثنان من وجهائها المعروفين. هذه اللجنة المكونة من سبعة أشخاص -ولنُسَمّها اصطلاحاً "لجنة التنسيق والتوفيق"- لا علاقة لها بالسلاح لا من قريب ولا من بعيد وهي ليست منافساً لأي مجموعة من المجموعات المسلحة في المدينة، وأرجو -لذلك- أن يكون لها قبول وكلمة مسموعة عند الجميع. والآن سنطلب من كل جماعة من جماعات حمص المسلحة أن ترسل شخصين لتمثيلها في لقاء عام ترعاه وتديره وتشرف عليه اللجنةُ المذكورة. ذلك اللقاء الحاسم سيضم نحو مئة شخص مهمتهم أن يختاروا من بين أنفسهم -بالاقتراع والتراضي- مجموعةً من ثلاثة أشخاص، لتمثيل مدينة حمص في اجتماع أعلى يضم مندوبي المدن والمحافظات. الترتيب السابق يصلح تطبيقه في كل منطقة جغرافية محصورة متقاربة الأجزاء يستطيع سكانها التواصل واللقاء. قد لا يكون اقتراحي التالي واقعياً تماماً ولكني أسوقه على سبيل المثال فقط، حيث قسمت مناطق العمل المسلح إلى اثنتي عشرة منطقة اعتماداً على حجم العمل العسكري فيها وعلى سهولة التواصل بين أجزائها -أهلنا في الداخل أدرى بأمرهم وسوف يضعون تقسيماً أصلح من تقسيمي بالتأكيد، هذا اقتراح تقريبي فقط-: مدينة حمص، ريف حمص، مدينة حماة، ريف حماة، مدينة إدلب وريفها الشمالي والشرقي، معرة النعمان وريف إدلب الجنوبي إلى خان شيخون، جبل الزاوية وريف إدلب الغربي -من أريحا إلى جسر الشغور-، محافظة درعا، حلب وريفها، دمشق وريفها، الرقة والحسكة، الجزيرة -دير الزور إلى البوكمال-. وهكذا سنحصل على ستة وثلاثين مندوباً يمثلون العمل المسلح في سوريا كلها، عليهم أن يتدبروا أمر اجتماعهم للمرة الأولى مع قيادة الجيش الحر في مكان ما بطريقة ما. في ذلك الاجتماع سيتم تثبيت المسؤولين العسكريين للمناطق المختلفة بحيث يكونون هم المرجعيةَ النهائية لأي عمل مسلح في مناطقهم، مما سيقطع الطريق على أي تعددية أو اختراق، ومما سيساعد على تطبيق إستراتيجية عليا موحّدة للحرب. وأقترح أن يتم ترتيب دورة ضبّاط مكثفة يشارك فيها المتطوعون غير العسكريين من قادة العمل المسلح، تنتهي بمنح كل منهم رتبة عسكرية -ملازم أو ملازم أول مثلاً- لإضفاء الشرعية على العمل وقياداته الميدانية. مندوبو المناطق سيشكلون مع مجموعة من كبار ضباط الجيش الحر ما يمكن تسميته "المجلس العسكري الأعلى" لقيادة العمل العسكري الميداني ضد النظام، ومن البديهي أن على المجلس أن يبدع وسائل للتواصل الآمن وأن يتجنب الاجتماعات المتكررة لأنها تضاعف خطر الاعتقال -لا سمح الله-. بقي عليّ توضيح صغير: سمعت بعض الاعتراضات على اقتراح "توحيد العمل العسكري" من منطلق أن ظروف الحرب الحالية لا تسمح بالتواصل بين الكتائب المختلفة، وأن تحرك القوات من منطقة إلى أخرى بعيدة عنها يكاد يكون مستحيلاً. هذا الاعتراض ليس وجيهاً، لأن المطلوب من الوحدة ليس دمج التشكيلات المقاتلة في جسم واحد يجتمع على صعيد واحد ويتحرك كأنه قطار متصل العربات، ليس هذا ما تصنعه الجيوش الحقيقية وليس هو المطلوب من جيشنا الموحّد. توحيد جماعات العمل العسكري يعني أن تكون لها قيادة مركزية تصدر عنها الخطط العامة والإستراتيجيات الجامعة للحرب، أما الخطط التكتيكية فتُترَك لقيادات المناطق المختلفة، وهي بدورها تكلف الجماعات الصغيرة في الأحياء والمدن بوضع وتنفيذ الخطط القتالية الفرعية. على سبيل المثال: قد تتبنى القيادة خطةً إستراتيجية لعزل الوحدات المعادية وشل حركتها عن طريق حرمانها من التموين والوقود. كيفية تطبيق هذه الخطة ليست مسؤولية القيادة العامة، بل هي مَنوطة بكل منطقة على حدة، حيث تعرف كل وحدة من الوحدات طبيعة المنطقة التي ترابط فيها وتعرف توزيع قوات الأعداء عليها وطرق مواصلاتها ومواقيت تحريك قوافل التموين، إلى غير ذلك من التفصيلات الدقيقة، وبناء عليها سوف تضع كل وحدة خطةً دقيقة لتنفيذ الجزء المطلوب منها من الخطة العامة، وهو عزل القوات المعادية في منطقتها وحرمانها من تدفق الإمدادات. هذا هو ما يحصل في الجيوش النظامية، حيث تتولى هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة -الجيش وبقية الأسلحة، الجوية والبحرية وغيرها- تتولى مهمة وضع إستراتيجية الحرب وخطتها العامة، فتحدد جبهة الهجوم الرئيسي وجبهات الهجوم الفرعي وجبهات الدفاع والإسناد، وتوزع الفرق والقوات بناء على الخطة العامة. بعد ذلك تستلم كل فرقة من فرق الجيش الجزءَ الخاص بها من الخطة العامة وتتولى هيئةُ أركانها وضع خطة تفصيلية (تكتيكية) لتنفيذ الهدف المطلوب منها، وهكذا نزولاً إلى الوحدات الأصغر (اللواء والكتيبة فما دونها). بالنتيجة نجد أن لكل مجموعة هدفاً صغيراً وأن الأهداف الصغيرة تتجمع في أهداف أكبر وتلك الأكبر تتجمع في أهداف أكبر منها، تماماً كفروع وأغصان الشجر. قد تكون مهمة مجموعة صغيرة (سريّة مثلاً) الدفاع عن هضبة صغيرة أو اقتحام مزرعة مهجورة أو تغطية انسحاب الكتيبة… مهما يكن الهدف صغيراً فإن على قائد المجموعة أن يضع لتنفيذه خطةً تناسبه، وفي النهاية تلتقي كل الخطط والإجراءات لإنجاز هدف الحرب الكبير. تعقيب مهم: بين نشر الحلقة الرابعة من هذه الخماسية ونشر هذه الحلقة الأخيرة حدث تطور خطير، إذ أعلن العميد المنشق مصطفى الشيخ عن تشكيل المجلس العسكري الثوري الأعلى لتحرير سوريا، متجاوزاً القيادةَ التقليدية للجيش الحر وطارحاً كياناً عسكرياً ثورياً جديداً غيرَه. وكاد هذا الإعلان يسبب انشقاقاً في المؤسسة العسكرية الثورية قبل أن يقوم بعض العقلاء بمحاولات لإنهاء الخلاف، محاولات تكللت بإعلان الوفاق بين الفريقين، على أن يبقى العقيد الأسعد قائداً للجيش الحر المسؤول عن توجيه العمليات العسكرية الميدانية، ويتولى العميد الشيخ رئاسة المجلس العسكري المسؤول عن الدراسة والتخطيط واستيعاب الرتب العالية. إذا كان ما عرضته هنا هو الاتفاق الحقيقي بين الطرفين فلا غبار عليه وهو في صالح الثورة، لأنه يُبقي الجيش الحر كياناً مقاتلاً مستقلاً له قيادته الميدانية، ويضيف إلى العمل العسكري هيئة استشارية تستوعب الضباط الأمراء -أي من رتبة عميد فما فوق- الذين ينشقّون عن الجيش الأسدي، وهي هيئة احترافية تستطيع أن تساهم في المعركة بما تملكه من خبرات عالية فتقدم الدراسات والمقترحات والاستشارات، اقتداء بالرجل العسكري الشهم العميد الركن المتقاعد عقيل هاشم، وهو من ذوي العقليات الفذّة والخبرات العالية، وقد اكتفى بتقديم الرأي والنصح دون أن يزاحم على القيادة، فكسب هو إكبار الناس واحترامهم وكسبت الثورة خبرته وكفاءته، له مني ومن شعب سوريا كل تحية وشكر وتقدير. في حالة الحرب التي نعيشها نحتاج إلى كل الموارد المتاحة، بما فيها الخبرات العسكرية التي يملكها الضباط الكبار، فلا يجوز أن نخسر أياً منها في سبيل منصب أو شهرة. لذلك أرجو أن يترسخ الاتفاق بين الفريقين على أساس المبادرة التي فصّلتها آنفاً، إلا إذا رغب ضابط من المنشقين أصحاب الرتب العالية أن يلتحق بالعمل القتالي فلا مشكلة في التحاقه بجسم الجيش الحر وليس بالمجلس الاستشاري العسكري، بل إن في التحاقه خيراً وإثراء لهذا العمل. وفي هذه الحالة علينا أن نتجاوز عن قاعدة عسكرية صارمة تمنح حق القيادة للرتبة الأعلى أو لصاحب الأقدمية الأكبر إذا تساوت الرتب. هذه القاعدة صالحة في الأحوال الطبيعية، لكنها لا تصلح في حالتنا السورية الخاصة حيث يخوض الجيش الحر -المنشقّ عن جيش الاحتلال الأسدي- حربَ تحرير حمل عبئها أوائلُ العسكريين الأحرار المنشقين من جنود وضباط، وهم اتفقوا على قيادة لجماعتهم صارت مُلزمة لمن بعدهم. مع تأكيدي على أنني لا أتعصب لا للعقيد رياض الأسعد ولا لغيره، بل إني أرى تعظيمَ الأشخاص وإلباسهم لَبوس القداسة باباً من أبواب الفساد ومدخلاً إلى الاستبداد. فليس المهم مَن يقود العمل العسكري، المهم هو المحافظة على هذا العمل موحداً وبقاء الانسجام والتآلف بين قادته وضباطه وبراءتهم من التنافس المَقيت والمُميت.
المصدر: الزلزال السوري
طارق الحميد
أمير سعيد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة