أبو عبيدة
تصدير المادة
المشاهدات : 7503
شـــــارك المادة
خرجت من البيت مهرولاً لا ألوي على شيء، كنت أجري كالمجنون باتجاه الفندق الذي يقيم فيه، دخلت ورميت بنفسي داخل المصعد باتجاه غرفته، كنت ألهث بينما كان عامل المصعد ينظر إلي بتعجب ودهشة، فتح الباب فانطلقت كالصاروخ باتجاه غرفته، طرقت الباب بعنف، ورأسي مستندة إلى الباب، فتح باب الغرفة وظهر بجلابية بيضاء ناصعة، وطاقية بيضاء تغطي شعره الأشيب، وابتسامة حنون يعكرها حزن عميق. صرخت:
- فعلوها يا سيدي، فعلوها.. - ما هي؟ ضربت حمص بالمدافع؟ - نعم. - كما فعلوا غيرها كثيراً. - والصين يا سيدي وروسيا صوتتا ضد القرار في مجلس الأمن. - أدخل معي- أخذني من يدي- وقال بعد أن استقر بنا المجلس: هيا نتكلم ونحن نشرب الشاي، وأخذ بإعداد كأسين من الشاي الأخضر! - (صرخت) ما العمل الآن؟ - اهدأ قليلاً حتى نستطيع أن نفكر، قم الآن فاغسل وجهك، والتقط أنفاسك، هيا قم، لا أريدك ضعيفاً هكذا. - (بعد قليل)........ سيدي أعتذر على طريقة دخولي، وصراخي بهذا الصورة، إذ إن الحدث قد ملأني غيظاً وألماً. - (ناولني كأس الشاي، وكأنه يعلمني درساً في رباطة الجأش والتماسك أمام النوازل، وكاد أن يقول لي بلسان حاله: من مؤهلات سيف الله المسلول القيادية أنه مهما اشتدت المواقف أمامه يظل متماسكاً، وبهذا تصدر قراراته عن اتزان فكري كامل، وتأتي في غاية الصواب!!) ما المشكلة الآن؟ - سيدي، لقد توحشوا تماماً، وأعتذر من كل الوحوش!! هم يقصفون أحياءً بكاملها. - هذه ليست أول مرة، ولكنها على كل حال علامة ضعف، وإفلاس، وليست علامة قوة، صدقني في هذه القراءة لموقفهم. - كيف تكون كذلك، والقصف مظهر قوة تتنفس، فتختنق بها أرواح النساء والأطفال؟! - لولا شعورهم بدائرة الخطر تضيق حول أعناقهم لما استوحشوا بهذه الطريقة، إنهم- الآن- يستخدمون كل طاقاتهم الشريرة، وبأعلى مستوياتها، وهذا يعني أنهم اقتربوا من حافة الانهيار، إضافة إلى أنهم يريدون أن يزرعوا في النفوس الرعب الذي عاشوا في لهيبه عقوداً مضت، وهيهات فقد ألقي هذا المزروع بعد اقتلاعه وإحراقه في أتون المطالب السامية؛ "الحرية والكرامة والتحرر من ربقة عصابتهم الخاسرة". - سيدي، أتريد أنهم قد فعلوها في حماة في الثمانينات بدم بارد، ولم يزعجهم شيء، وبهذا زرعوا الرعب منهم في سائر المدن؟!!!. - صحيح صحيح، ولكن الأمر- اليوم- مختلف، لأن السوريين - اليوم- كلهم من الشمال إلى الجنوب يعلنون رفضهم لهم، ويجهرون بأعلى الأصوات "ارحلوا"، وإلا دكت الأرض من تحت أرجلكم دكاً، هم -الآن- يريدون إخماد نار الغضب التي أضرمها الأحرار، فتزداد اشتعالاً، ولذلك هم يستخدمون أقوى ما عندهم ظانين أنهم يوجهون للرافضين الضربة القاضية، ولكن الشعب يرفضهم، يمقتهم، ألم تر إلى تلك اللافتة التي رفعها أحدهم: (لا بقينا إن بقيت). - وروسيا والصين؟ لقد أفسدتا كل شيء. - لأنهم على شاكلتهم في قهر الشعوب وكثرة الجرائم والقعود على صدور الناس!!، هؤلاء الذين يدعون الثورة من أجل الناس ثم يتحولون إلى لصوص يسرقون حتى الكحل من العيون، ثم تميل الأيام عليهم وعلى نظرياتهم الثورية الجوفاء، فيتحولون إلى مافيات وعرابيها، لا دين، لا أخلاق، لا مبادئ، إنهم أبناء ماوتسي تونغ وماركس ولينين وستالين بعد أن تحولوا إلى مجرد محنطات في مزبلة التاريخ، تنغص أحفادهم أكثر مما تشرفهم، أبناء العهر الثوري، ثم السقوط في مستنقعات القرصنة واللصوصية والتجارة بكل شيء حتى بأبناء بلادهم وبناتهم. - سيدي، ما فائدة هذا التوصيف إن كانوا قد أفسدوا كل شيء؟؟ - يبدو أنه لم يدفع لهم الثمن المناسب، وهذه مسؤولية العرب والعالم كله، إن دفع لهم أكثر مما يدفع النظام في سوريا بقرش واحد يبيعونه وأهله وذراريه، مع دوافع أخرى لا بدّ من كشفها. - هل تقصد شراء مواقف مناقضة لموقفهم؟ - نعم، فهم كالعاهرات يبعن عشاقهن لمن يدفع درهماً واحداً أكثر. - الناس موتى من الجوع والبرد، من يقدر منهم على أن يدفع لهم ما يطمعون فيه؟؟ - (مبتسماً) هناك من يستطيع أن يدفع إن أراد، ولن يريد إلا عندما يفهم أن هذا النظام إن بقي سيكون خطراً على المنطقة كلها. - ومن يفهمهم؟ - أنت، وأنا، وكثيرون، يجب أن نوضح للجميع خطر هؤلاء الحثالة مع حلفائهم إن بقي هذا النظام، واستقوى بعد ضعف، إذ إن عروشاً وكراسي هامة يمكن أن تهتز بفعل مكرهم وجرائمهم. - سيدي... ألا ترى أنك متفائل، بل طافحة نفسك تفاؤلاً؟ - بل أنت الضعيف المتهافت الذي لا يقدر على وعي ما ينبغي، ولا يستطيع مع هذا أن يتخذ الموقف السليم!!، ما بك يا رجل؟! لا أعرفك من قبل هكذا، الشباب الذين يقابلون القذائف الفاجرة بصدور عارية ليسوا بجبنك ويأسك!!!. - سيدي.. أنا متألم من أجلهم. - ليسوا بحاجة إلى ألمك، وإنما إلى صمودك ودعمك وإيمانك. - إيماني؟ - نعم، إيمانك بقدرة الله على كل شيء، إيمانك بأنهم "يمكرون ويمكر الله"، وأين مكرهم من مكره، إيمانك بأن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، إيمانك بأن للباطل جولة وللحق جولات، لعل الله- عز وجل- يريد أن نيأس من كل الخلق ومن كل الأسباب، حتى نعود إلى حقيقة التوحيد، قولاً وفعلاً وشعوراً واعتقاداً، لتفلس كل الأسباب مادام رب الأسباب معنا، وما دمنا على الحق، والله - تعالى- {لا تأخذه سنة ولا نوم}، و{إن ربك بالمرصاد}. - عشرة شهور يا سيدي، عشرة شهور، وهم يفعلون الأعاجيب قتلاً تهديماً كذباً وتزويراً؟ - ليست كعشر السنين التي قضاها المسلمون في مكة مستضعفين من أكابر مجرميها!!، ومنها ثلاث سنين من الحصار الاقتصادي الذي أكل معه الصحابة الكرام ما لا يؤكل!!، لم ييأس واحد منهم، بل كانوا دائماً مؤمنين بأن نصر الله قادم. - (بدأت بالانتباه إلى نفسي) صحيح، لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون. - في غزوة الخندق أفلست الأسباب، وبلغت القلوب الحناجر، فكان الحال كما وصف الله - تعالى-: { وتظنون بالله الظنونا}، عندها جاء نصر الله من حيث لا يدري أحد، حتى فر كفرة قريش كالكلاب المفزوعة لا يلوون على شيء، هل تعلم لم روى القرآن الكريم لنا هذه القصة؟ - لم يا سيدي؟ - حتى لا يوجد مثلك ممن يرتعدون من الخوف والجبن ويقتلهم اليأس عندما تشتد الأزمة وينسون أن الشدة غالباً ما يتبعها الفرج، كما يتبع الليل النهار. - سيدي....... - قم وافعل شيئاً لإخوانك أفضل مما أنت فيه، يجب أن تعيد ترتيب إيمانياتك كلها، ثم ألم نقرر في الجلسة الماضية أن علينا أن نقوم بما أوجب الله علينا، وعلى الله النتائج؟ - نعم يا سيدي.. صحيح.. - (أمسك بكتفي وهزه) وتلا قول الله - تعالى-: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}. - صدق الله العظيم. - والسوريون غيروا ما بأنفسهم، ولم يبق إلا أن يغير الله أحوالهم كما وعد ورتب. - صحيح يا سيدي؟ - إنه وعد من الله –عز وجل-، والله لا يخلف وعده.
المصدر: رابطة العلماء السوريين
أحمد الفاضل
عبد الكريم بكار
أحمد عبد الرحمن الصويان
أحمد بن فارس السلوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة