..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


ابحاث ودراسات

الجماعات الإسلامية والنظام الدولي.. بين التكيف والمواجهة

ماهر علوش

١٦ إبريل ٢٠١٧ م

المرفقـــات

pdf

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2972

الجماعات الإسلامية والنظام الدولي.. بين التكيف والمواجهة
llmy_2.jpg

شـــــارك المادة

قبل أيام نشر الدكتور عبد الله النفيسي عدة تغريدات عبر حسابه في تويتر، كانت محل جدل بين بعض الكتاب والمفكرين... وتأييدًا لما ذهب إليه الدكتور الفاضل أكتب هذه الكلمات:

من عرف نشأة النظام العالمي الجديد انطلاقًا من معاهدة "فرساي"، والتي قامت على أساسها "عصبة الأمم"، ومن ثَمَّ قامت على أنقاضها "هيئة الأمم المتحدة"، والتي بدورها شكلت مجموعة من المؤسسات الدولية التي تولت إدارة العالم في شتى المجالات، ووضعت النظم السياسية والاقتصادية والقوانين الدولية التي يُدار العالم بها اليوم، وكل ذلك كان خاضعًا لاعتبار موازين القوى حينئذ، والتي أفرزتها الحرب العالمية الأولى والثانية... ما يعني أن القوة والحرب هي التي شكَّلت هذا النظام الذي يحكمنا اليوم، فإذا أردنا فرض نظام جديد فإما الحرب مجددًا، وإما امتلاك سلاح الردع الذي يحقق التوازن بلا حرب.

وأهم المؤسسات الدولية التي تقود العالم: مجلس الأمن، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومؤسسة التمويل الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"... إلى غير ذلك من المؤسسات والمكاتب والفروع واللجان التابعة أو المرتبطة بـ"هيئة الأمم المتحدة"، والتي تحقق ارتباطًا وتماسكًا عضويًّا، يدفع إلى تحقيق المزيد من السيطرة على الدول الأضعف ومواردها، خاصة ما يسمى بدول العالم الثالث أو الدول النامية.

ومن يتابع عمل هذه المؤسسات، ويراقب مدى التداخل والتناغم في أدائها، يدرك تمامًا أن الدخول في مواجهة مباشرة مع هذا النظام هي مواجهة خاسرة بكل المقاييس... فمجلس الأمن تحكمه خمس دول دائمة العضوية، يتم اتخاذ وتعطيل القرارات فيه بحسب مصالح هذه الدول، بغض النظر عن أحقية وعدالة هذه القرارات... ومن خلال مجلس حقوق الإنسان يتم تزييف الحقائق، وتسليط الضوء على الأخطاء التي قد ترتكبها بعض الدول؛ تمهيدًا لتوجيه الاتهامات لها بحسب مصالح الدول الكبرى... ومن خلال المؤسسات المالية الكبرى: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، يتم إخضاع الدول النامية لسياسات الدول الكبرى عبر قروض طويلة الأمد بحجة التنمية، ويتم التدخل من خلال هذه القروض ببنية اقتصاد الدولة، فتوضع عليها شروط مجحفة بحجة ضمان سداد الديون... ومن خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتم منع الدول الصاعدة من امتلاك السلاح النووي بحجة الحد من انتشار الأسلحة النووية... وتحت دعوى تحقيق السلم والأمن الدوليين يتم حظر توريد السلاح إلى الدول التي لا يُراد لها أن تتحرر من قيود الاستعمار... ومن خلال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية يتم التحكم بالسياسات الزراعية للبلدان النامية... ومن خلال محكمة العدل الدولية يتم إصدار الأحكام الجاهزة على كل من يخالف القانون الدولي الذي وُضع لتنظيم وحماية مصالح الكبار فقط.

إن كلمة السر في "إدارة العالم" مؤلفة من ست نقاط، تمثل ستة مجالات حيوية تسيطر عليها، وتتحكم بها الدول الكبرى:
الأولى: احتكار المعرفة والتكنولوجيا والمعلومات.
الثانية: احتكار الخامات والثروات والسيطرة عليها والتحكم بها.
الثالثة: احتكار السلاح والسيطرة عليه والتحكم بإنتاجه وتوريده.
الرابعة: احتكار السلطة والقانون والشرعية الدولية، ومنحها وسحبها وفق مصالح الدول الكبرى.
الخامسة: احتكار الإعلام بما فيه التلفزيون والصحافة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
السادسة: احتكار الاقتصاد الدولي والنقد، والسيطرة عليه والتحكم به من خلال المؤسسات المالية الدولية.

فمن أراد كسر الطوق الدولي والتحرر من التبعية الدولية لابد له من تحرير نفسه في هذه الاتجاهات الست:

الأول: تحرير التكنولوجيا والمعرفة والمعلومات، بحيث تستطيع الدولة إنتاج ما تريد دون ارتهان لأحد، وهنا أحد طريقين: إما شراء التكنولوجيا كما حدث عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وهي فترة صعود عدة دول استفادت من هذا الانهيار، وإما إنتاج المعرفة وهذا يتطلب توفير بيئة خصبة تساعد على البحث العلمي، إلى جانب ترسيخ ثقافة البحث والتطوير في المجتمع، مع إنفاق كبير واستثمار هائل في الأدمغة والعقول، يضاف إلى ذلك أخذ التدابير اللازمة للحد من هجرة واغتيال العلماء، وهو ما عانت منه العراق وسوريا مؤخرًا... وللعلم فقط فإنه من بين كل 100 جامعة في العالم أفضل 30 جامعة هي أميركية، ومن بين كل 10 جامعات في العالم أفضل 6 جامعات هي أميركية.

الثاني: تحرير الخامات والثروات، والسيطرة على مصادر الطاقة، بحيث نستطيع الانعتاق من هيمنة الدول الكبرى، وذلك يبدأ بتحقيق الأمن الغذائي والمائي والصناعي وأمن الطاقة... عبر امتلاك المحاصيل والثروة الحيوانية ومنابع المياه والمعادن والنفط والغاز... وللعلم فقط فإن المنطقة العربية ستواجه مشكلة مائية خلال العقود القادمة، سواء بفعل البيئة كما في منطقة الجزيرة العربية، أو بفعل الاعتداء كما حصل في أزمة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل... أضف إلى ذلك أن دول الخليج العربي لا تملك النفط الذي تستخرجه، حيث جعلت منه سلاحًا بيد الولايات المتحدة الأميركية، تتحكم بأسعاره صعودًا وهبوطًا، عبر منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، حتى صار جزءًا أساسيًّا من السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية مع خصومها -روسيا والصين نموذجًا-..

الثالث: تحرير التكنولوجيا والمعرفة والمعلومات مع امتلاك الخامات يعني احتمال كسر احتكار السلاح من خلال مشاغبات دولية تدريجية، بحيث تستطيع الدولة حماية نفسها، وتحقيق أمنها... وهنا يتحتم على البلدان المتضررة من الطوق الدولي أن تقوم بتبادل معرفي فيما بينها بحيث تحقق نوعًا من التكامل في مواجهة الأعداء الكبار، على غرار ما حدث بين إيران وكوريا الشمالية... وللعلم فقط فإن دولة مثل السعودية لا تزال حتى الآن غير قادرة على تحصيل الكثير من المنظومات الدفاعية لتحافظ على أمنها واستقلالها، والقضية هنا ليست قضية مالية بقدر ما هي قضية سياسية؛ لذلك فقد تأتي اللحظة التي لا تنفع فيها كل المليارات المودعة في خزينة الدولة أمام الحصول على تكنولوجيا متطورة، من منظومات صاروخية ومضادات أرضية وجوية.

الرابع: تحرير وسائل الإعلام، بحيث تقوم الدولة ببناء مؤسساتها الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة وفي الإنترنت... بعيدًا عن الإمبراطوريات الإعلامية الكبرى، ما يعني تحرير تبعية الإعلام الداخلي من وكالات الأنباء العالمية، والذي من خلاله تستطيع الدولة مخاطبة شعبها دون مؤثرات خارجية، وتوجيهه بالاتجاه الصحيح، والأهم بعد ذلك بناء "الأخطبوط الإعلامي" الذي يؤمن للدولة طرق التواصل مع الشعوب الأخرى، وبناء قاعدة جماهيرية أوسع، أو على الأقل ضمان وصول الصورة الصحيحة إلى تلك الشعوب دون تشويهها عبر المرور إلى الإعلام الخاص بتلك الدول، كما حدث في تعاطي الإعلام الغربي مع الانقلاب في تركيا؛ حيث عمد إلى تشويه صورة الرئيس أردوغان، وتجاهل الانقلاب ليركز الصورة على رد فعل الحكومة تجاه الأحداث. وللعلم فقط فإن الولايات المتحدة الأميركية تملك الإعلام الأكبر والأشهر في العالم على اختلاف أنواعه، فتمتلك أكبر صحيفتين وهما الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، وأكبر وكالتي أنباء وهما سي إن إن وفوكس نيوز، بالإضافة إلى هوليوود والتي تعد السينما الأكبر والأشهر والأكثر احترافية في العالم، كما تمتلك أكبر وأشهر منصة بيع كتب في العالم عبر موقع أمازون.

الخامس: تحرير أي دولة في هذه الاتجاهات الأربعة هو مفتاح الدخول إلى أندية الكبار، والذي بدوره يعني انتزاع الشرعية الدولية، والجلوس على طاولة صناعة القرار الدولي، والتأثير فيه بما يحقق المصالح العليا لتلك الدولة.

السادس: كما أنه يمنحك القوة لإجراء حماية شرعية وقانونية لاقتصادك ووحدتك النقدية، بحيث لا تتأثر بالأزمات الاقتصادية التي تتسبب بها المؤسسات المالية الدولية بالتعاون مع الشركات العالمية العابرة للقارات. وللعلم فقط فإن الولايات المتحدة الأميركية وحدها تملك كبرى الشركات العالمية في شتى المجالات، وعلى سبيل المثال: أبل، مايكروسوفت، جوجل، فيسبوك، تويتر، كوكاكولا، ماكدونالز، إنتل، فورد، جنرال موتورز، بوينج، ومئات الشركات الأخرى التي تتجاوز ميزانيتها عشرات مليارات الدولارات. ليس هذا فحسب بل مجرد كون الدولار هو العملة الرئيسية في العالم، والتي حلت محل الذهب كوحدة قياس دولية في البيع والشراء، هذا وحده كافٍ لبسط سيطرتها ونفوذها في العالم... فكيف عندما تدرك أن بقية العملات في العالم إما تابعة تمامًا للدولار ومرتبطة به ارتباطًا ثابتًا كما هو الحال في عملات دول الخليج العربي، وإما أن تتأثر به من حيث كونه العملة الأكثر استعمالًا في العالم كما هو الحال في منطقة اليورو... ما يدفعنا للتأكيد بكل صراحة أننا لا نستفيد من النفط الذي يباع بالدولار، والذي لا نملك استرداد ثمنه المودع في أرصدة بنكية تابعة لتلك المؤسسات الدولية التي تحدثنا عنها... إن الصين وبالرغم مما قيل مؤخرًا إنها تخطت الولايات المتحدة الأميركية اقتصاديًّا على مستوى العالم، إلا أنها لا تزال تعاني من قيود الاقتصاد الدولي الذي حاكت خيوطه تلك المؤسسات المالية، وهي لا تزال تبحث عن طريقة مجدية لكسر الطوق الأميركي المفروض حولها، وتقوم بمناوشات أو مشاغبات في آسيا وبحر الصين الجنوبي، مع حرصها الشديد على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا والعالم.

لقد تحدثنا مرارًا عن انكشاف الجماعات الجهادية، والتي تعيش ضمن حالة غير قانونية على المستوى الإقليمي والدولي، ما يعني تحويلها من حركات تحرر شعبية إلى ميليشيات هدفها القتل والتدمير... وهذا أدى بدوره إلى انكشاف أهل السنة على مستوى الشعوب وحتى الحكومات؛ حيث تسابقت بعض الحكومات العربية للمشاركة في الحرب على الإرهاب بدافع تبرئة نفسها من تهمة دعم الإرهاب، والتي ما لبثت أن وجهت إليها التهمة مؤخرًا، وصارت علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية تحتاج إلى إعادة تقييم ومراجعات... لقد بات من الضروري جدًّا احتماء الجماعات والحركات الإسلامية بدول داخل المنظومة الدولية على غرار إيران-حزب الله، وهذا ما تؤمنه المصالح المشتركة بين هذه الجماعات وتلك الدول، إلا أنه يتطلب تحركًا مرنًا خارج سقف الأيديولوجيا، لتتمكن تلك الدول من العبور بهذه الجماعات إلى ضفاف المجتمع الدولي، من غير الدخول في مواجهة شرسة باهظة التكاليف...

لقد أكدنا مرارًا على ضرورة سحب بعض الدول العربية التي لا تزال آمنة، وإدخالها في خط المواجهة، وذلك من خلال بناء تفاهمات وتحالفات تحت سقف المصالح المشتركة، ما يعني احتمال إدخال بعض الخصوم في التحالفات، بغض النظر عن القضايا التفصيلية التي تنتهجها هذه الدول، والتي قد لا تنسجم مع توجهات تلك الجماعات والحركات.

لقد طالبنا دومًا بوضع قضايانا ضمن السياق الواقعي، إلا أن البعض ما زال يصر على نقلها إلى السياق الرومانسي، فيقوم باستدعاء السنن الشرعية -ثبات أصحاب الأخدود نموذجًا- لمواجهة السنن الكونية، متناسيًا الشطر الآخر من السنن الشرعية -قصة عمار بن ياسر نموذجًا-... إن اللجوء إلى الأحاديث العاطفية، ومخاطبة المشاعر الوجدانية، وإلهاب الجماهير بأننا أمة المليار لن يغير من الواقع الدولي شيئًا، ولن يحدث أي تعديل على خطوط المواجهة... إن واقع العالم الجديد يدل بوضوح على أن الأعداد لم تعد كبير شيء قياسًا بحجم التقدم الصناعي الذي حققته الدول الكبرى، والذي مهد للاستغناء عن مئات الرجال بالمصانع والآلات... علينا ألا ننسى أو نتناسى ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن أمة المليار يومئذ "غثاء كغثاء السيل"... إن الأمة التي استسلمت لحفنة من العملاء الراقدين على صدرها ليست أكثر من أعداد وهمية وأرقام فلكية لا تسمن ولا تغني من جوع.

المنطقة تعيش حالة مواجهة كبيرة مع النظام العالمي، الهدف منها إقصاء الدول التي تحاول الصعود إلى مربع الكبار دون استئذان أحد -تركيا نموذجًا-... ونحن أمام خيارين: إما التفرد بمواجهة شرسة خارج أعراف وتقاليد المعركة الدولية المفتوحة، وبالتالي سنواجه مصيرنا وحدنا، وإما التخندق مع الشركاء والأصدقاء في مكان واحد، والدخول في مواجهة داخل أسوار النظام الدولي، تعتمد بشكل أساسي على نوع من المشاغبات التي تفضي إلى مواجهات جزئية في الإقليم، قد تتسع مع مرور الوقت بقدر خروج المنطقة عن السيطرة... ومن هنا دعونا مرارًا لبناء شراكة حقيقية وإستراتيجية بين الجماعات والدول التي لا تزال آمنة -السعودية وتركيا نموذجًا-، تكون سببًا في إنقاذ ما تبقى من البلاد العربية، وتثبيت تركيا في خط المواجهة... قد لا يكون أمامنا إلا القيام باحتكاكات خفيفة مع المنظومة الدولية أثناء محاولة العبور، تكون بمثابة تذكرة مرور تساعدنا على التسلل إلى أطراف هذا النظام، لنأخذ وضع الأمان الصحيح الذي يمكننا من استئناف الحياة الإسلامية مجددًا... وما عدا ذلك فهو نوع من العبث؛ لأن الدخول في مواجهة شرسة وحادة مع هذا النظام لا تكلفه إلا تشكيل تحالف دولي شرعي وقانوني، بل ويتم تسويقه من خلال مبرر أخلاقي في الإعلام الدولي، بحيث يكفل ضرب الجهاد الإسلامي وكل من يقف معه من الدول الإقليمية وحركات التحرر الأخرى بما فيها الإسلام السياسي... علينا أن ندرك حجم وخطورة المعركة، وقبل ذلك الأدوات التي ينبغي استعمالها أثناء الصراع، حتى لا نفاجأ في لحظة خاطفة باستهداف شبابنا ومقدراتنا وما تبقى من إمكاناتنا...

 

الدرر الشامية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع