..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كيف تستقيم حياة نظام بعد كل هذا القتل لشعبه؟!

أسامة عثمان

٢٩ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6837

كيف تستقيم حياة نظام بعد كل هذا القتل لشعبه؟!
أسامة عثمان.jpg

شـــــارك المادة

العلاقة بين الحاكم والشّعب ليست علاقة نفعيّة، فحسب، والنّظرة إليه تقديرًا، أو رفضًا، ليست مبنيّة، فقط على أداء مؤسّساته، وحسن رعايتها، هذا طبعًا في البلاد التي تُبنى دولُها على المؤسّسات..

 


العلاقة تقوم على ذلك، وعلى احترام الحاكم لِقِيَم هذا الشّعب، ووفائه للعقد الذي قامت العلاقة بينهما عليه، وفي صميم ذلك قدرته على حماية شعبه، وتوفير الأمن بكل تجلّياته لهم؛ فأين تذهب هذه العلاقة حين يتحوّل الحاكم قاتلاً للشّعب، لرجاله ونسائه، وأطفاله وشبابه؟!
العلاقة بين الدّولة وشعبها علاقة عضويّة. صحيح أنّها ليست كذلك في معظم البلاد العربيّة، لكن التّراكمات الكميّة، تؤدّي- كما يُقال- إلى تغيّرات نوعيّة؛ فبعد أن قتل بشار الأسد ما يزيد عن سبعة آلاف من أبناء شعبه، واعتقل عشرات الآلاف ورمَّل آلاف النّساء، ودمّر أسرًا بأكملها، وعادى قطاعات، بل اقتحم مدنًا وحاصرها، فِعْلَ العدو شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع... ألَمْ يَغْدُ محتلاًّ مجرمًا وغريبًا؟!
نطرح هذه الأسئلة، ونحن ندخل مرحلة جديدة يُعاد فيها ترتيب العلاقة بين الشّعوب العربيّة والدّول التي تحكمها، أو السّلطات التي تضبطها؛ لأنّ مفهوم الدّولة أوسع من مجرّد جهات تنفيذيّة تحتكم إلى حزب، أو أسرة، إنّها مجموعة من المؤسّسات التي انبثقت من إرادة الشّعب، ووُجدت من أجله، تتبدّل الحكومات، وتبقى الدّولة.
لكنّ الحاصل في بلاد عربيّة كثيرة، ومنها سوريّة التي تشهد استقطابًا يهدّد بانقسامات عميقة في نسيج المجتمع، هو وثوب فئة إلى الحكم، في ظروف غير طبيعيّة، على غفلة من النّاس، ثم استئثارها بالحكم، وثروات البلد ومقدّراته، دونهم، وفوق هذا، الكَتْمُ على أنفاس النّاس، وتخوين كلّ من لا ينخرط في خطابهم الانتقائيّ الشّعاراتيّ.
هذا الوثوب غير الشّرعي إلى الحكم قائم على حساب شخصيّة الدّولة، وتمثيلها للشّعب كلّه، ولذلك صُمّمت أجهزة الأمن والفرق الخاصّة؛ من أجل حماية هذه الطّغمة الغاصبة للحكم والإرادة.
ليتجلّى دورُها في هذا الوقت الذي خرجت فيه جموع الغاضبين، ومَنْ فاض بهم كيلُ التّهميش.. ليتجلّى دورُها في الدّفاع المجنون عن هذه السّلطات، ولو أدّى ذلك إلى تخريب صورة الجيش في نظر أبناء وطنه، والسّطو على مهمته العليا في حماية البلاد من أيّ عدوان خارجيّ.
ولو أدّى هذا الانفلاتُ الأهوجُ من تلك الفرقة الخاصّة (الرّابعة) العمياء الولاء، إلى قصف الأحياء السّكنية وترويع الأهالي، في كلّ المناطق المنتفضة، حتى لو خلت تلك المناطق من أيّة شبهة بوجود جماعات مسلحة، كما حدث مرارًا في قلب العاصمة دمشق، ومنها حيّ البرزة.  من الواضح أنّ النّظم الرّاسخة لا تتصرّف بهذا القدر من الوحشيّة، ولا تحتاج إليها، ولكن من يتورّط في هذا المنحدر إنّما هو الخائف حتى العداوة، واليائس حتى قطع كلّ الخيوط بينه وبين فئات واسعة من شعبه.
بالطّبع لا يمكن للعلاقة أن تنكشف سافرةً إلى علاقة محتلّ؛ لأنّها في الأساس لم تُبْنَ على ذلك، هذا سبب، والسّبب الثّاني، أوضح، وهو أنّ الطّغمة الحاكمة ليس لها شعب آخر غير هذا الشّعب، كما هو حال (إسرائيل) في فلسطين، مثلاً.
أمّا العلويّون الذين يمثّلون قرابة 8% -حسب بعض التّقديرات- فهم لا يقوون على التّصدي لما تبقّى من الشّعب في سورية، فضلاً عن كونهم، ليسوا محسوبين مع النّظام؛ فقد أصدرت مجموعة من المثقّفين العلويّين بيانًا جريئًا فضحوا فيه محاولات النّظام السّوريّ ربط الطّائفة العلويّة به وبنظامه..
ودعوا المواطنين السّوريّين العلويّين وأبناء الأقليّات الدّينيّة والقوميّة المتخوّفين ممّا سيلي انهيار النّظام إلى المشاركة في إسقاط النّظام القمعيّ، والمساهمة في بناء الجمهوريّة السّوريّة الجديدة، دولة القانون والمواطنة.
كما أكّدوا على وحدة الشّعب السّوريّ بكل أطيافه الدّينيّة والقوميّة، والعمل على بناء دولة حرّة ديمقراطيّة تحفظ حقوق مواطنيها بالتّساوي، وهذا لا يتمّ إلاّ بإسقاط النّظام الاستبداديّ الحاليّ.
ولا يقتصر الأمر على المثقّفين العلويّين؛ فبِحَسَب عضو المجلس الوطنيّ السّوريّ، خالد كمال، أنَّ عددًا كبيرًا من العلويّين أكّدوا لهم أنّهم ظُلموا من الأسد أكثر مما ظُلم الآخرون.
وفوق ذلك فإنّ زعماء هذه الطّائفة ومشايخها يُستبعد أن يتّصفوا بضيق الأفق، أو قِصَر النّظر؛ فينساقوا وراء الأسد وعصاباته، ويقطعوا كلّ الوشائج التي تربطهم بأبناء وطنهم، وأبناء المنطقة العربيّة الآخرين.
والمرجّح أن ينهجوا نهج الزّعيم الدّرزيّ وليد جنبلاط الذي -على الرّغم من تقلّباته الكثيرة ومراوغاته من عدوّ إلى صديق- يظلّ يلحُّ، في خطابه إلى طائفته، على أهميّة اندماج الدّروز في المنطقة العربيّة، وأن لا يتقوقعوا على أنفسهم، حتى في الأوقات العاديّة، وحتى لو كان هذا التّقوقع لا يعني الدّخول في صراعات مع الأغلبيّة.
بالطّبع هذا المنطق الذي ُيؤْثر الانحياز إلى الشّعب، والوطن، وبذلك يمكن الحفاظ على حياة طبيعيّة، في حال تحقّق التّغيير المنشود من القوى السّوريّة، وهو دولة لكلّ مواطنيها.. هذا المنطق ليس قانونًا ثابتًا، ولاسيّما، إذا أحاطت بالعلويّين، وبغيرهم من الطّوائف في المنطقة العربيّة ظروف الاحتقان الطائفيّ، ومن الشّرق العراق الذي تنذر أزمته السّياسيّة بين رئيس الوزراء، نور المالكي، ونائبه، طارق الهاشمي بأجواء خطرة بين الشّيعة والسّنة.
فالخطورة في أن يُجبر النّاس على خيارات لا يريدونها، كمَنْ حُشِر في وسط زحام من النّاس؛ فتراه يندفع بغير حركته الذّاتيّة.. فالخوف إنّما هو من الصّراعات السّياسيّة الفوقيّة أكثر مما هو من التّناقضات، أو الفروق المذهبيّة الطّائفيّة؛ لأنّ غالبيّة النّاس ينهمكون في أمور حياتهم اليوميّة وشؤون معاشهم، وقد عاشوا معًا قرونًا، دون أن يتخلّلها الصّراع الطّائفيّ إلاّ قليلاً، ذلك أنّ القواعد الدّنيا لا تزال لا ترى ضرورة لمثل هذه الصّراعات، وما يترتّب عليه من قتل وتهجير وتضحية بالمصالح والاستقرار.. فإذا ضُمِنَت للعلويّين وغيرهم حقوق المواطنة فلن يختاروا الاحتراب المفضي إلى الإقصاء والتهميش. أو إلى مصير مجهول.
فالخاسر الأكبر في هذا الرّهان هو النّظام الذي لم يكن يستند إلى كثير من الشّرعيّة الدّاخليّة، أصلاً، ولمّا اندلعت الثّورة انكشف عن محتلٍّ، في ثياب نظام وطنيّ ممانع!

المصدر: الإسلام اليوم 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع