..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الجيش الحر وما بعد سقوط الجامعة

مهنا الحبيل

٢٧ يناير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6972

الجيش الحر وما بعد سقوط الجامعة
111.jpg

شـــــارك المادة

أبرز قضية مركزية في تحليل الوضع الإستراتيجي والسياسي للجيش السوري الحر -الركن الرئيسي الثالث للثورة السورية- هو ما شكله من مكون إنقاذ بارز وصاعد بقوة خاصة بعد رسالة معركة الزبداني في توقيت دقيق جداً شكّل ضربة إستراتيجية لتوافقات خطيرة ضد الثورة السورية كشفنا عن تفاصيلها في المقالين السابقين؛ (الثورة السورية وكسر الإرادة الإسرائيلية)، ومقال (الثائر السوري وقوة القرار الذاتي)، ونُذكّر بما قلناه في الأخير بأن منظومة المشروع الروسي الإيراني واختراق الجامعة العربية كان من أخطر حلقات المواجهة والحِصار للثورة السورية، وسنعرض هنا تطورات هذا الموقف وبرنامج الجيش الحر الذاتي المتوقع لقيادة المرحلة الحاسمة للثورة.


بعثة الدابي وكشف الحساب:
مع اجتماع اللجنة الوزارية العربية 23 يناير/كانون الثاني لبحث تقرير بعثة مراقبي الجامعة والقراءة المتعمقة لتقرير الدابي، تتبين خطوط رئيسية تكشف توجهات الدابي المنهجية التي تعتمد لغة وإعادة صياغة كاملة للمشهد لا يمكن أن تنطلق دون موافقات مع فريق من دول عربية مؤيدة للنظام سراً أو جهراً وتمرير خطير من أمين الجامعة وبعض هيكلها الإداري.
ويؤيد ذلك شهادة المراقب الجزائري الذي استقل بضميره الإنساني وآخرين من البعثة، كشفوا حقائق تتطابق كصورة طبيعية مع ما ينقل مصوراً من برنامج جرائم الحرب الممنهج الذي ينفذه النظام، حتى بات بحث حقيقته جزءاً من فنتازيا مروعة للعقل والوجدان الإنساني.
وهنا يبرز تطابق مخيف بين تسريبات التقرير التي تتضمن رسائل مفصلية تعطي تبريرات خطيرة للنظام من ذات اللغة التي يستخدمها تستدعي مصطلح الجماعات المسلحة مع التشكيك المبطن بحجم الجرائم وتوجيه رسائل لتجاوب مزعوم من النظام رغم أن أرقام القتل اليومي والجنائز والجثث المتحللة في ازدياد.
ويلتقي التقرير مع موقف مدافع عن الدابي متماه مع رسائله من قبل الأمين العام، ومع استحضار شهادات المراقب مالك والآخرين الذين اعتذروا عن ذكر أسمائهم وأكدوا ما قاله أنور مالك، بات الوضع يُعطي دلالات مركزية بأن بعثة الجامعة في الأصل مبنية على خطة إنقاذ له، وهذا ما يُبرر دفاع الروس المستميت عنها.
الروس يدٌ بالسلاح ويدٌ بالجامعة:
بات الدور الروسي مركزياً متدفقاً لدعم النظام وتسريع قوته لأجل سحق الثورة السورية بعد الكشف عن حمولات السلاح والذخيرة الضخمة التي أوصلها مؤخراً للنظام، وإضافةً للدعم العسكري الضخم الذي يُغطى إيرانياً أو ذاتياً من الروس لاستيفائه عبر النظام مستقبلاً، فإن موسكو تتحدث عن تدوير دور الجامعة العربية وتوجيهه وكأن الجامعة جزء من منظومة منظمة التعاون التي أنشأتها لمستعمراتها السابقة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
والغريب أنّ حراك الأمين العام للجامعة يبدو منسجماً مع هذا التدوير الروسي مع إطباق الروس على مداولات مجلس الأمن واستباقه بمشاريع عبثية لإنقاذ النظام، لكن ذلك واضح أنه يسير في توجه لإهمال متعمد من أوروبا وواشنطن، وقد ذكرنا ذلك سابقاً لدعمهم لإسرائيل لخشيتها من توجه الثورة، في حين خَفَت وتراجع الدور الخليجي الذي كان يَطرح توجيه استثمار دور الجامعة لمصلحة الشعب السوري.
     التحوّل لمجلس الأمن ما الجديد؟
إذاً نحن الآن أمام سيناريو واضح للتواطؤ ضد الثورة والجامعة العربية حتى الآن شريكٌ فيه، هناك تصور آخر للفريق العربي داخل الجامعة العربية يرى أنّ هناك زاوية متبقية لا يمكن أن يحتويها النظام وهي الإعلان عن عدم قدرة الجامعة إيقاف القتل وعجزها التام، وبالتالي تحال القضية لمجلس الأمن ذاتياً عبر المجلس الوطني أو رسالة ضمنية، أو إعلان الجامعة العجز عن تأمين الشعب دون طلب حماية مباشرة من الأمم المتحدة.
وحالياً لا يوجد توجه لدى دول المجلس الدائمة العضوية لتبني الملف، وتم التأكيد الثالث من الناتو أنه ليس في صدد أي نوع من الإسناد العسكري في سوريا، وهذا -أي التدخل العسكري كمصلحة عربية وسورية- لم يكن مطروحاً أصلاً، إنما التغطية القانونية والسياسية والاقتصادية القوية من الأمم المتحدة لحصار النظام ودعم وتغطية المنطقة العازلة، وهذا حالياً يبدو أنه لم يتهيأ ويحتاج المجلس الوطني وثوار الداخل لأخذ ذلك بالاعتبار والأهمية، لكن ذلك لا يمنع من السعي له مبكراً وتحضير المشهد العربي له، وستبقى مركزية الدعم الميداني الإستراتيجي لدى الأتراك الذين لا يزال تعهدهم قائماً بتأمين المنطقة العازلة في حال حصول قرار دولي.
ولكنّ المطلوب عربياً رسمياً وشعبياً تحفيز الجانب التركي أكثر وإخراجه إلى المبادرة لتأمين المنطقة العازلة دون اشتراط الغطاء، فهذه مسؤولية سياسية وأخلاقية ودينية على تركيا، وفي كل الأحوال -وهو ما ذكرناه مراراً- تغير الوضع على الأرض، وزيادة تمرد مدن الثورة سيجعل هذه الأطراف تتعامل بصورة مختلفة.
الجيش الحر.. الإنقاذ النوعي:
هنا نربط بمطلع المقالة ليتبين لنا أن حراك الجيش الحر مؤخراً كان عنصراً رئيساً وحسّاساً ومهماً لإستراتيجية الثورة، وكان من الطبيعي أن يتصدر هذه المرحلة، ولنلاحظ هذا التفوق النوعي في عدة مسارات:
1- شكّل توقيت تصاعد فرق وعدد المنشقين والمنضمين للجيش دفعة أمل كبيرة تعزز الصمود وتلاقي ثوار الميدان، وتتحد معهم في زمن خانق من مشروع الحصار الروسي الإيراني وشراكة الجامعة العربية فيه.
2- أعطى هذا الزخم والتنوع في مناطق الانشقاق والرتب العسكرية ثم قوة الفداء التي نجحت في الزبداني وإدلب وريف دمشق ودير الزور في عمليات نوعية رسالة مركزية وبياناً تاريخياً للشعب، رأينا أكثر المراقبين تحفظاً على الثورة السورية يعترف به وهو: الثورة مستمرة الآن لن تتراجع بجناحها المدني وبجيشها المسلح الحر، وهذه مفصلية مهمة لمستقبل الثورة.
3- تطور الانضباط والتنسيق المدني بين الهيئة العامة للثورة والتنسيقيات ومناضلي الحراك المدني مع تحركات الجيش الحر وتبادل المعلومات، مع بقائهم في ميدان الثورة السلمية وتوسيع التعامل الطبيعي الضروري مع الجيش الحر، وهنا تتكرس الإرادة الذاتية للثورة بوسائط الداخل بصورة مكثفة.
4- لا يوجد أي مؤشر لتحولات إلى حرب أهلية إلا إذا قصد البعض بهذا المسمى اصطدام النظام بعمل مسلح ثوري من القطاع العسكري تحول إلى جيش للثورة، وهو هنا يستهدف طبقة النظام العسكرية والأمنية والتشبيحية وليس الطوائف، ومواقف المثقفين العلويين والدروز مؤخراً تثبت التقاط الشعب السوري لهذه الرسالة الحقيقية لمدنية الثورة ووطنيتها، وهذا لا يتناقض مع مشاعر الوجدان الإسلامي المتجذر في الشعب وانسكابه العاطفي أمام جرائم الحرب لكن دون أي ثقافة مساس بمواطن الطائفة الأخرى.
الانتقال للانشقاق المركزي:
أمام هذه الدلالات وتدحرج حركة الانشقاقات وتتابعها أمام العالم حتى لم يعد بالإمكان حصرها، حيث تحدث في أكثر من موقع يومياً، فتؤكد هنا على بعد إستراتيجي مهم؛ وهو أن قناعة كل القطاعات العسكرية غير المصنوعة في دائرة النظام الخاصة تتهلهل، وهو ما أذعر النظام وحمل بعض الأطراف للتشكيك فيه بما فيه بعض ما سُرب على لسان الدابي من تهوين أمر المنشقين، لكن صعود الانشقاق وانتشاره بات مكشوفاً للعيان يُرسل يومياً رسائل لزملائهم في كل القطاعات.
واتخذ المسار الأخير دقة نوعية في حراك الجيش الحر وتنقلاته، وقد أشار بعض المراقبين أن مناطق كاملة بالفعل لم يعد النظام يسيطر عليها بحسب أعرافه الأمنية وبات يخشى من إرسال المزيد فيواجه بانشقاق جديد، واتضح ذلك في تركيز جيش النظام عملياته أيضاً عبر الفرقة الرابعة التي يترأسها ماهر الأسد رغم الإعياء الذي أصابها وخسائرها المادية والمعنوية الكبيرة في الزبداني، لكن النظام يحاول أن يتجنب قطاعات عسكرية كبيرة؛ لعدم ثقته وخشيته من ولاء مجنديها لسوريا والثورة وانتظارهم للحظة الخروج للانضمام للحر.
المهمة الإنقاذية أولاً:
هنا يتضح لنا مسار التطور الكبير في تشكل الجيش الحر وتعدد كتائبه وتعزز الانضمام إليه وتتابع المنشقين من فرق النظام، وبالتالي بدأ المشهد الإستراتيجي لميدان الثورة مختلفاً ومتطوراً بتزايد قوة الجيش الحر، وهو ما يعني أن الجيش الحر بدأ مرحلة التأمين الإنقاذي، أي مرحلة إنقاذ فعاليات وأنشطة الثورة، ثم مرحلة إنقاذ مدن الثورة، ثم مد الحزام الثوري حولها وتطوير بنائها الممانع داخلياً، والزحف إلى منطقة الحدود مع تركيا، ووضع العالم كله أمام إستراتيجية الثورة.
وهنا تبرز بوضوح مهمة إعادة بوصلة الثورة وتقديراتها الزمنية متماشية مع واقعية الميدان السياسي والعسكري والتغير الإستراتيجي، وهو ما يتطلب وقتاً، وقد ذكر أحد أبرز القيادات الكبرى المنضمة للجيش الحر أن إنهاء هذه المرحلة الإنقاذية للانطلاق لحرب التحرير يحتاج إلى عام كامل، أي حتى يناير/كانون الثاني 2013م، والتعامل مع هذا الرقم المتحفظ عليه ورفع درجات التأمين للمدنيين هو رهان المرحلة.
فحافظت الثورة بأذرعها الثلاث: هيئات الداخل، والجيش الحر، والمجلس الوطني؛ على الإستراتيجية الأصلية التي تغذى بصورة مطردة من حركة الانشقاق وكشف مواقع مهمة لمصالح الجيش الحر، في حين يُضغَط في اتجاه عوامل التعجيل بالنصر في برنامج المحيط العربي والتركي والدولي وضمان مشاركة أكبر في حلب ودمشق اللتين شهدتا تحركاً كبيراً في الشهر الماضي من قطاعاتها الشبابية. هنا الرسالة الزمنية مؤلمة لفدائية الشهداء من مناضلين وأطفال وصبايا ومثيرة لكل مشاعر عربية؛ لكنها ضريبة التحرير لقلب العروبة.. إنها سوريا.

المصدر: الجزيرة نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع