..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كلمات إياك أن تقولها

أبو عبيدة

٣ يناير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7416

كلمات إياك أن تقولها
العلماء السوريين.jpg

شـــــارك المادة

شاعت هذه الأيام كتب من نوع: (كلمات إياك أن تقولها) لزوجتك، لابنك، لمديرك، لأبيك أو لأمك لما لها من آثار خطيرة قد لا ينفع معها بعد النطق بها الإصلاح، وقد خطر في البال أن هناك كلمات لا بدّ من التحذير من قولها في زمن الثورة على الظلم، لما فيها من تشويه للحقائق، أو توهين للنفوس، أو تثبيط للهمم، فكم من كلمة يفوه بها المرء لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً، أو إن لم تهو به هذا الهوي، عُرقل بها -على أقل تقدير- عمل جليل، أوسُدَّ باب من أبواب الخير، ويكفي أنها يلتبس بها الحق بالباطل، مما يؤثر سلباً في المعركة الدائرة مع الطاغية المستبد الظالم، وتوقف قائلها بين يدي حساب شديد، ومساءلة خطيرة هناك في ساحة العدل المطلق حيث يُعرض الخلق على الحي القيوم، ويجأر الظالمون {ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}، نسأل الله العافية.
- الكلمة الأولى هي: نحن في بلاد الشام ننعم بأمن تحسدنا عليه الأمم منذ أربعين عاماً.
أقول: إن الأمن الذي نعيشه حقيقة ناجم عن طباع الناس وصلاحهم في هذه البلاد،  وليس من منجزات الحاكم، أو نتائج سياسته، والأمن أمنان: أمن بين الأفراد، وهذا من فضل الله على الشام، ثم من بركة الصالحين، وجهود العلماء، وأمن بين الساسة والشعب، وهو أمر مفقود في بلدنا منذ أربعين عاماً، فمن الطبيعي جداً - في هذا الجو الأمني- أن يؤاخذ الواحد منا بجريرة لم يرتكبها، وكم استباح الحكام وأزلامهم وزبانيتهم وكلابهم المسعورة من حرمات، وكم أكلوا من حقوق، ولا قضاء يحاسب، ولا أحد من المضطهدين يجرؤ على اللجوء إليه، يطلب الانتصاف ممَّن أكلوه، إذن، فالأمن المُدَّعى، إن كان هناك من أمن في بلادنا، ليس من فضائل الحاكم،  بل لعل هذا الأخير هو أول من يعتدي على أمن الناس، فلا يراعي في أحد ذمة ولا حرمة.
والكلمة الثانية هي: أن من سيأتي بعد هؤلاء ليس خيراً ممن يحكمنا الآن!!
الحقيقة أن هذا القول مفند بلا تفنيد، ومع ذلك فلنجار القائل الذي يزعم الخيريَّة، فنقول: ثمة وجهان لهذا الزعم.
الأول: ما هي الفضائل التي لهؤلاء، والتي لا يمكن أن يجاريها أحد؟
والثاني: هل خلت الأمة ممن يمكن أن يسوس الأمور بكفاءة وإخلاص، وبطريقة تحقق العدل والأمن الحقيقي، لا الأمن الذي رداؤه الظاهر همس، لا يجرؤ على المعالنة، لئلا يفهم منه التضجر والألم الممض، فإذا بالبلاء الذي تفنَّن به النظام ينصب على رأس الذي ارتفعت حرارة همسه في الأسماع، بل، وعلى رؤوس أقاربه في أحيان كثيرة، وصار مصرفاً -حتى يصرف عنه السوء- للابتزاز السنوي، أو الشهري، بحسب الطاقة المالية!!! أهذه هي المؤهلات التي تخلق بها النظام، ولا نجد لها مثيلاً فيما تنجبه النساء!!!! ويخاف المترامون على أحذيته الضياع؟
فأما فضائلهم المزعومة التي أصحاب الهلوسات الفكرية - وحدهم- يرونها، ويبعثهم على استنباتها في قرارات نفوسهم، خوف هالع ممن سيأتي، فإننا- وبإنصاف- لا نعرف لهم فضيلة واحدة يمكن أن تذكر، ولا إيجابية يشاد بها، اللهم إلا قضية الممانعة، وأرجو عدم ارتفاع وتيرة الضحك، لئلا يستحكم في الضاحك لهذه الخيرية ضحكه، فإذا به ينتهي مع النفخ في الصور،، أجل: هم منذ ظهر أمرهم، وتمكنوا - بألاعيب لعبوها- من رقبة البلاد، وأمور البلاد والعباد في تراجع اقتصادي واجتماعي وأمني وسياسي!!
لقد خربوا الإنسان، وعملوا بكل خبث على تهديم قيمه وأخلاقه، وخربوا التعليم ومؤسساته، وخربوا مرافق البلاد في كل المجالات، وانظر إذا أردت إلى شيوع الفساد والرشوة وانتشارها، حتى صارت فطوراً وغداء وعشاء لأصحاب البطون المحدقة بالسلطة، وصار للرشوة تسعيرة معلنة، إذ لم يعد هناك خوف من أخذها، بل والمطالبة بها، خاصة لدى أجهزة الأمن -عفواً "الرعب المركب-، وانظر - إذا شئت- إلى هبوط قيمة العملة، وهبوط قيمتها الشرائية حتى صارت الرواتب أقرب إلى النكتة المضحكة المبكية، وقارن بين مدارس اليوم ومدارس الأمس، وبين جامعات اليوم وجامعات الأمس، وبين مؤسسات ومعامل اليوم ومؤسسات ومعامل الأمس، إن شيمة هؤلاء الوحيدة، والتي لا ينكرها هؤلاء، أنهم انقلبوا على الحكم فانتزعوه انتزاعاً، ثم أخضعوا الناس لما يريدونه بالقوة والحديد والترهيب، ثم أذلوا العلماء وأكابر القوم من الصناعيين والتجار والمفكرين وأساتذة الجامعات، ثم ابتلعوا البلاد وما فيها من خيرات، وقالوا: إنهم يحاربون إسرائيل، - أرجوك- لا تضحك، ولا تنكر، فإذا بها مؤامرة وسخة أدت إلى نكسة حزيران، وحرب يتيمة بيعت بها الجولان من قبل من سُمِّي ببطل الجولان، وكأن تسليم المبيع قد تمَّ الاتفاق عليه تحت غطاء الحرب، لئلا يقال: "بيعت"، والثمن استقرار للحكم، مدى الحياة، ولا تزال المساندة حتى اليوم بناء على هذا الاتفاق، وإلا فما معنى هذه المواقف التالفة من كثير من الدول؟؟؟.
ثم، أليس حراماً في بلاد الشام أن يجوع الناس، ويفتقدون اللحم والفواكه، في حين تصدر هذه المواد لتباع في الخارج، وتصب أموالها في جيوب الحكام وأزلامهم من التجار!
أليس حراماً ألا يصل للفلاح أكثر من 10 % من سعر المادة التي يزرعها ويرعاها طول العام في السوق! أليس حراماً أن يعيش الناس في بلاد الخير في الشتاء على ما تنبته الأرض من الحشائش والأعشاب من سبانخ وملوخية وبراصيا وغيرها، والحاكم وحاشيته يتنعمون باللحوم والفواكه، ومنها ما هو مستورد، وبالمنكرات التي يتجرعونها ويحاربون الله –عز وجل- بها! أم أن ما ذكرته هو من الفضائل التي يوصف بها هؤلاء على أساس أنهم قد فاقوا فيها الآخرين، ولم يعد هناك نساء يلدن أمثال هذا القرف السلوكي، أثم يقال بعد هذا: من سيأتي ليحكمنا خيرا من هؤلاء؟
إن الحق الذي لا مراء فيه، هو أننا قد رأينا من هؤلاء السفلة ألواناً من الخسة والنذالة والإجرام والحقد الدفين مالا يوجد منه أو مثله إلا لدى إبليس نفسه - وحاشاه عن أمثالها-، إذ لا يبعد أن يكون قد تتلمذ على أيديهم فيها، وعليه، فكل ما عدا إبليس يفترض أن يكون أحسن منهم، وخيراً من خيارهم، أم أننا نحتاج إلى أربعين سنة أخرى حتى نقتنع بهذه الحقيقة.
والكلمة الثالثة: هؤلاء قد شبعوا حتى التخمة المحمضة، ومن سيأتي غيرهم سيكون جائعاً، وسيعود ليسرق من جديد.
وأصل هذه المقولة قصة شعبية تتحدث عن رئيس عصابة أو (شيخ منصر) كانت له جرة يملؤها من الأتاوات التي يأخذها من اللصوص أفراد عصابته، وأن هؤلاء الأخيرين فكروا أن يعينوا لهم رئيساً غير رئيسهم الذي أحسوا باستغلاله لهم، ثم عدلوا عن ذلك عندما فهموا أن أياً منهم سيأتي سيملأ جرة فارغة من جديد، ومن الواضح أننا هنا نتحدث عن رئيس عصابة ولا مانع من تشبيه هؤلاء بعصابة ورئيسها، ولكن ألا يمكن في عصر صار عصر مؤسسات وترتيبات إجرائية تشريعية وتنفيذية وقضائية أن تحكم سورية من قبل آخرين هم أفضل من العصابات وعرابيها؟! أخلت بلادنا المباركة من رجال مخلصين يقدمون على الحكم بعقلية غير عقلية اللصوص والمجرمين؟! ثم إنه ما من إشارة تشير إلى أن هؤلاء الأنذال قد شبعوا أو اكتفوا أو اقتربوا من الشبع أو الاكتفاء، فهم من المنهومين الذين تتَّسع بطونهم باتِّساع الرغبة في الأكل! إذ مازالت خيرات البلاد تنهب على عيون الناس، ومازالت مُخَصَّصات المشاريع تذهب إلى جيوب المتنفذين مرات ومرات، دون أن يقام منها شيء، وقصة المسرح القومي ليست ببعيدة، وقد انتظر قريباً من عشرين عاماً حتى يقام بعد أن سرقت مخصَّصاته أكثر من مرة.
أجل: لا يوجد ما يؤكد أن اللص يمكن أن يصل إلى درك من النهب يكتفي به، ويترك للناس بعد ذلك أموالهم، وقد عرفت سوريا نفسها رؤساء عاشوا في بيوت متواضعة، وماتوا ميتات متواضعة، لم يبنوا القصور، ولم يعيشوا عيشة الملوك، فما الذي يمنع أن يوجد أمثال هؤلاء الرجال من المخلصين، بل ليعش هؤلاء في القصور، ولا مانع، ولكن ليتركوا خيرات البلاد ومواردها للناس يتنعمون بها، ويدرؤون عن أنفسهم بها آلام الفقر وقرصات الجوع، وإحباطات الأمل.
أذكر أنني عندما زرت متحف قصر (توب كابي) في استانبول، وقد عاش فيه السلاطين العثمانيون حوالي 280 سنة قبل أن ينتقلوا إلى قصر (دولما باشا)، رأيت قصراً لا يمثل أكثر من ركن من قصر من قصور هؤلاء الحثالة من أدعياء الثورة من أجل الفلاحين والعمال، سلاطين آل عثمان وما يروى عنهم من حكايات يقطنون في قصر لا يرضى به وزير من وزراء الثورة، والمتحف موجود وشاهد إلى اليوم لمن يريد، فمن قال: إنه لا يوجد إلا السارق والقاتل والطامع ليحكم سوريا إن ذهب هؤلاء؟
والكلمة الرابعة: نحن - السوريين أو العرب- لا ينفع معنا إلا الحاكم المستبد حتى تستقر الأمور.
من قال إننا قد خلقنا من طينة أخرى غير طينة الشعوب الأخرى التي تناسبهم الديمقراطية والعدل؟ لقد شهدت سوريا فترة نيابية كانت خيراً ألف مرة مما عاشته في زمن البعث المستبد، "الشيشكلي" نفسه، والذي كان يوصف بالاستبداد استقال من الرئاسة حفاظاً على دماء الناس، و"شكري القوتلي" تخلى عن الرئاسة لجمال عبد الناصر حرصاً على الوحدة، ثم إن لكل زمان دولة ورجالاً، نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين لم يعد الاستبداد مقبولاً ولا مطاقاً على الإطلاق في الذائقة العالمية، يجب أن نفهم أن رجالاً -كهتلر ولينين وستالين وموسوليني وعبد الناصر وحافظ الأسد- لا مكان لهم بيننا في أيامنا هذه، فكيف تريدون لبشار "فرخ أبيه الأسد" الذي افترس العباد والتهم البلاد، أن يبقى وهو وطاقمه، من أراد ذلك لم يفهم هذه الطبيعة في تغير الزمان وتبدل الظروف.
ثم إن هذا -الذي تقولون إنه لا تستقر أمورنا إلا به- هو الاستبداد، الذي هو تكميم الأفواه، وسرقة الأرزاق، وإزهاق الأرواح، خاصة في "باستيل تدمر"، والاعتقالات والسجون، والاغتصابات والمجون، ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، هرس الأحلام والآمال، قتل الشباب كمداً وحسرات، إشاعة الفاحشة والمنكرات، إذلال العلماء، مراقبة المساجد ومحاصرتها، إغلاق المعاهد الشرعية، الغلاء والبلاء بكل أشكالهما وأنواعهما، هل هناك شعب لا تستقر أموره إلا بهذه الطريقة، إن من يقول هذا، ويعلل أنه ضريبة الممانعة المسرحية -بالله عليك لا تضحك- وكأن اليهود المغتصبون يذيقون شعبهم الدائم الاستنفار ألواناً من المذلة والقمع بهذه الحجة، التي سقوطها أقرب من السقوط نفسه، إذ كيف يمكن أن يمانع شعب أميتت فيه الحياة!! إن من يزعم ذلك حق عليه أن يعيش حياة العبد المستغل، ولكن ليتركنا نعيش أحرارا لا نعبد إلا الله.
منذ أن انهار جدار برلين، وبدأت تماثيل لينين وستالين تتهاوى تحت قبضات الثوار، كانت بشرى بسقوط بقية أصنام الاستبداد على الأرض، وهكذا توالت السقوطات، من صدام إلى زين العابدين وسيده بورقيبة من قبل، إلى مبارك إلى القذافي صاحب الزنقة التي حشرته في المجرور حتى أخرج منه صاغراً مهووساً،، وقريباً جداً الأسد الأب، والابن بصورة رسمية بعد أن فعلها الثوار علناً وبكل بطولة يحسدون عليها، ويثابون عليها -إن شاء الله-.
والكلمة الخامسة: من الذي سيقف في وجه إسرائيل إذا سقط هؤلاء؟
قلت: ومتى وقف هؤلاء في وجهها، وهم لا يزيدون عن حراس لوجودها على طول الجبهة الممتدة بين سوريا وإسرائيل، أربعون عاماً حيد فيه السوريون بكل إيمانهم ووطنيتهم وقدسية الأقصى عندهم من المعركة مع اليهود بفضل هؤلاء الأوغاد، الذين لم يكتفوا بذلك بل سرقوا ميزانية الدولة كل هذه السنين عندما خصصوا معدلات عالية جداً منها لجيش لا يفعل شيئاً، وثق لو أن السوريين رفع ما بينهم وبين يهود من حواجز وسدود لما تركوا لها أثراً يذكر، وهذا المعنى الذي يدركه يهود اليوم من وراء دعم النظام عبر الدول التي يهيمنون عليها، عندما قامت ثورة مصر في يناير 2011م خرج حاخام إسرائيلي على الناس يحذر من ملايين من العرب قد تزحف على إسرائيل تشبه الملايين التي خرجت في الشارع لإسقاط مبارك، هذه الأنظمة التي حمت إسرائيل - وباسم الممانعة- وحيدت الملايين من المعركة مع اليهود لا يحزن عليها إن سقطت تحت الأقدام، بل إن زوال إسرائيل مرهون بالقضاء على هذه الأنظمة المنافقة.
والكلمة السادسة: ألا يقول بعض المشايخ إنها فتنة ومؤامرة، القصد منها تقسيم سوريا.
أقول: هؤلاء المشايخ لهم الله - عز وجل -، ولكن ما الصلة بين الاعتراض على الظلم ورفض الاستبداد والذود عن أدنى حقوق للإنسان، وبين تقسيم سوريا، حتى العلويون أنفسهم، كثير منهم مع المعارضين الذين ذاقوا الضيم ألواناً وأشكالاً، المسيحي والمسلم والسني والشيعي والدرزي و العلوي والإسماعيلي، كلهم معاً في الشارع ينادون بإسقاط الدولة الأسدية، لا تقبل ذائقة سوري واحد فكرة تقسيم سوريا، ولكنها لعبة النظام والمنتفعين به من كل الطوائف يريدون من تقسيم سوريا أن يصبح فزاعة تجعل الناس يرجعون إلى بيوتهم، سوريا بكل طوائفها تقف في وجه عائلة وحاشية شيطانية، ولن تقسَّم سوريا، بل لعل الضمان الوحيد لبقائها واحدة أن يعامل الأفراد بوصفهم مواطنين مهما كانت طائفتهم، وهذا ما لم نعرفه منذ أربعين عاماً.
والكلمة السابعة: ألا يمثل تحالف سوريا مع حزب الله الخطر الوحيد في المنطقة على إسرائيل؟
أقول: إن الخطر الحقيقي الوحيد على إسرائيل هو هذه الملايين التي راحت تهدر في شوارع تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا غير مبالية حتى بالموت، أما تحالف سوريا وحزب الله فهو خطر كبير جداً، ولكن ليس على إسرائيل وإنما على المنطقة العربية برمتها، ودول الخليج بخاصة، من حيث تحقيق حلم الهلال الفارسي الشيعي في المنطقة مع العراق، إن المعركة التي يخوضها الناس العُزَّل اليوم في شوارع حمص وحماة ودرعا وإدلب والقامشلي هي معركة كل العرب وكل المسلمين أمام الطمع الفارسي الشيعي بالمنطقة كاملة وخيراتها، ويجب على العرب والمسلمين أن يفهموا أن هذه الحرب التي تجري في (حواري) سوريا هي حربهم، وأن القضية قضيتهم.
قد يقول قائل: هاهي الطائفية تطل بعنقها من جديد.
أقول: لسنا نحن الطائفيين، إنما هم وأطماعهم السياسية وقد ألبست لباس الدين، لقد أمضى الشيخ القرضاوي -بارك الله في عمره- شطراً من حياته في جهود التقريب بين السنة والشيعة، حتى إذا بدأ التشييع المخطط والمنظم في مصر كان كل ما طالب به ألا يدعى إلى التشيع في البلاد ذات الأكثرية السنية، وألا يدعى إلى التَّسنُّن في البلاد ذات الأكثريَّة الشيعية، فهاجت كلاب التشيع الفارسي على الشيخ مما جعله (يبصق البحصة) من فمه ويقول في الشيعة على الطراز الإيراني ما لم يقله في حياته.
ليرحل الأسد وعصابته، وهو راحل لا محالة -بإذن الله تعالى-، ولير كيف سنعيش بخير وسلامة مهما كانت طوائفنا، فإن واحداً من أهم محركات الثورة ودوافعها هو رفض الطائفية وممارساتها بعد أن أضنت البلاد وأنهكت العباد
والكلمة الثامنة: وما الذي أستطيع أن أفعله أنا؟
أقول: إن من يسأل هذا السؤال يعتبر نفسه ودوره أكبر مما يستحق، فلا تظنَّن أن الله - عز وجل - ينتظر منك أن تفعل شيئاً حتى ينفذ قدره ويخسف بالظالمين الأرض إن شاء، ولكن عليك أنت أن تلحق نفسك لتكون من الفائزين في هذه التجربة التي قد لا تتكرر في حياتك، واعلم أن الله - عز وجل - يقيض لأقداره من ينفذها من الإنس والجن والملائكة وما عليك إلا أن تجد لنفسك دوراً هو أقصى ما تستطيع فعله مخلصاًًًًً لله وحده، ابدأ بالدعاء، وما أظنُّه بعسير عليك، ولكن بقلب حاضر متضرع إلى الله - عز وجل -، تبرع بقسط من مالك ليتامى الثورة وأراملها، والمستضعفين الذين تأثرت أرزاقهم فهم لا يجدون ما يأكلون أو يتدفؤون به، لست فقيهاً ولا أجرؤ على الفتوى، ولكني أميل إلى القول بأنه لا فضل لواحد منا اليوم من ماله، لا، فكل ما زاد عن حاجتك ادفعه للثوار، حتى يستطيعوا الصمود في الشارع تحت الضرب والرصاص وأمام خطر الاعتقال والتعذيب، على الأقل يجدون ما يرجعون به إلى بيوتهم وأطفالهم مما يشبع البطون الجائعة ويدفئ الأجسام الباردة، إن كنت قادراً على الكلام فتكلم، على الكتابة فاكتب، على الغناء فغنِّ، على الرسم فارسم، على التحريض فحرِّض، على الوقوف في الشارع فقف، على التكبير فكبِّر، على إرهاب العدو فأرهبه، واطلب من الله القبول، واعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال: ((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق))، ونحن اليوم في سوريا مستباحون، وعدونا فاجر ماكر، فجد لنفسك مكاناً مع المخلصين، واحصل على براءتك من النفاق.
والكلمة التاسعة: لي أسرة وأولاد ومسؤوليات كثيرة تحول بيني وبين ما تقول.
أقول: إنه تلبيس من الشيطان عليك، فلست أنت رازقهم ولا كافلهم، وإن كان الله - عز وجل - قد حماك وحمى أسرتك حتى الآن من ظلمهم وغدرهم فاحمد الله على ذلك، وادفع الشرَّ عن إخوانك، فربما تدور الدائرة عليك -لا سمح الله-، وتجد نفسك - عندها - وأسرتك وأعمالك وسط الخطر، عندها لن تغفر لأحد أن يفكر كما تفكر اليوم. أما حكم الفقه الشرعي، فنحن في حال يخرج فيها الولد دون إذن أبيه وأمه، نحن مستباحون، وكرامة الإسلام والمسلمين مسؤوليتنا جميعاً، ومن قال إن كرامة المسلم ليست من كرامة الإسلام؟

المصدر: رابطة العلماء السوريين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع