سعد محيو
تصدير المادة
المشاهدات : 6787
شـــــارك المادة
هل حقّاً ما تُكرِّره السلطات السورية أناء الليل وأطراف النهار عن وجود "مُؤامرة إقليمية ودولية" تُحرّك الأحداث الدرامية الرّاهنة في البلاد؟ وهل تعني هذه البيانات، في العُمق، أن الوضْع خرج عن السيْطرة أو يكاد، بحيث تصبح ثمّة ضرورة لتصوّر "عدو خارجي" يتِم تصدير الاضطرابات إليه؟ ثم: سوريا إلى أيْن من هنا؟ ثمة حقيقتان متقاطعتان هنا؛ الأولى: أن سوريا وبقية سِرب الأنظمة العربية، لم تعُد تعيش، لا في ظل عُزلة داخلية ولا في بيئة دولية مُتسامحة أو حتى متواطئة ومتحالِفة، مع الأنظمة السلطوية. فهذا عصر الحرب العالمية على "الإرهاب" والإنترنت والفيس بوك والتويتر، كما هُم عصر قوانين العوْلمة، التي تُمقت الفراغ الديمقراطي وتريد بناء سوق شرق أوسطي ضخْم يضُم 600 مليون مُستهلك عربي وتركي وإيراني وإسرائيلي للسِّلع التي تنتجها الشركات العملاقة متعدّدة الجنسيات، وهذا لا يمكن أن يتحقّق إلا وِفق قواعد سيادة القانون واستقرار المُجتمعات المدنية، التي تُوفّرها الأنظمة الديمقراطية. والثانية: أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تُخف ولا تخفي الآن -كما سنرى بعد قليل- دعمها لتغيير الأنظمة السُّلطوية والديكتاتورية العربية بكل أشكالها. كان هذا الخطاب الرّسمي والعَلني لإدارة الرئيس جورج بوش في ولايتيها المتتاليتيْن منذ عام 2000م وحتى عام 2008م، حين أعلنت عن نيتها إقامة نظام شرق أوسطي جيد ثم كبير ثم موسّع، وهي قرنت هذا القوْل بالفِعل، حين غزت أفغانستان والعراق، وكادت قواتها العسكرية أن تحطّ الرِّحال في سوريا وإيران، وكذلك ليبيا قبل الاستِسلام الكامل للعقيد معمر القذافي لشروطها في نهاية عام 2003م. صحيح أن إدارة أوباما أوْحت أنها تتنصّل من مشاريع بوش والمحافظين الجُدد لـ"تصدير الديمقراطية" بالقوّة إلى العالم العربي، وصحيح أيضاً أنها مدّت يَد الصداقة إلى الأنظمة السُّلطوية تحت شعار "الحوار والصداقة مع العالم الإسلامي ككُل"، لكن تبيَّن فيما بعد أن هذه الإدارة احتفظت بإستراتيجية بوش، لكن مع تكتيكات من "القوة الصلدة" لفَرض الديمقراطية بالقوة إلى استخدام القوّة "الناعمة" لتحقيق هذا الغرض، وهذا تجسَّد في المجهودات الضَّخمة التي بذلتها المنظمات غير الرسمية الأمريكية ودفعت من أجْلها مئات ملايين الدولارات تحت شعار"ترقية الديمقراطية" في العالم العربي، خاصة عبْر دعم انتشار أدوات الإعلام الاجتماعي الحديثة. هكذا تحدّث غيتس: سوريا كانت من ضِمن الدول التي استهدفتها هذه البرامج والمجهودات. وكما كشفت "واشنطن بوست" قبل أيام -17 أبريل الحالي-، فقد كانت الولايات المتحدة تُموّل منذ عام 2009م المحطة الفضائية السورية "بردى"، التي تبُث من لندن والتي يُشرف عليها تيار العدالة والتنمية السوري المعارِض. كما خصّصت 6 ملايين دولار لتمويل حركات ناشطة ديمقراطياً داخل سوريا نفسها. وجنباً إلى جنب مع هذه التوجّهات الأمريكية الواضحة في استهدافاتها، كان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس يُدلي بأخطر تصريح من نوعه في الأيام الأولى من اندلاع الانتفاضة الشعبية السورية الحالية، على رغْم أن الكثيرين لم ينتبِهوا آنذاك إلى مضامينه. وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في صورة وزعتها شبكة CBS التلفزيونية بتاريخ 27/ مارس/ 2011م (Keystone). ماذا قال غيتس؟ رسَم أولاً صورة مُتشابهة بين ما جرى في مصر وما يجري الآن في سوريا، ثم قال: "لقد عُدت للتوّ من مصر، حيث وقف الجيش المصري جانباً وسمح للشعب بالتظاهر، لا بل هو مكّن أيضاً الثورة. السوريون يجب أن يستقُوا درساً من ذلك". وأضاف: "يمكن أن أقول إن ما تواجهه الحكومة السورية، هو في الحقيقة التحدّي نفسه الذي يواجِه العدد للغاية من الحكومات عبْر المنطقة، وهو التظلمات السياسية والاقتصادية التي لم تتِم تلبيتها من جانب الحكومات". لماذا اختار غيتس التركيز على دور الجيش السوري، على رغْم معرفة الكثيرين أن النظام يُحكِم قبْضته على مفاصِله الرئيسية؟ هل تُراهن الولايات المتحدة على "انقلاب قصر" من داخل النظام لإنقاذ النظام نفسه، في حال عجَزت القيادة السياسية والأمنية الحالية عن إدخال سوريا في مرحلة انتقالية إلى الديمقراطية؟ تركيا وإيران: قبل محاولة الإجابة، فلنُكمل -أولاً- رحلة المعطيات الخارجية. وهنا، سنجد أنفسنا وجْهاً إلى وجه مع القِوى الإقليمية الكُبرى الثلاث في المنطقة: تركيا، وإيران، والسعودية، وإسرائيل. الموقف التركي من التطوّرات السورية يبْدو خطيراً هو الآخر، إذ قالت معلومات خاصة لـ swissinfo.ch: "إن الاجتماع الأخير بين الرئيس السوري بشار الأسد وبين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، شابَه التوتُّر وحتى الغضب في بعض الأحيان، حيث تحدّث هذا الأخير مع الأول بلُغةٍ وُصفت بأنها كانت (فوقية)، وتُطالب بتنازلات كُبرى من النظام لصالح المتظاهرين والمحتجّين. وقبل هذا الحدَث، كانت تجري التطوّرات الآتية: المؤتمر الصحفي الذي عقده محمد رياض الشقفة، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السوريين في إسطنبول قبل أيام، ودعا فيه إلى "التغيير التّدريجي" في سوريا، مهدّداً بمُواصلة الاحتجاجات السِّلمية، كما إلى (وساطة تركية) بين النظام والمعارضة. وبالطبع، مدْلولات إدلاء الشقفة هذا البيان في اسطنبول، ليست خافية. الاتصالات الهاتفية المتكرِّرة التي أجراها رئيس الوزراء التركي أردوغان مع الأسد، لحثِّه على القيام بإصلاحات، وذلك بعد يوم واحد من خطاب الأسد، الذي وَصف الاحتجاجات الشعبية في بلاده بأنها (مؤامرة ذكية) تستهدف سوريا. أما الرئيس التركي عبد الله غُل، فقد كان الأعنف بين القادة الأتراك في ردود فعله، إذ قال بشكل غير مُعتاد: يجب عمل ما يجب عمله. لا يمكن أن توجد أنظمة مُغلقة على ساحل البحر المتوسط". إيران من جانبها، لم تكُن أقل "تدخلاً" في الشأن السوري من تركيا، إذ يقال أنها سارعت إلى تزويد حكومة دمشق بوسائل تكنولوجية متطوّرة لملاحقة المحتجّين على الفيس بوك والتويتر، إضافة إلى تبادُل الخِبرات معها حوْل كيفية التصدّي للمظاهرات الشعبية، هذا علاوة على الدّعم العلني القوي الذي قدّمته ولا تزال، أجهزة الإعلام الإيرانية وحلفاؤها في لبنان للنظام السوري. السعودية من جهتها، تتّخذ على الأرجُح موقفاً تريده أن يكون في "منزلة بين المنزليتيْن". فهي غيْر مهتمّة بالتأكيد بالإصلاحات الديمقراطية السورية، لا بل هي ترفضها. لكنها في الوقت نفسه، تريد استثمار الثورة الشعبية لصالِحها، بهدف حمل النظام على قطْع علائقه مع إيران والانضِواء تحت عباءتها هي، وهذا برأيها يُمكن أن يتحقق إذا ما باتت هي لاعباً رئيسياً في الشأن الداخلي السوري من خلال العمل على استقطاب معارضة من لَون معيّن إليها. أما إسرائيل، فهي تبدو في حيرة من أمْرها إزاء ما يجري في بلاد الشام. فـ"قلبها" مع بقاء نظام وفّر لها الأمن الثابت طيلة 40 عاماً في هضبة الجولان، التي تُزوّدها برُبع حاجتها من المياه و"عقلها" يدعوها إلى إضعاف النظام بهدَف إجباره على فكّ تحالفه مع كلٍّ من إيران وحزب الله وحماس. بيْد أن الموقف الإسرائيلي، وسواء انحاز إلى "القلب" أو "العقل"، لن يكون لها تأثير كبير على الأوضاع الداخلية السورية كما الدور التركي والإيراني. تأثيره الوحيد سيتعلّق بالجدل الدائر حالياً داخل الإدارة الأمريكية حول أفضل السُّبل لحماية إسرائيل من أي تطوّرات "سلبية" ضدّها قد تُسفر عن انتفاضة سورية. سوريا إلى أين؟ هذه إذن، هي المُعطيات الدولية والإقليمية التي تُحيط بالتطوّرات الأمنية والسياسية في سوريا. وهذه كما هو واضح، لا تَشي بوجود "مؤامرة". فمواقف جميع الأطراف واضِحة وعلَنية، وإن تفاوتَت في طبيعتها أو توجّهاتها أو حدّتها. هذه نقطة. وثمة نقطة ثانية لا تقل أهمية البتّة: الاحتجاجات الشعبية، وبغضّ النظر عن "الأيْدي الخارجية"، هي نبتَة محلية ترعْرعت على مدى 40 عاماً في حُضن كبْت الحريات واستبداد أجهزة الأمن وانسداد أفُق التنمية الاقتصادية الاجتماعية المتوازنة -هناك 6-8 ملايين سوري تحت خط الفقر والهوة بين الفقراء والأغنياء، باتت شاسعة في السنوات الأخيرة-. وقد بات الآن لهذه النبْتة المحلية جدوليْن جديدين يسْقيانها: الجدول الأول الرقراق: هو الانتصار الصاعِق للثورات الديمقراطية في مصر وتونس اللتين ربما لهما الدور الحاسم في كسْر حاجز الخوف بين السوريين. والجدول الثاني: هو الجيل الجديد السوري الذي لم يعُد يقبَل الصفقة الضمّنية التي أبرمها الجيل القديم مع نظام الرئيس حافظ الأسد: حصول هذا الجيل على سياسة قومية عربية مناضِلة ضد إسرائيل في الخارج، في مقابل التخلّي عن حرياته في الداخل. الجيل الجديد يريد الآن التحرّر القومي والحرية الفردية معاً، ومعهما الكرامة والخُبز. الآن، وبعد قول كل شيء عن الظروف التي تحيط بالتمخُّضات الداخلية والخارجية، نأتي إلى السؤال: سوريا إلى أين؟ حسناً. الخيارات ليست عديدة، وهي تتلخّص في اثنين لا غير: . تغيير سلوك النظام من داخل النظام، سواء عبْر انتصار تيار الرئيس الأسد على التيارات المتطرِّفة التي تريد فرْض الحلّ الأمني العنيف وإشرافه –الأسد- على مرحلة انتقالية إلى الديمقراطية، أو "انقلاب قصر" تقوم به القيادات المختلطة في الجيش السوري -بما يحقِّق "نبوءة" روبرت غيتس- للإشراف على هذه المرحلة. . الخيار الليبي، الذي تتفكّك فيه المؤسسات السورية ثم سوريا نفسها، في إطار حرب أهلية دمَوية، ستكون فيها تطورات ليبيا أشبَه بألعاب أطفال. الأمور لم تصل بعدُ إلى هذه المرحلة، لكنها قد تصل إليها قريباً في حال وصلت الانتفاضة إلى "المرحلة الحرِجة"، كما في مصر وتونس، حين نزل مئات الآلاف إلى الشوارع. وحينها، سيكون على الجميع الاختيار بين التطوّر أو الانتِحار.
المصدر: سويس انفو
فيصل القاسم
عمار ديوب
محمود عثمان
ياسر الزعاترة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة