SAM HELLER
تصدير المادة
المشاهدات : 4320
شـــــارك المادة
مُنذ تدخلها العسكري في سوريا، في سبتمبر (أيلول) 2015، استطاعت روسيا ترسيخ قدمها، كلاعب عسكري أساسي في الحرب الأهلية السورية، وإعادة تثبيت حكم النظام الأسدي، ملقّنة المعارضة وداعميها درسًا عن الدمار الذي يُمكن أن تُلحقه روسيا بالبنية التحتية والجماعات المتمرّدة.
مع أنّ الصدارة العسكرية الروسية أجبرت الولايات المتّحدة على التعامُل معها كحاملٍ لمفتاح حل الأزمة دبلوماسيًا، إلا أنّ روسيا تظل في منتصف حرب لا يُمكن حسمها بانتصار عسكري كامل، أو حلّ سياسي مشروط. يستعرض تقرير بموقع «War On The Rocks» وضع روسيا على الساحة السورية، والموقف الأمريكي منه. تدخُّل حاسم:
في مقابلات موقع أجراها مع دبلوماسيين روسيين، ثوار وجهاديين سوريين، وصحفيين ومؤيدين للنظام، أكّد الجميع أن العامل الحاسم في الحرب السورية هو التدخّل الروسي لصالح النظام، والذي مكّنه من تحقيق أهمّ انتصاراته في أرض المعركة. في بدايات التدخل الروسي، لم تتمكن القوات البرية التابعة للنظام وحلفائه من استغلال الدعم الجوي الروسي بالقدر المطلوب، وهو ما دفع بروسيا إلى تصعيد حملاتها الجويّة في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) من العام الحالي. لعبة الأمم مستقبل الصراع:
أنهك الدعم الجوي الروسي قوات المعارضة وخصوم النظام، ومكّن الأخير من تحقيق انتصاراتٍ درامية، منها انتزاع مدينة «تدمر» من أيدي الدولة الإسلامية، ووقف إطلاق النار لاحقًا، واستئناف المفاوضات غير المباشرة من مركز قوّة.
اعترف مسئول بجماعة «أحرار الشام» المعارضة، في محادثة عن طريق أحد تطبيقات المراسلة، بأنّ استمرار القصف الجوي السوري خطر داهم، خاصة بحدّة مماثلة لتلك التي قصفت بها القوات الروسية سوريا، في بداية العام. «مستوى الدمار الذي سيلحق بالمدنيين والبنية التحتية سيكون غير معقول».
لكن روسيا انسحبت جزئيًا بعدها من الساحة السورية. صحيحٌ أنّها استمرت في توفير الدعم العسكري من خلال قواتها الرسمية وشركاتٍ عسكرية خاصة، كما استمرّت في توفير الغطاء الجوي، والقصف المدفعي في مناطق محددة، لكن المناطق الأخرى شهدت تراجعًا لقوات النظام، خاصة جنوبي حلب؛ إذ تعتمد المعارضة على غياب الانسجام في المعسكر الداعم للنظام لتحقق انتصاراتها. هل تُناطح أمريكا روسيا على الجبهة السورية؟
لكن ما هو الموقف الأمريكي من هذه السيادة الروسية على المشهد في سوريا؟
أصواتٌ في وزارة الخارجية الأمريكية، طبقًا لبرقيّة مسرّبة ترجع إلى بداية هذا الشهر، دعت إلى رفع مستوى التدخل العسكري في سوريا، واستهداف النظام السوري لإجباره على الالتزام بوقف إطلاق النار، والجلوس على مائدة المفاوضات. ومع أن الموقعين على البرقية قالوا إنّهم مدركون لخطر تدهور العلاقات الأمريكية الروسية، فإنهم – وفقًا للتقرير – لم يُفكّروا بما فيه الكفاية في رد الفعل السوري إزاء مثل هذا التصعيد، الذي قد يصل إلى حرب نووية شاملة.
الولايات المتحدة تتبع سياسة تقضي بتفادي نشوب النزاع مع روسيا. وفقًا لمتحدّث عسكري باسم التحالف الأمريكي ضد الدولة الإسلامية، فهناك تفاهم بين وزارتي الدفاع الأمريكية والروسية لضمان سلامة القوات الجوية المنفذة للعمليات في سوريا. تقتصر عمليات الولايات المتّحدة على شرقي سوريا، معقل الدولة الإسلامية، وتبتعد عن الغرب الذي يتواجد فيه النظام السوري بشكلٍ أساسي. وقد احترم الجيش الروسي هذا، ولم يتعرّض للقوات الأمريكية. جديرٌ بالذكر أن روسيا أنزلت أنظمتها الدفاعية الجوية المتطورة، «إس 400»، على الساحل السوري في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، ويُمكنها في حالة المواجهة مع القوات الجوية الأمريكية استعمالها لإسقاط الطائرات، وحتى صواريخ «كروز».
عاملٌ آخر، يوضّحه «كريس كوزاك»، الباحث والمحلّل السياسي بمعهد دراسات الحرب بالولايات المتّحدة. وفقًا لـ«كوزاك»، غياب التدخّل العسكري الأمريكي يهدّد المصالح الاستراتيجية للولايات المتّحدة في المنطقة، لكن المسئولين الأمريكيين ليسوا على استعداد للمخاطرة بمواجهة عسكرية شاملة مع روسيا من أجل سوريا، حتى مع وجود احتمالاتٍ أخف وطأة؛ فسوريا ليست من المصالح الأمريكية الجوهرية؛ ليست مهمّة بالقدر الكافي الذي يبرر مثل هذه المخاطرة. روسيا تُريد حلًّا سياسيًا.. والأسد يُريد «كل شبر»
دبلوماسيون غربيون تحدّث معهم التقرير، وفضّلوا إبقاء هوياتهم سرًّا، قالوا إن نظراءهم الروسيين يسعون في اتجاه إيجاد حلّ سياسي للأزمة، حتى وإن كانوا رافضين للشروط الغربية، أو يرون الأمر بشكل مختلف. يفهم الروسيون جيدًا أهمية السعي إلى استقرار روسيا، ويؤكّد ذلك «نيكولاي كوزانوف»، الباحث غير المقيم بمركز «كارنيجي» بموسكو. قال «كوزانوف» إن روسيا تسعى إلى منع تحوّل سوريا إلى ليبيا أخرى قريبة من الحدود الروسية؛ «فليبيل»، على حد وصف وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف»، «ثقب أسود» يصدّر الاقتتال إلى جيرانه. يقول كذلك: إن روسيا تُؤمن باستحالة أن يستعيد نظام الأسد سيطرته على كل أنحاء سوريا بوسائل عسكرية، وبالتالي تدفع روسيا في اتجاه المفاوضات، لكن روسيا ترغب في بناء سوريا ما بعد الصراع على أساسٍ من المؤسسات الحكومية القائمة بالفعل، وهو ما دفعه إلى التدخل العسكري لإضعاف المُعارضة، وتقوية موقف النظام على مائدة المفاوضات.
لكن يبدو أن روسيا منفصلة استراتيجيًا عن التحالف بين النظام الأسدي، حزبُ الله وإيران. أكثر من مرة، أكّد الأسد سعيه للانتصار العسكري الشامل في سوريا. «فيتالي تشوركين»، مبعوث الأمم المتّحدة السوري، قال عن أحد التصريحات التي أطلقها الأسد في فبراير (شباط)، أنّها لا تنسجم مع المجهودات الدبلوماسية التي تبذلها روسيا، مذكّرًا الأسد بالمُساهمة الدبلوماسية والعسكرية الكبيرة التي تُقدّمها روسيا من أجل الوصول إلى حلّ سياسي، لكن الأسد لم يتراجع عن موقفه، واستمرّ في تصريحاته؛ آخرها كان في خطابه أمام البرلمان السوري في 7 يونيو (حزيران)؛ إذ وعد بتحرير «كل شبر من سوريا» من قوى الإرهاب.
نظريًا، اعتمادية النظام الأسدي العسكرية على روسيا تُعطي الأخيرة أفضلية على النظام، يُمكنها استغلالها لوقف الانتهاكات، والدفع بالنظام إلى تسهيل العملية الدبلوماسية، لكن «كوزانوف» يرى أنّ تلك الأفضلية عمليًا محدودة للغاية، خاصة من الجانب «السيكولوجي». مصادر دبلوماسية تؤكد أن روسيا على قناعة تامّة بأن الأسد لا يُمكن الاستغناء عنه، وأنّ رحيل نظامه سيتسبب في انهيار الدولة السورية ومؤسساتها التي تريد روسيا الحفاظ عليها، وهو ما يستغلّه الأسد ضد روسيا. أحد هذه المصادر قال إنه لا يظنّ أن النظام «حليف سهل» على الإطلاق. حربٌ لن تنتهي:
روسيا ليست على وفاقٍ مع القوى الغربية كذلك؛ إذ ترى أنّ المُعارضة المسلحة متشابكة مع الجماعات الجهادية غير قابلة للإصلاح، وهي تُريد قتل «هؤلاء الإرهابيين الذين يكرهوننا ويكرهونهم»، وفقًا لدبلوماسي آخر. وإن استمرّ تعثر المفاوضات، ربّما تلجأ روسيا إلى تصعيد عسكريّ آخر، في مقامرة خطرة قد تدفع بالمعارضة إلى تقديم التنازلات، أو تقضي على العملية السياسية تمامًا، كما قضت هجمات بداية العام على جولة المفاوضات التي كان من المقرر انعقادها في جنيف.
لكن من غير الواضح كيف يمكن لروسيا حل الأزمة السورية في حال القضاء على المفاوضات، ومع الوضع في الاعتبار أن الانتصار العسكري مستحيل لأي طرف على الآخر. ومع غياب طريقٍ واضح، ربّما تستمرّ روسيا في تغذية النزاع للأبد، أو تلجأ إلى التصعيد العسكري مهدّدة بتكرار مأساة تدخلّ الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. والبعض في سوريا ينتظر انهيار التدخّل الروسي بفعل التناقضات الاستراتيجية إلي تقوّض أساساته. «أبو خطّاب المقدسي»، مسئول إعلامي بتنظيم «جبهة النُصرة»، قال إن الصبر هو الوسيلة التي تتكيّف بها جبهة النصرة والثوار السوريين مع القصف الجوي الروسي.
«هل حقّقت الولايات المتّحدة أي شيء بقصفها الجوي لأفغانستان، أو العراق، أو أي مكان آخر؟ كلّ جيشٍ، في النهاية، له طاقة محدودة. وستأتي اللحظة التي تنفد فيها هذه الطاقة، وتنقلب الطاولة. أهل هذه الأرض سيستمرون في القتال. الأجنبي دائمًا ما يرحل في النهاية».
ساسة بوست - مترجم عنRUSSIA IS IN CHARGE IN SYRIA
ترجمة: عبد الرحمن طه
توماس ريكس
نيويورك تايمز
ميجور جاريت
ماكس بوت
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة