نيكولاس إينين
تصدير المادة
المشاهدات : 10291
شـــــارك المادة
كفرنسي فخور كنت مفجوعاً كأي شخص آخر بأحداث باريس. لكنني لم أكن مصدوماً أو مشككاً. أنا أعرف الدولة الإسلامية. لقد قضيت عشرة أشهر كرهينة لدى داعش، وأعرف بالتأكيد أن آلامنا وحزننا وآمالنا وحياتنا لا تمسهم بشيء. كل ذلك بالنسبة لهم في عالم آخر. يعرفهم معظم الناس عبر موادهم الدعائية فقط، لكني رأيت أكثر من ذلك. أثناء الوقت الذي قضيته كأسير لديهم، قابلت على الأرجح كثيراً من رجالهم، ومنهم محمد إموازي المعروف بـ(جون الجهادي) الذي كان أحد سجانيهم. لقد لقبني بـ"الأصلع".
حتى الآن أنا أحادثهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وأستطيع إخباركم أن الكثير مما تظنونه عنهم هو نتيجة تسويقهم لعلامتهم وعلاقاتهم العامة. هم يصورون أنفسهم للعامة كأبطال خارقين، لكن بعيداً عن الكاميرا هم مثيرون للشفقة في كثير من النواحي: هم أطفال شوارع غارقون في العقائدية والسلطة.
في فرنسا لدينا مقولة "غبي وشرير". أنا أجدهم أكثر غباءً من كونهم أشراراً. وذلك لا يقلل من القدرة الإجرامية للغباء.
كل هؤلاء الذين تم قطع رؤوسهم السنة الماضية كانوا شركائي في السجن، وسجانونا كانوا يلعبون ألعاباً طفولية معنا- نوع من التعذيب النفسي- يقولون في أحد الأيام أننا سيتم إطلاق سراحنا ثم لاحقاً بعد أسبوعين يراقبوننا مبتهجين ويقولون "غداً سنقتل أحدكم." صدقناهم أول مرتين لكن بعد ذلك اقتنعنا أنهم سخيفون يلعبون بنا.
كانوا يلعبون لعبة الإعدام الزائف. لقد استخدموا الكلوروفورم في إحدى المرات معي. مرة أخرى كان تمثيلاً لمشهد قطع رأس.
بعض الجهاديين الذين يتحدثون الفرنسية كانوا يصرخون، سنقوم بقطع رأسك وسنضعه في مؤخرتك وسنرفع المشهد على اليوتيوب." وكان معهم سيف من متجر للتحف.
كانوا يضحكون بينما أنا لعبت اللعبة عبر الصراخ، لكنهم أرادوا المرح فقط. عندما رحلوا استدرت نحو الرهائن الفرنسيين الآخرين وضحكنا. كان الموقف سخيفاً.
لقد صُدمت بشكل قوي بالاتصال التكنولوجي الذي يملكونه، يتبعون الأخبار بهوس، لكن كل ما يرونه يمر عبر نظرتهم الخاصة.
لقد لقنوا الأفكار بشكل كامل، متمسكين بكافة أشكال نظريات المؤامرة، ولا يقبلون الاعتراف بأي إنكار لها.
بعد كل ما حدث لي، لا زلت أعتقد أن داعش ليست الأولوية. بالنسبة لي، الأسد هو الأولوية.
كل شيء يقنعهم أنهم على الطريق الصحيح، وبشكل خاص، أنه يوجد نوع من أحداث القيامة تجري الآن وستؤدي لمواجهة بين جيش المسلمين من كافة أنحاء العالم وبين الآخرين، الصليبيين، الروم.
يرون كل شيء يمشي بذلك الاتجاه. نتيجة لذلك يعتبرون كل شيء نعمة من الله.
مع اهتمامهم بالأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، سيقومون بملاحظة كل شيء يلي هجومهم الإجرامي في باريس، وسيكونون سعيدين بأي علامة من علامات المبالغة في ردات الفعل أو التفرقة أو الخوف أو العنصرية أو العدوانية تجاه الأجانب، كل ذلك سينسحب على أي عينة من بشاعات مواقع التواصل الاجتماعي.
إن فكرة أن المجتمعات لا تستطيع العيش مع المسلمين هي فكرة مركزية بالنسبة لنظرتهم للعالم، وكل يوم سيديرون آذانهم لالتقاط أي دليل يدعم ذلك.
الصور من ألمانيا لأناس يستقبلون المهاجرين ستكون بالتحديد مزعجة بالنسبة لهم. الالتحام والتسامح هي أمور لا يريدون رؤيتها.
لماذا فرنسا؟
لأسباب متعددة غالباً، لكنني أظن أنهم حددوا بلادي كنقطة ضعف في أوربا حيث يمكن نشر التفرقة بسهولة. هذا هو السبب الذي دفعني عندما سُئلت كيف يجب أن نرد بأن أقول: إننا يجب أن نرد بشكل مسؤول.
وحتى عندما يكون ردنا المزيد من القنابل.
أنا غير مدافع عن داعش. كيف يمكن أن أكون؟ لكن كل ما أعرفه يقول لي: إن هذا خطأ. القصف سيكون مثالاً متضخماً لغضب محق. بعد 48 ساعة من الواقعة الفظيعة، المقاتلات قامت بأكبر غاراتها بالذخيرة في سوريا، مسقطة أكثر من 20 قنبلة فوق الرقة، معقل داعش. الانتقام كان لا يمكن تجنبه غالباً، لكن ما كنا نحتاجه هو التأني. إني أخشى أن هذا القرار سيجعل الوضع السيىء أكثر سوءاً.
أثناء محاولتنا تدمير داعش، ماذا عن ال 500,000 مدني الذين مازالوا يعيشون وهم محاصرون في الرقة؟
ماذا عن سلامتهم؟
ماذا عن الاحتمال الواقعي جداً بأن فشلنا في التفكير بهذه الطريقة، سنحول الكثير منهم إلى متشددين؟ الأولوية يجب أن تكون لحماية هؤلاء الناس، ليس أن نحضر المزيد من القنابل إلى سوريا.
نحتاج لمناطق حظر طيران مغلقة أمام الروس والنظام والتحالف.
الشعب السوري يحتاج الأمن وإلا سيتحولون لمجموعات تشبه داعش.
انسحبت كندا من الحرب الجوية بعد انتخاب جاستن ترودو. أنا أريد بشدة أن تقوم فرنسا بذلك أيضاً، والعقلانية تخبرني أن ذلك وارد الحصول. لكن البراغماتية تخبرني أنه لن يحصل.
في الواقع: إننا محاصرون داعش أوقعتنا في الفخ. لقد أتوا إلى فرنسا بالكلاشينكوف، مدعين أنهم يريدون إيقاف القصف، لكنهم يعلمون أن الهجوم سيجبرنا على الاستمرار في القصف أو حتى إننا سنزيد من وتيرة هذه الهجمات الرادعة. وهذا ما يحصل الآن.
إموازي رحل الآن، لقد قُتل في قصف التحالف، مقتله كان موضعاً للاحتفال في البرلمان. لا أريد الحزن عليه لكن خلال الابتهاج بمقتله، هو أيضاً اتبع سياسة الخداع تلك. بعد قتل الصحفي الأميركي جيمس فولي، كان قد وجه سكينه إلى الكاميرا، واستدار نحو الضحية التالية، وقال: "أوباما، عليك أن توقف التدخل في الشرق الأوسط وإلا سأقتله." لقد عرف بشكل واضح ما سيكون مصير الرهائن. لقد علم بشكل واضح ما سيكون رد الأمريكيين، المزيد من القصف. إنه ما تريده داعش، لكن هل يجب أن نعطيهم ذلك؟
هذه الجماعة خبيثة، لا شك في ذلك. لكن بعد كل ما حصل لي، أنا لا أشعر أن داعش هي الأولوية.
بالنسبة لي، بشار الأسد هو الأولوية. الرئيس السوري مسؤول عن صعود داعش في سوريا، وكلما كان هذا النظام قائماً، لا يمكن استئصال داعش. ولا حتى يمكننا إيقاف الهجمات في شوارعنا. عندما يقول الناس " داعش أولاً، وبعدها الأسد"، لا أصدقهم. إنهم فقط يريدون إبقاء الأسد في مكانه.
في اللحظة الراهنة لا يوجد خارطة طريق سياسية لإشراك المجتمع العربي السني. داعش ستنهار، لكن السياسة هي ما ستجعل ذلك ممكناً. في الوقت الحالي يوجد الكثير مما يمكن إنجازه بعد كل هذه الفظاعة، والمفتاح لذلك هو القلوب الكبيرة والمرونة، ذلك هو ما يخشونه. إني أعرفهم: القصف، متوقع بالنسبة لهم، ما يخشونه هو الاتحاد.
الغارديان- The Guardian ترجمة أيهم القصير - السوري الجديد
سوريتنا ستبقى يفنون
سراج برس
الخليج أونلاين
موقع مفكرة الإسلام
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة