عكاظ
تصدير المادة
المشاهدات : 9562
شـــــارك المادة
حملوا ماخف وزنه وبعض أوراقهم وتوجهوا إلى كرافان ركن على مساحة ضيقة من الأمتار. عملية انتظار اللاجئين السوريين تستغرق من ست إلى تسع ساعات، والأمل لا يفارقهم بأن يفتح عنصر الأمن باب الكرافان لمناداتهم، من أجل التوقيع على الطلبات التي قدموها بهدف القذف الجماعي إلى الحدود السورية.
هذه العملية التي يطلقون عليها تسمية (القذف) وبحسب مصادر أمنية في مخيم الزعتري، وافقت عليها السلطات الأردنية أول مرة بعدما اجتاحت عاصفة رملية خيام اللاجئين السوريين وتسببت بوفاة عدد من الأطفال، فدبت آنذاك أعمال الشغب بين قاطني الخيام حيث بدأوا باقتلاع بعضها وأضرموا النيران ببعضها الآخر وضربوا العناصر الأمنية، مطالبين بالعودة إلى ديارهم، وبعدما أصبحت عملية القذف أو العودة إلى سورية أمرا ليس بالمستحيل، توجهنا إلى المساحة المذكورة والتقينا بعائلات إن صح التعبير «على طريق العودة». أسبابهم تعددت، لكن دموع سناء بددت خوف البعض من موافقة السلطات الأردنية التي تتم على طلبات عودتهم «على مسؤولياتهم»، فكانت سناء تتلفت بالمتجمهرين يمينا وشمالا وتؤكد: «سأعود على مسؤوليتي، سأعود غير آبهة بما سأوجهه، سأعود لأحمل أطراف ولدي التي قطعها الظالم، قطعوا له ساقيه وتركوه مرميا على الأرض، سأعود لأكون عكازه». إصرار سناء على العودة لمواجهة مصيرها ومصير ابنها بدد بدوره رهبة المنتظرين من الحديث إلينا، فالتفوا حولنا بكل جرأة يشرح كل منهم أسباب قراره بالعودة. عمار قال لـ«عكاظ»: «أنا من الجيش الحر، دخلت مع زوجتي وأبنائي ووالدتي إلى المخيم كأي مواطن سوري لاجئ، وبعدما أمنت خيمة لعائلتي وأوصيت بعض الجيران والأقارب عليهم، تقدمت بطلب العودة إلى سورية، فأنا لم آت إلى هنا هربا من بشار وشبيحته، نحن لا نخشاه، ولكن نخشى على أعراضنا. لن أعود إلى عائلتي قبل أن يرحل آخر عنصر غاصب لأرضي، الجيش الحر يحتاجنا جميعا، فهو يقوى بسواعدنا نحن السوريون الغيورون على سورية وعلى كرامتها». يقاطعه شاب عشريني: «وأنا حين أعود سأنضم إلى الجيش الحر»، فيتابع عمار مبتسما: «أشعر حقا بالفخر بهؤلاء الشباب مع العلم أننا نخشى عليهم من الطاغية الذي يقتل ويعتقل ويعذب خيرة شبابنا الذي يدفع ثمن حلمه بالأمن والكرامة والحرية». بين واجب «عمار» ولهفة «سناء»، لم تصبر «زهرا» أن نلتفت صوبها ونسألها، فتدافعت مع بعض الملتفين حولنا، وحين فتحوا لها مجالا بالاقتراب منا سألناها عن سبب عودتها، ودون أن تمنح نفسها حق التنفس للإجابة قالت بعصبية: «أفضل الموت على البقاء في هذا السجن، هذا ليس مخيما، الخروج منه ممنوع، والزيارة مسموحة يوما واحدا في الأسبوع، أليست هذه الإجراءات تتخذ في السجون؟ ولو كنت أعيش في السجن لكنت شعرت بالدفء أكثر. أنا وأولادي نشعر بالبرد ينخر عظامنا، الحياة هنا لا تقل سوءا عما يجري في سورية، إلا أن الفارق واحد، في سورية الموت أسرع. يصعب علينا أن نجلس منتظرين الموت، أريد أن أموت على باب منزلي، أو تحت ركامه لا فرق عندي ولكن لن أموت هنا».
شاب في العقد الثالث من العمر يدعى حسن كان سبب عودته مفاجئا للنسوة الغاضبات فقال لنا: «سأنتقل إلى درعا لأحضر بعض الأدوات الكهربائية لبعض سكان المخيم، لقد بدأت منذ سبعة أشهر تقريبا ببيع بعض الأدوات الكهربائية البسيطة، والحمدلله، أجدها عملية نافعة حاليا، فكما يستفيد بعض اللاجئين أنا مستفيد أيضا من ثمنها، أؤمن به الطعام بشكل يومي لوالدي وأخواتي». يقذفهم النظام لخارج قراهم بعيدا عن منازلهم وأرزاقهم، يقذفهم بالطائرات وبراميلها، بالمدافع وقذائفها، بالمجازر وسكاكينها، وها هو اللجوء يقذفهم أيضا بآلامه وعذاباته، بقهره وذله، إنه الشعب السوري الذي يقتات حزنا ويشرب قهرا.
الديلي بيست
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة