فيليب سميث
تصدير المادة
المشاهدات : 3577
شـــــارك المادة
مشاهد لرجال مسلحين يقفون مع رؤوس مقطوعة، ومذابح لرواد المساجد أثناء صلوات الجمعة، واعتماد كبير على الجهاديين العابرين للحدود - هذه قائمة بالجرائم التي يتم ربطها عادة بتنظيم الدولة الإسلامية. لكن هذه أيضًا أعمال تقوم بها تنظيمات الميليشيات الشيعية المتنامية في العراق، والتي تلعب دورًا آخذاً في الظهور في مواجهة الجهاديين السنة.
هذه الجماعات، والتي تتمتع كثير منها بعلاقات إيديولوجية وتنظيمية مع إيران، تقوم حاليًا بمحو أي شيء يدل على وجود سلطة لحكومة بغداد - وهي تمثل تحديًا كبيرًا لهدف الرئيس باراك أوباما المعلن للعمل مع حكومة عراقية جامعة للفرقاء لدفع خطر الدولة الإسلامية.
توجد الآن أكثر من 50 من الميليشيات الشيعية التي تقوم بالتجنيد والحرب في العراق. إن هذه المجموعات تعمل بنشاط في التجنيد، جاذبة للجنود المرشحين من الجيش والشرطة العراقيين، وجامعة للمحاربين في منظمات شديدة الطائفية والإيديولوجية والمعاداة للولايات المتحدة. كثير من هؤلاء المتدربين لا يستخدمون ببساطة لصد هجوم الجهاديين السنة؛ بل هم في كثير من الأحوال يشكلون حائط دفاع خلفي يستخدم في السيطرة على المناطق التي من المفترض خضوعها لسيطرة بغداد.
لقد زرعت الميليشيات الشيعية نفسها داخل بنى الحكومة العراقية، تلك التي أصبحت شديدة الاعتماد على قوة الأولى لدرجة لا تسمح لها بالتفكير في كبح جماحها. لقد قام الطرفان معًا بارتكاب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، ففي أوائل يونيو وردت أنباء عن قيام الميليشيات الشيعية، مصحوبة بقوات الأمن العراقية، بإعدام حوالي 255 سجينًا، بينهم أطفال.
كما عرض تقرير لمنظمة "أمنستي إنترناشونال" في شهر يونيو تفاصيل كيفية قيام الميليشيات الشيعية بإجراء إعدامات سريعة دون محاكمات، وأوردت تقارير بأن العشرات من السجناء السنة قد قُتلوا في مبانٍ حكومية.
لعبت هذه الميليشيات أيضًا دورًا أساسيًا في تحرير مدينة "آمرلي" الشيعية التركمانية المحاصرة.
كتائب حزب الله، وهي جماعة معدودة من بين الجماعات الإرهابية في نظر الولايات المتحدة ووكيل حرب مباشر للإيرانيين، قامت باستخدام طائرات هليكوبتر تابعة للحكومة العراقية لإيصال الأسلحة والمعونة أثناء المعركة.
تمامًا كما قام تنظيم الدولة الإسلامية بالاستيلاء على مركبات أمريكية المصدر وقام باستخدامها. فقد رفعت دبابات M1A1 أبرامز أمريكية الصنع ومقدمة للحكومة العراقية أعلامًا طائفية شيعية، ودعمت عمليات كتائب حزب الله. إن هذه الدبابات ليست وحدها، فمركبات الهامفي المصفحة أمريكية الصنع، والتي كانت كتائب حزب الله تستهدفها في وقت ما أثناء الحرب العراقية باستخدام قذائف الآر بي جي (عندما كان يقودها الأمريكيون)، قد استولت عليها هذه الميليشيات أيضًا واستخدمتها في العمليات.
لقد قادت إيران الطريق نحو تطوير الميليشيات الشيعية العراقية. ومنذ مايو 2013، قامت طهران بتدعيم شبكة وكلائها العراقيين الجدد والقدامى لتوفر تدفقًا مستمرًا من المحاربين إلى سوريا، وقد عادت بعض هذه المجموعات العراقية، والتي كانت تحارب نيابة عن نظام الرئيس بشار الأسد، عادت إلى العراق وهي تمثل نواة الميليشيات الجديدة التي تحارب الآن ضد أعداء حكومة بغداد السنة.
ونتيجة لتركيز جهود إيران على عمليات التجنيد الموجهة نحو سوريا؛ فإن وكلاء طهران كان لهم دور أيضًا في دعم جلب مقاتلين جدد إلى الجبهة العراقية.
ففي شهر إبريل؛ دعت المجموعات المدعومة من إيران، مثل كتائب حزب الله ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق، دعت إلى تجنيد متطوعين جدد للمحاربة في العراق، وفي النهاية تحولت هذه الدعوات إلى فرز الميليشيات الشيعية العراقية لميليشيات مبنية على اللجان التي تعمل تحت قيادتها.
وبينما يبدو تكوين هذا الكم الكبير من المجموعات أمرًا معقدًا بلا داع؛ فإن هذا الأمر يساعد في الحقيقة على صنع صورة الدعم الشعبي واسع النطاق للميليشيات التي تروج لسياسات إيران وإيديولوجيتها. إضافة إلى ذلك؛ فإنها تسمح للمجموعات الموجودة أن تنتج متطوعين جدد ذوي خبرة أقل من رجال الميليشيا المحترفين.
على سبيل المثال؛ كتائب حزب الله، وهي ميليشيا أُنشئت بمساعدة حزب الله اللبناني في عام 2007، أعلنت حديثًا عن إنشاء سرايا الدفاع الشعبي. لقد أُنشئت المجموعة الجديدة لتدخل المتطوعين الشيعة العراقيين تحت إدارة كتائب حزب الله، وهي تتباهى اليوم بعمليات انتشار كبيرة جنوب كل من بغداد والديالى وآمرلي.
أما منظمة بدر، وهي مجموعة مسلحة يقدر تعدادها بالآلاف، وواحدة من عملاء إيران الأساسيين في العراق، فهي بمثابة ركيزة أخرى من ركائز جهود طهران لتطوير الميليشيات الشيعية.
أثناء حرب العراق، وعبر سيطرتها على المكاتب الحكومية، كانت المجموعة تدير عددًا من فرق الإعدام الطائفية، كما شاركت "بدر" أيضًا في الصراع في سوريا، من خلال إنشاء قوات الشهيد باقر الصدر لذلك الغرض. لكن تظل بغداد هي موقع التأثير الأكبر لمنظمة بدر.
إن هيمنة هذه المجموعة تضرب في أعماق قوات الأمن الداخلي العراقية، حيث يقال إنها تدير مباشرة عددًا من مجموعات الشرطة والعمليات الخاصة.
كما أن لـ "بدر" أيضًا تأثيرًا كبيرًا في الدوائر السياسية، حيث تمكنت من الوصول إلى مواقع هامة في الحكومة العراقية، وهي جزء من "ائتلاف دولة القانون" التابع لرئيس الوزراء حيدر العبادي، بل ويريد العبادي أن يعين زعيم بدر، هادي العامري، وزيرًا للداخلية في البلاد.
لقد انتشر رجال ميليشيات بدر بشكل واسع ضمن كوكبة وكلاء إيران في العراق، ومن بين خريجي هذه الميليشيات زعيم كتائب حزب الله جمال الإبراهيمي، وعلي الياسري زعيم الميليشيا الشيعية المقاتلة في سوريا والمسماة بكتيبة الخرساني، و واثق البطاط قائد جيش المختار، وهي مجموعة شديدة الطائفية قامت بشن هجوم صاروخي في إحدى المرات ضد منشقين إيرانيين في مخيم ليبرتي.
يسيطر رجال ميليشيات بدر السابقون أيضًا على مواقع عميقة داخل القيادة السياسية العراقية.
الشيخ عدنان الشحماني برلماني عراقي وعضو في لجنة الأمن والدفاع النيابية، هو نفسه مقاتل سابق في منظمة بدر وزعيم لحزب التيار الرسالي العراقي، والذي تتبعه ميليشيا أيضًا.
وقد دعا الشحماني منذ سبتمبر 2013 الميليشيات الطائفية إلى حماية الشيعة المقيمين في مناطق سنية. وتعتبر الأحزاب الأم لكل من كتيبة الخرساني والتيار الرسالي أعضاء في ائتلاف دولة القانون - وأجزاء من سحابة من المنظمات المتحالفة التي أنشئت لتفرض إرادة إيران في الداخل العراقي.
لقد عمل أقوى وكلاء إيران في العراق معًا لدعم نظام الأسد في دمشق. كونت كتائب حزب الله وبدر معًا كتائب سيد الشهداء في أوائل 2013 للمحاربة في سوريا.
يشارك في قيادة كتائب سيد الشهداء أبو مصطفى الشيباني، وهو قائد ذو علاقة بكل من بدر وقوات القدس التابعة لجيش حرس الثورة الإسلامية الإيراني. كان الأمين العام للمجموعة، مصطفى الخزعلي، قد التحق بالقتال في سوريا وأصيب في ضواحي دمشق.
أما الآن فيعود هؤلاء القادة الذين تدربوا في سوريا إلى الوطن ليمارسوا دورًا سياسيًا وعسكريًا في الصراع في العراق. نجح الخزعلي في الفوز بكرسي في البرلمان أثناء الانتخابات البرلمانية العراقية في إبريل، عندما لعبت هذه المجموعة دور الحزب السياسي وخاضت الانتخابات في مدينة البصرة على القائمة الانتخابية لائتلاف دولة القانون الذي كان يقوده رئيس الوزراء في ذلك الوقت نوري المالكي.
ويشارك قادة كتائب سيد الشهداء أيضًا في المعارك ضد أعداء محليين: أبو مجاهد المالكي، من محاربي الكتائب القدامى منذ المعارك في سوريا، ومدير حملة الخزعلي الانتخابية، قتل في معارك في العراق في أغسطس الماضي. كانت عصائب أهل الحق أيضًا وكيلًا أساسيًا من وكلاء إيران في العراق.
نشأت المجموعة أثناء حرب العراق كانشقاق مدعوم من إيران من جيش المهدي التابع لرجل الدين المتشدد مقتدى الصدر، ونمت بسرعة لتكون مجموعة قتالية عظيمة الإمكانات. أثناء الحرب نمَّت هذه المجموعة سمعة سيئة لقيامها بعمليات اختطاف وإعدام للعملاء البريطانيين والجنود الأمريكيين.
وقد أرسلت المجموعة كثيرًا من المقاتلين إلى سوريا، وفي أوائل 2014، بدأت في نشر قواتها في محافظة الأنبار المضطربة لمحاربة أعداء الحكومة السنة.
الميليشيا الأجنبية الشيعية المقاتلة الأقدم والأشهر في دمشق، لواء أبو فضل العباس، لعبت دورًا رئيسًا في ترويج هذه الفكرة الكبرى للحرب الطائفية. في أغسطس، أعلنت المنظمة الموالية لإيران عن منظمتها في العراق، والتي تزعم أنها منتشرة جنوبي بغداد وربما بالقرب من آمرلي.
أبو علي الدراجي، أحد قادتها السابقين في دمشق، أنشأ أيضًا كتيبته التابعة للواء أبو فضل العباس باستخدام مقاتلين كانوا مشاركين في الحرب في سوريا سابقًا. كثيرًا ما كانت هذه الانبعاثات من لواء أبو فضل العباس غير واضحة فيما يتعلق بإيديولوجيتها، إلا أن ارتباطاتها بالشبكات الإيرانية توحي بأن طهران تمارس ضغطًا قويًا عليها.
وبينما تتمتع إيران بروابط قوية مع أغلب، إن لم يكن مع كل، ميليشيات العراق الشيعية، فإن عناصر شيعية عراقية قوية أخرى، وممن لا تشارك إيران بالضرورة في إيديولوجيتها المطلقة، قد استثمرت أيضًا في جماعاتها الخاصة.
أنشئت سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر في يونيو 2014، في نفس الوقت تقريبًا الذي أصدر فيه آية الله العظمى علي السيستاني فتوى تدعو إلى الجهاد ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
غير أن فتوى السيستاني وضحت بأنها تقصد أن العراقيين ينبغي عليهم الالتحاق بالجيش العراقي، بينما لا يحمل مقاتلو سرايا الصدر الجديدة الولاء للسيستاني. إلا أنه على الرغم من ذلك، ومع إمكانية الاعتماد على عشرات الآلاف من مؤيدي الصدر، فإن سرايا السلام لن تعاني من عجز في المقاتلين بلا شك.
وعلى الرغم من التقارير بحدوث التعاون على بعض المستويات مع وكلاء إيران، فإن قوات الصدر قد دخلت في معارك لسنوات مع عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وغيرها من المجموعات. إضافة إلى ذلك، فإن حزب الصدر السياسي متحالف الآن مع كتلة سياسية مضادة لائتلاف دولة القانون.
عندما أنشئت سرايا السلام، دعا الصدر إلى أن تشارك فقط في عمليات دفاعية. إلا أن المجموعة قد استُثمرت في الشهر الماضي في عمليات هجومية وبشكل كبير. اليوم تنتشر قوات هذه السرايا عبر مساحة العراق، من مدينة سامراء المقدسة، إلى آمرلي المحررة حديثًا، إلى جرف الصخر، وحتى الديالى في الشرق.إن أعداد سرايا السلام الضخمة وزيادة نشاطها في المعارك وخلفيتها العائدة لجيش المهدي توحي بأن المجموعة قد تعاود الانخراط في أعمال قتل طائفي واسعة.
بعد فتوى السيستاني؛ قام المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بإنشاء سرايا عاشوراء، وانخرطت المجموعة في مجهودات التجنيد بالاستعانة بالجهاز الإعلامي والسياسي للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وقد انتشرت قواتها في بغداد وسامراء. وفي يوليو، تكبدت قوات المجموعة المجندة من ميسان في الجنوب الشرقي خسائر كبيرة أثناء القتال في محافظة الأنبار.
وكما أنشأ القادة السياسيون والدينيون ميليشياتهم الخاصة في أنحاء العراق، فقد دخلت بعض المجموعات الهامشية في بعض الأحيان في معارك مع الحكومة. وكان من بين هذه الحالات غير المعتادة حالة رجل الدين الشيعي المهمش محمود الصرخي. لقد دخل أتباعه في اشتباكات نارية مع أعضاء من قوات الأمن الداخلي العراقية في جنوب العراق أسفرت عن سقوط سبعة قتلى.
وبينما يعد مثال الصرخي مثالًا فريدًا، فقد بات خطر الصراعات بين الشيعة، والتي تحتاج إلى التعامل معها، أمرًا حقيقيًا.
وتقع ميليشيات الشيعة العراقيين أيضًا في خط تصادم وشيك مع المجتمع الكردي، أحد الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. اتهمت كل من حركة حزب الله النجباء، مجموعة أخرى من وكلاء إيران منفصلة عن عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، اتهمتا الرئيس الكردي مسعود برزاني بالتنسيق مع تنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات بعثية، ووجهت تحذيرات قوية ضد أي تحركات كردية في كركوك.
وقد وصل المتحدث الرسمي باسم حركة حزب الله النجباء إلى درجة القول "أن صواريخ المقاومة الإسلامية ستهاجم إربيل" إذا استمر برزاني في "التنسيق" مع الجهاديين.
إن القوة المتنامية لهذه الميليشيات هي علامة على أن الحكومة العراقية، ورغم الإطاحة بالمالكي من رئاسة الوزراء، تظل ملتزمة بالارتباط بقوى شديدة الطائفية. لقد حافظت هذه الميليشيات بشكل عام على استقلالها العملياتي من بغداد، حتى مع استغلالها لنظام البلاد الديمقراطي الوليد لتحصيل الدعم من خلال سيطرتها على مؤسسات رسمية. إن هذه الجماعات ليست ببساطة ملحقات للدولة - إنها الدولة نفسها، وهي لا تستجيب لأي سلطة من بغداد، وإنما تستجيب فقط للزعماء الدينيين أو لطهران.
وبينما يبدو محور تركيز هذه الفصائل ظاهريًا هو هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، فإنها تبشر أيضًا بكونها ذات تأثير هائل في صياغة مستقبل المجتمع الشيعي العراقي.
إن الإيديولوجيات المتطرفة والروابط التنظيمية لهذه الجماعات تشير إلى أنها ستسمح لإيران بتحقيق تأثير داخل العراق أكثر من أي وقت مضى. وإذا لم تتخذ واشنطن خطوات فعلية لكبح نمو هذه الجماعات الآن، فقد تكتشف لاحقًا أنها قد تنازلت عن بغداد بالفعل لطهران - وأنه لا طريق للعودة.
----------------------------------------------------
[1] ترجمة لمقال نشر في مجلة فورين بوليسي بتاريخ 18 سبتمبر 2014. رابط المقال: http://www.foreignpolicy.com/articles/2014/09/18/all_the_ayatollahs_men_shiite_militias_iran_iraq_islamic_state#trending
[2] فيليب سميث: باحث بمعمل دراسات الديناميكيات الثقافية المحوسبة (Laboratory for Computational Cultural Dynamics) بجامعة ماريلاند بالولايات المتحدة. يكتب سميث مدونة (Hizballah Cavalcade) على موقع (Jihadology.net) والتي تتخصص في دراسة الجماعات المسلحة الشيعية.
مركز نما للدراسات والأبحاث - ترجمة: فهد حسنين
فيل ساندس
إبراهيم قرة غل
لين كرونبيرغير
بول رودريك جريجوري
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة