..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

حرب سوريا الدائمة

تسفي برئيل

١١ إبريل ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5740

حرب سوريا الدائمة
مسلحين000.jpg

شـــــارك المادة

بعد نحو 160 ألف قتيل ونحو 3 مليون لاجيء، تبدو الحرب في سوريا كحرب دائمة بلا مخرج. وإذا كان ثمة مع ذلك احتمال لإنهائها، فإن هذا لا يوجد في أيدي القوى العظمى، بل بالذات في مكاتب الخصمين المريرين السعودية وإيران.

 


بُشر جنود الجيش السوري الأسبوع الماضي بأن حكومتهم ستعوضهم عن الأضرار التي لحقت بأملاكهم بسبب الحرب في الدولة.
ومع أن هذا لن يكون تعويضا كاملا، في أقصى الأحوال نحو 1.700 دولار على بيت هدم. إلا أن الحكومة تعد بأن هذا هو مجرد مبلغ جزئي ومؤقت إلى أن يتم التخمين النهائي.
وهذا على ما يبدو لن يتم، إذا ما تم أصلا، إلا بعد انتهاء الحرب. غير أن ‘انتهاء الحرب’ هو الآخر تعبير مرن، ولا سيما في ضوء التقديرات الاستخبارية الأمريكية بأنه بدون انعطافة دراماتيكية، فإن الحرب التي تواصلت حتى الآن ثلاث سنوات قد تجرجر نفسها عشر سنوات أخرى على الأقل، فيما لا يكون لأي من القوى العظمى أو الأطراف المتقاتلة أي استراتيجية أو فكرة لكيفية إنهائها.
الخطوات الدبلوماسية لعقد مؤتمر جنيف الثالث، بعد فشل مؤتمر جنيف الثاني في شباط مجمدة. ما بدا في حينه كاستعداد روسي للتعاون مع الولايات المتحدة للوصول على الأقل إلى وقف طويل للنار، انهار تحت ضجيج الأزمة العنيفة في أوكرانيا وتبدو الآن القطيعة السياسية بين القوتين العظميين أعمق مما كانت في أي وقت مضى.
إذا كانت توجد استراتيجية ما فهي توجد بالذات في السياسة الروسية الثابتة التي تحرص على دعم الأسد، تمويل نشاطه العسكري والمدني والحرص على أن يواصل كونه رئيسا لسوريا.
ليس لهذه الاستراتيجية رد أمريكي. فالإدارة في واشنطن تتمزق منذ أشهر عديدة بين موقف وزارة الخارجية وبين موقف البنتاغون.
فبينما يدفع وزير الخارجية جون كيري نحو التدخل العسكري، يحذر وزير الدفاع تشاك غيل من مغبة التدخل الذي من شأنه على حد قوله أن يحدث حربا إقليمية أو على الأقل أن يحبس الولايات المتحدة في حرب طويلة، بالذات على خلفية الخروج من مستنقعات القتال في العراق وفي أفغانستان (في نهاية العام الحالي).
كيري، الذي يستند إلى توصيات من كان قائد القوات في العراق وفي أفغانستان (وللحظة رئيس السي.أي.ايه أيضا) الجنرال ديفيد بطراوس، يحاول أن يدفع إلى الأمام على الأقل خطة لتسليح متطور للثوار السوريين، إلى جانب توسيع تدريباتهم.
كما تطلع كيري إلى أن تعلن الولايات المتحدة في سوريا عن مناطق محظورة الطيران، مثل تلك التي تقررت في حرب العراق. غير أن وزير الخارجية اصطدم بسور من المعارضة العسكرية: رئيس الأركان الجنرال مارتين دامبسي قدر بأن صيانة هذه المناطق ستكلف الإدارة نحو 50 مليون دولار في اليوم ‘دون موعد انتهاء’.
بين الموقفين موقف كيري وموقف هيغل يبدو الرئيس أوباما كمفكر لديه وقت.
وعندما يصمت البيت الأبيض، لا يبقى سوى التقدير بأنه يؤيد خطة انتقالية تتضمن تزويد الثوار بسلاح نوعي أكثر، بما في ذلك السلاح المتطور ضد الدبابات، وتوسيع خطة التدريب التي تتم منذ أشهر عديدة في الأردن، ولكن دون مناطق محظورة الطيران.
نشرت هذا الأسبوع على الإنترنت أفلام ظهر فيها ثوار يحملون صواريخ متطورة مضادة للدبابات. وحسب بعض الناطقين بلسان الثوار، نقلت الصواريخ من الولايات المتحدة، ولكن واشنطن لم تؤكد ذلك رسميا.
وإذا كانت هذه بالفعل صواريخ أمريكية، وليست صواريخ تم تهريبها بقنوات غير مباشرة، فإن هذا كفيل بأن يكون الدليل الأول على تغيير سياسة واشنطن، التي اكتفت حتى اليوم بالمساعدة اللوجستية.
وتؤهل خطة التدريب الآن نحو 100 مقاتل من الثوار كل شهر، وتوسيعها كفيل بأن يزيد عددهم إلى نحو 500 حتى 600 في الشهر فيما يجري بعض هذه التدريبات في قطر وفي السعودية، إضافة إلى المعسكر في الأردن.
الاقتراح بتزويد السلاح المتطور والذكي يثير قلقا في البنتاغون. فلمن بالضبط سيعطى هذا السلاح؟
أليس هناك خطر في أن ينتقل إلى القاعدة وفروعها؟
اخترعت واشنطن صنفا جديدا من الثوار الذين يحملون لقب ‘الإسلاميين المعتدلين’. ويذكر التعريف برجال ‘طالبان المعتدلين’ في أفغانستان، ممن حاولت الولايات المتحدة إجراء حوار سياسي معهم على مستقبل الدولة.
المشكلة هي أن المقياس الأمريكي للاعتدال الديني لا يعني جدا عشرات منظمات الثوار في سوريا.
فمثلا أعلن هذا الاسبوع قائد منظمة ‘جبهة ثوار سوريا’، جمال معروف، أنه يتعاون مع جبهة النصرة ومع الدولة الاسلامية في العراق والشام المنظمتين المتماثلتين مع القاعدة (رغم أن هذا أيضا ليس دقيقا تماما: زعيم القاعدة أيمن الظواهري تنكر للدولة الإسلامية وتبنى النصرة).
وتعمل جبهة ثوار سوريا بالتعاون مع مقاتلي الجبهة الإسلامية حليفة الجيش السوري الحر.
من بين كل هذه المنظمات سيحصل على صواريخ كتف؟ من ستدربهم القوات الخاصة الأمريكية؟
سؤال مقلق أكثر عن المساعدة الأمريكية يتعلق بنجاعتها.
فهل هذه المساعدة المترددة ستكفي لإحداث انعطافة استراتيجية في مناطق القتال فيما يواصل الجيش السوري احتلال المناطق التي يسيطر عليها الثوار؟
فالجيش السوري مثلا يوشك على إنهاء احتلال جبال قلمون بعد أن سيطر على مدينة يبرود، وهذا كفيل بأن يضمن سيطرته على جنوب غرب سوريا.
ومع أن المسافة عن السيطرة على الدولة كلها لا تزال بعيدة، والتقدير هو أن النظام يسيطر فقط على 40 حتى 50 في المئة من الأرض، ولكن أهم من حجم الأرض هو السيطرة على المحاور الأساسية التي يحصل عبرها الثوار على مساعداتهم اللوجستية من لبنان.
في المدن الكبرى مثل حمص وحلب التي يسيطر في العديد من أحيائها الجيش السوري الحر أو المنظمات الإسلامية، يحدث الحصار الشديد والتفجيرات بالبراميل المتفجرة أزمة انسانية رهيبة.
فمئات آلاف المواطنين لا يتمكنون من الحصول على المؤن الغذائية بانتظام؛ وعدد الأطباء في حلب مثلا انخفض إلى أقل من 20 (في المناطق التي تحت سيطرة الثوار)؛ والعمليات الجراحية في المستشفيات تجرى على ضوء الفوانيس أو الشموع؛ ومخزون الأدوية ووحدات الدم ينفد والصيدليات فارغة.
ومع ذلك، فإنه في المناطق التي تحت سيطرة الجيش السوري أيضا الحياة ليست جنة عدن.
فقد أفادت منظمة الغذاء العالمية بأنها ستحتاج إلى وجبات غذائية لأكثر من 6 مليون مواطن في سوريا، مقابل نحو 4.5 مليون في السنة الماضية.
والسبب هو الجفاف الشديد الذي ألم هذه السنة بسوريا، وسيقلص بشكل دراماتيكي المحاصيل في شمال غرب الدولة التي يوفر نحو نصف الإنتاج من القمح.
ومع أن الحكومة السورية أعلنت بأنها تعتزم تشغيل مخابز متنقلة واستيراد نحو 100 ألف طن آخر من القمح، بتمويل تغطيه ضمانات إيرانية إلا أن المصاعب في تنفيذ توزيع الغذاء تطرح الشكوك في قدرة النظام على تقديم المساعدة إلى نحو 4.5 مليون مواطن نازح داخل الدولة.
وفضلا عن الغذاء، فإن التوفير الجاري لمياه الشرب أو الكهرباء يضع أمام النظام تحديا هائلا ليس فقط في المحيط بل وفي العاصمة دمشق أيضا.
ورغم أن سوريا وقعت مع الهند وايران على اتفاقات لبناء محطة توليد للطاقة تعمل على الغاز، ولكن إلى أن تبدأ بالعمل ستواصل دمشق المعاناة من ساعات طويلة من الظلام.
وإلى جانب ذلك أعلنت الحكومة بأن النقص في الكلور يمنع تطهير مياه الشرب وحذرت من خطر استخدام المياه غير المطهرة.
وفي نفس الوقت تنشر وسائل الإعلام السورية تقارير عن الصراع الذي تقوده الحكومة ضد الفساد وعن أن 12 من مدراء الوزارات الحكومية والشركات الحكومية أقيلوا هذا الشهر وسيقدمون إلى المحاكمة.
كما علم أن البنوك تلقت تعليمات بالفحص المتمعن لكل إيداع استثنائي خشية أن يدل على محاولة تبييض للأموال أو تمويل ‘للإرهابيين’.
وتعمل مسرحية الدولة التي تؤدي مهامها بانتظام، والأسد نفسه أيضا يواصل الإدعاء بالأعمال كالمعتاد، عندما أعلن بأن الانتخابات للرئاسة التي يعتزم التنافس فيها ستتم كما كان مخططا.
بعد نحو 160 ألف قتيل ونحو 3 مليون لاجيء، تبدو الحرب في سوريا كحرب دائمة بلا مخرج. وإذا كان ثمة مع ذلك احتمال لإنهائها، فإن هذا لا يوجد في أيدي القوى العظمى، بل بالذات في مكاتب الخصمين المريرين السعودية وإيران.
في الأسبوع الماضي نشرت تقارير عن محاولات للمصالحة بين السعودية وإيران، فيما على جدول الأعمال دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى السعودية.
وعندما زار جون كيري السعودية في بداية الشهر، أوضح له مضيفوه جديا خيبة أملهم من سياسة واشنطن المترددة في سوريا.
وتقدر الرياض، وعن حق، بأنه من غير المتوقع أي تدخل عسكري قريب في سوريا. أما ايران، من جهتها، فلا ترى منفعة سياسية في استمرار الحرب، التي تكلفها فقط مليارات الدولارات.
وللخصمين مصلحة في استقرار سوريا، ولكن أيضا في الحفاظ على نفوذهما فيها في المستقبل.
والسؤال هو هي سينجح هذان الخصمان في ايجاد الصيغة الذهبية التي تحافظ على مكانتهما ونفوذهما حتى دون الأسد وهكذا فينجحان بذلك في تحرير السوريين، وعلى الطريق أيضا الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية، من هذا الكابوس.

 


القدس العربي نقلا عن هآرتس

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع