..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

غوطة دمشق، أطلالٌ وعبراتٌ

ابن غوطة دمشق الشيخ الحر

٢٣ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 9431

غوطة دمشق، أطلالٌ وعبراتٌ
1.jpg

شـــــارك المادة

غوطةُ دمشقَ مِن دوما شرقاً، إلى المعضَّميَّةِ غرباً وجميعِ قُراها ومُدُنِها، وما أدراكَ ما هُنَّ، أعراسُ المدنِ الدِّمشقيّةِ، وزِيَنُ المدُنِ السُّوريَّةِ، عَواشِقُ الجمالِ، وارفو الظّلالِ، أحبابُ الرّحمنِ، في عيونِ سيّدنا النبيِّ محمَّدٍ العدنان؛ فهُنّ مُدُنُ الغوطة.
أمّا الآنَ فهُنّ وخاصّة داريّا الأبيّة، وزملكا النّقيّة، وحرستا المنسية، التي دخلتُها في لحظةِ، وصعقتُ في كلِّ خَطوةٍ، وانبرهتُ مِمّا رأيتُ وها أنا أصفها لكَ أخي القارئ من الداخل، فاسمع وتصّور ما رأيت:


فهيَ خاويةٌ على عروشِها، ترتَعُ فيها البومُ والغِربانُ، وتسبَحُ فيها القذائفُ والصَّواريخُ والبراميلُ والطَّيرانُ،  تشَمُّ فيها رائحةَ الموتِ، وتعلَقُ في حلقكَ غصَّةُ الحزنِ، وتغرَقُ عيناكَ بالدُّموعِ مِن غيرِ بكاءٍ، وتشدَهُ مِن أوَّلِ وهلَةٍ، وتُدهَشُ في كلِّ لحظةٍ، تَقِفُ على أطلالِها وكأنَّكَ الغريبُ المحزونُ، وتُنادي على أهلِها فلا تَسمَعُ إلاّ خريراً مِن ماءٍ أو صريرَ بابٍ، أو عُواءَ كلبٍ أو مُواء قطٍّ محزونٍ، تسيرُ في طُرقاتِها فلا ترى إلاّ دماراً شاملاً، ولا تسمَعُ صوتاً أو همساً، وكأنَّكَ أمامَ تاريخٍ مفتوحٍ، أو آثارٍ مِن ماضٍ مخزون......آه آه.

أمَّا أهلُها فهُم بينَ مُشرَّدٍ مذبوحٍ، أو كريمٍ مكلومٍ، أو حزينٍ مهمومٍ، أو فَرِحٍ مجروحٍ.
جَسدٌ واحدٌ وأماكنُ شتى، إنْ ذهبْتَ تبحثُ عنهم قُلْتَ يا ليتَ ما فعلتُ، فالعَبرة لا تُكَفْكَفُ عن خَدَّيكَ، والنَّهدَةُ لا تَسكُتُ عنها شفتَيكَ، والألمُ لا يُغادِرُ ساحةَ قلبكَ، ترى نفسَكَ وإيّاهُم أمامَ أشلاءٍ لم تَمُتْ، أو ميِّتينَ لم يُقبروا بعدُ، أو جُثثٍ هامدةٍ لم يعاجِلْها موتٌ، أو يداهِمْها سكونٌ، أو يُكفْكُفُ حُزنَها أملٌ، أجل إخوتي ألَمٌ... وألَمٌ.... وألَمٌ.
فكم ترى مِن كريمِ قومٍ مذلولٍ، أو شابٍّ عزٍّ مخذولٍ، أو غنيِّ بيتٍ يَمُدُّ يدَهُ لطلَبِ العونِ، أو شيخِ عزٍّ مُهانٍ مكلوم، أو فتاةِ حُسنٍ شاحبةٍ، أوِ امرأةِ خيرٍ سائحةٍ غيرِ طائعةٍ، أو شَرَفِ كرامةٍ كادَ أنْ يَهدَرَ.
ترى أهلَ بلدتِكَ يا سيدي أمواتاً بصورةِ الأحياءِ، يرجونَ ساعةَ الخلاصِ قبلَ الخلاصِ، ويتمنَّونَ الرَّحيلَ ساعةَ الرَّحيل.
أهلُ بلدتِكَ سيِّدي أضحَوا مُنبطحينَ على فُتاتِ كرَمِ البلداتِ الأخرى، بل والدّولِ الأخرى بعد أنْ كانوا مُعَزِّين مُعِزِّينَ، يدُهُم أمسَتْ مفتوحةً للعطاءِ بعدَ أنْ كانَتْ بالعطاء.
ماذا أقولُ وعن ماذا أتكلم؟!!،
أمسينا وأصبحَنا شحّادينَ على أبوابِ المحسنينَ، لا أرضَ تُقلُّنا ولا سماءَ تُظلُّنا، ولا بيتَ يأوينا ولا سقفَ يُقرِينا، نرى فصولَ السَّنةِ الأربع، ونحن على أرضٍ وفوقَنا سماءٌ وليسَ بينَهُما شيءٌ، إلا بِمَن رَحِمَ ربُّكَ مِن فُتاتِ العطاءِ ولا حولَ ولا قوَّةَ ألاّ باللهِ العليِّ العظيمِ.
ولكنْ أمامَ كلِّ هذِهِ الصِّراعاتِ والآلامِ والأحزانِ والآهاتِ إلاّ أنَّ أحلامَ الأطفالِ، وآمالَ الرِّجالِ، وهِمَمَ الشُّبّانِ تَخرِقُ كلَّ موجودٍ، وتفعَلُ فعلَها في الجبالِ والجُدرانِ وكُلِّ عدوٍّ لدودٍ، كلمةُ حريَّة أيقظَتِ الشَّيطانَ، وباتَ يضرِبُ في كلّ البلدانِ، وكلمةُ إسقاط أطارتْ مِن رأسِهِ كلَّ عقلٍ، وكلمةُ إعدامٍ أحالتْهُ إلى العُصفوريَّةِ الشَّعبيَّةِ.
لقدْ جُنّ مِن الكلامِ، فأذلَّ بالغلمانِ والصِّبيانِ، وانبطحَ مهاناً أمامَ جُرأةِ وبسالةِ الأبطالِ والشُّبَّانِ، فلا تَحزنْ على ما يفعل، فهيَ أيّامُ الصَّبرِ التي قالَ فيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن ورائكم أيّامَ الصَّبرِ))......
وهذِهِ ثورةٌ ربّانيَّةٌ كاشفةٌ، خافضةٌ رافعةٌ، فيصَلٌ بينَ الحقِّ والباطلِ، مُمَحِّصَةٌ الغَثَّ مِن السَّمينِ، والجنةُ عروسٌ ومَهرُها بذْلُ النُّفوسِ ومَن يَخطِبِ الحسناءَ يصبرْ على البَذْلِ.

فيا أيُّها الكرامُ مِن المسلمينَ والعربِ لا تَنسوها وأهلَها، وارحموا عزيزَ قومٍ ذَلَّ، وتعوّذوا مِن قهْرِِ الرِّجالِ، وترحَّموا على الشُّهداءِ مِن الشَّبابِ والنِّساءِ والشُّيوخِ والغلمانِ، فهُم مِن أهلِ الشَّامِ، (( أكرمِ العربِ فُرساً، وأجودِهِم سلاحاً، يؤيّدُ اللهُ بهِمُ الدّينَ)) حديث، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم يقولُ: ((لا تسبّوا أهلَ الشَّامِ، فإنَّ فيهمُ الأبدال))، ويقولُ صلى الله عليه وسلم:(( ألاَ إنَّها ستفتحُ عليكُمُ [الشّامُ فعليكُم بمدينةٍ يُقالُ لها دمشقُ، فإنَّها خيرُ مدائنِ الشّامِ] وفسطاطُ المؤمنينَ بأرضٍ مِنها يُقالُ لها الغوطةُ وهىَ معقِلُهُم))، ويقول -صلى الله عليه وسلّم- : ((إذا فسدَ أهلُ الشّام لا خيرَ فيكم)).

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع