أسرة التحرير
تصدير المادة
المشاهدات : 7648
شـــــارك المادة
يسألني، بماذا تفكر؟!! يرويها حسام عدنان في صفحته على فيسبوك:
بماذا تفكر يسألني هذا الفيس الغبي. بماذا أفكر بعد ما رأيت اليوم. أنت ما الذي ستفكر فيه وأنت تصحو على مناظر الأشلاء وتنام على أنات الثكالى وتقضي نهارك بين دماء ودموع وبكاء. تفكر بأن الدنيا كذبة وأن الإنسانية وهم، وأن البشر وحوش وأن ما نعايشه كابوس وليس حقيقة. تفكر بأنك عاجز ومقهور ومنكوب. يعني بالله عليك أيها الفيس ماذا تفعل عندما يضعون أمامك اثنان وعشرون من الجرحى في أول دقيقة كلهم يمسك بتلابيب ثوبك الأبيض يترجاك العلاج تقف بينهم كالأبله بمن ستبدأ. هذا طفل بربيعه الخامس مبتورة يده، شظية في بطنه، جرح غائر في رأسه!!!
هذا فرصته بالنجاة متوسطة بجانبه شاب بشظية في بطنه ينزف دماً غزيراً يترجاك أن تباشر به ولا تتركه على الأرض بين دماء الجرحى ويناديك باكياً تركت خمسة من الأطفال صباح اليوم لأحصل لهم كيلو من الشعير أرجوك ساعدني. تقرر لحظتها علاجه وعندما تهم بإدخاله تفاجأ بالطفل الأول وقد حضرت أمه ترمقك بنظرة واحدة، تغني عن ملايين الكلمات، تطرق رأسك، تبكي، يصيبك الجنون، تمشي بينهم، ترفض عيناك متابعة الفرز فقد رسبت بالمحاولة الأولى. تدخل قاعة العمليات وتقول يا رب لا تحملني ما لا طاقة لي به.
من دوما اليوم... كتبها الطبيب أبو عدنان في صفحته على فيسبوك:
عندما وصلت للإسعاف بعد حدوث الضربة بدقائق ومن بين الجموع الغفيرة أوقفني شخص "لا تدخل فالإسعاف لا يحتمل دخول أي شخص غير الجرحى" فيقول له شخص آخر "أدخله فهو طبيب"
وكم تمنيت أنني لم أنزل ولم أرَ ما رأيت فهناك بحر من الدماء يسبح فيه كل من هو بالداخل من مصابين وأطباء وكادر طبي...
طبعاً تصل فيرمقك أصحابك بنظراتهم وكأنك أتيت لتخلصهم مما هم فيه وهم على يقين تام أنك وإياهم أصغر بكثير من هول المصيبة التي حلت بأهل الغوطة.
ترى الجرحى الملقون على الأرض أكثر وأخطر بكثير ممن هم على الأسرة وكل واحد يستجمع ما بقي من قواه ليرفع يده أو ليئن أو يتألم كي يرسل لك برسالة أنني مصاب وأنت ممن اختارك الله لتسعفني أو لتتألم لعدم قدرتك على إسعافي...
وفي لحظة واحدة وعندما تدرك أنت وأصحابك أنكم وصلتم لنقطة العجز وقد بلغت القلوب الحناجر يأتيك صوت من الأعلى... صوت تنصت له أنت وأصحابك عل هذا الصوت فيه ما يهدأ من هذه النفوس "يا جماعة فضوا الإسعاف ضربت الطيارة مرة تانية وتالتة و... وعاشرة"
وتتوافد الإصابات تلو الإصابات ويرتقي الشهداء تلو الشهداء وتفرغ البرادات من الدم وتنفذ الأدوات الجراحية المعقمة وتنتهي أكياس السيروم وتعمل أنت وأصحابك وكأن الدنيا قد انتهت.
وحتى الجرحى تنظر إليك نظرات المنعقد عليه الأمل وﻻ تفرغ من جريح حتى يرمقك آخر بأن أرجوك لا تنسى أنني أمانة برقبتك.
فيمسكك جريح وقد أتيت لتسعف الجريح الذي بجانبه ويقول لك "دكتور والله أنا أجيت قبلو أنا من أول ضربة طيارة وصلت" وهنا تتمنى أن تصبح ألف قطعة كل قطعة مع جريح أو أخ أو أم ثكلى أو أب مفجوع أو....
ويصيح زميلك الطبيب الذي يدك بيده من بدء توافد الإصابات "تعال شوف ابن عمي يمكن مات بس ما حاسن آخد قرار فيه"
ويصيح آخر "دكتور تعال شوف هاد اللي فجرتولو صدرو يمكن مات"
وآخرون يسألونك "هاد اللي عم يتنفس من رقبتو بدو شي؟ فينا نساوليو شي؟"
وهنا يأتيك الأخوة الذين يحملون همك وهنا ننصت لصوت آخر "في حالات ناخدها عالغوطة"
تشد همتك أن هناك من يشعر بك ويحمل همك لأن هذا الذي شعر بك قد أصابه يوماً ما أصابك.
"دكتور ساعدك بشي" التفت فإذا بطبيب العينية وقد أتى من الغوطة ليشاركك همك ويقدم واجبه الذي قسمه الله له.
وكذلك طبيب الأطفال وكذلك طبيب العصبية و...... فكل واحد يرى في هؤلاء الجرحى أهله.
طبعاً ومما يشد من عزيمتك ويدفعك للاستمرار، هؤلاء الأشخاص الذين يرتدون الزي الأحمر ويطلقون على أنفسهم شباب الهلال الأحمر فلا همة تعلو فوق همتهم هم المحرك والدافع للاستمرار في كل لحظة من لحظات الكارثة.
وبعد ساعات من الضربة تنظر للإسعاف وقد فرغت أرضه من المصابين ولم تفرغ أسرته فتشعر بأن الوضع قد استقر.
وهنا انتهت لحظات اﻹسعاف وهنا تبدأ الكارثة.
فالدفاع المدني بارك الله همتهم قد وثقوا أكثر من 100 شهيد. 100 شخص فارقوا الحياة انتقلو إلى باريهم يشكون من ظَلمهم. 100 عائلة فقدت على الأقل شخص واحد. 100 امرأة فقدت إما إبناً أو زوجاً أو أخاً. 100 رجل فقد إبناً أو زوجاً أو أباً أو أخاً.
غرف العمليات وفيها من الأطباء الذين أعياهم التعب وقد استقبلوا أكثر من 70 عملاً جراحياً كبيراً خلال هذه الساعات القليلة. فقد مر عليهم من تقطعت أمعاؤه ومنهم من بترت ساقاه ومنهم من انفقأت عينه ومنهم من حز عنقه ومنهم.... وهم بلباسهم الأخضر الملطخ بهذه الدماء الطاهرة.
أما العناية المشددة والاستشفاء فلا تنتهي محنتها بهذه البساطة فهؤﻻء الجرحى إن أمضوا ساعات في الإسعاف والعمليات فإن إقامتهم بالعناية أو الاستشفاء مديدة من أيام لأسابيع.
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة