..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

ويلتقي الأحبّة

نجوى شبلي

٥ فبراير ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3580

ويلتقي الأحبّة
1.jpg

شـــــارك المادة

كم كانت سعادة أحمد كبيرة عندما طلبت منه خالته زكاء أن يأتي معها إلى بيتها ليبيت معها .
لقد قدمت اليوم من كندا , وكالعادة لم يكن يصحبها أحد , وهي بحاجة إليه ليؤنس وحدتها .
مضى الليل , وعند أذان الفجر استيقظت زكاء على صوت باب المنزل يطبق ..
قامت من فراشها , بحثت عن أحمد , إنّه ليس موجودا , شعرت بقلق كبير , خشيت أن يكون ابن العاشرة قد افتقد أمّه , وهو يريد العودة إلى المنزل ليأنس بجوارها , إلّا أنّ مخاوفها تبددت عندما دقّ جرس الباب لتجد ابن أختها , وهاهو يخبرها بأنّه قد عاد من المسجد بعد أن أدّى صلاة الفجر.

 


كان أحمد يحبّ خالته زكاء كثيرا , إلّا أنّه لا يستطيع رؤيتها إلّا كلّ بضعة أعوام , وعندما تأتي لابدّ أن تقوم بزيارة فروع الأمن المختلفة في الساحل السوري لتسأل عن زوجها الخائن الذي كان مناصرا للثورة في الثمانينات, وليطلبوا منها إعادته إلى الوطن ليلقى جزاءه .
كبر أحمد وهاهو الآن على أبواب الجامعة , لقد استطاع أن يحصل على مجموع كبير يؤهله للالتحاق بكلية الصيدلة, واختار مدينة حلب ربّما ليكون بعيدا عن مراقبة المخبرين الذين يرقبون كلّ غاد أو رائح إلى المسجد.
كان قد سمع عن قرب مجئ خالته زكاء إلى بانياس , وهاهو الآن يصطدم بخبر مرض خالته المفاجئ الذي لم يمهلها إلّا أشهرا معدودة لترحل بعدها إلى بارئها.
بكى أحمد كثيرا ,كم كان يتمنى أن يلقاها , وأن يستشيرها فيما يودّ دراسته بعد المرحلة الثانوية ,كان يأنس برأيها , إلّا أنّ الأمور تسير غالبا لا كما تشتهي السفن.
واندلعت الثورة السورية, كانت الشرارة من درعا, وكانت بانياس من أوائل المدن التي لبّت نداء درعا, فقامت المظاهرات فيها نصرة لدرعا, جوبهت بعنف, بوحشيّة, لم تمنع نساء البيضة وقلعة المرقب من الخروج, وسقط الشهداء, وسقطت الشهيدات.
امتلأ قلب أحمد حقدا على هؤلاء الوحوش البشريّة التي ما فتئت تعمل على إذلال البلاد والعباد ـ خاصّة إذا كانوا من السنّة ـ.
كان أحمد يؤثر البقاء معظم الوقت في جامعة حلب, جامعة الثورة؛ ليتمكن من مشاركة رفاقه في تظاهراتهم ضدّ النظام المجرم, وهاهو الآن يقع في يد من لايرحم, ذهبوا به إلى أحد سجون دمشق؛ ليعود بعد أشهر أشدّ إصرارا على المضي في طريق الثورة.
أشفقت أمّه عليه, خشيت على ابنها البار من السجن والتعذيب, أو القتل.
حاولت إغراءه بكلّ ما يجعله يتمسّك بالحياة, أخبرته بأنّها ستخطب له, وستعمل على تزويجه في القريب, إلّا انّه كان يردّ عليها وبكل رفق بعد أن يطبع قبلة على يديها:
يا أمّاه لا تتعبي نفسك؛ فأنا مشروع شهادة.
كانت تبكي عندما تسمع منه هذه الكلمات فيحاول تهدئتها بتذكيرها بمكانة الشهيد, وكيف أنّه سيشفع لها ,ولوالده , ولأخوته يوم القيامة.
ودّع أحمد والده ووالدته , وانطلق إلى حلب, إلى الجامعة, ولم يدر أحد أنّه الوداع الأخير.
وصل أحمد إلى الجامعة, سمع باستشهاد أحد زملائه, جمع رفاقه وأمّهم في صلاة الغائب على زميلهم الشهيد., وبعدها أخذ طريقه إلى إحدى المناطق التي استهدفها النظام بإحدى طائراته .
وجد أحمد رجلا مصابا , استطاع أن يصل إليه, ها هو يحاول سحبه بعيدا ليتمكنّ من إسعافه.
فجأة وقع أحمد على الأرض , جاءته رصاصة قنّاص لترتقي بروح أحمد إلى هناك , حيث الأمن والسلام , حيث يلقى الأحبّة , محمّدا وصحبه , حيث الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
وهناك سيلتقي محمّد بشهيدة سبقته , وكان يتوق إلى لقائها ... إنّها خالته زكاء .

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع