ألبرتوبيرِيس. ترجمة: الحدرامي الأميني
تصدير المادة
المشاهدات : 8549
شـــــارك المادة
في سوريا تم اختراق كافة الخطوط الحمراء. فبينما يقوم الجيش السوري بقتل المتظاهرين بالرصاص، فإن أوروبا والحلف الأطلسي والأمم المتحدة يلوذون بالصمت. في ليبيا أفضى عمل مشابه إلى التدخل العسكري، بموافقة الأمم المتحدة. فلماذا لا يحدث شيء مشابه في سوريا، حتى لو كان بصفة التهديد فقط؟
السياسة، مثل الإبداعات الرفيعة في أساليب الطهي، غالباً ما تحتاج إلى استخدام التوابل المكررة التي تثير الإحساس لكنها غير ذات نفع. وهكذا، فكما أنه في طبق من البايلا الجيدة (صنف من الطعام الإسباني المشهور) لا يمكن الاستغـناء عن نوع مختـار من الزعفران، - الحصص الغذائية للجنود المحاربين وأغذية الكفاف هي وحدها التي تستغني عن العناصر المغذية غير المتوازنة جيداً -، فإن السياسة الخارجية للدول تكون مصحوبة دوماً، في منطوقها على الأقل، بمثاليات رفيعة وأغراض سامية تكاد تلامس أحياناً حدود السامي والمقدس. يتم غزو بلدان وتُحتَّلُ أقاليم من أجل أن توضــع في خدمة الشعوب أضـواء الحضــارة ومنافع التقدم، حتى لو توجّب قتل البعض خلال المساعي السابقة لتحقيقها، ويتم إزاحة طغاة متوحشين من أجل تحرير شعوبهم وجعلهم يتقدمون في طريق السعادة، رغم أن هذه الشعوب قد تريد أشياء أخرى في بعض الأحيان. لا تُحصى أيضاً الحالات التاريخية للسياسات الامبريالية المؤسًّسة على نشر دين معين وعلى المنافع التالية التي تنتج عنه، بما فيها تلك الخارقة أو غير الملموسة. إضافة التوابل أوالزخرفة "الدينية" للسياسة (السياسة الداخلية، في هذه الحال) بلغت في بلدنا إسبانيا حيث تبدو هذه الممارسة مترسخة في أعمق أعماق الهوية "الإسبانية " المُفتَرضَة ذروتها العلـيا في ذلك الفصــل من قانون المبادئ الأســـاسية للنظـام الســابق (نظام الجنرال فرانكوالمتوفى عام 1975)، الذي ينص على ما يلي: "تَعُدُّ الأمةُ الإسبانية وسامَ شرف لها طاعةَ القانون الإلهي، وفق مذهب الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الرسولية المقدسة. مذهباً حقيقياً وحيداً وإيماناً لا يمكن فصله عن الضمير الوطني...". هذا النص الذي لا يمكن إنكار لاهوتيته، والمرصـع في ذلك "الدسـتور الفرانكـوي"، كان زخرفة وتلويناً لما يُطلق عليه هنا "الكاثوليكـية الوطنية". على العكس من ذلك، فإن السيــاسة بدون زخــرفة وبدون تجمــيل، السـياسـة الواقعـــية (Realpolitik من أجل استخدام التعبير الألماني الشائع) هي التي تتجاهل أي مبدأ نظري أو أخلاقي من أجل تبرير نشاطها، وتخدم، بأسلوب واضح، فعّال ومباشر، المصالح الوطنية المجردة للبلد الذي يطبّقها. يتزايد باطراد عدد أولئك الذين يتساءلون لماذا هذه المبادئ النبيلة المعلنة التي تعمل عليها بشكل علني الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى منظمة الوحدة الأفريقية، والتي تُطًبَّق على ليبيا الديكتاتور معمر القذافي، لا يوجد لها ما يقابلها في حالة سوريا التي يحكمها أيضاً الديكتاتور بشار الأسد. عند كتابة هذه السطور كان الدخان ما يزال يتصاعد من خرائب مدينة جسر الشغور السورية المُجتاحة، ويتم تجميع الجثث الناجمة عن الهجوم الحكومي العنيف على الثائرين، فيما يهرب آلاف اللاجئين باتجاه الحدود مع تركيا. في ليبيا أفضى عمل مشابه إلى التدخل العسكري، بموافقة الأمم المتحدة. فلماذا لا يحدث شيء مشابه في سوريا، حتى لو كان بصفة التهديد فقط؟ إن مفهوم السياسة الواقعية يساعدنا في فهم ما يحدث. فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دعم الهجوم على ليبيا مرتكزاً على مبادئ إنسانية واضحة وعلى طلب الثوار من أجل إقامة منطقة حظر جوي تحميهم من الهجومات الجوية الحكومية. والآن، فإن المجلس نفسه منقسم بشأن سوريا، فإذا كانت فرنسا والمملكة المتحدة تقترحان إدانة صريحة لنظام الأسد، فإن بلداناً أخرى مثل البرازيل، والصين، وروسيا، لا توافق على ذلك. كما أن الجامعة العربية التي صادقت مُكرهةً على التدخل الدولي في ليبيا، لا تدعم شيئاً مشابهاً في سوريا. ما يحدث هو أن سوريا هي، على النقيض من ليبيا، قوة إقليمية مهمة ومؤثرة. إضافة إلى ذلك، فإن الديكتاتور الأسد ما زال يحتفظ بتأييد قسم كبير من القطاعات الميسورة من المجتمع، وسقوطه قد يثير احتمال وقوع حرب أهلية، لها آثار مخيفة على بلدان شديدة الحساسية، مثل لبنان أو إسرائيل، حيث المنظمات الموالية لسوريا، حزب الله وحماس، يمكن أن تخلق مشكلات جدية. من جانب آخر، إن الروابط السورية مع إيران تفاقم بشكل متزايد آثار حرب أهلية طويلة، مثل تلك التي تعاني منها ليبيا حالياً. تصر الدبلوماسية الغربية على الشرح بأنه، على العكس من ليبيا، ما زالت لا توجد في سوريا صورة واضحة عن النظام الذي يمكن أن يحل محل الرئيس المطاح به، إذا حدث وأن وصل هذا إلى مرحلة السقوط، وترى أن هناك احتمالات كبيرة بشكل خطير بأن المواجهات بين الجماعات الاثنية والسياسية والدينية المختلفة، يمكن أن تغرِق البلاد في الفوضى. وهكذا فإن حياة السوري، في السياسة الواقعية، أقل قيمة بشكل واضح، في نظر القوى الدولية العظمى المحافِظة على النظام العالمي، من حياة الليبي، التي عُبِّئت من أجل حمايتها الموارد العسكرية للغرب (مع أن ذلك تم بطريقة سيئة وفي توقيت غير مناسب). في الموضع نفسه، أعني، في الدرجة الدنيا من سلّم قيمة الأفراد توجد حياة الفلسطينيين، الذين لن يكون بوسعهم فعل الكثير إذا تمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وحيدين في مواجهة ما ينتظرهم. كما يستطيع القارئ أن يتحقق، فإن السياسة الواقعية، عاريةً من الملحقات، تُفهَم بشكل أفضل من تلك الأخرى، التي يُنادَى بها وتُعلًن مغلَّفةَ بأصوات مدوية وتطلعات نبيلة.
_______________________________________
* الكاتب : ألبرتوبيريس ( جنرال احتياط في سلاح المدفعية الاسباني )
المصدر: العمق
مصدر المقالة باللغة الإسبانية: www.revistafusion.com/201106172127/Internacional/Tema/siria-y-la-realpolitik.htm
التقرير
ألمونيتور
جورج فريدمان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة