مظهر الويس
تصدير المادة
المشاهدات : 14718
شـــــارك المادة
بداية لا أستطيع أن أتكلم عن كل شيء فلا أدعي أنني أملك الحقيقة كاملة. ولحساسية الموضوع وكون هناك أسماء شخصيات فالوضع في هذه الفترة ليس مناسباً لذكرها إلا نادراً. ما أريد أن أوصله في هذه العجالة نقل هذه التجربة ليتعرف عليها الناس ويستخلصوا منها العبر. ولعل الله ييسر لي فأخرج هذه التجربة في كتاب جامع عندما يحين الوقت المناسب إن شاء الله. "ثورة ما قبل الثورة" وقد يتفاجأ الناس من هذا العنوان ولكنهم عندما يتعرفون عليها سيختلف الأمر. لا أبالغ فلهذه التجربة أثر ليس في الشام بل في العالم أجمع كما سيتبين لنا. سأمر على المراحل والأحداث بشكل مركز و مكثف فأرجو الإنتباه و اليقظة، وبداية: من تدمر إلى صيدنايا، عندما اندلعت أحداث الثمانينات على فرعون سوريا الهالك حافظ كان سجن تدمر الشهير هو المعتقل ولا يخفى على أحد فظاعة سجن تدمر ورغم كل ما قرأنا عن سجون الطواغيت فلا سجن مثله. وعندما كان التدمريون وهم نزلاء هذا السجن يحدثوننا فلا يكاد يصدق المرء ما يسمع للهول والفظاعة والإجرام. كانت سياسة حافظ الإكثار من السجون فهذا دأب الطغاة والمجرمين. فتم بناء سجن صيدنايا ليحل محل تدمر. دائماً يختار الخبثاء أمكنة سياحية لمعتقلاتهم وكما هي واحة تدمر كانت تلة صيدنايا وكما هي زنوبيا فقد كان القديسة مريم والعبابيد هم العبابيد، أنجزت شركة ألمانية بناء هذا السجن المحصن على شكل مضلع مسدس (إشارة مرسيدس) وأحيط بثلاثة أسوار ملغمة في التلة. تحول هذا السجن إلى السجن العسكري الأول بعد إغلاق سجن المزة عام 2000 وكان يقتصر على السجناء من العسكريين ومع انتهاء حقبة الثمانينات ومنتصف التسعينات أصبح التدمريون يحولون إلى هذا السجن الغاية هي قضاء نقاهة قبل إخراجهم حيث كانت المعاملة أقل سوء، ومع هلاك حافظ واستلام بشار الذي ألغى سجن المزة وسجن تدمر السيء الصيت لصالح صيدنايا، وحاول بشار أن يغير الصورة السيئة لنظام والده من خلال دعوات الإصلاح والشفافية كعادة أي رئيس في بداية استلامه السلطة، ومع نهاية عهد أبيه وبداية عهده تم اعتقال المئات من ناشطي حزب التحرير الإسلامي وتم تحويلهم لصيدنايا. بدأت الأحاديث عبر ذوي السجناء تنتقل عن حسن المعاملة التي يتلقاها السجناء الإسلاميون في تلك الحقبة، ومع أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبروز التيار الجهادي بدأت حملات اعتقال الجهاديين والسلفيين .. فأصبح السجناء السياسيون من عدة مشارب:
إسلاميون وشيوعيون وحقوقيون ديمقراطيون (إثر نشاطات ما سمي ربيع دمشق) بالإضافة إلى من يطلق عليهم اسم القضائيين والجواسيس وهم من لهم علاقات مع دول معادية كإسرائيل. الإسلاميون كانوا من بقايا الإخوان المسلمين و(التحريريون) والسلفيون (الدعويون) والجهاديون. وكان السجناء يعاملون معاملة لا بأس بها توفرت لديهم كثير من متطلبات الراحة كسجناء من خلال الرشاوى لإدارة السجن، وكان هناك جناح خاص للجهاديين يسمى جناح الـ(33) نسبة لدعوى أفغانستان وعددهم 33 سجيناً. كان رئيس جناح الـ 33 هو الشيخ شاكر العبسي (طيار سابق في حركة فتح والمكنى أبو يوسف) والذي دخل بدعوى إسلامية وأسس لاحقاً فتح الإسلام، بدأت تظهر من بعض السجناء مظاهر سلفية من طول اللحية والأفغانيات والشعر الطويل والموائد الجماعية مما أثار حفيظة السجن. طلبت الإدارة من السجناء تخفيف هذه المظاهر دون استجابة جدية من قبل السجناء الذين تمسكوا بها، فقام لؤي يوسف (مدير السجن وهو نصيري) بتصوير هذه المظاهرالسلفية وإرسالها إلى مكتب الأمن القومي ليحيطهم بالأمر. وجاء الرد من مكتب الأمن القومي بدمج الإسلاميين مع السياسيين والقضائيين وطبقت إدارة السجن هذا القرار بعد أن كان كل تيار له جناحه الخاص. تمنع جناح ال33 من الاندماج فقام مدير السجن بابتزازهم بمنع الزيارة وشق صف الجناح بين مؤيد ومعارض للاندماج مما سهل عليه تنفيذ القرار أخيرا، وأصبحت الأجنحة مختلطة فبدأت صراعات الأفكار بين الإسلاميين من جهة مع الغير إسلاميين وكذلك داخل الإسلاميين أنفسهم. ظهر الإستقطاب داخل الإسلاميين بسبب الخلاف حول قضايا الإيمان والتكفير والحاكمية وطريقة التغيير، والأسوأ كان هو احتكاك الإسلاميين مع الجواسيس والقضائيين حيث الدخان والبذاءة وقلة الالتزام التي وصلت إلى شتم الدين والرب بشكل علني!! وزاد الأمر سوء هو استخدام إدارة السجن للسجناء غير الإسلاميين كجواسيس (عواينية) ضد الإسلاميين. في أواخر 2005 صدر عفو عن الإخوان المسلمين فخرج 190 شخصاً منهم وقد سبقه في بداية العام عفو جزئي خرج به بعض الإسلاميين وكان منهم شاكر العبسي، وبعد الدمج بين الأجنحة أصبح السجن محتقناً جداً على وشك الإنفجار فحدثت حادثة تاريخية يطلق عليها: (حادثة البورية)
نحن الآن في أواخر عام 2005 في وسط كوم من القش بحاجة إلى عود ثقاب لإشعال الحريق! كان هناك أخ مأسور اسمه (أبو سعيد الضحيك) من تلبيسة في حمص من دعوة أفغانستان. الرجل كان ينوي الذهاب إلى أفغانستان هناك و تم اعتقاله في باكستان وتسليمه للنظام. كان معروفاً بشجاعته وجرأته وحرقته على الدين وصبره على البلاء حيث بقي في زنزانة انفرادية سنتين ونصف في فرع فلسطين قبل تحويله إلى صيدنايا، أسلم على يده خلالها قس من جماعة (شهود يهوه) كان، جاره في الزنزانة كان من نزلاء جناح ال 33 وبعد الدمج كان يسمع من أحد المعتقلين القضائيين (فلسطيني تهمته التجسس لاسرائيل) السب والبذاءة المتكررة في شتم الرب والدين. كان يحذره كثيراً ودعاه بالحكمة والموعظة الحسنة لكنه لم يرتدع وطلب من مدير السجن يوسف عدم خلط السجناء تجنباً للمشاكل. لم يستجب الضابط النصيري ويبدو أن خلط السجناء كان مقصوداً ولم يكن الأمرعرضياً! قرر أبو سعيد (هدر دم هذا السجين) بتهمة سب الدين والرب وذلك بعد فشل كل محاولات إيقافه عن البذاءة والتفنن في شتم الرب وحضّر لذلك (بورية)!! في الصباح حمل أبو سعيد البورية متوجهاً إلى رأس ذلك السجين ضرباً حتى أرداه قتيلاً. كان هذا الحدث مفصلياً كما قلنا و بدأ عصر العقوبات يحل في السجن الذي أصبح تدمراً جديداً. قرر المدير معاقبة كل السجناء وسحب كل الأغراض وأصبح السجناء (على البلاطة ) بدأ الفرز ووضع الناس كل حسب تصنيفه ووضعت القيود في أيدي السجناء وبدأ الضرب والدواليب وكان يسلط على كل? خمسة سجناء عشرات القطعان من الشرطة العسكرية يذيقونهم سوء العذاب والسادية المفرطة في ذلك. واكتظت المنفردات والزنزانات بالسجناء المعاقبين والتي كانت تحت الأرض بطوابق لاترى النور فيها مطلقاً. كانت هذه الزنزانات تسمى ب(السواليل) لأنها سبب لمرض السل الرئوي بسبب الرطوبة والعفن. وتحول هذا السجن الذي كان (منتجعاً) إلى معتقل رهيب يفوق المعتقلات الأمنية! وفي تلك الفترة وبعد سنوات من الحرب الأمريكية على العراق دخلت حرب النظام النصيري مع الجهاديين منعطفاً جديداً. فبعد أن كان النظام يغض النظر عن المجاهدين طمعاً بالخلاص منهم وتأخير الحرب القادمة عليه بعد سقوط صدام, خضع بشكل كامل لأوامر أسياده الأمريكان! فبدأت الاعتقالات تطال كل من شارك ولو بشيء بسيط في مساعدة المجاهدين في العراق. اكتظ السجن بدعاوى العراق وطال الأمر كذلك الجماعات السلفية الدعوية التي لم تكن بمنأى عن هذه الاعتقالات. حيث كان النظام ينظر إلى كل سني أنه عدو لدود بغض النظر عن انتمائه. وزاد في حجم الاعتقالات بروز تنظيم (جند الشام ) والذي كان يسعى لعمل داخلي في سوريا. كان الجهل هو السمة الغالبة على (جند الشام) وجلهم من عوام الناس الذين لا ناقة لهم ولا جمل في التنظيمات وأغلب دعاويهم كانت تهمة التستر حيث تم اعتقال كل شخص جلس مع قادة جند الشام ولو مجرد شرب كأس شاي معه. وكان مؤسس جند الشام رجلاً بسيطاً وطيب القلب من حماه يكنى (أبو شاهر) وكانت مهنته جزاراً للإبل وكان شديد الحمية والغيرة على الدين وحلمه الثأر لمجزرة حماه وكان راقياً شرعياً مميزاً مما أكسبه شعبية كبيرة في بلده وكان صادعاً في الدعوة ومحاربة البدع فالتف حوله الكثيرون حيث تميز بكاريزما خاصة لجذب العوام فتاب على يديه الكثير منهم. وبسبب بساطته ودروشته التنظيمية وطيبة قلبه قام الأمن السياسي باختراقه عن طريق عميلين أحدهما فلسطيني والآخر من درعا حيث بايعوه ووثق بهم حيث كشفوا كل خلايا التنظيم وفي النهاية دبروا اعتقاله عن طريق دس منوم له في الشاي ومن ثم توالت اعتقالات جميع المرتبطين به. وللتنبيه، عندما استلام بشار للسلطة أراد أن يقلم أظافر أجهزة الأمن ويحد من صلاحياتهم تنفيذاً لشرط الاتحاد الاوربي من أجل الشراكة فقام جناحا المخابرات الأمن السياسي بقيادة محمد منصورة والأمن العسكري بقيادة آصف شوكت بالتنافس لتثبيت النظرية الأمنية وإفشال مشروع الإصلاح فكان باكورة الأمن العسكري صناعة المدعو محمود قول آغاسي (أبو القعقاع) والأمن السياسي العميلان (أبو أحمد وأبو خليل) وبسبب الشد والجذب بين هذين الجناحين استطاع آصف شوكت أن يقنع بشار بخطورة جند الشام ويسحب ملفهم من الأمن السياسي بعد أن كان محمد منصورة والمعروف بصفقات المصالحة وسياسة الاحتواء كما فعل بدعوة (صناع الحياة) في اللاذقية أراد أن يطلق سراح جند الشام بعد تصويرهم على التلفزيون وبث اعترافاتهم ولكن تم نقل عناصر جند الشام إلى سرية المداهمة المعروفة بالفرع (215) وهنا بدأت محنة جند الشام الحقيقية والتعذيب الشديد الذي وصل إلى حد موت أميرهم أبي شاهر -رحمه الله-. فضاعت جند الشام بين جهل أفرادها وحماستهم الغير المدروسة وكيد أعدائها وألاعيبهم المعروفة. لم تكن هناك أوامر بالعمل الداخلي في سوريا التي كانت بالنسبة لتنظيم القاعدة (أرض نصرة وعبور). كان يدرك التنظيم خطورة العمل الداخلي في سوريا لأنه يقطع الشريان الصغير الوحيد. لم تستجب بعض الكوادر العاملة لهذا الأمر حيث كانت الرغبة جامحة في العمل ضد النظام. اختلط العمل الداخلي مع العمل لخط العراق مما جعل النظام يرتاب من كل من يعمل لخط العراق، وبدأت الاعتقالات تنال الجميع و بلغت ذروتها في عام 2006- 2007 والذي شهد اعتقالات مكثفة. وأصبح السجن الذي لم يزد نزلاؤه على المئات مكتظاً بالسجناء ومن الإسلاميين فقط أكثر من 1400 كانت هناك عدة دعاوي للقاعدة من حلب (زكريا عفش) ودعوة مخيم اليرموك من الفلسطينيين. والكثير من الجهاديين كان من جماعة أبو القعقاع أغاسي الرجل المشهور والذي قتل لاحقاً بتهمة العمالة للنظام. نحن الآن وصلنا إلى نهاية عام 2007 بداية 2008 حيث امتلأت خريطة صيدنايا من السجناء.
نحن الآن في بدايات عام 2008وقد اكتملت تقريباً خارطة السجناء في هذا السجن العتيد الذي أصبح تدمراً جديداً كما قلنا، السجن المسدس كان له ثلاث طوابق وكل طابق فيه ستة أجنحة (أ يمين ويسار, ب يمين ويسار, ج يمين ويسار). وكل جناح فيه عشرة مهاجع وطوله 60 متر. خريطة السجن كانت مختلطة من سياسيين وغير سياسيين من القضائيين العسكريين والجواسيس, السياسيون كانوا من الإسلاميين وغير الإسلاميين. السياسيون من غير الإسلاميين كانوا من الديمقراطيين وجماعات حقوق الإنسان وربيع دمشق (بعضهم نصيريون وإسماعيليون) وحزب العمال الكردستاني (بككة)، من أبرز السياسيين أبو عبدو الهوى مدير مكتب عبد الحليم خدام والفارس عدنان قصار الذي اعتقل بعد فوزه على باسل الأسد في سباق الفروسية وأمضى 26 سنة. أقدم سجين في صيدنايا كان يلقب بعميد السجناء (أبو شامل) في تهمة إعداد انقلاب ضد النظام مع مجموعة ضباط عام 1980 وخرج بمرض عضال بعد 30 سنة. من أبرز الجواسيس أبو عبير تهمته تجسس لإسرائيل والمدعو أبو بكر المشهداني مقدم عراقي عميل للموساد وال c ia وخرج بصفقة مع آصف شوكت وغيرهم كثير، أما الإسلاميون فلقد كان منهم بقايا الإخوان المسلمين وأبناؤهم وأغلبهم غدر بهم النظام وأدخلهم عبر تعهدات بعد حرب العراق 2003 ثم اعتقلهم غدرا، وللعلم لم يبق من التدمريين الإخوان إلا سجين واحد والباقي كما قلنا اعتقلوا بعد عودتهم من العراق بعد ضمانات من السفارة السورية هناك ثم غدر بهم، أما السلفيون الدعويون فعبارة عن دعاة أو أناس توجههم سلفي ويوزعون كتب الألباني أو ابن باز وبعضهم لأنه وزع (حصن المسلم) ولم يكن الجهاد من منهجهم. وبعض الدعوييين اعتقلوا بتهمة توزيع أقراص cd (التصوف أفيون الشعوب) وأقراص تخص الشيعة وأغلب هؤلاء كانوا شباباً ناشئين. وكان هناك أكثر من مئة إسلامي من حزب التحرير الإسلامي وقسم لا بأس به عاد إلى صيدنايا بعد أن أخرج منها وبعضهم كان من خارج سوريا. كان من كوادر حزب التحرير دعوة ضباط انطلاقاً من منهج الحزب (مبدأ النصرة في اختراق الجيش) وتم اعتقالهم عام 1999 وحكموا 15 عاماً. وأما الجهاديون فقد كانوا هم العدد الأكبر في السجن ولكن الجهاديين لم يكونوا كتلة واحدة فقد كانوا طرائق قدداً. كانت الدعاوى الجهادية تقسم إلى تنظيمات خارجية (قاعدة وفتح اسلام) وتنظيمات داخلية (جند الشام والإذاعة وأخرى) وفكر جهادي مستقل. كانت جند الشام التي ذكرنا قصتهم الكتلة الأبرز وكان جلهم من حماه والحسكة, ومضايا وسرغايا (على الحدود السورية اللبنانية). كذلك من الدعاوى المشهورة بالعمل الداخلي دعوة الإذاعة وهم فتية صغار استهدفوا مبنى الإذاعة والتلفزيون عام 2006 وأغلبهم من عربين الغوطة الشرقية ولقد كان لحمص العدية نصيب مهم كذلك حيث كانت دعوى القمة: (التهمة: التخطيط لضرب القمة العربية المزمع عقدها في دمشق 2008). وهناك دعاوى داخلية صغيرة كدعوة دروشة وقطنا (الغوطة الغربية) والعتيبة والعبادي (قرى في الغوطة الشرقية) وغيرها من التجمعات الصغيرة. وأما دعاوى القاعدة فكما قلنا كان تنظيم القاعدة يتخذ سوريا أرض نصرة وعبور فقط (دعم لوجستي) ويمنع العمل العسكري بها. فتح التنظيم مكتب خدمات في سوريا وكان أمير دمشق وما حولها أبو مدين الفلسطيني والمعروف بأبي معاذ رحمه الله. جند أبو معاذ العشرات من مخيم اليرموك وجلهم من الفلسطينين وكثير منهم كان تابعاً للحركات الفلسطينية المعروفة ولهم خبرة في السلاح وحرب العصابات، ومن دعاوى القاعدة دعوى فواز اللبناني الذي كان مسؤول سوريا بعد اعتقال الأمير السابق مؤيد اللبناني في لبنان عام 2005. والتي كان فيها الشيخان سمير البحر وأبو العباس الشامي, وهناك دعوى أبو الحارث فرج الذي استلم أمير سوريا بعد اعتقال فواز اللبناني أواخر عام 2006، وأبرز دعاوى فتح الإسلام دعوة الـ55 (55 أخ) كان على رأسها رفيق الزرقاوي في معسكر هيرات وجبال كردستان أبو هاني الحلبي. اختلف أبوهاني مع الزرقاوي في بدايات الجهاد في العراق حول بعض المسائل المنهجية والتنظيمية وانفصل عنه ولحق بشاكر العبسي في لبنان. ومن حمص بالاشتراك مع حماه دعوى فتح الإسلام وكان جلهم من طلبة الجامعة وتهمتهم التستر ومعرفة رئيس الدعوة. ومن أبرز الدعاوي دعوى (أبوالصادق) وجلهم من الكوادر الشرعية والقيادية كان من أبرزهم الشيخ أبو حمزة الجغل وأبو يوسف البدوي رحمه الله. وللعلم فإن دعوتنا (دعوة أبو العدل) ودعوة الغاب (حسان عبود) هي من دعاوى القاعدة ولم تلتحق بصيدنايا بعد ومازلنا في الفروع الأمنية حتى هذه اللحظة، كانت أغلب المسائل محسومة عند الكثير من السجناء الجهاديين في عدم العذر بالجهل مطلقاً وكفر البرلمانيين بالأعيان وتكفير الشيعة وكفر المتحاكم، السبب يعود إلى العائدين من العراق والمتأثرين بمناخ الغلو السائد هناك حيث تبنوا حسم كثير من المسائل. وكذلك بسبب وجود طالب علم كان في أوربا من المتأثرين بأبي أيوب البرقوي منظر جماعة الخلافة التكفيرية في أوربا. قيادات القاعدة لم تدخل في هذا الجدل العقائدي وإنما كانوا ينطلقون من قضية الجهاد وأن راية القاعدة هي الأصفى ويحثون الجميع على الالتحاق بالقاعدة، بقي الأمر في السجن على هذا الجو حتى حضرت دعوة (أبو الصادق) وكان فيهم طالب علم متميز ومخضرم لقب بـ(أبو قتادة الصغير) هو أبو حمزة الجغل. أبو حمزة كان في أفغانستان وبيشاور في بداية التسعينات وكان لديه غلو واضح حتى ألف كتاباً بعنوان: كشف شبهات المقاتلين تحت راية من أخل بأصل الدين، الكتاب (كشف شبهات المقاتلين) اعتبر راية طالبان راية شركية لأنهم قبوريون وماتريدية وأرادوا الانتساب للأمم المتحدة. الكتاب رد عليه الشيخ أبو قتادة في (جؤنة المطيبين) وبعدها أصبح أبو حمزة من المحاربين للغلو بشكل كبير والمتأثرين بأبي قتادة. 38- تربى أبو حمزة على قضايا التوحيد و الجهاد منذ نعومة أظفاره و أصبح بارعاً فيها وصنف في السجن عدة مباحث في الفقه الحركي، أخذ على أبي حمزة طريقته في التأليف حيث جاء باصطلاحات جديدة في قضايا التوحيد (التبع والاستقلال) جعلت البعض يصفه بالإرجاء وكفرهم أحدهم. لم يكن أبو حمزة من تنظيم القاعدة بل كان يوجه له انتقادات عديدة منها: الغلو والتوسع بالدماء والتترس و عدم وجود منهجية شرعية واضحة له، هذا الأمر أغضب أغلب الجهاديين في السجن لأنه هاجم الأفكار والتنظيمات ولم يوفر أحداً كما يقال، رغم محاربته للغلو بقي يطرح مفهوم الراية النقية والصافية متأثراً بأحد مشايخه المعروف بأبي عبد الله المهاجر صاحب كتاب مسائل في فقه الجهاد، دخل السجن حالياً في حرب أفكار ومناهج وصراعات تنظيمية ومنهجية سنتكلم عنها لاحقاً وعن باقي مناخ السجن في الحلقة الرابعة إن شاء الله.
نحن الآن في 2008 وقد اكتملت خريطة السجناء تقريباً والتي شرّحناها في الحلقة الثالثة بشكل مركز، كما قلنا كان السجناء مختلطين مع بعضهم البعض وذلك بعد حادثة البورية المشهورة التي بيناها، الفترة من 2006-2008 كانت عصر جحيم العقوبات والمعاملة السادية من قبل قطعان الشرطة العسكرية. فبعد أن يخرج المرء من دهاليز الفروع الأمنية التي تعج بها سوريا يظن أنه قد ارتاح ليمضي مدة محكوميته ولكن!! عندما يأتي المعتقل إلى صيدنايا يتمنى لو أنه بقي عند المخابرات لسوء ما يلقاه من العذاب والإهانة والله المستعان. تقوم المخابرات بإيداع المعتقل في صيدنايا وترسل معه توصية تبين جرمه المنسوب إليه ليكون العقاب على قدر التوصية! أول ما يأتي المعتقل يرحب به جلاوزة السجن في حفلة تسمى (حفلة الاستقبال) حيث يتناولونه من السيارة بكل لهفة وشوق!! يقيد إلى الوراء وتطمش عيناه ليسير بعدها في قطار مشهور بـ(قطار الفرح والمرح)حيث يسحل السجانون المعتقلين سحلاً. يصر السجانون على أن لا يتركوا طابقاً أو درجاً إلا ويمر عليه القطار حيث يهيم المعتقلون على وجوههم المغطاة. تخيل!! تجري وأنت أعمى مقيداً لا تدري من أين تنهال عليك اللكمات والرفسات وقد تقع على وجهك فيبدأ الرقص عليك! يستمر هذا القطار السعيد! فترة قاسية تحس أنها سنوات ولا أتوقع أن تمحى من ذاكرة أحد السجناء لقسوتها. يحط القطار رحاله أخيراً في الزنزانات (السواليل) وهي تحت الأرض بطابقين ليظن المرء أن الرحلة قد انتهت، تبدأ مرحلة جديدة حيث يعرى السجين (ربي كما خلقتني) بحجة التفتيش! ولا أدري ماذا يحمل المرء معه من فرع أمني؟ لتبدأ حفلة جديدة بطلها كبل الدبابات حيث تشتهر الشرطة العسكرية بأن كبلها من إطار الدبابات (قشاط: كاوتشوك مبطن بأسلاك معدنية). حفلة الدواليب تكون حسب التوصية وأقل ما يأكله السجين مئة كبل لكي يلقى بعدها في الزنزانة وحيداً أو بالاشتراك. قد يوضع في المنفردة (180سم طولاً و بالعرض 180سم) أربع أو خمس معتقلين وأحياناً أكثر حسب عدد المعتقلين الوافدين إلى السجن. في المنفردة مسلسل الإهانات والضرب لكسر النفسيات وتحطيمها حيث يوضع مذياع الغناء الصاخب. احذر أن تهمس ولو بحرف لأنك ستكون هدفاً لهؤلاء الخبثاء ركلاً وضرباً فلا تستطيع أن تكلم حتى جارك في المنفردة. عندما تسمع صوت الأقدام عليك أن تدير وجهك على الحائط وترفع رجلك ويديك ويبدأ الضرب والشتائم. بعد أشهر من هذه المعاناة الشديدة حيث الضرب والشتم والرطوبة والعفن والجوع و البرد والخوف ينقل المعتقل إلى الأجنحة. هناك في الأجنحة تبدأ معاناة جديدة حيث يفرز السجناء إلى: عزل أول وعزل ثاني وجناح محكومين. العزل الأول هم من الذين أنهوا العقوبة في المنفردات ولم يعرضوا على المحكمة وأما العزل الثاني فهم من يكونون قيد المحاكمة. عند كل جناح مفرزة من السجانين و كرسي للدواليب حيث يحشر الموقوفون في مهجع واحد وكأنه منفردة جماعية. لا كهرباء في الأجنحة والماء بالقطارة ويكاد يبل الرمق والطعام غير قابل للاستخدام البشري. وأما الماء الساخن فهو أشبه بالمحال!! يضطر السجناء وبعد رشاوى طائلة وبالمناسبات حتى يسمح لهم بشراء ما يسمى (ندوة خارجية) ليقتاتوا من خلالها. جندت إدارة السجن الجواسيس والقضائيين العسكريين للتجسس على السجناء الإسلاميين حيث يتم نقل كل حركة. يمنع جلوس أكثر من اثنين سوية فضلاً عن الصلاة العلنية والجماعية تحت طائلة النزول إلى المنفردات والعقاب الشديد. لكن الأقسى من كل هذا إخواني هو الشتم لله وللرسول والدين والعرض حيث يتفنن السجانون أخزاهم الله بذلك. كل شئ هين إلا إذا سمع المسلم عبارات الشتم لله والرسول فلا يكاد يطيق العيش أبداً و تهون الحياة كلها ولا يقع ذاك الشتم، أخذ السجن يغلي غلياناً شديداً كالمرجل مع توقف إخراج السجناء من السجن وتعطيل المحاكمات الوهمية. من العجائب أن تفتح دعاوى داخل السجن ضد الإسلاميين بتهمة تشكيل تجمعات داخل السجن تضاف إلى تهمهم الأصلية. أبرز الدعاوى الداخلية دعوى ال33 بتهمة أداء صلاة الجماعة وتوزيع المال على الفقراء والمحتاجين من السجناء. مصادر قوة السجناء كانت هي الصبر والصلاة وتلاوة القرآن وأذكار الصباح والمساء وروح الأخوّة ووحدة الآلام والمصائب. السجن هو المدرسة اليوسفية فعلاً ويسعى السجين إلى التزود بالعمل الصالح واكتساب ما يقدر من العلم والمعرفة واغتنام الفراغ في الوقت. كانت المصاحف ممنوعة وكان السجناء يتسابقون في حفظ القرآن تلقياً من الصدور ولهم دوي كدوي النحل. بلغت المنافسة بين السجناء في مراجعة ما يحفظون أن قرأ أحدهم المصحف في تسع ساعات وبشكل عادي خمسة أجزاء يومياً للكثيرين. كانت الكتب ممنوعة وفعلاً كما قيل: فالعلم ما دخل معك السجن والحمّام وما عبر بك الوادي وعمر بك النادي وما كان حبيس الصدر. نتيجة لعدم توفر المراجع ظهرت كراسات مكتوبة متنوعة في السجن تعين السجناء على تعلم العلوم الشرعية والعربية. ظهرت عدة أبحاث ومناهج في السجن منها ما كتبه أبو طلحة الهولندي (المصطلحات الأربعة) وفيه تجسيد لعدم العذر بالجهل. برزت نبرة الغلو من خلال بحثه السابق ولكن الحق يقال فلقد تراجع الرجل في آخر سجنه وضبط أقواله على منهج السنة. ثم صنف أبو حمزة الجغل مباحثه العقائدية والتي أثار بعضها جدلاً واسعاً وبالإجمال لاقت رواجاً عند البعض لما تمثله من منهجية وترتيب. استطاع الجغل أن يقرب منه طبقة من الشباب المثقفين الحريصين على طلب العلم والذين قاموا بتبني مباحثه ونشرها. بدأ تقاذف الاتهامات بين السجناء فهذا غال وهذا مرجئ!!, وبدأت الردود المتبادلة بين الاتجاهات المختلفة. البعض وقف على الحياد وقرر أن لا يسمع هذه النقاشات التي لم يسمع مثلها في حياته حتى يخرج ويبحث. بعض المشايخ اعترض على طريقة كتابة هذه المناهج بأن كتب العقيدة المشهورة لا تحوي هذه التفصيلات التي يتداولها السجناء. كانت وجهة هؤلاء المشايخ ومنهم الشيخ سمير وأبو العباس أن السجناء أدخلوا في العقيدة ما ليس منها وعلينا العودة لصفاء العقيدة. رأى أبو العباس أن المشكلة هي في التدني الرهيب في مستويات التربية والأخلاق فكان يدرس مدارج السالكين وكان يلقبه البعض بـ(ابن القيم الصغير). لم يسمع السجناء نداءات المشايخ واستمر الجدل والتقعيد والرد والرد على الرد ودخل السجن في متاهة السجالات الفكرية. كيف أثرت هذه السجالات الفكرية على الدعاوى التنظيمية وبالعكس, وكيف انطلقت شرارة (ربيع صيدنايا) تابعونا في الحلقة القادمة.
نحن الآن على أعتاب ربيع صيدنايا وشاء الله أن تأتي هذه الحلقة في نفس التاريخ الذي تفجر فيه الربيع في 27-3-2008 قبل سبع سنوات تماماَ. تكلمنا عن المعاملة القاسية التي كان يتعرض لها السجناء من السجّانين, وكيف كانوا يجاهرون بسب الدين والرب دون أن يرجوا لله وقارا. وذكرنا واقع السجناء بين الإخوة والأمل وبين النزاع والخلاف والألم من جهة أخرى ووعدناكم بالحديث عن أثر الخلافات الفكرية والتنظيمية بينهم، فأما السلفيون الدعويون فقد كانوا ينظرون للجهاديين بكل أصنافهم نظرة عدم الثقة والطيش وقلة العلم و الوعي وحداثة السن كما هي نظرتهم الأن. وكان ينظر الجهاديون لهم أنهم مرجئة انبطاحيون متميعون لأنهم يعتبرون طواغيت العرب مسلمين وكانت هناك هوة رغم وجود علاقات عامة بين الفريقين. ولحساسية النقاشات وأثرها على تفريق الصف فلقد أصدر بعض المشايخ فتوى بتحريم الجدل نظراً لمآلات الفرقة والشقاق والتزم بها حزب التحرير فقط. كثير من الدعاوى كان يحصل داخلها نزاعات بسبب الاعتقالات حيث يتم تبادل الاتهامات حول اعترافات السجناء على بعضهم حتى وصل الأمر لإقامة محاكم شرعية. للتنبيه: فمن خلال الاستقراء فإن أكثر من 90% من الاعتقالات في صفوف الإسلاميين بسبب اعترافاتهم على بعضهم وليس بسبب شطارة المخابرات، وأنتهز الفرصة بضرورة بث مسألة تحريم الإدلاء بمعلومات تضر المسلمين لأن هذا من الخيانة ولا يُحل الضغط إعطاء هذه المعلومات للكفار والمجرمين. كما قلنا كانت هناك عدة دعاوى للقاعدة ولقد ظهر جلياً حجم الاختراق الهائل من قبل المخابرات السورية للإسلاميين والجهاديين ومنهم القاعدة. كان بدران الملقب بالحجي أو أبو عبد الله أمير الحدود على تواصل مباشر مع فرع فلسطين وقد سلم المئات للنظام والأمر موثق ومؤكد ومنهم عدة أمراء كبار، للعلم فإن بدران من قرى القائم في العراق وكان عضواً نشيطاً مخلصاً في التنظيم لكنه حديث عهد بالتزام بعد احتلال العراق. معلوماتنا تؤكد أنه تم تجنيد بدران بعد اعتقاله في فرع فلسطين عام 2005 وتهديده بأهله وإغرائه بالمال حيث خرج بصفقة ليخترق التنظيم بعدها أحد المعتقلين ممن كان في العراق أخبرني بأن التنظيم هناك كانت على علم بهذا الاختراق بسبب وصول رسائل لكن بقيت محل شك من قبل قيادات التنظيم، السبب في ذلك الثقة التي نالها بدران بعد إدخاله الزرقاوي إلى حلب للعلاج بعد إصابته عام 2005 ونقل لي أنه دار نقاش بين الزرقاوي وأبو حمزة المهاجر، رفض الزرقاوي رغم شكوك أبو حمزة المهاجر به اعتقاله متعذراً أنه لو كان بدران عميلاً لقام بتسليمي أثناء علاجي للنظام حيث أُعتبر صيد ثميناً. لم يظهر في زمن الزرقاوي أي أمارة على اختراق التنظيم واستمر توثيق بدران في العمل وحسم الأمر لصالح براءة بدران واستمر هذاالأمر حتى عام 2008، كانت اللعبة بين بدران والمخابرات السورية تقضي بالسماح (للاستشهاديين وبعض المقاتلين) بالعبور وتسليم السوريين و الكوادر من المهاجرين. النظام كان يريد استمرار العمليات التفجيرية في العراق ليبقى الوضع مرتبكاً هناك تأخيراً لضرب سوريا مع اعتقال السوريين والكوادر، تحول التنظيم إلى دولة والتي أرسلت أميرا جديدا لسوريا أولى مهامه التأكد من ملف بدران لكن بدران استطاع الإيقاع به وتسليمه للنظام عام 2007. أرسل بعض الأمراء رسالة من داخل السجن لقيادة الدولة تثبت تورط بدران باعتقالهم وهنا تحول الشك إلى يقين حول عمالة بدران أوائل عام 2008، خطورة بدران أنه من عام 2005 نسج شبكة معقدة من العملاء والتواصلات والداعمين للجهاد بالمال والرجال لم تستطع الدولة تقطيعها حتى أواخر عام2010، جنى بدران ثروة هائلة من المال تقدر على الأقل بـ 5 مليون دولار حسب أحد المصادر المقربة منه وكان يتقاسمها مع المخابرات السورية، طبعاً بدران تم قتله أو اختطافه بعد أن كشف أمره للعلن في عملية إنزال للقوات الأمريكية عام 2008 في منطقة السكرية من ريف البوكمال في دير الزور، استمر أعوان بدران من أقاربه وغيرهم بالعمل كعملاء للنظام ومع الدولة حتى كشف أمرهم وتقطعت الخيوط كاملة عام 2010 كما ذكرنا. ظهرت التباينات داخل صفوف السجناء من القاعدة حول من هو الذي يمثل القاعدة فكل جناح يدعي أنه هو القاعدة والأخر دخيل عليها، الفلسطينيون بقيادة أبي حذيفة الأردني رفيق الزرقاوي يعتبرون أنفسهم هم الممثلين الشرعيين للقاعدة ولا يقبلون الانضواء تحت قيادة أخرى و كان الفلسطينيون قوة ضاربة ومنظمة ولكن أخذ عليهم التعصب لبعضهم البعض والسعي لإسقاط كل مخالف لهم بشتى الوسائل. كان هناك جناح آخر للقاعدة يمثل الجناح الحلبي بقيادة زكريا عفش الذي يدّعي جناح الفلسطينيين أنه انشق عن التنظيم والتحق بجند الشام، وكان هناك مجموعة من عناصر القاعدة كانت تقف على الحياد وتحاول التوفيق بين المحاور لكن حسم الأمر لصالح تيار أبي حذيفة الأردني الفلسطيني، أبوحذيفة الأردني كان له رمزية عند أتباع القاعدة كسبها من تعيينه أميراً للأنبار في التنظيم و كونه رفيق المقدسي والزرقاوي في سجن الأردن. عندما بدأ أبو حمزة الجغل نشر مباحثه واصطدم مع شباب القاعدة بدأ الخلاف يأخذ بعداً عقائدياً بعد أن كان تنظيمياً وبدأت تظهر ردات فعل، أخذ قسم من العناصر يتبنى مسائل ليست من عقيدة التنظيم أصلاً كنوع من التميز عن منهج أبي حمزة مثل تكفير قيادة حماس وأعيان البرلمانيين والمتحاكمين. أقف عند هذا الحد في هذا المضمار لأتابع هذا الموضوع لاحقاً ولكني سأتكلم الآن عن أحداث ربيع 27-3-2008. بلغت النقمة لدى السجناء مبلغاً كبيراً وأصبح الموت أرحم من الذل والهوان والعذاب وبدأ السجناء يتحدثون فيما بينهم عن سبل الخلاص، بلغ استهتار العساكر وازدراؤهم بالناس أنه كان عسكري واحد يسوق عشرات المعتقلين ويسومهم سوء العذاب دون أن يلاقي أي اعتراض. في مساء 26-3-2008 والصمت يخيم في السجن والسجناء داخل المهاجع وإذ بالسجّانين يدخلون جناح (ب) يسار لإنزال بعض المعتقلين إلى المنفردات عقوبة، بعد إنزال السجناء إلى المنفردات قام رئيس الجناح من حزب التحرير وآخرون بالمطالبة بإخوانهم فقام العساكر بإنزال المطالبين إليهم وتعذيبهم. في صباح 27-3-2008تم إخراج رئيس الجناح والمطالبين من المنفردات إلى الجناح وأبقوا السابقين ورأى السجناء آثار التعذيب الشديد على أجسادهم، قرر الجناح صباحاً أن لا يستلم الطعام حتى يخرج الباقون من المنفردات فكان ردة فعل المدير النصيري (العقيد علي خيربك) أن دخل إلى الجناح مع قطعانه، بدأ العساكر إخراج بعض السجناء بشكل عشوائي (لضربهم دولاب) ومدير السجن النصيري يجلس على الكرسي متفرجاً مستهزئاً، زاد من حنق السجناء سماعهم أصوات الدولاب وصراخ إخوانهم وكان هناك رقيب نصيري اسمه أبوغدير معروف بحقده الكبير على المسلمين، وضع قدمه على رأس أحد السجناء (من دوما) والأخ يستغيث بالله (يالله!) فكان جوابه مستهزئاً (خلي ربك يجي يخلصك مني) والدولاب مستمر على الأخ وهو يكبر!، كأنك ألقيت عود ثقاب في بنزين فإذا بالسجناء المستضعفين تنطلق حناجرهم هادرة بالتكبير وإذا بالأبواب تفتح ويخرج السجناء مقتحمين على العساكر، فر العساكر مع مديرهم النصيري كالجرذان وانطلقت شرارة الثورة وتفجر الربيع الذي سنتكلم عنه بالتفصيل في الحلقة السادسة بإذن الله.
تحدثنا في الحلقة الخامسة كيف انطلق الربيع وتفجرت الثورة عقب شتم العسكري لله تعإلى أثناء ضربه لأحد المعتقلين المستضعفين وهو يستغيث بالله، أثناء (دولبة) الأخ كان مدير السجن بعنجهيته يجلس على الكرسي فاتحاً أبواب المهاجع استهتاراً ولإذلال السجناء أنهم عاجزون عن مناصرة أخيهم، كان باب الجناح مغلقاً ومدير السجن والعساكر منتشرون في (كاريدور الجناح) والدواليب تعمل بالإخوة ضرباً مبرحاً وكان الموقف عسيراً. أصعب ما في الحياة هو الإحساس بالقهر الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم فكيف وأنت تسمع ربك يشتم ويستهزأ به وأخاك يهان ويذل والعجز يتملكك، في هذه اللحظة تشعر أن بركاناً يثور داخلك والأرض تميد من حولك وتشعر بطاقة جبارة تدمر الطغيان وهنا يتساوى عندك الموت والحياة وتظن أن الأمر خاص بك، لكنك تتفاجأ أن ما يحصل معك هو نفسه الذي يشعر به كل سجين جمعك وإياه القهر والذل فينطلق البركان من اللاشعور وهو غير آبه ومكترث بالعواقب. انطلق السجناء بالتكبير أولاً في (ال (ب) يسار) على غير ميعاد بينهم (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد) فوثبوا على العساكر وخلصوا الأخ وهرب الجلادون، كان الجناح المقابل لل (ب يسار) هو ال (ج يمين) يترقب ويتابع كل خطوة عبر شبك الجناح ويتشاورون بالطريقة المناسبة لنصرة إخوانهم في (ال ب يسار)، بمجرد ما انطلقت التكبيرات ودق الأبواب في ( ال ب يسار) حتى انفجر ال (ج يمين) بالتكبير ودق الأبواب, وتكتل السجناء عند مقدمة الجناح، ولا يفصل بينهم وبين إخوانهم في ( ال ب يسار) إلا أبواب الأجنحة المغلقة والتي تطل على المسدس حيث تجمع العقيد وزبانيته محاولين التهدئة. بدأ سجناء (ال ج يمين) بهز الباب محاولين خلعه في الوقت الذي كان يقوم فيه آخرون برمي العقيد ومن معه بالأحذية والبندورة والباذنجان فنزلوا، تمكن السجناء بفضل الله من خلع باب ال(ج يمين) وباعتراف الحداد الذي أصلحه لاحقاً قائلاً لا أصدق كيف خلع هذا الباب وهو يحتاج إلى تركس لخلعه! شئ أقرب للمعجزة وهي في عقيدتنا الكرامات وإذا بالمستضعفين يملؤون الممرات والمسدس متجهين إلى إخوانهم في (ب يسار) وخلعوا الباب وتلاقى الجناحان، كان مشهداً مؤثراً لا ينسى أن يتلاقى الأخ وشقيقه والأب وابنه بعد أن فرقت بينهم القضبان لثلاث سنوات ولم يسمح لهم أن يجتمعوا في جناح واحد. تفاجأت إدارة السجن مما حصل و حاولت تهدئة الأمر دون جدوى فلاذوا بالفرار إلى المبنى القريب وسلطوا العسكريين الفرارية للتصدي للسجناء، انقسم السجناء إلى قسمين الأول: صعد إلى السطح والثاني بدأ معركة بالحجارة مع (الفرارية: وهم عساكر معتقلون بتهمة الفرار من الخدمة الإلزامية)، لم تجدِ محاولاتهم ولا الغاز المسيل للدموع وسيطر السجناء على الطابق الثاني وهرب (الفرارية) إلى الطابق الأول وسقط الطابق 2 وال 3 والسطح كاملا، كان بعض السجناء وخاصة من المحكومين ممن اعترض على هذه الطريقة وخاف من المآلات لكنهم لم يستطيعوا إيقاف هذا السيل الهادر وفتحت جميع الأجنحة، انكسر حاجز الخوف وحصلت الانتفاضة وتفجرت الثورة ويسميه الناس (الاستعصاء) وأحس السجناء لأول مرة بطعم الحرية منذ عقود مديدة، تنسم السجناء نسائم الربيع العربي قبل سنوات من تفجره وكأن الناس في حلم, لحظات لا توصف بعد الاستبداد والقمع حتى لم يكن أحد منا يصدق ما حدث، سارعت أجهزة الأمن إلى محاوطة السجن عبر عدة أطواق أمنية حيث لم تعد الشرطة العسكرية قادرة على ضبط الأمر الذي خرج عن السيطرة. رفض السجناء كل المحاولات لنزولهم عن السطح ودخول المهاجع مما اضطر النظام لإرسال اللواء سعيد سمور (وهوسنّي من جبلة) نائب رئيس المخابرات آصف شوكت، لجنة النظام بالإضافة إلى سعيد سمور مؤلفة من ضابط في القصر الجمهوري وممثلٍ عن المخابرات الجوية وآخر عن الأمن السياسي وآخر عن مكتب الأمن القومي، لأول مرة في تاريخ سوريا الحديث يحضر مسؤول رفيع لأجل المفاوضات مع السجناء الإسلاميين وتم تشكيل لجنة من بعض الشخصيات البارزة من السجناء، كانت اللجنة برئاسة الشيخ الجليل سمير البحر (وهو من مدينة جبلة) وكان مقعداً على الكرسي ولكنه كان متفوهاً وصادعاً بالحق لا يأبه النظام، لدرجة أنه قال له عضو في لجنة النظام متى ستتحول يا بحر إلى نهر!! فرد عليه بكل عزة بل سأتحول إلى محيط هادر يجتاح الظلم والطغيان. بدأت اللجنة بالمفاوضات وأخذت تشرح معاناة السجناء والقهر والظلم ومنع الزيارات والمحكوميات وقلة الطعام والشراب والكهرباء وسوء المعاملة، لكن الأهم في المفاوضات كانت مسألة (حرمة الدين) قال المفاوضون: نحن اعتقلنا لأجل ديننا ولا نقبل أي مساس بديننا وعقيدتنا وربنا ونبينا وصلاتنا. أفحم أحدهم المفاوض عن النظام فقال: لقد خرجت في سوريا مظاهرات بسبب الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يشتم فيه الله جهرة! أخرس المفاوضون لجنة النظام الذين أحسّوا بمشروعية المطالب وقال سمور لأول مرة نحن نطلع على واقع السجناء وأنا ممثل للرئيس مباشرة ونعترف بتقصيرنا، شاء الله أن تنفجر أحداث ربيع صيدنايا في وقت انعقاد القمة العربية في دمشق عام 2008, مما شكل ضغطاً على النظام الذي اندهش من التوقيت. تعهد سعيد سمور بتلبية كل مطالب السجناء المشروعة واعتبر في تقريره أن الشرطة العسكرية ومدير السجن (علي خير بك) هم المسؤولون عن الذي جرى. أثناء المفاوضات أراد (علي خير بك مدير السجن) الكلام والدفاع عن نفسه فأخرسه سعيد سمور قائلاً له (كل البلا منك) وكانت إهانة له أمام السجناء، طلب سعيد سمور من السجناء العودة إلى المهاجع والنزول من على السطح ووعد بأن يلبي كل الطلبات بالسرعة القصوى وقال أنا اكفل لكم ذلك شخصياً. أحست لجنة المفاوضات بجدية سعيد سمور ووافقت اللجنة على الدخول إلى الأجنحة بشرط بقاء أبواب المهاجع مفتوحة وإغلاق أبواب الأجنة فقط. تم إقناع السجناء بالنزول من السطح والدخول إلى الاجنحة رغم سجالات واعتراضات كثيرة خشية الغدر والخيانة من إدارة السجن، لم يكن لدى السجناء خيار آخر واقتنعوا بالدخول للأجنحة قائلين إن غدروا بنا سنعيد الكَرّة ونخلع الأبواب من جديد بعد أن كسر حاجز الخوف.. بقيت المهاجع مفتوحة ثلاثة أيام كان السجناء يتناوبون بالحراسة واختلطت مشاعر الفرح مع التوجس وترقب المجهول خشية الغدر والخيانة، أحس السجناء بتغير ملحوظ إيجابي في معاملة السجناء وبدأ شعور الخوف من الغدر يتبدد مع الأيام وتزداد الطمأنينة مع تحسن المعاملة، فتوقف شتم الله والتعرية أثناء النزول للمحاكم و المشافي وإخراج جميع من في المنفردات إلى الأجنحة وتم عزل الرقيب (أبو غدير) تلبية لمطالب اللجنة، أخذ السجناء يجهرون بالأذان ويقيمون صلاة الجماعة جهرةً وأمّنت المصاحف للسجناء وسمح بشراء الخضار والمواد الغذائية من الخارج وفتحت الزيارات بين الأجنحة وبدأت إرهاصات تسريع المحاكم وتم طرد الجواسيس والقضائيين من داخل مهاجع الإسلاميين وتنفس السجناء الصعداء، أحس السجناء بطعم الحرية وتنشقوا نسائم العزة وأصبح السجين الإسلامي يعتز بدينه بعد أن كان مقهوراً وانقلب السجانون أذلاء صاغرين. وصلنا الآن إلى تاريخ 1/6/2008 حيث وفّى سعيد سمور بوعده بفتح زيارات الأهالي للسجناء جميعاً وسط فرحة عارمة وشعور بالانتصار. في الحلقة القادمة نتكلم عن الفترة ما بعد الزيارات حيث اتسمت هذه الفترة بما يطلق عليه في السجن مرحلة ( الفوضى الخلاقة).. تابعونا..
الحديث عن فترة بعد 1-6-2008 والفوضى الخلاقة. تكلمنا في الحلقة السادسة عن الربيع و الإنتصارات الكبيرة التي تحققت بعد ثورة السجناء و كسر حاجز الخوف وكيف بدأ جني المكاسب، تتوجت الانتصارات والاصلاحات بفتح الزيارات في 1-6-2008 لجميع السجناء بعد أن كانت ممنوعة إلا عن المحكومين وبرشاوي وترتيبات معقدة، الشرطة العسكرية وإدارة السجن متمثلة بالنصيري العقيد علي خير بك أحسوا بأنهم وقعوا ضحية لجنة النظام المرسلة من قبل بشار الاسد. كان الصراع على أشده بين ما يسمى الحرس القديم متمثلاً بآصف شوكت رئيس المخابرات العسكرية وآخرين و الحرس الجديد متمثلاً ببشار الأسد. استغل بشار قضية السجن ليلوي ذراع المخابرات العسكرية حيث كان كل فريق يريد أن يضحي بالآخر في قضية محكمة الحريري، أخذ بعض السجناء يتمادى ويتجاوز في وقت الزيارات أو التنفس أو التنقل من جناح إلى جناح ووصل الأمر لدرجة إهانة السجَانين وربما ضربهم، وصل الأمر إلى درجة إهانة العساكر أمام الأهالي ورفض العودة إلى المهاجع والتنقل من جناح إلى جناح دون مراعاة لأنظمة السجون المعروفة، طلبت إدارة السجن من السجناء الالتزام بنظام السجن وعدم تجاوز السقف المطلوب وبلّغت لجنة المفاوضات بهذا الأمر مهددة ب(الفوضى الخلاقة). هدد (خيربك) بالفوضى الخلاقة قائلاً للجنة: لن ألزم السجناء بشيء ولكني سأقوم بتصوير المخالفات وإرسالها للقيادة لوضعها بصورة الأمر، كان خير بك قادراً على ضبط الأمور ولكنه أرخى الحبل تمهيداً للانتقام وأحست لجنة المفاوضات بأن هناك مقلباً ومؤامرة خبيثة تتحضر للسجناء، ترك خير بك السجن يعيش في فوضى يسميها بالخلاقة طالباً من لجنة المفاوضات ضبط الأمور وكان مقصده ضرب اللجنة بالسجناء. بدأت حملة إسقاط للجنة المفاوضات بحجة أنها أصبحت هي إدارة السجن مع أن الهدف كان حماية المكتسبات التي حققها السجناء بعد ربيع 27/3. بدأت لجنة المفاوضات حملة توعية للسجناء بالمؤامرة التي يحيكها علي خير بك واستغلها الخبيث نفسه ليقول للقيادة هؤلاء لا يسمعون حتى لمشايخهم! أصبح السجن وكأنك في سوق أو خان يخرج السجناء متى يريدون ويعودون متى يريدون ولم يعد هنالك أي نظام حقيقي في السجن. أسكرت نشوة الربيع الكثير ممن أخذوا يفكرون في ما بعد السجن وحصلت الفوضى الخلاقة التي بشر بها (خيربك) وأخذ يرفع التقارير والفيديوهات للقيادة، كانت السمة العامة لثورة 27-3-2008هي الشعبية بعيداً عن الأدلجات والمناهج لرفع الظلم والقهر والاستعباد ولذلك حققت الكثير من المكاسب. كان الجهاديون مثلهم مثل باقي أطياف الثورة ولم يتميزوا عن باقي المشاركين بل ربما تأخر بعضهم عن اللحاق بركب الثورة لاعتبارات عديدة. بعد رؤية هذه المكاسب الثورية بدأ الجهاديون يتصدرون المشهد في السجن وأخذت أنظارهم تتجه خارج السجن.، قالوا طالما أن الوضع بهذه الطريقة فمن الممكن تحين الفرص والتخطيط للهروب من السجن لإكمال مسيرة العمل الجهادي في الخارج. بدأت تتشكل تحالفات جديدة وتحزبات وتكتلات بغية تنسيق العمل والدفع بالامور بهذا الاتجاه الخطير ولكنها بقيت محصورة في نطاق ضيق، بدأت تتسع الهوة بين عوام السجناء ممن يهمهم تحسين ظروفهم الحياتية ريثما يخرجون وبين البعض ممن بدأ يفكر بعيداً خارج السجن، كثرت الإجتماعات بسبب انسيابية التنقلات بين الأجنحة وبدأت الأمور تتفاعل شيئاً فشيئاً وتصدر المشهد هنا أبو حذيفة الأردني، كان أبوحذيفة الأردني في سجن عدرا ومحكوماً (15سنة) وتم سحبه إلى فرع فلسطين مع مجموعة سجناء على رأسهم (المدعو نديم بالوش). المدعو نديم بالوش من اللاذقية وهو شخص مثير للجدل تحول لاحقاً إلى عميل لآصف شوكت وسيأتي تفصيل ذلك والآن مبايع لداعش. سبب تحويلهم هو أن قام بالوش بإدخال جوال عبر رشوة أحد السجانين ثم كشف أمر الجوال فقاموا بعقوبتهم وتحويلهم لصيدنايا في 10-4-2008، تم كشف أمر الجوال عندما قام أبو حذيفة بالاتصال بأحد قيادات التنظيم في العراق الذي كان هاتفه مراقباً من قبل الأمريكان، قامت المخابرات الأمريكية بإبلاغ النظام السوري أن هناك إشارة اتصال خرجت من منطقة عدرا إلى أحد الهواتف المراقبة من قبلنا في العراق، قامت المخابرات السورية بمراقبة الاتصالات التي تخرج من سجن عدرا وعلموا أن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يتواصل هو أبو حذيفة، قاموا بتفتيش المهجع فجأة وعثروا على الجوال وفتحوا تحقيقاً في ذلك انتهى بمعاقبتهم وإحالتهم إلى سجن صيدنايا العسكري (سركلة)، بدأ أبو حذيفة الأردني يجمع حوله من كانت تهمته قاعدة العراق وكان أغلبهم من الفلسطينيين الذين تحدثنا عنهم سابقاً، ذكر أبو حذيفة كلمة خطيرة تبين فقه المصلحة عند تنظيم الدولة بأنه لا مانع من مقتل 200سجيناً مقابل إخراج 15 قيادياً من الأسر، أثارت هذه الكلمة حفيظة الكثيرين وطالبوا بمحكمة شرعية لأبي حذيفة وتصدر المطالبين شخصان هما: أبو خالد الكندي وأبو حمزة عتابة. عقدت محكمة لأبي حذيفة في المهجع الأول من ج يمين 3,حيث أنكر بداية وتفاجأ بإدخال الشهود مما اضطره للإقرار واستغفر الله وتاب من ذلك الفعل، تم التستر على هذا الأمر خوفاً على سمعة التنظيم مما اضطر المخططين لإلغاء فكرة الهروب من السجن في حينها. أخذت الخلافات التنظيمية والمنهجية تطفو على السطح أكثر وأخذ يحاول كل طرف الاستفادة من الربيع لمصلحته التنظيمية الخاصة، من ضمن الجهاديين اتهم فريق القاعدة تيار أبي حمزة الجغل (الجغليين) بأنهم يدعمون الجيش الإسلامي في العراق، تم نقل صراع الساحات إلى داخل السجن بين الجهاديين أنفسهم وتقاذف الاتهامات بين مرجئة الجهاد(الجغليون) والغلو(قاعدة العراق).، تاه عوام السجناء البسطاء في سوق المناهج والأدلجات حيث يحاول كل فريق استقطاب ما يمكن استقطابه من هؤلاء العوام المساكين!! من المؤكد حصول تعاهدات و بيعات سرية بين البعض من الجهاديين لضمان استمرار التنظيم في الداخل والخارج، استغل خير بك مع قيادة الشرطة العسكرية هذا الوضع المضطرب وتحققت الفوضى الخلاقة التي بشر بها الخبيث منذ أسابيع، استطاع خيربك أن يقنع مكتب الأمن القومي بأن الإسلاميين لا يستحقون الاصلاحات ولا بد من سياسة الحزم، أرسل علي خير بك تقارير كثيرة إلى الأمن القومي يبين فيها بالصور والوثائق الفوضى العارمة التي أصبح يعج بها السجن، خوّف خير بك قيادته من نوايا السجناء الهجوم على إدارة السجن وقال لهم أنه يضعهم بخطورة الموقف الذي لا تحمد عواقبه. في خطوة لتصعيد الموقف قام خير بك بتجهيز باب ثاني لكل جناح قائلاً بشكل علني لن نستطيع إيقاف العصيان القادم، مهمة الباب الثاني حسب كلام خير بك هو تأخير الثورة والعصيان لمدة ربع ساعة لكي يتسنى له فيها الهروب من السجن فقط. هذا الأمر أثار القلق في نفوس الكثيرين, وعزز فكرة ثورة جديدة ورسخ النشوة عند آخرين الذين ازداد عندهم اليقين بالنصر، بثت إدارة السجن إشاعة بأن هناك عفو شامل سيحصل في الشهر السابع 2008 ولذلك فلا حاجة لضبط السجناء لأن وقت الخروج قريب. كثرت الكلام عن 17-7-2008 ذكرى استلام بشار للسلطة وكل ما تتكلم بأمر أو تطلب طلب من السجن يقولون لك (مو حرزانة) أيام وتنتهي، أثار هذا الأمر تفاؤلاً لدى البعض وقلقاً لدى القليل من السجناء الذين أثار حفيظتهم تكرار هذا الموعد بشكل مريب يبعث على الحذر، طبعاً أخذ بعض السجناء احتياطياتهم وتجهزوا للأسوأ واتفق الجميع أن مجرد سماع أصوات التكبير يعني إشعال الثورة من جديد، كانت كلمة السر للسجناء هي سماع أصوات التكبير وبمجرد سماعها يعني أنه حصل الهجوم فعلى باقي الأجنحة المؤازرة، ليلة السبت 5/7/2008 شوهدت سيارات كبيرة تدخل إلى داخل السجن ولكن لم يشاهدها إلا الجناح المطل على باحة السجن، في نفس الليلة حضر العساكر وأخذوا يتفقدون أبواب المهاجع مع سماع أصوات طقطقة لأقفال جديدة، في صباح 5-7-2008 الساعة السادسة كنت جالساً في المهجع بعد صلاة الفجر أقرأ أذكاري وأغلب الإخوة نيام، فجأة وإذا بنا نسمع أصوات تكبير وكذلك أصوات دق عنيف للابواب أيقظ النيام وصوت ركض شديد في الأجنحة، نحن الآن على وشك انفجار هائل في السجن يفوق ما حصل في الربيع إنه انفجار 5-7-2008 وبداية الثورة المسلحة الذي سنتكلم عنه في المرة القادمة
تكلمنا سابقاً عن الإرهاصات التي سبقت اندلاع الثورة المسلحة في 5-7-2-2008 والتي عبرنا عنها بمرحلة الفوضى الخلاقة التي استُجِر لها السجناء، استطاع العقيد علي خير بك مع قيادة الشرطة العسكرية أن يستصدر أمراً من مكتب الأمن القومي بتأديب السجناء الخارجين عن النظام حسب زعمه!، كانت الخطة المرسومة تقضي بتحويل السجن إلى سجن تأديبي رهيب للأغلبية وتحويل300 سجين إلى سجن تدمر المغلق منذ سنوات، طبعاً تفاصيل هذه الخطة عثر عليها في مكتب مدير السجن لاحقاً مطبوعة وتحوي تفاصيل كاملة لخطة تأديب السجن ومصادقة من قبل مكتب الأمن القومي. تنص الخطة على وضع عشرة سجناء فقط في كل مهجع وتربيطهم من الخلف بقيود بلاستيكية (أمريكية) أحضروها معهم وذلك لسهولة السيطرة عليهم، وبعد ذلك يمنع السجناء من الطعام والماء لمدة ثلاثة أيام وبعدها يرش الطعام على بلاط المهجع وينحني السجناء كالدجاج لنقر حبات البرغل والرز!! طبعاً والدواليب ستعمل ليل نهار ويبقى هذا الحال كمدة أقصى ستة أشهر خلالها يخفف مدير السجن كما يريد حسب تحقق نجاح التأديب، كذلك تتضمن الخطة قراراً بوقف الزيارات أثناء العقوبة ونزول المحاكم وفتح دعاوى جديدة لأعمال الشغب كما يسمونها في 27\3\2008 . في صباح 5-7-2008 وبعد صلاة الصبح دخلت أعداد هائلة من الشرطة العسكرية حوالي 3000 عسكرياً دخل منهم إلى داخل السجن 1600 عسكري، تم حشد هذا العدد الهائل لكي يتم الدخول إلى الأجنحة في وقت واحد ومتزامن لمنع مؤازرة السجناء لبعضهم البعض ولضبط أي طارئ محتمل، بالفعل تم تخصيص 200 عسكري لكل جناح تقريباً وبدؤوا بالدخول إلى المهجع الأول من كل جناح ومعهم الهراوات والقيود وهنا حصلت مفاجأة كبرى! فلقد كانت ردة فعل السجناء سريعة جداً بسبب التهيؤ النفسي للغدر والانتقام المحتمل حيث اشتبك السجناء مع العساكر وبدؤوا بالتكبير ودق الأبواب، استجاب السجناء للتكبير حيث هو كلمة السر فأخذوا يكبرون جميعاً وعلا صوت دق الأبواب وحدث أمر غيّر سير المجريات على أرض الواقع!!، توجه السجناء إلى أبواب المهاجع محاولين خلعها مستعينين بباب الحمام ولكن دون جدوى وهنا انقدحت في بال أحدهم فكرة رهيبة!! خلال هذه اللحظات العصيبة حيث يتوقف الزمن وترى الموت أمام عينيك والقنابل الدخانية ترمى داخل المهاجع ومع فشل خلع الباب تم الآتي: نظر السجناء إلى أضعف نقطة في المهجع فوجدوها في الجدار فبدؤوا تكسير الجدار الذي لم يصمد طويلاً حتى انهار قسم منه أمام ضربات البواري، تم إحداث فوهة في الجدار الأخير المطل على الجناح وكل مهجع فتح فوهة إلى الأخر فالثاني فتح على الثالث, والثالث على الرابع وهكذا حتى العاشر، أما المهجع الأول فكان الضرب والتعذيب يعمل بهم حسب الخطة, ولكن بعد فتح الفوهات بين المهاجع أصبح الجناح كتلة واحدة ماعدا المهجع الأول. استغرق فتح الفوهات 15 دقيقة بعدها خرج السجناء من الفتحة الأخيرة المطلة على الجناح وقاموا بالإلتفاف على العساكر وهم يحملون العصي والبواري. تم محاصرة أغلب العساكر الموجودين الذي وقعوا ضحية الحرب النفسية التي رهبهم بها النظام من أن هؤلاء السجناء تكفيريون وقتلة!!، وقع في قبضة السجناء حوالي 1250 عسكري كأسرى بينهم ضباط ورقباء ومساعدين كان من أبرزهم ضابط أمن السجن الرائد منذر وهو نصيري، كذلك المقدم مدين من الشرطة العسكرية وأربعة صف ضابط برتبة مساعد أول ومجموعة من الرقباء أبرزهم الرقيب النصيري ربيع الملقب (الضفدع). أخذ السجناء بعض الجوالات من الأسرى وقاموا بالاتصال بالقنوات والإذاعات المشهورة ومن أبرزها اتصال الأخ الحموي وائل الكبيسي مع الBBC. وقع المحظور في عرف النظام الحديدي ومرغ أنفه بالتراب وسقطت هيبته وانتقل الصراع ليصبح على سمع العالم وبصره في حالة تاريخية نادرة. حاول النظام أن يعيد السيطرة على الوضع واستجلب قوات مكافحة الإرهاب (لباس أسود) التي حاولت اقتحام السجن من جديد وضبط السجناء مرة أخرى. تصدى بعض السجناء وجلهم من الجهاديين لهذه المحاولة وأفشلوها وأوقعوا إصابات خطيرة في صفوف المهاجمين الذين ردوا على أعقابهم. أمطر النظام السجن بالقنابل المسيلة للدموع بشكل هائل مما اضطر السجناء للصعود إلى السطح خوفاً من الاختناق، بعد فشل النظام في ذلك بدأ بإطلاق النار بشكل عشوائي في الطابق الأرضي وعلى السطح مما أوقع بداية ستة شهداء من الإخوة السجناء، كان من أبرزهم زكريا عفش (حلب) وعبد الباقي قطب (بنش), ومجد مجاريش (درعا) وأبو هاجر مهند (دير الزور) ووائل الخوص (الزبداني) رحمهم الله. هنا تحول السجن إلى خلية نحل بين مسعف ومقاتل وراصد وإعلامي ومغيث وخدمي ومطعم لأخيه الكل يحضن الكل, وذابت كل الخلافات.كان الرعب والهلع مسيطراً على الأسرى خوفاً من قتلهم كما كانوا يغسلون أدمغتهم ووصل الأمر إلى درجة البكاء والصراخ والعويل والإستغاثة. أرسل النظام تعزيزات عسكرية وضرب عدة أطواق أمنية وقام بقطع الاتصالات الخلوية ووجه الدبابات باتجاه السجن، وقع أكثر من خمسين جريحاً من السجناء من بينهم حوالي العشرين إصاباتهم خطيرة جداً في الرأس والبطن والصدر، استمر اطلاق الرصاص كزخ المطر على السجناء واستخدمت مضادات الطيران وبدأ الطيران الحربي بالتحليق فوق السجن. هنا انقسم السجناء إلى قسمين قسم نزل إلى الطابق الأرضي بعد تحريره وفيه مكتب مدير السجن والملحق الإداري وكله تمت السيطرة عليه، وقسم آخر صعد إلى السطح وأخذ معه العساكر والضباط هروباً من الغازات وللضغط على النظام لوقف رمي الرصاص الحي على السجناء، من شدة الهلع قرر بعض العساكر القفز من على السطح وسقطوا جثثاً هامدة بعد ملامسة الأرض بسبب التكسر والرضوض، كان هناك ضابط نقيب اسمه عماد طلاس قال أنزلوني مع الشيخ سمير وأنا أوقف رمي الرصاص عليكم ووافقنا على ذلك، كان في ساحة السجن بالخارج ممثلين عن المخابرات والشرطة العسكرية وقوات مكافحة الإرهاب وأثناء كلام الشيخ سمير مع العميد حسن دياب، حدث خلاف بين المخابرات والشرطة العسكرية أدى لاشتباك بالذخيرة الحية بينهما وهنا هرب حسن دياب وأَسر الشيخ سمير بعد أن سُحل على الأرض. أثناء الاشتباك بين جناحي النظام استغل بعض السجناء من الطابق الأرضي الموقف وخرجوا مسرعين إلى ساحة السجن وحدث اشتباك بالأيدي مع قوات النظام، بعد نهاية الاشتباك قسم من السجناء أًسر وقسم عاد للطابق الأرضي وأغلقت الأبواب بإحكام منعاً من اقتحام السجن من جديد. هنا نادى الشيخ سمير وهو مأسور عبر مكبرات الصوت السجناء مطالباً بتسليم الأسرى حقناً للدماء وكان صوته متألماً وغير راضٍ. فهم السجناء حالة الشيخ سمير وهدد أحد أعضاء اللجنة (التي شكلت لاحقاً) العميد نعمان الخطيب قائد الشرطة العسكرية بأنه إذا لم يتوقف الرصاص، سيتم قتل الضباط ورميهم من السطح وهنا أخذ النظام الأمر على محمل الجد وأرسل لجنة جديدة للمفاوضات من قبل بشار مباشرة، هنا هدأت الأمور وتوقف رمي الرصاص والغازات وطلبوا منا تشكيل لجنة للمفاوضات مع النظام وكانت لجنة سداسية، حضر وفد كبير من قبل النظام بقيادة اللواء منير أدنوف نائب رئيس هيئة الأركان مع العميد حسن دياب رئيس فرع المنطقة للملمة الموقف المتفجر، هنا وصل الوقت قرابة الظهر والسجن أشبه ببناء متعرض لهزة أرضية: الأبواب مخلوعة والجدران متصدعة والنوافذ مكسرة ولم يبق شيء مكانه، وصل عدد القتلى حتى هذه اللحظة إلى 20 أخ كلهم من الإسلاميين وعدد الأسرى من السجناء إلى 30 أسيراً بعضهم جرحى، نقف هنا حيث بدأت مرجلة جديدة هي مرحلة المفاوضات التي سنتكلم عنها بشكل مفصل في الحلقة القادمة إن شاء الله.
تكلمنا في الحلقة السابقة عن اندلاع الثورة المسلحة في 5/7/2008بعد أن قامت الشرطة العسكرية بمداهمة السجن بغية التأديب كما زعموا، نتج عن هذا الهجوم 20 شهيداً من الإخوة السجناء وأسر أكثر من 30 أخاً, ودخل الإعلام في المعركة بعد اتصال السجناء بالقنوات والإذاعات، اضطر النظام لإرسال لجنة للمفاوضات بقيادة اللواء منير أدنوف نائب رئيس هيئة الأركان بعد التهديد بقتل الأسرى ووصول الأمر للإعلام. صراع أجنحة النظام بين الحرس القديم والحرس الجديد ومحكمة الحريري وخوف كل طرف أن يضحى به أجبر النظام على التعاطي بالتفاوض، من الأمور التي اضطرت النظام للتفاوض هو زيارة بشار الأسد المرتقبة لفرنسا بعد أيام حيث يحاول النظام تلميع صورته أمام رئيس فرنسا ساركوزي. اعتبر النظام توقيت الأحداث محرجاً له وخشي فعلاً أن يتم إلغاء الزيارة وهذا ما طالبت به المنظمات الإنسانية الحقوقية في العالم وفي فرنسا خاصة. الغرب المنافق والساقط كعادته وتحقيقاً لمصالحه الأنانية غض النظر عن هذه المجزرة الدموية كما غض النظر على مذبحة تدمر التي ارتكبها حافظ، كان وفد النظام رفيعاً تكون من اللواء منير أدنوف الذي ترقى إلى عماد لاحقاً, واللواء فايز حاج صالح نائب رئيس شعبة التنظيم والإدارة في الجيش، وكذلك العميد حسن دياب رئيس الفرع الأمني الشهير بفرع المنطقة واللواء نعمان الخطيب قائد الشرطة العسكرية. كذلك جمع هائل من ضباط الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وضابط رفيع المستوى من القصر الجمهوري كان له شأن خاص لا يبرمون أمراً بدونه! شكلت لجنة مفاوضات من قبل السجناء كانت من سبعة أشخاص وتم اختيارهم كممثلين عن أطياف السجناء وتياراتهم، كان اختيار اللجنة عفوياً إثر اندلاع الأزمة حيث تداعى قيادات السجن للإجتماع في أحد المهاجع وفوضوا هؤلاء النفر السبعة لهذه المهمة العسيرة، من أبرز أعضاء لجنة المفاوضات كان الشيخ سمير البحر وكان ممثلاً لأغلب السجناء كونه كان من أبرز مفاوضي اللجنة السابقة في 27/3/2008. رشح أبوحذيفة الأردني وفواز اللبناني (قيادات من القاعدة) من قبل الجهاديين, ومن حزب التحرير كان اثنان: أبو بلال اللبناني والضابط، أبو سليمان من اللاذقية, ورشح أيضاً حسن صوفان أبو البراء من اللاذقية من دعوة أبي الصادق, والسابع كان الشيخ أبو العباس أبوالتوت. كان الترتيب أن يبقى الشيخ أبو العباس في الأعلى مع السجناء لا ينزل إلى لجنة النظام وحظيت هذه اللجنة بشبه إجماع بين السجناء، كان وجود أبوحذيفة الأردني عامل اطمئنان لدى الجهاديين لضمان قوة المفاوضات وفي نفس الوقت كان مثار قلق لدى البعض، لكن اللجنة كانت تضع لنفسها أهدافاً عامة متفقاً عليها وهي الخروج من هذا المأزق الخطير وحقن دماء السجناء والحفاظ على المكتسبات السابقة. شكل هذا الأمر انطلاقة جيدة للعمل حيث تم الاستفادة من طاقات الجميع لانجاح المفاوضات وتبادل الأدوار بين شد وجذب لتحقيق التوازن المطلوب، كانت المفاوضات عسيرة فأنت تفاوض نظاماً شرساً معروفاً بإجرامه وعتوه ولا تنسى أنك أسير مستضعف ولكن اللجنة تعاملت بقوة سياسية مذهلة هجومية! كانت اللجنة تدرك أنها ستهاجَم بقوة ولذلك فالهجوم هو خير وسيلة للدفاع وما إن نزلوا للتفاوض حتى وقع بالفعل ما توقعته اللجنة. كان التفاوض يتم في خيمة بين السجن وقوات النظام (وهذه نقطة قوة للسجناء) وكانت لجنة النظام على اتصال ساخن عبر الرباعي مع مكتب الأمن القومي. هناك في مكتب الأمن القومي كان آصف شوكت وحسن التركماني وهشام البختيار يديرون التفاوض وقد أهلكهم الله لاحقاً في الثورة جميعاً، كان الجزاء من جنس العمل والله يمهل ولا يهمل, حيث قتلوا جميعاً في تفجير خلية الأزمة في دمشق عام 2012 وذلك جزاء أكابر المجرمين. أخذ النظام يهدد بالطيران والدبابات واتصل العماد حسن التركماني باللجنة معطياً أمراً بتسليم الأسرى والدخول للمهاجع فوراً وإلا، قال حسن دياب ليس عندنا مشكلة فنجعل من صيدنايا كالمسجد الأحمر في باكستان أو مسرح موسكو باستعمال السلاح الكيماوي الفتاك!! كانت صدمة مروعة فعلاً ولكن أباحذيفة قال بقوة لقد أعطيت السجناء مهلة دقيقتين فإن لم أحضر إليكم فقدموا رؤوس الضباط من النوافذ!! انقلب النظام من الهجوم إلى حالة الاستجداء وطمأن اللجنة وتغيرت لغة الخطاب وطالبوا أبا حذيفة بالعودة فوراً لطمأنة السجناء. تم ذلك وأدرك النظام أنه لا يخوض مفاوضات عادية وفرض أمر واقع بل أنه يتعامل مع ند قوي شرس لا يستسلم بسهولة، أدرك النظام أنه لا بد من التدرج مع السجناء وأنه لا يمكن له الحصول على ما يريد دفعة واحدة وأخذ نفساً طويلاً، واللجنة كذلك وقعت بين مطرقة النظام وسندان السجناء الذين غاب عن حس الكثيرين منهم أنهم سجناء مستضعفون، اللجنة تعلم أن النظام مهما تنازل وقدم فهو لن يقدم الكثير والتصادم سيؤدي إلى مزيد من الدماء وفرض رؤية النظام في النهاية. وكانت اللجنة تدرك أن مايمكن تحقيقه قد لا يرضي الكثير من السجناء الذين تحولوا إلى ثوار أحرار من الصعوبة بمكان احتواؤهم، على كل بدأت الأمور وطالبت اللجنة بتطمينات تبين صدق النظام ولا سيما أنه غدر وهاجم السجناء في 5/7/2008 بعد وعود اللواء سعيد سمور. تم التوافق بين اللجنتين على ورقة عمل مشتركة تقضي بعودة السجن تدريجياً إلى نظامه المعروف وتسليم الأسرى والدخول للمهاجع. مقابل أن يقوم النظام بخطوات تطمينية بإرجاع قواته للوراء وتزويد السجن بالطعام والمياه والكهرباء ووعود بالإصلاحات وتحسين المعاملة، والأهم هو تعهد النظام بعدم محاسبة السجناء على الأحداث وطي الصفحة الماضية وعودة الأمور إلى سابق عهدها انتهاء بفتح الزيارات لأهالي السجناء، كبادرة حسن نية من قبل لجنة السجناء قاموا بإنزال الأسرى الجرحى من العساكر وسلموهم للنظام خشية موتهم بين أيدينا، كان ملف الأسرى شائكاً للغاية وخشيت لجنة السجناء أن يستخدم هذا الملف كذريعة من قبل النظام لاقتحام السجن. كان أغلب الأسرى من العساكر من أبناء السنة فالخاسر من هذا الاقتحام سيكون هم السنة وهذا سيتسبب بعدائية المجتمع السني لأبنائهم السجناء، لذلك قررت اللجنة المسارعة بإنهاء هذا الملف مع تحقيق بعض المكاسب وكذلك خوفاً من أن يتم تصفيتهم من بعض السجناء كذلك. قام النظام بمعاقبة علي خير بك وعزله وعزل رئيس الشرطة العسكرية نعمان الخطيب والذي تعرض لنوبة قلبية أهلكته غير مأسوف عليه، تم وضع الأسرى في مهاجع وأحسنت معاملتهم بل والله قدم بعض السجناء الأسرى على أنفسهم بالطعام والشراب وقدموا لهم العلاج رغم قلة ذات اليد، تم شرح قضيتنا للعساكر الذين هم من غالبهم من أهل السنة و شرحت لهم جرائم النظام فأحسوا بالأمان والإطمئنان وتغيرت نظرتهم، تم إجراء دورات شرعية لتعليم الأسرى حقيقة الإسلام وجرم معاونة النظام, وتعليمهم الوضوء والصلاة وكأنك في حلق للعلم!! ومن أراد التأكد من ذلك فليسألهم الآن يجيبوك وهذا أمر مستفيض بل إن بعضهم ممن رأيت التحق بالمجاهدين بعد أن رأى ما رأى، وفي المقابل فقد تمت معاقبة الضباط وصف الضباط المأسورين الذين ساموا السجناء سوء العذاب حيث تمت (دولبتهم) من باب المعاملة بالمثل. إخواني هي آية من آيات الله أن يتحول السجين إلى سجان, وينقلب السحر على الساحر وتحس بقوله تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة). ملف الأسرى كان بداية لظهور تيار يطلق عليه في السجن (التيار التصعيدي) والذي كانت له رؤية مختلفة حول الأسرى، كان هذا التيار يرى أنه لا بد من الحفاظ على الأسرى كرهائن للضغط على النظام ليتم إخراج هذا التيار على الأقل من السجن. طريقة إخراجهم تكون بفتح ممر آمن إلى دولة أوربية كما حصل في كنيسة المهد في بيت لحم أو إلى الحدود العراقية للالتحاق بالمجاهدين هناك، وفي أسوأ الحالات أن يبقى السجن على هذا الوضع حتى يحدث أمر رباني يغير مجرى الأمور مثل محكمة الحريري. كان هذا التيار التصعيدي قليلاً لكن صوته كان عالياً وأخذ يؤصل لنفسه أن السجن لم يعد سجناً قائلاً: نحن لسنا أسرى بل محاصرون! البعض من التيار التصعيدي اعتبر هذه البقعة هي دار الإسلام الوحيدة في سوريا بل إن البعض كتب عبارة (إمارة صيدنايا الإسلامية) على الجدران، رغم أن هؤلاء كانوا قلة فعلاً إلا أن النظام صبغ السجن كله بهذه الصبغة وهي أن السجناء أعلنوا دولة الخلافة في السجن!! هذا الموقف هو نفسه الذي اتخذه النظام في الثورة حيث اتهم المتظاهرين السلميين بأنهم إرهابيون متهماً الثورة ب(العسكرة) من بدايتها، كانت تصرفات النظام تخدم هذا التيار التصعيدي فغدره وكذبه يجعل الكثيرين من السجناء يتعاطفون أو على الأقل يصمتون أمامهم، وبالفعل حصل أمر كان له ردة فعل ورض نفسي عميق لدى السجناء وهو موضوع السجناء الذين تم أسرهم لدى النظام أثناء الاشتباكات. فكما تعلمون تم أسر مجموعة من السجناء أثناء هجوم العساكر كما تم تسليم الجرحى للنظام قبل بدء المفاوضات، حيث أسرع السجناء بتسليمهم كي لا يموتوا بين أيديهم فالوضع كان مرتبكاً وجراحهم تنزف ولا إمكانيات لعلاجهم. حول جرحى السجناء وعددهم حوالي ال30 إلى مشفى تشرين العسكري والذي بدوره تحول إلى معتقل رهيب يفوق سجن تدمر، ضغط السجناء على اللجنة لضرورة زيارة الإخوة في المشفى للاطمئنان عليهم! وكدليل أولي على صدق نوايا النظام، خضع النظام لهذا الطلب وقام الأخ حسن صوفان بزيارتهم وهنا كانت المفاجأة أكبر من المتوقع فلقد كان الأمر مهولاً لأقصى حد! ما حصل في مشفى تشرين العسكري وملف الأسرى من العساكر وما تلا ذلك في الحلقة القادمة العاشرة إن شاء الله
تكلمنا في الحلقة السابقة عن مرحلة ما بعد 5/7/2008 وهي مرحلة المفاوضات مع النظام والاتفاق على مبادئ للحل بين لجنتي التفاوض، كان هناك ملفان ساخنان هما ملفا أسرى النظام الموجودين لدى السجناء, وملف جرحى السجناء الموجودين في مشفى تشرين العسكري، تحت ضغط السجناء طالبت اللجنة النظام بزيارة الجرحى وتمت الزيارة فعلا في اليوم الثاني إلى مشفى تشرين العسكري، طبعاً في البداية رفض النظام زيارة جرحى السجناء بحجة أن الأمر يمس سيادة الدولة ولكن لجنة السجناء، أخبرت النظام أن هذا الأمر سيعرقل الحل ويمنع تسليم باقي أسرى النظام فما كان منهم إلا الموافقة والرضوخ لمطالب اللجنة والسماح لممثلهم بالزيارة، كان ممثل السجناء هو الأخ حسن صوفان (أبوالبراء) واختير لجرأته وحنكته السياسية حيث يعرف كيف يتعامل مع النظام، طبعاً أرادوا تقييده بالقيود (الكلبجات) فرفض وقال لأدنوف بصوت عالي! لا بد أن أذهب بكرامة لحقن الدماء!! فأومأ أدنوف بتسهيل الأمر. كانت أجواء الزيارة متوترة جداً حيث عشرات الضباط والجنود يحيطون بحسن صوفان ولا يفسحون له المجال لأي حركة منه، طلب منه أن يمر على الجرحى دون الكلام معهم أو سؤالهم لكنه وجدهم في حالة مزرية يظهر عليهم شدة التعذيب، كانوا مكبلين في الأيدي والأقدام ومعصوبي الأعين ولا يتمكنون حتى من قضاء الحاجة دون أدنى عناية طبية وتفوح منهم رائحة القيح والصديد! رأى أحد الجرحى أبا البراء صوفان من تحت الطماشة فصرخ مستغيثاً فانتهره الضابط وأسكته وهنا حصلت مشادة كلامية، بين صوفان والضابط وأصر صوفان على المرور على الجرحى فرداً فرداً وتسجيل أسمائهم منعاً من تصفيتهم لاحقاً كنوع من الضمانة، رفض الضباط ذلك فقال لهم صوفان أن هذا الرفض سيعرقل تسليم أسراكم فاتصلوا بأدنوف وأعطى أوامره بالاستجابة. بدأ صوفان يكلم السجناء ويسأل عن أحوالهم ويسجل أسماءهم وكان هناك اثنان في العناية المشددة تم منعه من رؤيتهم، كان هناك أخ جريح اسمه أبو محمد الحفار والذي أصيب بطلق ناري اخترق أمعاءه وكانت حالته سيئة جداً بسبب تمزق الأمعاء والتهابها، لكن هذا الأخ الدمشقي المعروف بدعابته رغم آلامه كانت معنوياته عالية جداّ وداعب صوفان وقتها!! وقد مات لاحقاُ من الإهمال الطبي المتعمد. كان هذا الأخ محكوماً عشرين عاماً وكان ميسور الحال وكان ينفق على السجناء من ماله الخاص رحمه الله وتقبله. حاول أبو البراء صوفان أن يرجع معه بعض الجرحى ممن إصابتهم طفيفة فرفض النظام رفضاَ قاطعاً دون أن يقبل النقاش، رجع صوفان إلى السجن وأجرى اجتماعاً مغلقاً مع لجنة السجناء وشرح بالتفصيل ما حصل معه في زيارته للمشفى، اتفقت اللجنة أن يتكلم صوفان بالإجمال دون التفصيل خوفاً من ردة الفعل من تصفية أسرى النظام المتواجدين بين أيدي السجناء كنوع من الانتقام، وبالتالي هذا الأمر سيعرض السجن لمذبحة جديدة إضافة لتصفية الجرحى في المشفى ولكن الأمر مرّ بسلام. استمر العمل بموضوع تسليم الأسرى من العساكر إلى النظام على دفعات خلال عدة أيام حيث انتهى هذا الملف بسلاسة رغم الصعوبات، وسط تجاذب الأراء استطاعت اللجنة أن تسلم الأسرى للنظام وتغلق هذه الصفحة الحرجة و تقطع الطريق على النظام، حاولت اللجنة أن تتأخر في تسليم الأسرى على دفعات طمعاً في الحصول على مكاسب أكثر دون التأخير الشديد الذي قد يضر، في ظل هذه الظروف جاء نبأ مفجع!! وهو استشهاد بعض الإخوة الجرحى في مشفى تشرين بعد زيارة ممثل اللجنة حسن صوفان، بعضهم كانت حالته عادية عند نقله للمشفى مما قوى الرأي أنه تم تصفيتهم تحت التعذيب وهؤلاء هم من مُنع صوفان من رؤيتهم في العناية المشددة. هذا الأمر أعاد الأمور إلى المربع الأول من عدم الثقة وخوف الغدر من النظام الذي لم يتوقف عن غدره بالسجناء مرة بعد مرة، علا صوت التصعيديين الذين زاد من موقفهم هذا الموقف وفي الوقت نفسه سعت اللجنة للضغط على النظام لتسليم الجرحى، خضع النظام في النهاية وقام بتسليم أول دفعة من الجرحى بعد أسبوعين والذين قاموا بوصف ما حصل لهم من فظائع في المشفىز بكل حقد وطائفية تعامل الأطباء والممرضون مع الجرحى وخاصة في الأيام الأولى قبل زيارة ممثل السجناء لهم، حدث ولا حرج عن السباب والشتائم لكل المقدسات, مقيدو الأرجل والأيدي, لا يسمح لهم بقضاء الحاجة, بلا طعام وماء، تشرط أجسادهم بالمشارط ويرش عليها البول والكحول, وحين يطلبون الماء فيسقون البول والكحول!! تركت جراحهم للتعفن و كانت الهراوات تعمل في أجسادهم بلا تمييز ولا يسمح لهم حتى بالصراخ لأن الشاش على أفواههم، كان بعض الأطباء والممرضين يحرقون لحى الجرح بالقداحات ويرقصون على صراخ الإخوة واستغاثاتهم. من أبشع المواقف والذي لا يمكن أن ينسى ويؤلمني جداً مجرد تذكره وتكاد تميد بي الأرض هو ما حصل مع الأخ أبو الزبير (أنور حمادي من دير الزور) كان جرحه في عينه عاديا لكنه كان ملتحياً ويظهر عليه سيما الالتزام، جاؤوا إليه وأخذوا يضربونه بالهراوات على بطنه ورأسه وخصيتيه وهو يكبر!!! حتى أردوه قتيلاً وشوهوا جثته بشكل رهيب!!! الذي يحزن أن هذا الأخ طلب من السجناء أن لا يرسلوه إلى المشفى وكان يحس بالغدر هناك وتوسل إليهم ولكن قدر الله وماشاء فعل!! صب الأطباء والممرضون النصيريون جام حقدهم وطائفيتهم على السجناء وقرر السجناء تسمية المشفى ب(مسلخ تشرين العسكري) لبشاعة مارأوا، توقف التعذيب بعد زيارة صوفان مباشرة مع بقاء سوء المعاملة ولكن النظام قام بجولة تعذيبية لهم بعد مغادرة حسن صوفان فوراً للحفاظ على هيبة الدولة!!! قائلين للجرحى هذه بركات زيارة شيخكم!!!! وبعدها توقف التعذيب كلياً. عودة هؤلاء الإخوة كان أملاً للسجناء في هذا النفق المظلم حيث أنهم نجوا من الموت المحتم ورأوه أمام أعينهم وكانت نجاتهم أشبه بالمعجزة، عادوا هياكل عظمية من الجوع والتعب ولكنهم عادوا حاملين معهم ذكرى سماع أصوات إخوانهم وأنينهم ممن قضى نحبه منهم، أحد العائدين من الجرحى نفذ أول عملية استشهادية في النصيرية في الثورة السورية إنه الأخ المجاهد العابد أبو مالك الحلبي تقبله الله، استمرت المفاوضات المتعثرة بين اللجنتين ونحن هنا بعد 20 يوماً على أحداث 5/7حيث سلم السجناء الطابق الأرضي للنظام، كذلك تم النزول من السطح والدخول إلى الأجنحة وإغلاق أبوابها بجنازير مع إبقاء أبواب المهاجع مفتوحة، تم تعيين مدير سجن جديد هو العميد طلعت محفوظ نصيري من منطقة دريكيش وهو جزار تدمر السابق، العميد طلعت محفوظ شخصية هوسية مصاب بنوع من جنون العظمة كما يبدو من لفة شواربه وطريقة كلامه ومشيه وكان يتكلم أحياناً خمسة ساعات لايكل ولا يمل (إدرار كلامي) بكلام مبعثر مخلوط لا تعرف أوله من آخره أقرب للسلطة الكلامية. ظن هذا المجنون أنه قادر على ضبط السجن بسهولة بطريقته الهوسية ولكنه بحماقته قاد السجن إلى كارثة جديدة مرحلة طلعت محفوظ وكيف تعامل مع الملف الساخن هذا ما سنتابعه إن شاء الله في الحلقة القادمة.
ذكرنا في الحلقة السابقة كيف آلت الأمور إلى استلام العميد طلعت محفوظ جزار تدمر لسجن صيدنايا، وتكلمنا عن صفات هذا الأحمق المهووس, وكيف قد تم تسليم أسرى النظام وكيف رجع الجرحى من المشفى بعد معاناة وكيف دخل السجناء إلى الأجنحة. كانت لجنة السجناء قد مضت في المفاوضات كما رسم لها في خارطة الطريق مع النظام وصولاً لاستحقاق الزيارات، هنا ترك منير أدنوف المفاوضات وسلمها لطلعت محفوظ وبرز هنا كذلك دور العميد خليل الخالد القائد الجديد للشرطة العسكرية. العميد خليل الخالد من الجولان كان رئيس فرع المخابرات العسكرية في القامشلي وهو من الشخصيات الأمنية المعروفة. نلاحظ هنا أن الملف استلمه بشكل كامل آصف شوكت الشخصية الشهيرة والعدو اللدود للإسلاميين مع الشخصيات المحسوبة عليه. قام النظام بتفتيش شكلي في الأجنحة بحجة فرض نظام وهيبة السجن ولسحب الحراب والبوريات وتم التفتيش بسلاسة دون مشاكل، كان التفتيش عبر أجهزة المطارات الإلكترونية ولم يحتكوا بشكل مباشر مع السجناء الذين أخفوا كثير من البواري داخل الجدران خشية غدر النظام! كان يتم نقل السجناء وتجميعهم في جناح ريثما يفتش الجناح الآخر بحضور لجنة السجناء وعدد ليس بالكبير من المفتشين، أثار هذا التفتيش الشكلي التساؤلات حول الجدوى منه مع العلم أن النظام يعلم بوجود عدد كبير من الأسلحة البيضاء!! كانت الأجواء عقب انتهاء التفتيش إيجابية ومفعمة بالتفاؤل الحذر حيث شعر السجناء بكسب جولة من المفاوضات لصالحهم على النظام، تم فتح الندوات الغذائية وبدأت الولائم وبدأت الدروس العلمية بعد السيطرة على مكتبة السجن ولكن هذا النعيم لم يدم طويلاً فكان له ما بعده، مع هذا النعيم المؤقت كانت الجولات مستمرة بين لجنة السجناء ولجنة النظام برئاسة طلعت محفوظ وكانت الكرة في ملعب النظام، حيث شروط الاتفاق تقضي بفتح الزيارات ولو جزئياً فهي الضمانة الوحيدة للاتصال مع الخارج وإيصال ما يجري إلى الإعلام. في هذه الأثناء تم مشاهدة شاحنات محملة بألواح من الحديد ويتم إنزالها برافعات كبيرة إلى الطابق الأرضي، هنا بدأت الشكوك تساور السجناء وطلبوا من لجنة السجناء توضيح الأمر والتي بدورها كانت متفاجئة من هذه الخطوة، أخذ طلعت محفوظ يراوغ ويقول نحن دولة ولنا نظام!! وتزامناً مع الإصلاحات لا بد من إجراءات أمنية حتى لا يتكرر ما حصل وحاول طمأنة اللجنة، بدورها لجنة السجناء حاولت تهدئة نفوس السجناء وتهميش هذا الأمر وأنه ليس ذا قيمة ولكن السجناء لم يقتنعوا بهذا الكلام. تبين أن هذه الألواح من أجل تصفيح الطابق الأرضي أي جعل الجدران مصفحة بألواح الحديد حتى لا يتم كسر الجدران من جديد، تم إزالة كل ما هو حديدي واستبدله ببلاستيكي وإحكام الأبواب وإغلاق كل نوافذ التهوية بشكل شبه كامل وزرع كاميرات في كل جناح، أصبحت المهاجع أشبه بأقفاص حديدية وكان طلعت محفوظ يسمي المهجع بالقفص تهكماً ولذلك أصبحت صيدنايا مثل غوانتانامو. هذا التصفيح فسّر للسجناء التفتيش الشكلي وغض طرفهم عن البواري التي خبأها السجناء لأنهم كانوا يخططون لإنزال السجناء مجردين من كل شئ، بدأ طلعت محفوظ بعرض جديد على اللجنة ناقضاً الاتفاق القديم بفتح الزيارات حيث يتضمن العرض الجديد ما يلي: - يتم إنزال دفعة من السجناء يحددها السجناء أنفسهم مقابل فتح الزيارة ثاني يوم مباشرة وهنا تيقن السجناء أنها غدرة جديدة من غدرات النظام، حاول محفوظ إقناع اللجنة بهذا الأمر ولكنها رفضت رفضاً قاطعاً وبعدها حاول أن يتفرد بأعضاء اللجنة بغية تفريقهم، بعد أن فشل أخذ يحيّد اللجنة شيئاً فشيئاً قائلاً: هناك نظام سجن ومدير واللجنة مثلها مثل غيرها من السجناء. نصحته اللجنة أن هذا الأسلوب قد يقوض كل المساعي السابقة لكنه بغروره وحماقته لم يسمع للنصائح مطلقاً، كان النظام يعول على إنزال السجناء إلى جناح التصفيح بثيابهم الشخصية فقط ويقول ما تحتاجونه ستجدونه أمامكم لكن من البلاستيك!!!. بقي النظام مصراً على عرضه الجديد بأنه لا تفتح الزيارات حتى تنزل دفعة من السجناء إلى الطابق المصفح وكانت الأمور بين شد وجذب، تذرع النظام بحادثة وقعت في السجن قبل البدء بالتصفيح تسمى حادثة "التكبير" حيث نزل أحد الأخوة إلى المشفى وتعرض للإهانة هناك، عندما عاد هذا الأخ من المشفى وأخبر السجناء بما حصل له من إهانة فانطلقوا بالتكبير وكاد السجن أن ينفجر مرة أخرى، قال النظام كيف يمكن التعامل مع السجناء بهذه الطريقة وهم بالغو الحساسية لأدنى موقف وقد ينفجروا بأي لحظة، هنا رفض السجناء النزول للمهاجع المصفحة دون ضمانات حقيقية وكان موقفاً جماعياً من السجناء أما اللجنة فانقسمت إلى قسمين: الأول كان على رأي السجناء بعدم النزول وخطورة التخلي عن السلاح والثاني أراد النزول كتجربة أولى ولكنه قوبل برفض قاطع من جماهير السجناء. هنا توحد موقف اللجنة والسجناء برفض النزول وعزز هذا التوحد تلميح طلعت محفوظ إلى أنه من الممكن أن يتم فتح ملف المحاسبة لبعض السجناء!! هذا التلميح أضعف موقف القسم المؤيد للنزول من اللجنة وأصبح الجميع في خندق واحد يتجلى برفض التصفيح واستمرار الضغط على النظام. أمهل النظام عبر طلعت محفوظ لجنة السجناء عدة أيام لإعطائه جواباً نهائياً حول النزول للتصفيح ملوحاً بسياسة العصا والجزرة، عقدت اللجنة آخر اجتماع لها وقررت الرد النهائي على النظام بالرفض المطلق وتم إبلاغ طلعت محفوظ بذلك رسمياً. تم ذلك في اجتماع نهائي ليلاً في آخر أيام شهر رمضان من عام 2008 مع طلعت محفوظ الذي قال للّجنة أن هذا الرفض سيغضب القيادة، ردت عليه اللجنة بكل ثقة وقوة: أبلغ قيادتك بهذا الرفض وليغضبوا كما يريدون فلم يعد عندنا ما نخسره. توقفت المفاوضات مع النظام عند هذا الحد وقرر النظام تغيير السياسة المتبعة مع السجناء بشكل كامل. موقف اللجنة هذا سيكون له نتائج عقابية بحق اللجنة لاحقاً والتي ستدفع ثمن ذلك كما سيأتي بإذن الله حيث اعتبرهم النظام رؤوس التحريض والتمرد. قطع النظام علاقاته مع السجناء وتوقفت المفاوضات وأصبحنا على أعتاب مرحلة تسمى مرحلة الحصار والتي كانت مرحلة حرجة وحساسة للغاية. مرحلة الحصار والتضييق بعد شهر رمضان من ذلك العام وما تلا ذلك سنتابعه في الحلقة القادمة الثانية عشرة إن شاء الله تعإلى من صيدنامو.
تكلمنا في الحلقة السابقة عن وصول المفاوضات مع النظام إلى نقطة مسدودة حيث رفض السجناء مع لجنتهم النزول إلى أقفاص الحديد، وللعلم فنحن الآن في أواخر شهر رمضان من عام 2008 حيث بدأت مرحلة جديدة هي مرحلة الحصار والتضييق. حاول العميد طلعت محفوظ قبيل البدء بالمرحلة الجديدة محاولة شق اللجنة كلعبة أخيرة حيث طلب أحد أعضاء اللجنة لإقناعه بأمر النزول إلى التصفيح، استخدم العميد طلعت الترغيب والترهيب مع عضو اللجنة, لكنه جوبه برفض ذلك العضو دون الحصول على موافقة جماعية من قبل السجناء واللجنة، هدد العميد طلعت بالمواجهة والتصعيد فأجابه ذلك العضو بقوة: أن المواجهة مع النظام هي أحسن من الإقتتال والفتنة الداخلية. قام النظام بعد ذلك الموقف بقطع علاقاته مع السجناء واللجنة حيث اقتصر تمثيل النظام على بعض الرقباء والمجندين من عناصر الشرطة العسكرية، أعطى النظام أمراً لعناصره بمنع تحرك وتنقل عناصر لجنة السجناء بين الأجنحة بغية إسقاطهم وتجميد دورهم. كان هناك ورشة إنشاءات عسكرية تقوم بعمليات التصفيح وتحصين السجن وكانت تتنقل بين الأجنحة بإشراف لجنة السجناء، وصلت معلومات للجنة السجناء عن نية بعض السجناء من التصعيديين القيام باختطاف ورشة الإنشاءات مع العقيد المسؤول عنهم، هذا الأمر لو تم سيكون خطوة تصعيدية مفاجئة قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر فقررت اللجنة القيام بخطوة أخرى، وهي طرد ورشة الإنشاءات مع العقيد المسؤول عنها حيث لا بد من القيام بهذه الخطوة التصعيدية المتدرجة فبعض الشر أهون من بعض كما يقال. رد النظام على هذه الخطوة بقطع الكهرباء بشكل متدرج وصولاً إلى قطع نهائي للكهرباء عن السجن بشكل كامل حيث خيم الظلام في السجن، تم التضييق على السجناء في معيشتهم حيث تم تقليل الطعام والخبز وحذف اللحوم والخضروات منه مع رداءة نوعية الطعام المقدم، كذلك تم تقليل المياه التي أصبحت تأتي بكميات قليلة متقطعة والأخطر من هذا زيادة عدد القوات العسكرية المحيطة بالسجن، قدر عدد هذه القوات بحوالي: ( 3000 عسكرياً) من مختلف التشكيلات وكانوا يأخذون وضعيات قتالية تأهبية ومدججين بالأسلحة. أخذ النظام يقوم باستعراضات عسكرية ومناورات حول السجن وهذا يعني أن موضوع المفاوضات قد توقف وأن الحل سيكون عسكرياً. أمام هذا الواقع الجديد بدأت تتغير تجمعات السجناء وكان النظام يسعى إلى (شلل) لجنة السجناء لزرع بذور الخلاف فيما بين السجناء، تم العمل على إسقاط اللجنة من قبل النظام وكذلك من قبل التصعيديين بحجة أن اللجنة سلمت الأسرى دون الحصول على مكاسب جدية، غاب النظام عن المشهد الداخلي للسجن حيث أخذت الفوضى تدب فيه وسط غياب لمرجعية قيادية وشرعية لهم. بدأ السجناء يعيدون ترتيب صفوفهم ويتنقلون من جناح لآخر حسب الأيديولوجيات التي يحملونها وأصبح لكل جناح صبغة معينة (جناح أ يسار طابق 2 بالكامل يتبع لأبي حذيفة الأردني, ويلاصقه أ يمين 2 بكامله تقريباً لأبي حمزة الجغل وكان بينهما تنافس عسكري، الحلبيون من القاعدة كانوا في ب يمين 2 مع وجود تمثيل لأبي البراء صوفان ويلاصقه في ب يمين 2 سجناء من غير الإسلاميين، أما باقي الأجنحة ففيها أتباع من كل تيار بالإضافة إلى حزب التحرير وعوام من السجناء الذين لم يدخلوا في هذه المتاهات) حاول كل جناح مؤدلج أن يؤسس لمنهج شرعي في مسائل الإيمان والكفرو منهج التغيير كنوع من إسباغ الشرعية لتحقيق التجنيد والاستقطاب إليه، في ظل هذه الظروف من الفوضى أخذ يرتفع صوت التصعيديين أكثر فأكثر بسبب تعثر المفاوضات مع النظام. التصعيديون: لم يكونوا على طبقة واحدة بل كانوا متعددي المشارب والأهداف, فمنهم من هو الغالي التكفيري، ومن التصعيديين الشجاع الجريء الصادق الذي قرر عدم النزول إلى الأسر مرة أخرى, ومنهم من اعتبر نفسه متورطاً فتترس بالسجناء. وكانت السمة الغالبة على التصعيديين هي رفض الحل التفاوضي وإسقاط اللجنة والتحريض عليها والدفع نحو الحل العسكري. أراد النظام إحداث شرخ بين الإسلاميين وغير الإسلاميين عبر ترغيب الغير إسلاميين بالخروج من السجن والانتقال إلى مكان آخر، وبالفعل انتقل البعض من غير الإسلاميين وهنا تدخل التصعيديون لمنع الانتقال حيث اعتبروا وجودهم حماية للسجن، هنا أحس غير الإسلاميين أنهم أصبحوا ترساً للإسلاميين وحصل شرخ وعدم ثقة بين الطرفين، اللجنة لم تكن راضية على هذا التصرف بسبب وجود اتفاق مسبق معهم بحرية انتقالهم من السجن متى أرادوا ذلك، وللحق فإن كثيراً من غير الإسلاميين انتقلوا بعد أحداث 5-7 مباشرة, وبقي هؤلاء بإرادتهم تضامناً مع الإسلاميين ضد العدو المشترك وهو النظام، أبوحذيفة الأردني هو الوحيد من أعضاء اللجنة الذي وقف مع التصعيديين في هذه الخطوة حيث أرسل حراسة للأجنحة لمنع الغير إسلاميين من الخروج، والهدف هو منع إخراج أي شخص من غير الإسلاميين خارج السجن وقد بدرت من الحراسة إساءات وتّرت الأجواء أكثر. كان هذا انقساماً في اللجنة التي ظهر أنها فقدت القرار الجماعي وبدا كل فريق يعمل حسب رأيه وغابت الشورى، وأصبح السجن هنا أشبه بسفينة في بحر متلاطم بدون ربان تتقاذفها الأمواج يمنة ويسرة وسط قلق أغلبية السجناء. وصلت معلومات بقيام بعض السجناء من غير الإسلاميين بمراسلة النظام والتجسس لصالحه عبر النوافذ ومع الرقباء أثناء جلب الطعام، لمنع حصول ما لا يحمد عقباه قامت اللجنة باعتقال هؤلاء المشتبه بهم والتحقيق معهم حول المعلومات التي سرت شائعتها، بالفعل اعترف هؤلاء بإعطاء النظام معلومات تهويلية عن السجن والسجناء سببت زيادة تخوف النظام من السجناء، تم التحفظ على هؤلاء السجناء في أحد المهاجع مع وضع حراسة مشددة عليهم ومنع الاختلاط بهم. صدرت أوامر من اللجنة بمنع اقتراب أي شخص من النوافذ باستثناء الحراسة الموكلين بمراقبة الوضع وتم وضع (حواجز) كذلك أمام كل جناح لمنع انتقال العناصر من جناح إلى جناح إلا بتزكية من رئيس الجناح وأخذت الأجواء داخل السجن تتجه نحو العسكرة حيث بدأت تدريبات ميدانية أشبه بدورة صاعقة مع زمجرات التكبير!!. كانت هذه التدريبات تزداد حدة كلما قام النظام باستعراض عسكري في محيط السجن حيث يزداد تخوف السجناء وأخذ بعض السجناء من التصعيديين بالنزول عبر المناور إلى الطابق الأرضي الذي هو بيد النظام ليستكشفوا ما يحدث داخله من تصفيح وجلبوا معهم صفائح من الحديد وصنعوا منها دروع واقية وحربات وسيوف نوعية. في هذه الأجواء العسكرية كان هناك جدل حول القيادة الأَولى بالإتباع حيث سعى كل جناح لتعزيز موقفه الشرعي. كان أبو حذيفة الأردني بعيداً عن العلم فحاول جلب بعض طلبة العلم من دعاوى القاعدة لإسباغ الشرعية على تصرفاته ولم يتم التوافق مع هؤلاء الشرعيين الذين لمسوا من أبي حذيفة استبداداً بالرأي دون العودة الحقيقية للشرعيين. هنا أصبح أبوسعد القاعود فلسطيني من المخيم هو الشرعي لتيار أبي حذيفة وكانت بضاعته من العلم قليلة ولكن كان القاعود جريئاً, وبدأ حملات التراشق الكلامي مع تيار أبي حمزة الجغل وصلت لدرجة الهجر والتفسيق بل والتبديع. كانت وجهة نظر البعض أنه مجرد حلّ الخلاف الشرعي حول المسائل المثار الجدل حولها سيُحل الخلاف في السجن فتمت الدعوة إلى عقد مناظرات بين الطرفين (تيار أبو حذيفة وتيار أبو حمزة الجغل) بغية الوصول إلى سقف شرعي موحد، فأدار المناظرات الأخ أبو مالك القلموني (أمير النصرة حالياً) والأخ أبو سعد تلاوي أحد طلبة العلم البارزين في السجن وتمحورت المناظرة في عدة محاور منها: إعذار البرلمانيين الإسلامييين، أصل التوحيد، قاعدة التبع والاستقلال في مبحث التوحيد وغيرها من المسائل. تمت المناظرة عبر عدة جلسات وكانت مسجلة في محاضر رسمية وكان أبو حمزة هو المتفوق علمياً في النقاش وظهر ضعف الطرف الآخر، كان للتدوين ووجود مشرفين محسوبين على القاعدة أثر كبير في إحراج الطرفين علمياً ووضعهم على المحك حتى يلزموهم بأقوالهم، وفي بداية الجلسات كان هناك أتباع لكل طرف يحضرون للاستماع حيث اشتد النقاش في أحدها وقام أحد أتباع أبي حذيفة بشتم أبو حمزة الجغل وتكفيره. هنا قام المشرفون بطرد الحضور وأبقوا على المتناظرين فقط وانتهت الجلسات ببيان رسمي دعا إلى وحدة الصف، وإرجاء نقاش هذه المسائل إلى الخارج حيث تتوفر المراجع والعلماء وهنا ارتفعت أصوات تنادي بتأسيس مجلس شورى لطلبة العلم في السجن يكون مرجعية في أي خلاف يحصل وتكون قراراته وفتاواه ملزمة للجميع. كيف تأسس هذا المجلس وماهي آلياته وماذا ضمّ من طلبة علم , هذا ما نتعرف عليه إن شاء الله في الحلقة القادمة مع أحداث أخرى هامة.
حلقة مثيرة ودسمة من صيدنامو: تكلمنا في الحلقة الماضية عن مرحلة الحصار والتضييق والتجويع والتي تجلت بتوقف المفاوضات واتجاه الأمور نحو التصعيد والعسكرة تدريجياً، وكيف آلت الأمور إلى تفرق السجناء بحسب الإيديولوجيات والمناهج وانتشار سياسة التخوين و حصول المناظرات حول أبرز المسائل الشرعية. هنا برزت الحاجة لتشكيل مجلس شورى لطلبة العلم في السجن يحقق الوحدة الشرعية و يؤمن الاتفاق على رؤية الحل الشرعي لنازلة السجن. إن من أبرز نقطة الخلاف حقيقة بين السجناء وتياراتهم كان يتمثل في سقف الحل الأدنى الواجب تحقيقه في هذه المرحلة الحرجة الحساسة، فالبعض كان يرى السقف هو الخروج من الأسر بعفو أو صفقة, والبعض يرى السقف بضمانات بعدم المحاسبة والإيذاء وإكمال مدة السجن بكرامة، والبعض كان يريد توريط السجناء في مقتلة مهلكة, والبعض كان منبطحاً يريد النزول إلى النظام بلباسه الداخلي!!! دون أية مناورة ضمن هذه السقوف المتباينة حصل جدل حول الأحكام الشرعية لهذه النوازل الخطيرة بين الإفراط والتفريط، فبين من يكفر مجرد من ينزل للنظام, وبين من يوجب الاقتحام عليه في وضع الاستضعاف هذا, وبين من يرى شرعية اللجنة وبين من يرى ضلالها!! أصبح الناس في حيرة كبيرة وكان بعض السجناء يتمنى أن يقتحم النظام هو علينا لإنهاء الخلاف الذي بلغ مبلغاً عظيماً. وبالفعل دعى بعض المصلحين إلى تشكيل مجلس لطلبة العلم الموجودين في السجن لللإجابة على هذه النوازل وإعطاء الرؤية الشرعية لهذا الواقع المعقد. حيث لم يكن هنالك طالب علم واحد قادر على الإجابة فاقترحت هذه الفكرة الجماعية اقتداء بالمجامع الفقهية والاجتهاد الجماعي، دعي حوالي 30 ثلاثين طالب علم وكنت ولله الحمد من بينهم وكانت هناك شخصيات من مختلف التيارات والاتجاهات، من سلفيين إلى جهاديين إلى تحريريين إلى مستقلين تم اللقاء في أحد المهاجع دون حضور لأي شخصية عسكرية أو قيادية لتحقيق الإستقلالية. رأى هذا المجلس الشرعي وجوب دفع صيال النظام لو هاجم هو, وحرمة الهجوم عليه في ذلك الظرف لأنه إلقاء بالنفس للتهلكة ويسبب الفرقة والنزاع، ودعا هذا المجلس الشرعي إلى تشكيل قيادة عسكرية للسجن مرجعيتها الشرعية هذا المجلس وسط ارتياح لعامة السجناء باستثاء التصعيديين، تم وضع ميثاق داخلي لطريقة الفتيا يبين أسلوب الفتيا وطريقة الترجيح وأسلوب التعاطي مع النوازل والقيادات في السجن. تم اختيار لجنة خماسية من بعض الأعضاء عبر الانتخاب والتصويت, مهمتها الفتيا في المسائل المستعجلة خوفاً من تعثر الاجتماع العام، حصل اتفاق شبه تام على أن يكون أبا حذيفة الأردني هو أمير عام للسجن حيث وصل الأمر لمنحنى خطير جداً لا بد فيه من التوحد وإلا فالأسوأ قادم!. رغم المخاوف من أبي حذيفة و تصرفاته إلا أنهم اختاروه لتأثيره على التصعيديين حيث يملتك قوة عسكرية رادعة ومؤثرة. اشترطت اللجنة مع باقي السجناء على أبي حذيفة شرطين: الأول أن يكون سقف المفاوضات مع النظام هو حقن دماء السجناء بشكل مشرف، والشرط الثاني: احتواء التصعيديين ومنعهم من مغامرة حمقاء تجر السجن لمقتلة عظيمة ووافق على ذلك لما له من تأثير عليهم، تزامناً مع تعيين أبي حذيفة كان التصعيديون يفكرون بطريقة للهجوم على الجنود في الخارج بغية الحصول على السلاح الذي سيغير مجرى المعركة برأيهم. انحاز التصعيديون إلى أحد الأجنحة و كانوا قرابة السبعين حيث كانت خطتهم هدم جناح كامل مما سيثير عاصفة من الغبار وضغط كبير من هدمه أشبه بانفجار، حيث يستغلون هذه العاصفة كغطاء للاقتحام على الجنود والحصول على السلاح، كانت هذه خطة أخ مهندس من التصعيديين اسمه أبو الطيب كان يعيش في كندا، اقتبس الخطة من أحداث 11سبتمبر وكيفية انهيار البرجين بالتركيز على نقاط الاستناد الضعيفة وحرقها بالنار حتى يذوب الحديد فتنهار الجسور والعضادات، بالفعل أفرغوا أحد الأجنحة من السجناء وبدؤوا بتنفيذ خطتهم بينما كان جمهور السجناء أغلبية صامتة فاقدة للتأثير وكانت الفعالية للتيار التصعيدي. كان صمت الأغلبية بسبب الخوف من تكفيرهم من قبل التصعيديين فأي محاولة لمنعهم من تنفيذخطتهم بهدم الجناح سيتهمونهم بموالاة النظام وحماية منشآته، عاش السجناء أياماً على صوت الدق والكل يخشى فعلاً من انهيار السجن على رؤوس السجناء وحرقه وأصبح المشهد عبثياً فعلاً ونتيجة لهذا الهدم وقبل ثلاثة أيام تقريباً من 6/ 12/2008 أوفد النظام العميد حسن دياب والعميد علي مخلوف لمقابلة أبي حذيفة كجولة أخيرة قبل الاقتحام. انتهت الجلسة بالفشل بسبب رفع السقف من قبل الطرفين: أبو حذيفة والنظام حيث طالب أبو حذيفة بإخراج السجناء بعفو أو صفقة، بينما النظام كان يريد استسلام السجناء ونقلهم بدون ضمانات حقيقية بعدم المحاسبة والانتقال معهم إلى المجهول. طبعاً كان الطعام في هذه الفترة يأتي بالقطارة والماء متقطعة بحيث تسد الرمق فقط وبعد فشل آخر جلسة معه للمفاوضات قطع النظام الماء تماماً، هنا عمت الفوضى وملأ السجناء المسدس بحثاً عن الماء وبدأ النظام بتحصين الطابق الأرضي مساء الجمعة 5/12/2008 في دفع متعمد للسجناء باتجاه التمرد، وذلك بعد فشل النظام في التعويل على اقتتال داخلي حيث صرح أحد الضباط الكبار لاحقا أنهم أعطوا السجناء كل هذا الوقت من التضييق والحصار والتجويع لأنهم راهنوا على فتنة واقتتال داخلي بين السجناء بسبب تعدد المناهج في السجن ومعرفة النظام لذلك بدراساته الهائلة عن الجماعات. في ليلة 5/12 قام التصعيديون بمحاولة اقتحام على جموع الجيش في الخارج عبر النزول من نافذة وهم مدرعون بدروع حديدية تمت صناعتها من الصفائح، كان أبو حذيفة مخترقاً التصعيديين فعلم بذلك وأفشل الاقتحام في آخر لحظة بالقوة العسكرية وهنا حدثت مفاصلة بين التصعيديين وأبي حذيفة، حيث بدأ التصعيديون بعدها بحملة إسقاط ضد أبي حذيفة الأردني حيث اتهمه بعضهم بالكفر والردة بحجة أنه صد عن سبيل الله وتسبب ببلبلة لحظة الهجوم، مما أعلم النظام وهذه مظاهرة للمشركين على المسلمين.تفاجأ أبو حذيفة من هؤلاء الذين كان يحتويهم وأسقط التصعيديون أنفسهم وتحولوا إلى أقلية شاذة تبين للكثيرين بمن فيهم أعضاء اللجنة أن أبا حذيفة الأردني رجل متعقل وأنه يسعى للمصلحة العامة وأنه كان يحاول احتواء التصعيديين، في تلك الليلة الرهيبةكادت فتنة اقتتال داخلي أن تشب على إثر منع التصعيديين من محاولة الاقتحام واستيقظ السجناء صباح 6/12/2008 وكان يوم عرفة. استيقظ السجناء على تلحيم النوافد والأبواب ورأى بعض السجناء ضباط مخابرات في الطابق الأرضي فقال الضابط لأحد السجناء (فوت راسك ولاك حمار)، فرد عليه الأخ بالرفض فقام الضابط برمي قنبلة يدوية على الدرج وهنا صدح الأخ بالتكبير وتبعه الإخوة وكانت شرارة الاستعصاء الثالث والأخير في الحلقة القادمة ستكون هناك أحداث 6/12 والتي لن يصدقها القراء لهولها وغرابتها ولكنها وقعت حقيقة!!!
تكلمنا في الحلقة السابقة كيف آلت الأمور إلى انقداح شرارة الاستعصاء الثالث في 6/12/2008المصادف ليوم عرفة، بعد فشل المفاوضات لم يعد أمام النظام من خيار سوى الدفع باتجاه هذا الاستعصاء لكي يستعيد السيطرة على السجن بالقوة مرة أخرى ويفرض رؤيته، كما ذكرنا تم توافق أغلبية السجناء على تأمير أبي حذيفة رغم الانتقادات حرصاً على وحدة الصف وخوفاً من الاقتتال الداخلي وبغية عزل التصعيديين. قام أبو حذيفة بمنع التصعيديين من الهجوم على النظام مما قطع الشعرة بينهم و بينه فانحازوا إلى أحد الأجنحة لتنفيذ الخطة التي ذكرناها سابقاً، تختلف الروايات حول انقداح الشرارة في المسدس؟؟ هل كانت ملاسنة كلامية أشعلت السجناء أم رمي قنبلة؟ ومانوع القنبلة؟؟ تتفق الروايات على حدوث ملاسنة بين أحد السجناء وأحد أعضاء اللجنة الأمنية بزي مدني قال للسجين ادخل رأسك يا... فرد عليه السجين بشتيمة. ولكن تضاربت الروايات بين من قال أن هذا العضو رمى قنبلة دخانية (على الأرجح) على الأخ وبين من قال بأن الأمر فقط كان ملاسنة كلامية، لكن على الروايتين قام السجين بالتكبير وتبعه باقي السجناء وحدث الاستعصاء الثالث ومن المؤكد أن هذه الحادثة سرعت خطة النظام لاقتحام السجن، كما أسلفنا النظام والسجناء كانوا يعدون لهذا اليوم ولكن ساعة الصفر فرضها السجناء بتلك الحادثة مما خلط أوراق النظام وكان له بعض الفوائد: فلم يكن النظام أنهى سحب كل المواد الغذائية من المطبخ وخاصة الطحين، ولم يكن أنهى كل عمليات التدشيم والتلحيم والتحصين والأهم من ذلك هو منع وقوع الطابق الأرضي بيد السجناء كما حدث في 5/7 ليكون الطابق الأرضي نقطة انطلاق للأعلى حيث يحاصر السجناء هناك، لكن الإخوة كانوا منتبهين لهذا الأمر فقاموا قبل أيام بنشر قضبان المسدس الحديدية للنزول فوراً من المسدس إلى الطابق الأرضي بطريقة التفافية. كان نشر القضبان يتم ليلاً بتسلل حذر وصوت هادئ مع إخفاء آثار النشر بصبغة من القهوة ومواد أخرى تخفي تلك العملية بحيث تُرى القضبان على حالها، تفاجأ النظام في صبيحة الاستعصاء بنزول انغماسيين من المسدس حيث كان النظام يرابط على الدرج في الأرضي وإذ الإخوة خلفه مسلحين بالبواري والحراب، ووقع اشتباك عنيف جداً انتهى بسيطرة الإخوة على الطابق الأرضي وفتحوا لنا الأبواب من الأسفل وتدفق باقي السجناء من الأعلى إلى الأرضي، ثم تبعها سيطرة السجناء على المبنى الإداري (وهو ملحق بالطابق الأرضي) ودخلوا مكتب العميد طلعت محفوظ الذي فر هارباً بشنبيه المفتولين!! غنم الإخوة عسلاً استخدم لاحقاً في علاج الجرحى ووجدوا ثياباً نسائية!! وقوارير من الخمر كسروها ومكسرات وأموالا في ثيابه المعلقة، حاول النظام بقوة استعادة الأرضي ومبنى الإدارة وحصلت اشتباكات عنيفة وإلقاء كثيف للقنابل الغازية على السجناء والذين بدورهم، أبدوا بسالة لا نظير لها في التصدي بمختلف أطيافهم وساعدهم في الصمود أمام الغازات كمامات تم تصنيعها محلياً بوسائل بدائية تحسباً لهذا اليوم. أخذ النظام يضرب السجن بالأسلحة الثقيلة بشكل عشوائي و يلقي الغازات بشكل كثيف وأحضر رافعات أحاطت بالسجن من ثلاثة جهات، اعتلى القناصة على الرافعات وبدؤوا يقنصون السجناء من الأعلى داخل المهاجع وفي الممرات وبدى الأمر مفاجئاً حقيقة. كانت صدمة لكثير من السجناء الذين لم يتوقعوا ردة فعل النظام بالقنص بهذه الطريقة المتوحشة وأسقط في يد الكثيرين وطالب البعض التصعيديين بانتهاز الفرصة للهجوم على النظام واستغلال الفوضى ولم يعد هنالك موانع تحول دون ذلك. من بين التصعيديين قرر ثلاثة الهجوم على النظام وبدأ أحدهم وهو الأخ مجول رحمه الله من القامشلي وكان رجلاً فاضلاً صادقاً كما نحسبه هجم عليهم فأردوه قتيلاً وعندما رأى أصحابه القتل حقيقة تراجعوا وعادوا للوراء ودخلوا السجن مع تراجع دورهم بشكل كبير بعدها وطالب المتعاطفون التصعيديين بالهجوم تنفيذا لوعودهم واستغلال الفوضى ولكن تأخر التصعيديين سمح للنظام بإحاطة السجن بأسوار من الأسلاك الشائكة. بعد التأخر أصبح من شبه المستحيل الهجوم على النظام وضاعت الفرصة الوحيدة الممكنة للهجوم على النظام والحصول على بعض الأسلحة وسقط التعاطف مع التصعيديين و كان تصدي عوام السجناء لحملة النظام كفيلاً بإزالة البريق واللمعان فالكل يقاتل وليس القتال حكراً على أحد!! بدأ السجناء ينظمون صفوفهم وقسّموا أنفسهم إلى مجموعات وقسموا السجن إلى قطاعات وبدا السجن كأنه ورش عمل مثل خلايا النحل وتشكل مجلس عسكري من بعض الخبراء وضع خطة دفاعية للسجن تتجلى بتدشيم النوافذ لمنع القناصة من قنص السجناء وقسم تولّى أمر صد أي محاولة اقتحام وسد منافذ الطابق الأرضي وآخر تولى عملية التدشيم والتحصين من (الشوفاجات) والأبواب وغيرها وقسم بدأ بخياطة أكياس من العوازل والبطانيات لتعبئتها بالرمل الذي أخرجناه من تحت البلاط لنضعه متاريس أمام رمي القناصة والذخيرة الحية وبرز مصطلح جديد في السجن وهو مصطلح "القتاليين" وكانوا في الطابق الأرضي والأول ويقدر عددهم بحوالي ال400 من مختلف اتجاهات الإسلاميين واستخدمت أبواب المهاجع لتدشيم النوافذ الكبيرة وتم بناء خنادق علوية في النقاط التي قد يتسلل منها النظام في الأجنحة وأحكمت المخارج وأصبح الطابق الأرضي والأول يسمى (تورا بورا) بسبب الدمار الهائل الذي حل به بسبب استهدافه من النظام وبدا المشهد كارثياً. انتهى اليوم الأول وهو يوم عرفة على خمسة قتلى وعشرات الجرحى مما استدعى السجناء إلى تخصيص مهجع يكون كمشفى ميداني، بما يتوفر من إمكانات بسيطة تم إجراء الإسعافات الأولية بل تم تنفيذ عمليات جراحية معقدة بتوفيق من الله عز وجل ومن أبرز الجراحين كان الدكتور يوسف عاصي تقبله الله والذي استشهد مع قادة الأحرار وقائد لواء العباس لاحقا والدكتور أبوعبدالله أمير الفجر. استفاق السجناء على عيد الأضحى صباحاً وسط غصة حيث يحتفل الناس بالعيد في الخارج ولا يعلمون ما يحل بأبنائهم في السجن، وهنا قرر السجناء الاحتفال بالعيد على طريقتهم فالعيد في حقيقته هو رمز التضحية والفداء لله سبحانه وتعالى فزاد هذا الأمر من همتهم ونشاطهم واختلطت صيحات التكبير مع صيحات "لبيك اللهم لبيك" ليقول السجناء لربهم رباه: الحجيج يلبون وهم آمنون ونحن نلبي على صوت المدافع والقنابل. كان مشهداً لا ينسى وعندما بدأت الثورة -سبحان الله- تكررت نفس المشاهد وإذا بالمتظاهرين يصيحون كذلك: لبيك اللهم لبيك في مشهد متكرر، دنا الموت من كل واحد وأصبح المرء يظن أنه في أي لحظة سيودع هذه الدنيا وأيقن الجميع بالهلاك وانقطعت أسباب النجاة. كان النظام حازماً هذه المرة ولم يكن لديه مانع من قتل بعض السجناء وارتكاب مذبحة جديدة لإعادة النظام إلى السجن كما يزعم، ما عاد للسجناء من حل سوى المقاومة حتى آخر نفس وعدم الاستسلام للنظام الذي كان يعلم أن هجومه سيكلفه الكثير من الدماء. نقل النظام الطعام من مطبخ السجن ولكن تفجر الأحداث منعته من إكمال النقل حيث بقي بعض الطعام والطحين ساعد السجناء على الصمود، تشكلت لجنة للإشراف على توزيع الطعام القليل وكانت حصة الفرد لقيمات مع كأس من الماء في حالة أشبه بالمجاعة القسرية. صدرت فتوى من اللجنة الشرعية بوجوب تسليم ما يمتلكه كل فرد من طعام قوت مخزن ولو قليلاً أخذا بفتوى تقاسم الطعام عند المجاعات والضرورات، لكن الكثيرين من السجناء تبرعوا بطعام غير قوت لصالح إخوانهم الجرحى طمعاً في سرعة شفائهم في إيثار نادر في ظرف عصيب كهذا. بدا الأفق مسدوداً وسط إصرار النظام على استسلام السجناء وبدأ النظام في الحرب النفسية باستخدام مكبرات الصوت، كان يبث الأغاني الوطنية وبدأ بقراءة البيانات تلو البيانات لزعزعة السجناء وبث الفرقة فيهم حيث كان يدندن على نبذ الأقلية التكفيرية! بعد إحاطة السجن بالأسلاك الشائكة قرر بعض السجناء البدء بحفر نفق يصل للخارج ولكن النظام ما لبث أن علم به لاحقاً بعد أيام، حيث صرح في أحد بياناته الصوتية قائلاً: لا تخفى علينا أعمال الجرذان! وقام بحفر خندق حول السجن تحسباً لأي خروج محتمل من النفق، هذا الأمر قضى على آخر أمل لخروج السجناء وازداد انسداد الأفق وسط غياب أي تغطية إعلامية أو مجرد ذكر الخبر في وسائل الإعلام. كانت خطة النظام أن يبدأ هجومه اليوم الثاني للعيد مستغلاً عطلة العيد الطويلة من السبت إلى السبت أسبوعاً كاملاً، ومهّد لذلك قبل أيام بإقامة مشاريع عسكرية في ثكنات قريبة من السجن للتغطية على أصوات إطلاق النار التي سيقوم بها وعالج خطأه في 5/7 بمنع خروج أي أحد للسطح من خلال نشر القناصة كما فصلنا واستهداف كل من يرفع رأسه حيث حاول بعض الإخوة إشعال نيران هناك. لكن حاول السجناء لفت الانتباه لما يجري فقاموا بإحراق بعض البطانيات في المسدس بعد عجزهم من الصعود للسطح، علت أعمدة الدخان من السجن كرسالة من داخل السجن إلى العالم الخارجي حيث قمنا بتفجير خزان كبير من المازوت ملاصق لجدار السجن الخارجي بالمولوتوف أدى إلى حريق هائل بقي طول النهار ولم تستطع سيارات الإطفاء إيقافه وعلى إثر هذا الفعل تناقلت بعض وسائل الأنباء خبر أحداث في صيدنايا، وصلنا إلى أعتاب اليوم العاشر من الاستعصاء الثالث تقريباً حيث الأفق مسدود وسط الحصار والتجويع والقنص إلى حين حدوث أحداث هامة غيرت مجرى الأمور. ماذا حصل بعد ذلك وكيف تغير سير الأمور مع لفتات إنسانية وإيمانية، نتابعها في الحلقة القادمة.
تكلمنا في الحلقة الماضية عن اندلاع الاستعصاء الثالث والأخير في 6/12/2008 واستخدام النظام للرصاص الحي لإرغام السجناء على الاستسلام، حيث حصن السجناء السجن بما يتاح من التحصينات مع تعزيز الرباط والحراسة وبدؤوا يتكيفون مع الوضع الجديد انتظاراً لفرج الله فانتظار الفرج عبادة وكان الطعام قليلاً وتم تعيين لجنة للإشراف على الطعام وتوزيعه بسياسة تضمن الصمود والاستمرار وكانت برئاسة الأخ أبومالك القلموني والذي كان يعمل مع ورشة كاملة من الأخوة الثقات الأمناء من بينهم الأخ الشهيد أبو المغيرة فؤاد الفالوجي من درعا وكان صاحب مطعم فاستفيد من خبرته، كما أن الإخوة صنعوا من صفائح الحديد فرناً وقاموا بصناعة الخبز ووزع رغيف صغير جداً لكامل اليوم لكل فرد صنع من الطحين المتبقي في المطبخ.، ولا زلت أذكر أخونا الشهيد أبو دجانة الشيخ وكان قبل أن يوزع الطعام يدعو الله سبحانه أن يبارك لنا في الطعام وندعو معه وكنا نحس فعلاً بالشبع، وكانت المياه قليلة واقتصر الاستعمال على ما يبل الرمق حيث أمرت اللجنة الشرعية وجوباً بالتيمم والاستجمار والتزم الكل بذلك حتى الغير إسلاميين، وصلينا الاستسقاء وبعد سويعات قليلة من انتهاء الصلاة أكرمنا الله بنزول المطر وكنا قد وضعنا براميل بلاستيك تحت (المزاريب) التي امتلأت بماء الغيث، لكن النظام الخبيث الحاقد قام برش السطح بماء الصرف الصحي ومياه كبريتية وكربونية من خلال سيارات الإطفاء مما أدى لتلوث الماء ولكنّ غزارة المطر أذهبت هذا التلوث واستفدنا منها بالتنظيف والشطف والغسيل حيث مرت أسابيع ولم نضع نقطة ماء على وجوهنا. كان هناك أخ خطاط ووجدت أقلام تخطيط في قلم السجن فتم نشر الإعلانات والبيانات والنصائح والتوجيهات في الأجنحة مما أعطى الاستعصاء بعدا حضاريا وتم تأسيس مكتب للخدمات وهو أشبه بمكتب طوارئ يشرف على تسيير أمور السجن وتنظيمها وحل أي إشكال قد يحصل بين السجناء ومساعدتهم بما يتاح ومضت هذه الأيام بحلوها ومرها حتى وصلنا إلى يوم 17/12/2008 وهنا حدثت عدة حوادث مفصلية غيرت مجرى الأحداث وكانت متزامنة. فقد أصيب أحد السجناء من ppk من الحسكة اسمه تحسين وهو إيزيدي بطلق ناري مخترق لرأسه وكانت حالته حرجة للغاية، تم إجراء الإسعافات الأولية البسيطة والمتوفرة ولكن رفاقه من الأكراد طالبوا بإخراجه إلى مشفى النظام أملاً بعلاجه نتيجة لوضعه الحرج وقرر الأطباء أنه لا يمكن أن يقدم له شيء في السجن أكثر ومن الممكن أن تكون له فرصة بالنجاة إذا نقل إلى المشفى ولكن التصعيديين رفضوا خروجه بحجة أنه قد يسرب معلومات عن السجن وقد يكون ذريعة للتعاطي مع النظام مما قد يفتح الحلول التفاوضية المرفوضة. جاء الأكراد إلى أحد أعضاء اللجنة وهو أبو البراء صوفان مطالبين إياه بإخراج مصابهم ومذكرين بأنهم بقوا بإرادتهم التزاماً منهم مع الإسلاميين، خاف أبو البراء من حصول حساسية مع الأكراد وغير الإسلاميين مما يفيد النظام ولكن الجميع قوبلوا برفض قاطع من قبل التصعيديين بحجة أنه يزيدي كافر وقام أبو البراء بحشد مئات السجناء لفرض الأمر الواقع وإرغام التصعيديين على إخراج اليزيدي بالقوة وبالفعل تقابل الصفان بالبواري والرماح!! وكادت أن تكون مقتلة مهلكة ولكن تدخل بعض السجناء لفض الاشتباك و كذلك حصول أمر قدري نزع فتيل الفتنة ظاهره شر ولكن الله لطيف سبحانه. وهو في مشهد آخر ومتزامن كان النظام من الصباح يحشد مزيداً من القوات وشوهدت تحركات مريبة لأول مرة ودخل أصحاب البدلات الحمراء(كتيبة الكيمياء) وشاهد ذلك قادة لأول مرة كعلي مملوك وآصف شوكت وعلي مخلوف يزورون الحشود مما بدا أنه تحضير لهجوم كبير ستستخدم فيه الغازات بكثافة وفي الوقت الذي كاد أن يحصل فيه الاشتباك وإذ ينادي المنادي بأن النظام بدأ هجومه كما توقعنا واستخدم لأول مرة براميل تصدر غازات بدلاً من القنابل، وأحضر النظام (باكر بوكلاين) وبدأ بثقب جدران بعض الأجنحة واضعاً تحتها الاسفنج وبدأت مكبرات الصوت تطالب بالاستسلام: نحن لسنا ذئاب نحن دولة وبدا المشهد مرعباً وختامياً وبدأ النظام بقذف مئات القنابل والذخيرة الحية وأصبحت لا ترى أمامك من شدة الدخان الكثيف وظن الجميع أنها القاضية! وتفرق فريقا الاشتباك فلقد جاءهم ما يشغلهم وبدأ السجناء يحاولون سد الفتحات التي كان يحاول منها النظام إخراج بعض السجناء، فلقد كانت خطة مدبرة بين بعض السجناء من غير الإسلاميين والنظام حيث تم تحديد هذا الموعد لخروج هؤلاء السجناء بهذه الطريقة الخبيثة وتم إحباط هذه المحاولة ولم يخرج سوى سجين واحد هو الجاسوس العراقي المثير للجدل والمسمى بالمشهداني والذي استطاع الإفلات والهروب، كان النظام مجهزاً الأسفنج في الأسفل للقفز عليه والكاميرات تصور للإظهار للعالم الخارجي كيف أن النظام يريد إنقاذ السجناء من التكفيريين!! وكانت محاولة النظام إخراج السجناء من جناح ال ج يسار ثاني، ومباشرة صعد الانغماسييون من الطابق الأرضي إلى هذا الجناح وقاموا، بتفجير غاز(طبخ) كان معداً لهذا الأمر في ورشة من أول أيام 6/12 على البوكلاين فتراجع واستغلوا ذلك وسدّوا الثغرة التي فتحها تحت النيران وفشلت هذه الخطة الشريرة والتي كان من نتائجها الخيرة أن منعت الاقتتال الداخلي وحمد السجناء ربهم على هجوم النظام الذي بدا منقذاً للموقف!! وسقطت آخر ورقة للنظام والتي استخدم فيها أقصى ما يملكه من طاقات عسكرية لفرض حله وإذا بالمكبرات تصيح و تنبه السجناء إلى الاستماع لبيان هام وكانت لغة البيان هادئة تكلم فيها النظام بلغة محترمة قائلاً: إن شخصية قيادية كبيرة جداً من النظام تريد اللقاء والتفاوض مع لجنة مختارة من السجناء، وقال البيان: إن كنتم موافقين على التفاوض فارفعوا الراية البيضاء وبالفعل قام بعض السجناء برفع هذه الراية ومن هذه اللحظة تغيرت الأمور وتم استغلال هذه الأحداث والتطورات وتم إسعاف اليزيدي تحسين وإخراجه للمشفى كما طلب الأكراد ورد الله النظام لم ينل شيئاً وكفى الله المؤمنين. هدأ النظام من القنص ليسمح لأجواء التفاوض أن تسود وبدأ الجدل يدور بين السجناء حول هذه المفاوضات وشرعيتها والجدوى منها، ففريق من السجناء قرر أن ينزل على النظام بلباسه الداخلي قائلاً أنه سيحارب من يمنعه! وفريق اعتبر المفاوضات جريمة بل و ربما ردة عن الدين، وبين الإفراط والتفريط خشيت اللجنة ضياع الأمر وانفراطه وبالتالي خسارة كل شيء فقررت اللجنة القيام بمناورة سياسية داخل السجن لضبط الأمر، حيث أعلنت اللجنة عن ضرورة القيام بانتخابات يبين فيها السجناء عن موقفهم وعن ممثليهم في المفاوضات عبر التصويت فيما لو عقدت مع النظام وقررت اللجنة الشرعية أنه لا مانع من هذه الانتخابات على مبدأ "أخرجوا لنا عرفاءكم" فهي من مسائل السياسة الشرعية التي ينظر فيها للمصلحة. وكانت الغاية من هذه الانتخابات هي تشكيل رأي عام وبيان الممثلين الحقيقيين للسجناء وبالفعل تم ذلك الأمر وتمت الانتخابات على قضية التفاوض. وشارك فيها 1000 من السجناء وامتنع حوالي 200 واختلفت نظرة الممتنعين: فمن قائل أنها مفسدة واستسلام ومن قائل أنها ردة وسماها: برلمان صيدنايا. حاز أعضاء اللجنة على أغلبية الأصوات مما فهم أنه تفويض من أغلبية السجناء للجنة في عملية التفاوض مع النظام وأصبح التصعيديون أقلية فعلاً. أرسلت اللجنة رسالة للنظام تبين فيه الموافقة على المفاوضات للوصول إلى حل مشرف وبهذا تشكل فريق ثالث وسطي وهو التفاوض السياسي تحت الحراب! حيث ضمت الرسالة بعض أيات القرآن الكريم والبسملة فاعتبرها بعض الغلاة من التصعيديين إلقاء للمصحف وإهانة له وبالتالي كفر والله المستعان. ظهور هذه المواقف الغالية التكفيرية كان سبباً في انفضاض البعض عن التصعيديين وبدأت تدب فيهم الخلافات ويتناقص عددهم حتى وصلوا إلى ال50 فقط، نتيجة لأن أغلبية السجناء جنحت للمفاوضات فقد رضح كثير من التصعيديين لها وقبلوا بها من حيث المبدأ وطالبوا بممثلين لهم لكن لم يتم هذا الأمر. بعد أيام من المساجلات السياسية داخل السجن قررت اللجنة الانقسام إلى فريقين: فريق ينزل للنظام للمفاوضات وفريق يبقي لإدارة السجن لأي طارئ. ماذا حصل في هذه المفاوضات؟ وكيف كانت الأجواء أثناءها؟ هذا ما سنتكلم عنه في الحلقة القادمة وقد اقتربنا من النهايات.
تكلمنا في الحلقة الماضية عن الأحداث بعد 6/12 وأجواء السجن وقصة الكردي وتزامن ذلك مع مخطط النظام بهجوم شامل تم إحباطه ولله الحمد، وبعد 18/6/2008 أصبحت المرحلة هي مرحلة المفاوضات والتي أصبحت أمراً واقعاً بين مؤيد و موافق على مضض وبين معارض رافض. أيدت أغلبية السجناء المفاوضات على أن تتولاها اللجنة المنتخبة من السجناء لما لها من خبرة مع النظام وموثوقية لدى عامة السجناء، اجتمعت اللجنة المختارة ووضعت ضوابط للمفاوضات المقبلة والتي كانت أشبه بمغامرة فقد تغيرت المعطيات والظروف بالنسبة للطرفين، وخوفاً من أمر طارئ فقد قررت اللجنة الانقسام إلى مجموعتين: قسم يغامر ويذهب للمفاوضات وقسم يبقى في السجن لإدارته فيما لو غدر النظام. في يوم بارد عاصف والريح هائجة نزل فريق التفاوض وهم: أبوحذيفة الأردني وأبو البراء صوفان وفواز اللبناني وأبو بلال التحريري والشيخ سمير. نزلوا وسط نظرات استغراب واستهجان من قبل جنود النظام الذين حملقوا فيهم وكأنهم يقولون: من هؤلاء البشر الذين أشلشوا النظام كل هذه المدة؟ وبقي من أعضاء اللجنة المختارة: الشيخ أبوالعباس وأبو حمزة الجغل في السجن كما ذكرنا, وعند نزول الفريق المفاوض استقبلهم أحد الضباط وقام بتقييدهم وتطميشهم ووضعوا في سيارة وطلب منهم الصمت واقتادتهم هذه السيارة إلى جهة تبين لاحقاً أنها شعبة المخابرات العسكرية حيث آصف شوكت. وكانت المعاملة حازمة دون إهانات ووضع أعضاء اللجنة في منفردات دون الكلام معهم بأي شيء وهنا بدت الشكوك تساورهم حول المصير المجهول. دارت في أذهانهم أنهم سيُعدمون وأن النظام الآن يقتحم وكان بالهم مشغولاً بمصير السجناء الذين تركوهم وراءهم في هذه المهمة المستحيلة وبعد أكثر من يوم طلب هؤلاء العناصر وقيدوا إلى غرفة مقيدين مطمشين لمحاولة ترهيبهم ولكن لم يتم إذلالهم كما أظهر برنامج الجزيرة عن صيدنايا، وكان في الجلسة آصف شوكت و محمد منصورة (رئيس شعبة الأمن السياسي ) وربما ماهر الأسد وكان معهم خليل الخالد كونه قائد الشرطة العسكرية وحاول فريق النظام تذكير لجنة السجناء بقضاياهم التي سجنوا بسببها كما فعل فرعون مع موسى "فعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين". صمدت لجنة السجناء أمام ترهيب النظام وكانوا متصلبين وبعد جولة عسيرة مع النظام أُخرجوا وعادوا في اليوم الثاني لجولة جديدة وحاولت لجنة السجناء الحصول على عفو عام وإخراج السجناء وطلبات عالية ولكن النظام رفض كل ذلك عارضاً خطته للحل من أربع نقاط: يتم نقل السجناء إلى سجن عدرا تحت وصاية وزارة الداخلية ويغلق باب المحاسبة على الأحداث وتفتح الزيارات مع وعود عامة بالإصلاحات والتحسينات. وطالبت اللجنة النظام بإذاعة هذه النتائج على الإعلام ولكنهم قوبلوا برفض قاطع من النظام والذي قال لن أكرر تجربة 5/7/ 2008التي أبرزت الإعلام. وكان النظام حاسماً في أمره قائلاً سنكرر تجربة (الباكر) وإحداث الفتحات وسنرهقكم بالغازات وسنستمر هكذا شهراً شهرين بل شهور حتى تستسلموا لنا، ومع الزمن سينفد الماء والطعام وسوف تتساقطون من شدة الجوع والعطش والإعياء ولن نبذل حينها جهداً في التقاطكم!!! رأت اللجنة أن النظام لديه رغبة في الحل وإنهاء الملف وأن القبول بهذا العرض قد يقي السجناء من نتائج أسوأ فيما لو تم التعنت وهذا أفضل الموجود. وفي مشهد آخر وعندما فارقت اللجنة السجن كان السجناء في ترقب و تحسب لأي طارئ حيث خيم القلق والترقب عموم السجناء وقد حدث أمر وهو أن النظام استهدف أثناء ذهاب لجنة المفاوضات أحد السجناء من البوكمال واسمه: ناجي الوادي بطلقة قناصة أردته على الفور رحمه الله. هل كان هذا الحدث متعمداً من النظام لإفشال المفاوضات أم كان عرضياً, كان الأمر مقلقاً وتم إرسال رسالة للنظام فيها تنديد، وبمقتل هذا الأخ وكيف يمكن السير في المفاوضات مع هذا الغدر!! فرد النظام عبر المكبر بكل وقاحة وعهر: أنكم أنتم أيها السجناء من قتلتموه!! وأن الطب الشرعي سيكشف هذه الجريمة وأنكم أيها السجناء من يسعى لإفشال المفاوضات فتم الرد كيف ذلك ورفاقنا عندكم للتفاوض!! فكيف نفرط فيهم! وتم عقد اجتماع لباقي اللجنة مع بعض الوجهاء من السجناء حول كيفية العمل فيما لو تم خطف لجنة المفاوضات أو إعدامهم؟ وكيف الرد على مقتل ناجي. وتم إجراء تحقيق ميداني فكان من المرجح أن الأمر كان عرضياً حيث قام ناجي الوادي بحركة استهزاء للقناص الذي انتقم بهذه الطريقة الخبيثة. وتقرر الانتظار والصبر لمدة ثلاثة أيام وفعلاً بعدها جاء نداء عبر المكبر إلى السجناء حيث يترقب السجناء للسماع بفارق الصبر، تلا البيان الشيخ سمير وذكر فيه خطة النظام السابقة وكان السجناء في ترقب وحذر وغلب على ظنهم أن اللجنة معتقلة ومكرهة على إذاعة البيان. ولكن كانت اللجنة منسقة مع باقي أعضائها بشيفرة وهي ابتداء الكلام بالسلام عليكم وأن هذا يعني أن الوضع طبيعي وليس هنالك إكراه على الكلام، وإن بدأ الكلام بغير السلام عليكم فالوضع غير طبيعي والكلام تحت الإكراه وعليكم أن لا تأخذوا به فهنا اطمأن السجناء إلى صحة كلام اللجنة وجديته. وصعد بعض أعضاء اللجنة إلى السجناء لشرح ما جرى وتحفظ النظام على البعض الآخر وخاصة أبو حذيفة الأردني ولم يسمح له بالصعود، ولكن زاره بعض رفاقه في الخيمة حيث طمأنهم إلى نتيجة المفاوضات وأنه لا مجال لأكثر من هذا وهذا ما لمسه حقيقة دون إكراه أو ضغط، كان الجو العام مضطرباً حينها حيث سارع الانبطاحيون إلى الموافقة المباشرة وطالبوا بالنزول فوراً على النظام بكل حماسة مما أربك الموقف. هؤلاء الانبطاحيون لا تهمهم إلا أنفسهم ومسارعتهم بالاستسلام دون وجود ترتيب عام قد يضر كثيراً باقي السجناء. حاولت اللجنة لملمة الأمور بأنه لا يمكن الموافقة على الخطة إلا بعرضها من جديد على اللجنة الشرعية وتقييمها مرة أخرى داخل السجن وكان الهدف كذلك أن يتم إقناع المترددين والرافضين أو على الأقل عدم اعتراضهم على الحل وبالفعل اجتمع الشرعيون وقرروا: أنه لا مانع من الاستئسار مرة أخرى وذلك نتيجة العجز عن المدافعة واستدلوا بقصة استئسار خبيب بين عدي في قصة عاصم، وأن الخيار مفتوح لمن يرى عدم الاستئسار وهذا جائز أيضاً ولكن عليه أن يلتزم بالهدوء ريثما يخرج من يريد الإستئسار من السجناء ، وتم إعلان الفتوى وإبلاغ النظام بالموافقة على أن يتم نقل السجناء بطريقة مشرفة متدرجة على دفعات وأن يرجع قسم منهم لطمئنة رفاقهم وبدأت الدفعات تنزل يوماً بعد يوم مع بعض المضايقات من قبل التصعيديين الذين بدأت صفوفهم تهتز وتتناقص مع خروج السجناء وتسليمهم أنفسهم. قسم من التصعيديين كان صادقاً وقال: هذا خيار السجناء وهم إخواني وقد تعبوا ولا حرج عليهم وأسأل الله أن يوفقهم وأما أنا فسأبقى للنهاية، وقسم آخر كان يرى أنه متورط في بعض الأحداث وأن مصيره سيكون الإعدام وأن قتله مواجهة أشرف من أن يستأسر ويفتن عن دينه!! وقسم بدأ بحملات التكفير بدعوى النزول على حكم الطاغوت والعجيب أن أغلب هؤلاء استسلموا في النهاية للنظام بدعوى: أنهم تحت إكراه ملجئ معذورون وأما من نزل ابتداء فهو كافر مرتد لأنه لم يكن مكرهاً وكانت لديه القوة حينها (حسب رأيهم). نزل أغلب السجناء من الإسلاميين وغيرالإسلاميين ولم يبق إلا الجهاديون الذين كانوا لا يتمنون النزول حقيقة وربما فكر الكثير منهم بالبقاء!. كما ذكرنا سابقاً من أول يوم في 6/12 قام القتاليون بحفر نفقين الأول تمويهي والثاني حقيقي وكانت الخطة للهروب أولاً، لكن لما صعب وطال الأمر تغيرت الخطة للقتال بحيث يصل النفق إلى ما وراء خيم العسكر فقط ويخرج الانغماسيون للالتحام معهم والحصول على السلاح. أثناء ذلك كشف النظام النفق ولم يحدد مكانه بدقة وخاطبنا عبر مكبرات الصوت أن أعمال الجرذان لا تخفى علينا وهنا بدأ اليأس يدخل لصفوف المقاتلين. يوم تلت اللجنة البيان قام المشرف على حفر النفق بردمه بحجة أن النظام كشفه وهو كان يقصد بهذه الخطوة زعزعة صفوف التصعيديين ومزيد من إحباطهم وبالفعل انخفض عدد الرافضين للاستسلام كثيراً بعد ردم النفق حيث كان أملهم الوحيد وبقي 35 سجيناً في النهاية رفضوا الإستئسار. وفي ليلة 30/12/2008قام بعض التصعيديين بخطوة انفرادية حيث أرادوا الهجوم على النظام عبر النفق الذي تكلمنا عنه واستغلال الجو الضبابي جداً، فقوبلت هذه الخطوة باستهجان من قبل الدفعة الأخيرة لأنها قد تعرض السجناء للخطر وتقضي على رغبة من يريد النزول وفيها نقض للعهود. وكانت ليلة حاسمة وسهر سجناء الدفعة الأخيرة من الجهاديين والذين كانوا يرون بوادر معركة حاسمة يريد بعض التصعيديين فرضها عليهم ومرت ساعات تلك الليلة بصعوبة وطلع الفجر ولم يبق إلا الدفعة الأخيرة لتخرج من السجن وبدأت الترتيبات بالخروج لهذه الدفعة، وكان الجو بارداً للغاية والأجساد منهكة والجو متوتر للغاية وسط استمرار التصعيديين تحضيراتهم للهجوم على النظام. ماذا حصل في ذلك الصباح الشاتي هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة مع أحداث أخرى إن شاء الله.
تكلمنا في المرة الماضية عن مآل المفاوضات والتي انتهت بتسليم أغلبية السجناء أنفسهم للنظام مقابل خارطة طريق عرضها النظام، كان السجناء يتم تحويلهم إلى أماكن مختلفة جهزت على عجل مما يشعر أن النظام لم يكن متوقعاً هذه الاستجابة من قبل السجناء، ونزل أغلب السجناء وبقيت الدفعة الأخيرة منهم وجلهم من الجهاديين وفي ليلة 30/12/2008 كاد التصعيديون أن يشعلوا السجن بهجوم على النظام، لكن بسبب خلافات فيما بينهم ولإعطاء بعض قياداتهم عهوداً بعدم شن أي هجوم قبل نزول جميع السجناء وكذلك بسبب ضغط الدفعة الأخيرة ولم يتم هذا الأمر وظل السجناء وكنت منهم متأهبين ساهرين حتى بزغ الفجر ولكن بعض التصعيديين كان مقرراً أن يهجم أثناء نزول هذه الدفعة وكان الوقت عصيباً جداً حينها وأحس النظام بشيء فكان متأهباً جداً وكان يقوم بتفتيش شكلي للإسراع في استلام السجناء المستسلمين، تبايع ال 35 أخا المتبقين على الموت وأعطونا عهود أن لا يفعلوا شيء حتى ينزل آخر أخ ممن يرغب بتسليم نفسه ووفوا بذلك في النهاية. أثناء نزول آخر دفعة ظهيرة يوم 31 /12 /2008 وحيث كانت تخضع للتفتيش في الخيمة قام الإخوة المتبقون بإحداث فتحة في جدار جناح ال ج يسار أرضي، والغاية هي انغماسهم والوصول إلى أقرب قطعة سلاح بحيث يبدأ الالتحام مع العسكر وبالفعل انطلق أول أخ من الفتحة فأردوه قتيلاً على الفور وتبعه الثاني ثم الثالث حتى وصلوا إلى ثمانية إخوة وكلهم قتلوا قبل أن يصلوا إلى السلاح وحينها قرر الآخرون التراجع إلى المسدس وإغلاق الفتحة. هؤلاء الثمانية هم على الترتيب: أبو خالد الكندي (عراقي تركماني)- أبو سعيد الضحيك (بورية من تلبيسة حمص) - أبو حمزة عتابا (فلسطيني هو كان أميرهم)، كذلك أبو حمزة (قطنا- ريف دمشق) – باسل مدراتي (حلب) - عمر الحناوي (حلب) - أبو سعيد دروشا (نازحي الجولان) - أبو صلاح الفلسطيني رحمهم الله. هؤلاء الإخوة الثمانية كانوا معروفين بصدقهم وجديتهم رغم مخالفتهم لجمهور السجناء إلا أنهم يحظون باحترامهم بسبب صدقهم في طلب الشهادة، وللعلم فإن هؤلاء الإخوة لم ينخرطوا في تكفير من أخذ بالرخصة ونزل وإنما فقط عتب وتأثيم وفي الأخير قالوا للسجناء لكم خياركم رحمهم الله وغفر لهم. بعد مقتل هؤلاء الإخوة بقي حوالي 25 سجينا بينهم جرحى وتراجعوا إلى المسدس وقرروا الصمود حتى النهاية وتخلوا عن فكرة الهجوم المباشر، كان أبرزهم الأخ أبو علي تفتناز والذي كان يحلم بتفجير صنم حافظ الأسد في بلده واعتقل بسبب تحضيره لتفجير الصنم فحقق الله أمنيته بعد استشهاده بسنوات، وبقي بعض أعضاء اللجنة يترددون على البقية يحاورونهم عبر النوافذ لمحاولة إقناعهم بتسليم أنفسهم واللحاق بإخوانهم فرفضوا ذلك. وفي مساء ذلك اليوم قام شخص منهم اسمه أبو مسلم الفلسطيني -من الغلاة ومّمن كفّر من نزل- بتسليم نفسه ليلاً دون علم أحد وعندما افتقده رفاقه، قاموا بالبحث عنه ولم يجدوه، فتبين لاحقاً أنه تعاون مع النظام وأعطاه معلومات عن (الغازات المعدة للتفجير) وخطة من تبقى للدفاع إن تم الاقتحام، وكان واضحاً أن النظام يريدهم أحياء وصبر عليهم كثيراً وفي الوقت نفسه تم إعادة اعتقال لجنة السجناء وتوزيعهم على مكانين: بين القابون حيث مقر الشرطة العسكرية (أبو حذيفة الأردني) والباقي في منفردات السجن الثاني (حسن صوفان وأبو سليمان وأبو بلال وفواز اللبناني)، وأثناء تواجدهم بالمنفردات سمع الأخ حسن صوفان صوت إطلاق نار كثيف وعرف أن خطباً ما حصل في السجن فحاول تحصيل موافقة للعودة إلى السجن، ليفهم ما جرى ويقنع البقية بتسليم أنفسهم حقناً لدمائهم فرفض طلبه حتى أضرب عن الطعام أربعة أيام ثم وافقوا له على ذلك وسمحوا له ولفواز اللبناني بالذهاب إلى السجناء فكلموهم من المطبخ وقال لهم حسن صوفان مستخدماً أسلوبه العلمي ووقوته في الاحتجاج والمناظرة: لا يجوز لمن تحدثه نفسه الاستسلام أن يمتنع عن ذلك استحياءً ومخافة كلام إخوانه عليه فهذا من النوايا المحرمة كما تكلم ابن النحاس في مشارعه، وبالفعل كان هذا الباعث موجوداً عند البعض فاقتنع شخصان وعادا مع صوفان وفواز وسلما أنفسهما وهما سلمان خلف الجبر وشقيق علي الخطيب من حمص. وفي 14/1/2009 قام شخص مشبوه منهم اسمه نديم البالوش من اللاذقية (أحد أمراء داعش الآن) والذي كان يكفر من نزل ويؤجج الفتن ويحرض على اللجنة، وكان بالوش معروفاً بخطبه الثورية الحماسية قام بطلب لقاء آصف شوكت للمفاوضة حول وضعهم وتبين لاحقاً أنه لا يمثل إلا نفسه وأنه تصرف شخصي منه، كذلك تكرر لقاء فراس الصغير وأبو الفاروق الحسكاوي مع آصف شوكت دون نتيجة وبدأ النظام يفقد صبره ويستعد للهجوم عليهم. ويقال أن عمرو العبسي (أبو الأثير والي داعش في حلب سابقاً) وشخص آخر التقيا آصف شوكت حتى أصبح لقاء آصف مهزلة في أعين ضباط النظام...، الذين عبّر أحدهم عن امتعاضه من ذلك وقال: في حياتي كلها لم أتجرأ وأطلب لقاء رئيس شعبة المخابرات العسكرية (آصف شوكت) وهؤلاء السجناء يلتقونه! طبعاً نديم البالوش كان مقرراً أن يعود للسجناء بعد لقائه مع آصف ولكن لم يعد نهائياً لهم وتفاجأ الجميع بعد فترة أنه خرج إلى بيته بصفقة سرية، وقبل خروجه بقي متنقلاً بين أفرع المخابرات وكان له مكانة خاصة ويقابل آصف بشكل متكرر ويعاقب من يخالفه حتى كان الناس يسكتون أمامه خوفاً من العقاب. هنا قرر النظام الاقتحام وبالفعل ليلة 27/1/2009 قام بالاقتحام وقتل قسماً منهم وأسر الباقي كما أنه قتل البعض بعد أن أسرهم مثل فراس الصغيرو، ونعمان الشماط ويبدو أن فراس الصغير وهو من حرستا ويتقن عدة لغات دفع ثمن جرأته أثناء لقائه مع آصف شوكت حيث عرف عنه سلاطة لسانه -رحمه الله- قتل 15 شخصاً أثناء الاقتحام من أبرزهم أثير الشاكر من الميادين وفراس الصغير وأبو الطيب الدردار مهندس النفق وأبو الفاروق الحسكاوي، وتم أسر الباقي وتحويلهم إلى فروع المخابرات وتمت معاملتهم معاملة عادية خلاف المتوقع لغاية عندهم وتمهيداً لمحاكمتهم لاحقاً من جهة أخرى. وبهذا أسدل الستار على ملحمة صيدنايا بعُجرها وبُجرها ودخل النظام السجن لأول مرة منذ 5/7/2008 وسيطر على الموقف كاملاً ومشط السجن المدمر. الأحداث التي حدثت بعد نهاية الأزمة ومصير السجناء ومصير اللجنة هذا ما سنبحثه في الحلقة القادمة بإذن الله....
تكلمنا سابقاً كيف انتهت صفحة صيدنايا الملحمية بعجرها وبجرها وكيف اقتحم النظام في النهاية في تاريخ 27/1/2009 حيث تمكنوا من تمشيط السجن، فقتل قسم وتم أسر قسم آخر واستسلم قبل الاقتحام البعض أغلبهم كانوا جرحى ودخل النظام إلى السجن المدمر المحترق وصوّر كل ذلك، وبلغ عدد القتلى الإجمالي في كل مراحل الاستعصاءات 58 سجيناً بكل أنواع الموت ومنها التصفية تحت التعذيب وعدد الجرحى تجاوز ال 80 جريحاً، كما ذكرنا كانت دفعات السجناء تنقل إلى أماكن مجهولة حيث يوضعون في مهاجع كبيرة غير مجهزة بشيء ممّا يشعر بعدم تحضير النظام لهذا الحل، أغلب السجناء نقلوا إلى سجن عدرا حيث وضعوا في صالات رياضية وأقبية لجناح المخدرات وكان يوضع في المكان الواحد أكثر من مائة سجين وتم نقل قسم آخر وتوزيعهم على الفروع الأمنية وهي (فرع فلسطين –فرع الدوريات- فرع أمن الدولة- فرع التحقيق-سرية المداهمةوشعبة المخابرات العسكرية، وهناك قسم آخر نقل إلى بناء آخر مجاور لسجن صيدنايا يطلق عليه اسم السجن القضائي يبعد 3 كم عن سجن صيدنايا المعروف بمسدسه، أما اللجنة فتنقلت بين عدة أماكن بين شعبة المخابرات والقابون (حيث مقر الشرطة العسكرية المركزي) ومنفردات السجن القضائي وأخيراً في فرع الدوريات، وأما الذين تم أسرهم في اقتحام27/1/2009 فتم نقلهم إلى القابون حيث مقر الشرطة العسكرية وقتل هناك تحت التعذيب نعمان الشماط من سرغايا غفر الله له، ثم نقلوهم إلى شعبة المخابرات العسكرية وبدؤوا التحقيق معهم حيث كانت أسماؤهم وكل المعلومات موجودة مسبقاً عند المخابرات من قبل الجواسيس والعملاء، وكان السجناء يتوقعون البطش بهم والانتقام والدواليب كنوع من رد هيبة النظام ولكنّ النظام على غير عادته كانت معاملته عادية ولكنها صارمة وحذرة، حيث سمح للسجناء بإظهار شعائرهم الدينية حيث كان الأذان جهراً والصلاة جماعة وإطلاق اللحى وإرخاء الشعور وحتى دروس الشريعة واللغة العربية. أما من ناحية الخدمات فيختلف الحال من مكان إلى آخر وإن كانت الفروع الأمنية هي الأفضل من حيث المعاملة والخدمات وبقينا على هذا الحال ستة أشهر، وتم فتح ملفات تحقيق بالأحداث وأشرف عليها ضباط كبار كانوا على درجة من الحرفية والخبرة ومن أبرزهم الضابط صلاح وكان قد خضع لدورات في ألمانيا وكان التحقيق قوياً دون تعذيب ولكنهم استطاعوا الحصول على جميع المعلومات بسبب وجود متبرعين كما ذكرنا من وجود هذا الداء في الحركات الإسلامية. استمر التحقيق أشهراً حيث خضعت اللجنة ومن في الفروع الأمنية وسحب بعض العناصر من عدرا وتم تجهيز ملف كامل ورفع إلى مكتب الأمن القومي. المعلومات تشير بقوة إلى أن هذا التقرير لم يكن عادياً حيث شمل تقييماً عاماً لطبائع السجناء وأفكارهم ومناهجهم ويقال بأن النظام اعتمدها لاحقاً، وفي نفس الوقت الذي كان فيه التحقيق يجري كان النظام يعمل ليل نهار على تجهيز سجن صيدنايا المدمّر لإعادة السجناء إليه مرة أخرى، لكن النظام لم يطلع السجناء على هذا الأمر لأنه كان يوعدهم بالانتقال إلى سجن مدني كما ذكر في خارطة الحل التي اقترحها في مفاوضات إنهاء الأزمة، ونتيجة لاكتظاظ السجناء وطول المدة كان يأتي مسؤول ويعطي جرعات تخدير وتنفيس للسجناء وتأكيد للوعود الكاذبة التي كان يطلقها بين الحين والآخر، بعد ستة أشهر تم إعادة أول دفعة إلى السجن المرمم والمطلي بالأحمر والذي أطلق عليه السجن الأحمر لاحقاً واحتفظ بالباقي لستة أشهر أخرى. كان النظام حريصاً على سرعة إنجاز هذا الأمر لإظهار هيبته من جهة ولطمأنة العالم الخارجي من جهة أخرى حيث تناقلت وسائل الإعلام أحداث صيدنايا، وأول ما وصلت الدفعة الأولى حلقوا لها الشعور واللحى وكانوا حازمين جداً والذي رفض هددوه بالمنفردات واتبعوا أسلوب الترغيب والترهيب بذلك. السجن أصبح عبارة عن أقفاص حديدية حيث صفحوه كاملاً وكل شيء بالبلاستيك من أدوات الطعام وأدوات الصحية وممنوع الندوات، والدواء والطعام سيء للغاية، ومنعت صلاة الجماعة وكنا نصلي خفية ولا يسمح بالجهر بالأذان وتم زرع كاميرات مراقبة في الأجنحة وإقفال الأبواب بشكل محكم وتقليل منافذ التهوية. تفاجأ السجناء بسرعة فتح الزيارات حيث تم ذلك بعد شهر تماماً من وصول أول دفعة وكان ذلك في 20/7/2009 وانتشر خبر الزيارات على الإعلام، وتم استقدام القسم الثاني من السجناء بعد ستة أشهر من القسم الأول وكانت المعاملة أفضل لهم إلا أن المراقبة والحذر كان أكثر، واللجنة عادت إلى السجن آخر شيء مع السجناء الذين تم أسرهم أثناء الإقتحام واستطعنا تحقيق اتصال معهم بعد جهد كبير وفهمنا منهم ما جرى معهم. فأبلغونا أنه في فرع الدوريات جُمع رؤوس الاستعصاء وعاملوهم معاملة خاصة ومن أبرزهم: أبو حذيفة وأبو سعد قاعود وحسن صوفان والجغل وأبو الصادق، هؤلاء الإخوة ورغم ما كان بينهم من خلافات إلا أنهم تصارحوا ومن ثمّ تصالحوا وسامح بعضهم بعضاً وأخبر أبو حذيفة أبا حمزة بأنهم على منهج واحد. كان هذا المشهد رغم أنه جاء في وقت متأخر إلا أنه كان مؤثراً حسب ما نقل لنا حيث نزلت الدموع وغُسلت القلوب وأحسّ الجميع بوحدة المصير، ولم يكن يخطر ببالهم أن النظام يعد لهم مكيدة كبيرة وإن كان قد تفرّس حسن صوفان وأبو حذيفة بأن الأمر سينطبش برأسيهما أكثر شيء لدورهما في السجن، وبالفعل بدأت المحاكمات على عجل مكبلين ومطمشين حيث تم الحكم بالإعدام على عشرة من السجناء نًفذ الحكم في ستّة منهم وهم: أبو حذيفة الأردني- سامي المضاوي- محمد احمد كيلاني من الغوطة- أبو سعد قاعود فلسطيني-أبو الزبير شعفاطي فلسطيني-كمال ديبان من درعا. وتم تخفيض الإعدام إلى مؤبد للأربعة الباقين وهم: حسن صوفان- فؤاد النعال من دمشق- إبراهيم الصقور أردني - محمد الشهابي نازح وهم لا يزالون معتقلين. استغرب السجناء وجود بعض الأسماء في الإعدامات والمؤبدات وفُسّر الأمر بأن النظام يريد إغلاق الملف وتلبيس الأمر لهؤلاء الأشخاص. وقبل اندلاع الثورة بأيام نُفذ الإعدام بهؤلاء الإخوة فجراً ونقل لنا أحد عناصر الشرطة ممّن حضروا الإعدام ذلك المشهد حيث صعدوا إلى كرسي المشنقة بثبات وغير آبهين بالموت وكانت حناجرهم تصدح بالتكبير حيث كفروا النظام النصيري وحزب البعث قائلين لهم أيامكم معدودة وموعدنا في أعدل محكمة. يقال أن طلعت محفوظ وآصف شوكت وبعض الضباط حضروا الإعدام بأنفسهم كنوع من التشفي والانتقام من أناس ركّعوا النظام وأجبروه على التعامل الندي، ولم يقف حقد النظام على هذه المجموعة بل تم تجهيز اضابير 200 من السجناء لإجراء محاكمات بحقهم بتهم التمرد وبالفعل نزل بعض الأشخاص إلى المحكمة، ولكن اندلعت ثور تونس ولحقتها مصر وليبيا ثم الثورة الشامية ممّا جعل النظام يوقف المحاكمات وينسى صيدنايا ويلتفت إلى المظاهرات وقمعها. بسبب ضغط المظاهرات تم إلغاء قانون الطوارئ وعلى إثره خرجت أول دفعة ممّن أنهوا ربع المدة بتاريخ 26/3/2011 وكان عددهم 279 شخصا، وهذا هو السبب الحقيقي الإجرائي والقانوني لخروجهم وليس كما يدندن الإعلام أن النظام أخرجهم في مؤامرة ليحول الثورة من سلمية إلى مسلحة، وأكبر دليل على ذلك بقاء قيادات كبيرة وفاعلة داخل السجن لم تخرج لأنها لم تحقق ربع المدة وبعدها قام النظام بتحويل السجناء إلى محافظاتهم، وكل من ينهي ربع مدة حكمه يخرج قانونياً وخرج الكثيرون إلا أن الأخوة في سجن حلب حوصروا وحدثت معهم أحداث رهيبة أثناء أحداث سجن حلب المركزي، وانتهز الفرصة للتنبيه على هؤلاء الأخوة فقد دخل النظام إلى السجن بعد فك الحصار واقتادهم إلى جهة مجهولة ولا أحد يعرف مصيرهم إلى الآن، ومن هؤلاء الأخوة أخوة أفاضل كالشيخ مصطفى حورية وعمار تلاوي وآخرون ، كانوا في سجن حلب المركزي فأين المنظمات الإنسانية عنهم وأين الجماعات!! وللعلم فإن الإسلاميين الذين كان يتم اعتقالهم بعد 2008لم يتم تحويلهم إلى صيدنايا إلا قبيل الثورة مع تعليمات مشددة بعدم احتكاكهم مع القدماء، ولم يتم اللقاء بهم إلا عند التحويل إلى السجون المدنية حيث اجتمع جميع الإسلاميين وكان الواحد يمضي محكوميته ويخرج حتى فترة قريبة تم إيقافها، خرج سجناء صيدنايا من الإسلاميين ليتم ملؤه مرة أخرى بسجناء الثورة فيرتكبوا جرائم هي أبشع مما سبق فقد تغيرت المعطيات وفقد النظام صوابه وعقله. ولا يزال من تلك الحقبة إخوة أفاضل لا يزالون قابعين في الأسر قدموا لأمتهم وعملوا لنصرة هذا الدين يوم كان الكثيرون يصفقون للظلمة والطغاة، فلا يجوز لنا أن ننساهم فلا يستوي من عمل قبل الثورة ممن عمل بعدها, وحقهم علينا كبير نسأل الله أن يفك أسرهم ويجمعنا بهم على طاعته. وبهذا نكون قد أنهينا الكلام عن أحداث هذه الملحمة بعجرها وبجرها وسردنا أحداثها ليبقى الحديث عن عبرها وفوائدها وآثارها لاحقاً إن شاء الله. وللعلم فتوثيق هذه المرحلة يحتاج عملاً أكبر ولكنني أحببت أن يطلع الجيل عليها للأهمية فما لا يدرك جله لا يترك جله ولعلي أوثقها كاملاً.
من مدونة د.مظهر الويس
@Dr_shamee
نيكولاس إينين
حذيفة عبد الله عزام
محمد ممدوح جنيد
محمد ياسر الطباع
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة