نشر "مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية" التركي دراسة عن المنطقة الآمنة في سوريا، وتستعرض تحديدا أهداف إقامة منطقة تركية آمنة في سوريا والمخاطر الناجمة عن ذلك، لينتهي كاتب الدراسة، أويتون أورهان، بوضع خريطة لأربعة اقتراحات بمناطق آمنة، وتحمل الدراسة طابع النصح للحكومة التركية من منطلق المصلحة التركية الوطنية، إذا قرّرت أنقرة التدخل عسكريا.

يستهلّ أورهان بحثه، المرفَق بالخرائط السورية، بالتشديد على أن فهم الأهداف المتوخّاة من إقامة منطقة آمنة يفيد بتقدير أين وكيف ستُنشأ منطقة آمنة تركية على الحدود مع سوريا.

وفي تقديمه لموضوعه، يشير الكاتب إلى أنه أمام قرار عدم التدخل عبر ضربة عسكرية خارجية، يُطرح خياران: إما إقامة منطقة آمنة تركية أو تسليح المعارضة السورية، بما أنه "من شبه المستحيل أن يتراجع أي من المعسكرين عن مواقعهما، بالتالي سيستمرّ النزاع إلى أن ينتصر النظام أو المسلحون المعارضون له".

ويوضح معد التقرير أنه "انطلاقا من أن القوة غير متكافئة حالياً بين الطرفين، من الصعب جدا تغيير نظام الرئيس بشار الأسد من دون خطوات عسكرية أجنبية أو تقديم دعم عسكري خارجي للمسلحين المعارضين".

وترى الدراسة أن خيار المنطقة الآمنة ينبغي أن يراعي عدة معايير، منها اختيار الأرض الملائمة لتستضيف المنطقة الآمنة المحتملة، كالتوزيع الإثني والديني والمذهبي للسكان في المناطق الحدودية مع تركيا، إضافة إلى العلاقة القائمة بين سكان هذه المناطق والنظام السوري، ونظرة سكان هذه المناطق إلى تركيا، وطبيعة علاقتهم معها ومقاربتهم لخيار المنطقة الآمنة، فضلاً عن وجود (أو انعدام وجود) تنظيمات (وخصوصاً حزب العمال الكردستاني أو ما يدور في فلكه) في هذه المناطق قد تشكّل تهديداً ضد تركيا من دون نسيان الطبيعة الجغرافية لتلك المناطق.

بعد تعداد الأسباب التي تحول دون قدرة المنشقين والمسلحين المعارضين على تشكيل ميزان قوى في وجه الجيش الرسمي وجزمه بأن إمكانات التسلُّح من دول الجوار لا تزال محدودة، يلفت أورهان إلى وجود خيارين لا ثالث لهما للتخلص من نظام الأسد: تسليح المعارضة، وهو ما ترفضه واشنطن وباريس لكونهما لا تعرفان مَن يدير المعارضة وما سيكون مشروعها السياسي ليبقى الخيار الثاني، وهو إقامة منطقة آمنة.

ويذكّر الكاتب بأن الشرط الوحيد الذي يُغني تركيا عن الشرعية الدولية لإقامة منطقة آمنة، هو أن يتعرض الأمن التركي إلى تهديدات ومخاطر، أي أن يصل عدد اللاجئين السوريين إلى أرقام ترى أنقرة أنها باتت لا تحتمل.

وانطلاقاً من المصلحة التركية، يرى أورهان أنّ المكاسب التي قد يأتي بها خيار المنطقة الآمنة، تتمثّل بالسماح لمسؤولين وقيادات من النظام باللجوء إلى تلك المنطقة، "من ضباط جيش واستخبارات وسياسيين وبيروقراطيين ممن لم ينشقوا بعد لأسباب أمنية". وبهذا، يمكن للمنطقة الآمنة أن "تخلخل النواة الصلبة للنظام".

كما أنه "لن يكون ممكناً تنظيم الجيش المعارِض من دون منطقة آمنة، بالتالي إنشاء هذه المنطقة سيكون العامل الذي سيسمح بتنظيم المسلحين، عندها، ستزول العقبات الحالية التي لا تزال تحول دون تسليحهم". ويضيف أورهان: "مع إنشاء المنطقة الآمنة، سيضطرّ النظام السوري إلى التخلّي عن استراتيجية شراء الوقت والمماطلة".

هذا من ناحية الأهداف العملية، أما السؤال الثاني الأهم، فيبقى معرفة أين يمكن إقامة هذه المنطقة الآمنة؟

قبل أن يبدأ أورهان في تحديد المناطق الآمنة المحتملة، يتحدث عن تركيبة وجغرافيا وسكان المحافظات السورية المحاذية للحدود التركية، حيث يمكن أن تقام المنطقة الآمنة والتوجهات السياسية لسكانها.

يبدأ باللاذقية، حيث يعيش التركمان السوريون في القرى الساحلية منها، تلك الواقعة على عمق نحو 70 كيلومتراً من الشريط الحدودي، "وهذه القرى منتشرة بين القرى العلوية"، بينما الشق الداخلي من اللاذقية تقطنه قرى سنية "وهناك انعدام للثقة بين السنّة والعلويين والتركمان في هذه المنطقة".

ووفقا للباحث، فإن التركمان في اللاذقية معارضون للنظام، لكنهم لا يزالون هادئين، باعتبار أنهم يعيشون في اللاذقية حيث النظام قوي والعلويون هم الغالبية. وفيما تبدو اللاذقية "منطقة مخاطرها منخفضة لإقامة منطقة آمنة فيها، لكون التركمان يعيشون في المنطقة الحدودية، إلا أنها تحمل مخاطر عديدة بالنظر إلى أن النظام لا يزال قويا فيها، وهي شديدة الأهمية بالنسبة إليه، إضافة إلى أن المناطق التي يقطنها تركمان مختلطة أو مجاورة لقرى العلويين، ما قد يجعل المنطقة الآمنة هناك عرضة للاعتداءات".

أضف إلى ذلك، فإن الطبيعة الجغرافية للاذقية "ليست مناسبة لإقامة منطقة آمنة من ناحية السيطرة العسكرية عليها، لكونها منطقة حرجية جبلية". ويعود أورهان إلى الماضي حين احتضنت هذه الجبال، التي تُعتبر امتداداً لجبال أمانوس، مخيمات حزب العمال الكردستاني، ولا تزال المخاوف موجودة من استخدام هذه المنطقة لعبور "العمال الكردستاني" من سوريا إلى تركيا.

ينتقل الكاتب إلى إدلب ذات الغالبية السنية الساحقة مع بعض القرى التركمانية، وهواها السياسي مؤيِّد للمعارضة السورية.

وبحسب أورهان "تؤيّد الغالبية السكانية إقامة منطقة آمنة في إدلب، إضافة إلى أن المنطقة الحدودية بين إدلب وتركيا مؤلفة من مناطقة حرجية وجبلية بنسبة أقل من اللاذقية. في المحصلة، إدلب هي المنطقة الأفضل من ناحية السيطرة العسكرية عليها، وهي توفّر القدرة الأفضل للمعارضة السورية لتنظّم نفسها".

من إدلب إلى حلب وسكانها المختلطين من عرب سنّة ونصارى وأكراد وتركمان وأرمن وعلويين. ووفق الكاتب، مواقف هؤلاء من الثورة في سوريا منقسمة على النحو الآتي: السنّة العرب المنتفضون لا يزالون محصورين في الريف، أما النصارى العرب والأرمن فبعضهم موالون للنظام والكثرون حياديون، بينما التركمان معارضون للنظام، في مقابل ضعف فاعلية المشاركة الكردية في الثورة الشعبية.

ويخلص الباحث التركي إلى أن القرى والبلدات الحلبية المنتشرة على الحدود مع تركيا يقطنها عرب سنّة وأكراد وتركمان، وهو ما يُرجِّح الكفة لإقامة منطقة آمنة فيها. في المقابل، يحذّر من أنّ حدود حلب مع تركيا، وهي عبارة عن 3 بلدات من الجهة السورية، هي الميدان وإقبيز وأزاز، هي منطقة "خطرة جدا لأن حزب العمال الكردستاني نشط في هذه المنطقة ــ المثلث، فضلاً عن أن طبيعة تلك المنطقة جبلية وحرجية".

أما السكان الأكراد في حلب، فهم "ينظرون إلى خيار إقامة منطقة آمنة في حلب تهديدا مباشرا لهم". لكن، من الجهة التركية، يرى البعض أن إقامة منطقة آمنة في هذا المثلَّث، حيث ينشط "العمال الكردستاني"، ستكون "فرصة لعرقلة فعالية العمال الكردستاني".

المنطقة الحدودية الأفضل في حلب، من وجهة النظر التركية لتحتضن منطقة آمنة، هي تلك الواقعة بين أزاز وجرابلس، إذ إن الغالبية السكانية فيها من العرب السنّة والتركمان، "ولأن المعارضة قوية في هذه المنطقة"، أضف إلى ذلك أن هذه المنطقة يسهّل وصول اللاجئين إليها، لأنها قريبة من مناطق التمركز السكاني الكثيف.

بالاتجاه إلى الرقة، يتوقف أورهان عند الغالبية السنية العربية التي تقطن شريطها الحدودي، إضافة إلى أقلية تركمانية وكردية، مع التشديد على أن البنية العشائرية في هذه المنطقة لا تزال قوية جداً، ويلفت إلى أنه "إذا أُقيمَت منطقة آمنة على الحدود مع الرقة، فقد ينقلب موقف عدد من العشائر لتصبح ضد النظام السوري"، جازماً بأن هناك أكراداً في غرب المحافظة، إلا أن فعالية "العمال الكردستاني" ضعيفة جداً في أوساطهم. "من السهل السيطرة عسكرياً على هذه المنطقة، لأنها مسطحة وصحراوية، غير أن المشكلة الأكبر هي أنه يصعب وصول اللاجئين إلى هذه المنطقة والعيش فيها، بالتالي فلن تعطي إقامة منطقة آمنة هناك النتائج المرجوّة، لكونه يجدر عبور نهر الفرات للوصول إلى الجزء الشمالي من الرقة بالنسبة إلى الآتين من المحافظات الأخرى".

أما الحسكة، التي يقطنها أكراد ونصارى وأرمن وعشائر عربية سنية (جبور وشمّر)، فهي مصدر خطر كبير على تركيا، إذ إن الغالبية السكانية التي تقطن المنطقة الحدودية مع تركيا هي من الأكراد الذين "لا يحبّذون أبداً فكرة إقامة منطقة آمنة تركية في سوريا، رغم أن عدداً كبيراً منهم معارضون لنظام الأسد". كذلك يحذّر أورهان من وجود خوف جدي من اندلاع معارك دموية بين العشائر العربية والسكان الأكراد في الحسكة إذا طرأ أي فراغ أمني أو سياسي في البلاد أو في المحافظة.

وينبه كاتب التقرير إلى أن "الصراع على أشدّه بين كل من حزب الاتحاد الوطني، (الذي يُعتبَر بمثابة الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي)» الذي يتزعمه فعلياً رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، "لاستمالة الأكراد السوريين، بالتالي، فإنّ جماعة البرزاني (البارتي) قد يؤيدون اتجاه تركيا لإقامة منطقة آمنة في الحسكة أو في مكان آخر في سوريا للقضاء على نفوذ العمال الكردستاني في أوساط أكراد سوريا".

وفي الوقت ذاته "سيكون مناسباً لتركيا إعطاء منطقة الحسكة لنفوذ البرزاني إذا قررت ضم الشريط الحدودي الذي يمر في الحسكة إلى المنطقة الآمنة". لكن في المقابل، يحمل ذلك محاذير بالنسبة إلى أورهان، لأن تركيا بذلك "قد تنشئ بنفسها إقليماً عراقياً شمالياً جديداً على حدودها مع سوريا، وسيكون حفظ توازن القوى القائم بين سكان الحسكة من العرب والأكراد مصلحة تركية بهدف الحفاظ على استقرار الحسكة". نصيحة أخرى يقدّمها أورهان في هذا المجال: على الأتراك التنبُّه من أن إقامة منطقة عازلة تضم الشريط الحدودي في الحسكة، قد يخلّ في العلاقات الدقيقة بين العرب والأكراد. كما "قد يؤثر ذلك سلباً على نظرة السنّة العرب إزاء تركيا".