جهاد فاضل
تصدير المادة
المشاهدات : 11330
شـــــارك المادة
في هذه الأيام التي يشهد فيها العالم الفترة الأخيرة من حياة الدولة العلوية في سوريا، يحسن إبداء بعض الملاحظات التي تتصل بمصائرها وبمصائر سوريا في آن. يُمكن القول بداية إنها المرّة الأولى في التاريخ العربي القديم والحديث، يصل إلى سدة الحكم في سوريا علويون.
فسوريا كانت عند وصول العلويين إلى قيادة الجيش أولاً ثم إلى السلطة تاليًا، دولة ذات طابع إسلامي سنّي عروبي واضح، كان العلويون في مناطق الساحل السوري وفي الجبال المحيطة باللاذقية عبارة عن أقلية مهمّشة مهملة لا شأن لها في المصير الوطني العام، ولم يعرفهم أهل الشام إلا كعمّال في بعض الأشغال المتواضعة وما إلى ذلك من أعمال الفلاحة، ولكن سببين رئيسين ساعدا أهل الشام على قبولهم تمثلا أولاً: في تلاشي عزيمة أهل السنّة بعد انهيار الوحدة المصرية/ السورية، وثانيًا: في مؤسسة التسامح وقبول الآخر السوري إلى أي طائفة انتمى، وللسوريين في ذلك تاريخ حافل بالمكارم. وعندما تقدّم ضابط انقلابي من الطائفة العلوية قائلاً للشوام إنه بعثي عروبي ويُريد إنقاذ سوريا مما تتخبّط به، صدّقوه، أو قالوا: فلنجرّب.. إلى أن كان ما كان وما يكون في الوقت الراهن. ولكن السوريين سرعان ما أدركوا عمق الهوّة التي انحدرت إليها بلادهم، والمقلب التاريخي الذي وقعوا ضحيّة له.. ولم يكن بإمكانهم أن يفعلوا شيئًا لا بسبب دموية هذا الانقلابي وشراسته وعنفه، بل لأن المؤامرة على سوريا كانت خارجية أيضًا. فالمتآمر الداخلي لم يكن وحده، وإنما كان مجرّد أداة للتآمر الخارجي، وكلاهما نفّذا ما يُمكن تسميته بـ «كامب ديفيد» السوري دون حاجة لا إلى جيمي كارتر ولا إلى كامب ديفيد أمريكي. وعندما استتبّ الأمر لهذا الانقلابي، تحوّلت سوريا إلى سجن كبير لأحرارها، وكان ثاني الضحايا بعد سوريا: فلسطين ولبنان!. واستنادًا إلى التاريخ يُمكن القول إنه منذ موقعة صفّين بين جيش الإمام عليّ وجيش معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهم جميعاً-، إلى ما قبل نشوء الدولة العلوية الحالية، لم يحكم سوريا شيعة أو علويون أو غير سنّة، فالحكم على الدوام كان بيد أهل السنّة والجماعة، قد يقول قائل: إن سيف الدولة الحمداني الذي حكم حلب في بعض الفترات كان شيعيًّا، وهذا صحيح ولكن دولة سيف الدولة كانت دولة عروبية ذات طابع إسلامي مهم لا دولة مذهبية على الإطلاق. لعب بنو حمدان، وهم من ربيعة، دورًا قوميًّا فائق الأهمية في حلب وأنطاكية والموصل بوجه الحملات البيزنطية، ولكن مذهبهم الديني اقتصر على ممارستهم الدينية الشخصية لا أكثر، بالطبع كانت سوريا تتوفّر على أقليات دينية كالعلويين في جبال الساحل السوري، وكالإسماعيليين في السلمية، بالإضافة إلى حي من أحياء دمشق يقطنه شيعة اثنا عشريون، ولكن ذلك لا يُغيّر في الصورة شيئًا، فسوريا منذ دخلها معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه- إلى اليوم مربض من مرابض أهل السنّة والجماعة تُقيم فيها أقليات دينية مختلفة، ولكن حاكمها كان على الدوام حاكمًا مسلمًا سنّيًّا فقط لا غير، مع الإشارة إلى أن هذا الحاكم كان شديد التسامح مع الأقليات، فلم يضق صدره يومًا بنصراني أو درزي يصل إلى كرسي رئاسة مجلس النواب أو إلى كرسي رئاسة الحكومة كما حصل مع فارس الخوري الذي ترأس مرارًا مجلس النواب والحكومة، وكما حصل مع الأمير عادل أرسلان الذي ترأس الحكومة أيضًا. ولكنّ المشكلة كانت أكثر تعقيدًا مع الضابط الانقلابي العلوي، فقد حمل هذا الضابط في قلبه كل أعباء التاريخ وأحقاد النزاعات القديمة الموروثة بين بني ملّته والأكثرية. وعندما وصل إلى السلطة في دمشق تصرّف كعلوي لا كسوري جمع السلطة كلها في ذاته وفي طائفته. ولم يُشرك الآخرين على الإطلاق في القرار الوطني العام. الآخرون عبارة عن ديكور خارجي لا أكثر ولا أقل، ونموذجهم السابق هو خدّام والحالي فاروق الشرع. قادة الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات كلهم من الطائفة العلوية. كبار موظفي الدولة، السفراء. غاب علماء وزعماء الشام وغاب معهم وجه المفتي السوري المسلم، وبات المفتي هو هذا المفتي الذي يراه الناس على الفضائيات واحدًا من حاشية الحاكم يسير وراءه. على أن الأخطر من كل ذلك هو أن العلوية امتدّت إلى قرار سوريا ذاته، إذ لم تعد سوريا هي سوريا العربية الإسلامية المتحالفة مع مصر والخليج وبقية الدول العربية، بل سوريا أخرى تُقيم علاقة إستراتيجية مع إيران لا يُمكن عزلها عن عالم المذهبيّات، كما تُقيم علاقة إستراتيجية مع جيوب مذهبية أخرى كدويلة حزب الله وحركة أمل في لبنان. وقد امتدّت مثل هذه التحالفات إلى دول قرمطية أو مارقة أخرى في العالم، منها دولة تشافيز في فنزويلا ودولة كوريا الشمالية، دون أن ننسى دولة بوتين في روسيا، وهي أسوأ الدول المافياوية في العالم. وبدا الأمر غريبًا. فالدولة العلوية تحرص في الظاهر على خطاب قومي وطني فلسطيني عروبي تحرّري ممانع -من ممانعة وتمنّع-؛ ولكنها تنحر مثل هذا الخطاب من الوريد إلى الوريد في الباطن. كان المهم إجادة التمثيل وخداع الجمهور، لقد حصل ذلك ثم انتهى الأمر. حوالي نصف قرن من الحكم، لم تُقدّم الدولة العلوية لشعبها شيئًا يُمكن أن يذكره هذا الشعب يومًا بالخير، فبالإضافة إلى تحوّل سوريا في عهدها إلى سجن كبير، فقدت سوريا روحها، كما فقدت أي علاقة لها مع العالم الحديث، الإدارة العامة فيها إدارة رثّة، انعدام أي وجود للقانون والمؤسسات، ميزانية الدولة كلها ليست أكثر من ثروة أحد المليونيرية في العالم، الاقتصاد على الأرض، والزراعة بدائية، أمّا الصناعة فيُسيطر على سبعين بالمائة منها ابن خال الرئيس. والتنمية الاقتصادية عنوان في كتاب في الاقتصاد. فإذا جئنا إلى الجيش وجدنا أن 80% من مشترواته من السلاح -وهذه معلومات وإحصاءات- مخصّصة للاستعمال الداخلي لا الخارجي، ولهذا مدلولاته بالطبع. ثم إن هذا الجيش المفروض إنه جيش تحرير الجولان (فلسطين أيضًا) لم يخض طيلة نصف قرن إلا حربه الحالية ضدّ شعبه، وهي من أكثر الحروب كلفة نظرًا للدمار الفظيع الذي حلّ بمدن سوريا وبلداتها وريفها. ولعلّ من أعظم النقد الذي يُمكن توجيهه لهذه الدولة هو أنها حكمت، لا بالاشتراك مع بقية مكوّنات الشعب السوري، بل لوحدها، قبض الضابط الانقلابي على قرار سوريا بمفرده وسيّر أقدار سوريا حيث شاء، لا حيث مصالح سوريا العليا، ولو أنه أشرك الآخرين معه، وحكم بحسب تعاليم الإمام علي في نهج البلاغة، لما وصل ابنه إلى ما وصل إليه اليوم، ولكن لم يكن بإمكانه أن يفعل ذلك، فما كان موكلاً إليه أن يفعله، لم يكن بالإمكان فعله بحضور أبناء وأحفاد بني أمية!. على أن على أهل الشام أن يشكروا الله؛ لأن هذه الدولة العلوية تساهلت معهم، فلم تهدم الجامع الأموي، ولم تمنع الأذان، ولم تحل دون طباعة القرآن. أمّا الجوامع التي تهدّمت في حمص وحماة وإدلب ودرعا ودير الزور وبقيّة المدن والقرى السورية الباقية، فيُمكن ترميمها أو إعادة بنائها مع الوقت بعد أن يمرّ الإعصار ويعود كل شيء إلى طبيعته وأصله. وبلا شك فإن ما يحلم به الرئيس بشار الأسد اليوم من اقتسام السلطة مع الثائرين بوجهه، لن يتحقق أبدًا، سيتسلّم الثوار وحدهم هذه السلطة، وستعود سوريا سورية وعربية وإسلامية كما كانت على الدوام، ولكن على هؤلاء الثوار أن يحضنوا كل مقوّمات بلدهم، وأن يحرصوا على دراسة ثقافة وتاريخ طوائف سوريا ومذاهبها، وبالتالي الاهتمام بكتاب التربية الوطنية (1)، وهو كتاب بإمكانه أن يُساعد مستقبلاً على صياغة وجدان وطني سويّ متحرّر من الطائفيات والمذهبيات.
ــــــــــــــــ (1) الأولى الاهتمام بكتاب التربية الإسلامية، فهو غني بالقيم والأخلاق التي تساعد على وحدة الصف، ولم الشمل، ورأب الصدع (نور سورية).
المصدر: صحيفة الراية
أحمد نواز بخش
سلمان الشايع
محمد حمادة
دندنة شامية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة