..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

كم عمرك ؟ .. هذا السؤال الخطأ ..!

خالد روشه

٣١ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3073

كم عمرك ؟ .. هذا السؤال الخطأ ..!

شـــــارك المادة

سؤال خطأ ولاشك ، لأنه سؤال موهم ، وإجابته لاشك ستكون كاذبة  ! 

فالذين يقيسون أعمارهم بالسنين والشهور والأيام مخطئون ، لانهم قد قضوا معظمها فيما لا قيمة حقيقية له كالنوم والحاجات الضرورية للحياة تلك التي لا تضيف لنا شيئا يذكر ..

وهم مخطئون لأن أعمار الناس إنما تقاس بقيمتها لا بعددها ، وقيمة كل امرئ ما أنجز ، وما حقق .. 

وهم كذلك مخطئون ، لأن الذي فات من الأعمار لسنا بقادرين على تغيير شيء منه ، فلا نقدر على التعامل معه سوى بطريقتين هي السعادة ، أو الندم ! .. أما الفعل والأثر فمستحيل ..

 

فالواجب الحقيقي أن نحسب أعمارنا باعتبار ما سنعيشه منها في قادم الأيام لا ما سبق منها ، وبالطبع فهو غير معلوم .. هو فقط بين يدي الله !

والواجب كذلك أن نبرأ من كل عمر مر بنا ونحن نضر أنفسنا ونودي بها إلى المهلكة من معصية الله سبحانه وترك عبادته .. 

فلا عمر إلا عمرا سعدنا به يوم القيامة ، يقول عليه الصلاة والسلام : " ما قعد قومٌ مَقعدًا لم يذكروا فيه اللهَ عزَّ وجلَّ، ويُصلُّوا على النَّبيِّ، إلَّا كان عليهم حسرةً يومَ القيامةِ، وإن دخلوا الجنَّةَ للثَّوابِ " السلسلة الصحيحة

 

إن الحرص الحقيقي على العمر إذن هو الحرص على اللحظات ألا تمر بغير عمل صالح ، و حرص على ألا تفاجئنا لحظات الموت ونحن خاليي الوفاض ، قال سبحانه " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت "

 إنها الأزمة التي يقع فيها الناس, يغرهم الوقت , ويأكلهم التسويف , ويسرقهم التأجيل , حتى يفجأهم المرض والموت .

 الصالحون قوم انتبهوا من غفلتهم قبل الانتباه إلى فجعتهم , وراقبوا لحظاتهم بينما هي تمر من بين ثنايا عقارب الساعة أمامهم , فاستفادوا من كل لحظة وغنموا من كل نهار .

قال الحسن البصري رحمه الله قال: "أدركت أقوامًا كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه" .

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما" .

 وقال الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم، ذهب بعضك" .

 وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي".

 

وقد نبهنا لمعنى الخسارة في الزمن والأوقات النبي صلى الله عليه وسلم , فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) البخاري 

ومغبون فيهما كثير من الناس: أي: ذو خسران فيهما كثير من الناس، والغبن أن يشتري بأضعاف الثمن أو يبيع بأقل من ثمن مثله.

إن السبب الكامن وراء هذا الغبن هو التعلق بزخرف الحياة ومتاعها , والنظر إلى مكتسباتها ومنجزاتها الزائلة , والغفلة عن الباقي , فتبهرنا الأضواء اليومية , وتلهينا المكتسبات المتكررة , فينشغل أحدنا في كم اكتسب وكم بنى وكم ادخر وكم اشترى , , و" لايملأ عين ابن آدم إلا التراب " مسلم

سبب آخر لهذا الغبن هو نسيان لحظة المرض والقعود وعدم القدرة , فالذاكر للحظة العجز سيحتاط لها وسيعمل من أجلها , فيذكر صاحبها " أن عمله يكتب له إذا مرض كما كان يعمل صحيحا " ..

 

 لكنه ينظر لما كان يعمل صحيحا سليما فلا يجد شيئا يذكر ولا يعثر على ما يمكن الاستناد عليه , عندئذ يتعمق معنى الغبن ويتعاظم شأن الخسارة , فالمستعد للحظة عدم القدرة لن يكون مغبونا، إذ يبدو وكأنه قد ادخر فعليا عملا صالحا لساعة الحزن ولوقت العسرة , كما يدخر أحدنا الدرهم لوقت الفقر , قال ابن الجوزي رحمه الله: "قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون".

 

وأسوق لك بعضا من مفاهيم السابقين الذين لم يغبنوا في أعمارهم , وسابقوا وثابروا فأفلحوا واكتسبوا منها مقدار ما ينفعهم بعد فراقها , نموذج مبسط لرؤيتهم وعملهم ومنهاجهم تجاه "عقارب " الساعة و" لدغاتها " نماذج كررنا ذكرها في سابقات الأحاديث بشكل منفرد , لكنها عند رؤيتها جميعا تترك في النفس مقدارا كبيرا من استصغار النفس والتنبه لخطر الواقع الذي نعيشه

 

قال الرَّقام: "سألت عبد الرحمن (ابن أبي حاتم) عن اتفاق كثرة السماع له، وسؤالاته لأبيه، فقال: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه.

 

وقال أبن عقيل عن نفسه: "إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره".

 

وقال أيضًا: "وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرًا على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها".

 

وقل موسى بن إسماعيل: "لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا لصدقت، كان مشغولاً: إما أن يُحدث، أو يقرأ، أو يسبح، أو يصلي، وقد قسم النهار على ذلك، قال يونس المؤدب: مات حماد بن سلمة وهو في الصلاة رحمه الله تعالى".

 

وقال الإمام الذهبي: كان الخطيب - البغدادي - يمشي وفي يده جزء يطالعه.

 

وقال الرازي: والله إني لأتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل، فإن الوقت والزمان عزيز.

 

وقال الإمام النووي: "بقيت سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض، قال الذهبي: فسكن المدرسة الرواحية يتناول خبز المدرسة، فحفظ التنبيه وقرأ ربع المهذب حفظًا في باقي السنة، وكان يقرأ كل يوم اثني عشر درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا.

 

وقال الإمام ابن القيم: "وحدثني شيخنا - ابن تيمية - قال: ابتدأني مرض، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك وأنا أحاكمك إلى علمك: أليست النفس إذا فرحت وسُرت قويت الطبيعة فدفعت المرض؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تُسر بالعلم، فتقوى به الطبيعة، فأجد راحة، فقال: هذا خارج علاجنا"روضة المحبين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع