عبد الله العنزي
تصدير المادة
المشاهدات : 4505
شـــــارك المادة
1 – لا يعني التنويه بأهمية أعمال القلوب وأنها الأصل وأعمال الجوارح تبع ومكملة، لا يعني ذلك التقليل من شأن أعمال الجوارح، أو ترك أعمال الجوارح على حساب أعمال القلوب. فأعمال القلوب غالباً ما تقوم إلا بأعمال الجوارح، كما أن أعمال الجوارح لا تنفه وتقبل إلا بأعمال القلوب. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: [الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته. فلا ينفع ظاهرٌ بلا باطن له، وإن حَقَنَ به الدماء وعَصَمَ به المال والذرية. ولا يُجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجزٍ أو إكراه خوف هلاك. فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليلٌ على فساد الباطن وخُلُوِّه من الإيمان، ونقصه دليلُ نقصه، وقوّته دليل قوّته] (1 ). 2 – إن أعمال القلوب منها قدر واجب، ومنها قدر مستحب، كما أن أعمال الجوارح منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ولا شك أن الواجب مقدم على المستحب سواء كان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح. فمن أعمال الجوارح ما تركه كفر كالصلاة، ومنها ما لا يكون صلاح الأمة إلا به كالجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى سبيل الله جل وعلا وتربية الناس وتعليمهم وغيرها. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى مبيناً أقسام أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، وأفضلية أعمال القلوب في كل قسم: [... وغير ذلك من أعمال القلوب التي فرضها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها، وعمل الجوارح بدونها إما عديمة أو قليلة المنفعة] ( 2). 3 – إن أعمال القلوب وقيام القلب بها والسعي لتكميلها ليس أمراً مستحيلاً أو أمراً يصعب تحقيقه؛ لأن الله جل وعلا من رحمته بعباده لا يأمرهم ويوجب عليهم ما لا يطيقون. قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}. ولكنها تحتاج إلى تربية ذاتية وجهاد نفس، وقد قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. 4 – عدم اليأس من روح الله في تحقيق أعمال القلوب؛ خاصة إذا كان في القلب أمراض وآفات ، ويتبين ذلك خاصة عند الحديث عن الإخلاص والصدق مع الله والحذر مما يضادهما، حينها قد تجد من النفس انقباض ونوع يأسٍ من تحقيقها في القلب، ولكن هذا في الحقيقة من وسوسة الشيطان وتخذيله أعاذنا الله منه. 5 – الحذر من اتهام الناس بضعف أعمال قلوبهم، أو الحكم على نياتهم وسرائرهم، فما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب. وبالمثال يتضح المقال: المثال الأول: قد يكون لشخص أو مجموعة مشروعاً دعوياً أو تربوياً أو علمياً، ولكن مع مرور الوقت كانت نتائج المشروع ضعيفة، حينهما قد يحكم بعض الناس عليهم بفساد نياتهم وسرائرهم أو ضعف أعمال قلوبهم. ومما يبين خطأ هذا الحكم قصة نوح عليه الصلاة والسلام الذي كان من أولي العزم من الرسل؛ فقد كانت زوجته وأحد أولاده كافرين؛ فليس لقائل أن يقول: أين تربيته لولده وزوجته؟! كما أن نتاج دعوته عليه الصلاة والسلام: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}. فلا يمكن لقائل أن يقول: أهذا نتاج دعوة {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}؟! وفي الحديث: "عرضت علي الأمم فرأيتُ النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد"( 3). وفي هذا السياق كم من العلماء الأجلاء في هذه الأمة – وقد شهد لهم بالعلم والفضل – أفنوا جلّ سني أعمارهم في العلم والتعليم، والكتابة والتأليف؛ فمنهم مَن كان له مذهب في الفقه متبع، اندثر مذهبه وعفى أثره، ومنهم من كانت له كتب ومؤلفات فقدت ولم يوجد لها أثر، أو وجد بعض أجزائها. فليس لطاعن أن يطعن في سرائرهم، أو أن يتهم نياتهم؛ فلا يعلم بالنيات إلا رب البريات. المثال الثاني: قد يقع شخص في بعض المخالفات الشرعية والمعاصي الظاهرة، ولكن ليس لأحد أن يتهمه في باطنه، وليس هذا تعليلاً أو إعذاراً للعاصي، ولكن تحذيراً من اتهام النيات والسرائر. فقد يكون في قلب من عليه مخالفات شرعية من محبة الله ورسوله ما لا يعلمه إلا الله، ففي الحديث عن عمر بن الخطاب أن رجلاً كان على عهد النبي كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعلنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله"( 4). قال ابن حجر رحمه الله تعالى: [وفيه أن لا ينافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله"( 5). وقد يكون لمن عليه مخالفات شرعية خبئة حسنة أو عمل صالح قد يكون سبباً في تكفير سيائت. ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فينثر عليه تسع وتسعون سجلاً، كل سجل منها مدَّ البصر، فيقال: هل تنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: لا ظلم عليك، فتخرج له بطاقة قدر الكف، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، فيقول: أين تقع هذه البطاقة من هذه السجلات؟ فتوضع هذه البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات"( 6). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن هذا الحديث: [فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون: لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة] ( 7). وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما كلب يُطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته، فغُفر لها به"(8 ). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: [فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها، وإلا فليس كل بغي سقت كلباً يُغفر لها، وكذلك هذا الذي نحّى غصن الشوك عن الطريق، فعله إذ ذاك بإيمان خالص، وإخلاص قائم بقلبه، فغفر له بذلك] ( 9). = يتبع --------- (1 ) الفوائد، ص (124)، طبعة دار عالم الفوائد. ( 2) مدارج السالكين (1/206). ( 3) البخاري ( 4) رواه البخاري (6780). ( 5) فتح الباري (12/78). ( 6) رواه الإمام أحمد (213/2) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، والترمذي (2639). ( 7) منهاج السنة (6/218). ( 8) رواه البخاري (3467). ( 9) منهاج السنة (6/221).
موقع المسلم
عامر الهوشان
خاطر الشافعي
هشام خالد
خالد روشه
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة