جاسم المطوع
تصدير المادة
المشاهدات : 3091
شـــــارك المادة
كلما رأيته أو جلست معه يتحدث عن المآسي التي مرت عليه والمواقف الحزينة التي عاشها، ولم أسمعه يوماً يتحدث بإيجابية أو بنفس سعيدة، فقلت له: هل تعلم أن ما تفعله بنفسك هو (انتحار شيطاني)، فقال بعدما قطع حديثه الحزين: وماذا تقصد؟ قلت: إن من وسائل تثبيط الإنسان ويأسه وإحباطه بأن يذكره شيطانه بآلامه وأحزانه حتى يعيش كئيباً ولا يتذوق طعم السعادة. قال: وما علاقة الشيطان بالحزن؟ قلت: لقد أخبرنا الله -تعالى- بأن من أهداف الشيطان أن يجعل المؤمن حزيناً «إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ * وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»، فالشيطان يسعى لحزنك ويجعلك تتذكر المواقف الأليمة بحياتك والذكريات الحزينة، فإذا استجبت له صرت تستحضر الخيالات اليائسة والمثبطة والظنون السيئة، حتى يأكل بعضك بعضاً، مثل الحالة التي تعيش أنت فيها الآن، فوجهك شاحب وجسدك هزيل وكأنك تعذب نفسك بنفسك. قال: وماذا أفعل؟ قلت: اعلم أن في كل مصيبة فرجاً، وفي كل مشكلة فرصة، وفي كل محنة منحة، وإن مع العسر يسراً، فاجعل عينيك ترى جوانب الخير في الابتلاء حتى تكون سعيداً. والآية التي ذكرتها تفيد بأن المؤمن لا يضره الشيطان بشيء «لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» فالمؤمن نفسه مشرقة وخواطره إيجابية وروحه مطمئنة، وتراه مبتسماً حتى في أصعب اللحظات.. ولربما ابتسم الكريم من الأذي وفؤاده من حره يتأوه فأنت تستطيع أن تصف نفسك وصفاً سلبياً مثل (مزمار الحي لا يطرب) فتكون محبطاً يائساً من مجتمعك ومن حولك، وتستطيع أن ترى نفسك (كالشامة) متميزاً في مجتمعك وبلدك، وهذا الفرق بين النظرة الإيجابية والسلبية. قال: إن ما تقوله صعب، قلت: هو ليس صعباً لو توكلت على الله -تعالى-، ولهذا قال الله في نهاية الآية «وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» أما لو استسلمت لشيطانك فإنه سيجعلك حزيناً دائماً. وسأذكر لك ثلاثة مواقف في تحويل الحزن إلى سعادة:
الأول: مع أحمد بن حنبل رحمه الله (المولود 241هـ، 780م وهو فقيه ومحدث وعالم) فإنه تعامل بإيجابية مع من أراد أن يجعله يحمل في قلبه على صاحبه، قال (عبدالله الوراق كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب، فقال: اكتبوا عنه فإنه رجل صالح (يقصد اكتبوا عنه أحاديث رسول الله)، فقلنا: إنه يطعن عليك، قال: أي شيء حيلتي؟ شيخ صالح قد بلي بي)، فانظر كيف حول الموقف السلبي لموقف إيجابي، من خلال سماحة نفسه وأخلاقه الراقية. والموقف الثاني: مع رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- عندما انشغل عن إجابة أسئلة الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- بصناديد قريش وكبار القوم فأنزل الله تعالى «عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى» وبعد هذا العتاب على الموقف صار النبي الكريم كلما رآه يهلل بحضوره، وتروي بعض الروايات أنه كان يوسع له في المجلس ويفرش له رداءه ليجلس عليه، ويقول له: أهلاً بمن عاتبني به ربي، فتعامل النبي مع عتاب الله بأن أكرم الصحابي من بعد الموقف. وهذا المنهج نفسه طبقه كذلك الحسن البصري رحمه الله (المولود بالمدينة عام 21هـ، 642م إمام وعالم تابعي جليل) في تحويل الموقف الحزين لموقف إيجابي، فقد أخبره رجل أن فلاناً قد اغتابه، فبعث الحسن للذي اغتابه بطبق من الحلوى وقال: بلغني أنك أهديتني حسناتك فكافأتك بهذه الهدية. فهذه ثلاثة نماذج في التعامل مع الموقف الذي يفترض أن يسبب حزناً لصاحبه ولكن أصحاب المواقف حولوا نفس الموقف ليكون مصدر سعادة لهم، والآن أرسل طبق الحلوى لمن يؤذيك.
اليوم
حمزة آل فتحي
خالد روشه
نبيل جلهوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة