رابطة العلماء السوريين
تصدير المادة
المشاهدات : 3917
شـــــارك المادة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإن هذه الأحداث الإجراميّة التي يقوم بها النظام في سورية، لم يعُد يُمكن السكوت عليها؛ لأنها جاوزت الحدَّ في الظلم والبطش والطغيان. إنّ نظام حزب البعث يحفر قبره بيده، وقد فَقَد صوابه، وبدا يَظهر من تصرّفاته أنه ما عاد يُفكِّر بمنطق العقل والحكمة، وإنّما يُفكِّر بمنطق البطش والظلم والطغيان، وسفك الدماء، ومحاصرة الآمنين.
أيها الشباب الأحرار الثائرون على الظلم والطغيان: النصر قريب منكم -بإذن الله-، وإنّ الظلم عاقبته وخيمة، ونهايتُه وشيكة، لأن سُنَنَ الله الكونيّة إهلاكَ الطُغاة الظالمين: {وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59]. يا شباب سورية الأحرار: نناشدكم بعدم حمل السلاح في هذه الظروف للمصلحة العامة التي يراها أهل العلم والخبرة. والأمر في هذه الأيام العصيبة - أيها الشباب- جِدُّ خطير، وهذا ما يستدرجكم إليه النظام. إنِّنا علماء سورية؛ نحذِّركم أن تنجرُّوا إلى هذه المكيدة، لأنَّ السُلطة خطِّطت لاستدراجكم وجرِّكم لحمل السلاح، لتكون ذريعة لها لزيادة القتل والبطش بين أفراد الشعب السوري الحرّ الأبيّ، إن النظام البائس اليائس أيقن نهايته، ويريد أن ينجو برأسه بافتعال حرب أهليّة تصرف النظر عن مطالب الشعب من الحريّة والعدالة والكرامة. فمن اعتُدي عليه بإطلاق الرصاص، فإنه شهيد عند الله، وأما القاتل فنبشِّره بخزي الدنيا وعذاب الآخرة: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]. إننا في بياننا للحكم الشرعي نقيمه على تغليب المصلحة، وفقه المقاصد والموازنات، والنظر إلى المآلات، ودرء الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، ونبين هذا فيما يلي: 1- إن فتح باب القتال ضد الدولة المتمكنة القائمة أساسًا على القوة والبطش، إنما هو فتح لمعركة بين طرف يمتلك من متطلبات القتال والقتل كل شيء، وطرفٍ لا يملك من ذلك أي شيء، وهذا النوع من المعارك يعد ضرباً من العبث، ونوعًا من الانتحار، فضلاً عن كونه يعطي مسوِّغاً كاملاً للدولة في القتل والإبادة، كما أنه لا يخلو من قتل مسلمين أبرياء قصداً أو عَرَضاً، فضلاً عما فيه من جراحات وترويع للآمنين. 2-إن الإنجازات الهائلة التي تحققت للثورة السورية حتى الآن كانت - بعد فضل الله ومنّته - بفضل سلميَّتها. صحيح أن الثمن غالٍ، ولكن ذلك كان متوقعاً، ومن فاجأه الدم المهراق فهو لا يعي طبيعة هذا النظام. أما التخلص من تراكم أربعين عاماً من الطغيان دون سقوط قطرة دم فخيار وهمي غير متاح أصلاً. 3-إن الموازنات التي يفاضل الشعب السوري البطل بينها لإزاحة الطغمة الحاكمة عن صدر سوريا الحبيبة ليست بين حقن الدماء وإراقتها فحسب. وإنما الموازنات بين: أ- تحمّل إراقة الدماء عبر اعتماد التظاهر السلمي الذي يكسب تعاطف الرأي العام العالمي، ويحرك منظمات حقوق الإنسان الدولية لنصرة الشعب السوري، ويحرج حكومات الدول الغربية النافذة أمام شعوبها، ويعرضها لضغط شعبي نحو التفاعل مع الحدث، ويعرّي النظام تماماً عن آخر ما يمكن أن يستر به عواره الهائل. ب - المزيد من إراقة الدماء أضعافاً مضاعفة عبر اعتماد حمل السلاح الذي يؤدي إلى إضفاء المشروعية على رواية النظام المهترئة التي ما فتئ يرددها منذ بدء الثورة حول عصابات مسلحة سلفية، الذي أصبح مثار سخرية وتندر الإعلام والمنظمات الدولية. كما يهيئ الأجواء لاستخدام مزيد من العنف من قبل أجهزة الدولة بدعوى إخماد ثورة مسلحة، وهذا ما يبرع فيه النظام عدةً وعتاداً وشهوة للقتل، ويتفوق فيه بمراحل على الشعب أياً كان نوع تسليحه. 4- إن أجهزة الدولة هي الجهة الوحيدة المخوَّلة بحمل السلاح من أجل فرض النظام وضمان الأمن للمواطنين كما استقرت عليه النظرية السياسية المتداولة والمتعارف عليها في جميع أنحاء العالم. فحمل أجهزة الدولة للسلاح من أجل قتل مواطنين متظاهرين سلمياً، يعدُّ أمراً خارجاً عن الشرعيَّة المسلَّم بها دولياً، وانحرافاً في استخدام السلاح عن غايته الأصلية، يستوجب شجباً واستنكاراً دولياً، وإسقاطاً للشرعية عن ذلك السلاح ومَن يستعمله. أما إذا التبست الصورة فظهرت الدولة بمظهر مَن يخمد ثورة مسلحة تهدد أمن المواطنين (وهذا ما يحاول النظام عبثاً إقناع العالم به)، فإن أسباب التعاطف الدولي والإدانة القانونية الصريحة لأعمال القمع تتوارى بسبب التباس المشهد. 5- إن حدَّ دماء الشهداء في ثورتهم السلمية أكثر مضاءً وأشد قطعاً في عنق النظام من حمل السلاح، وإنما النصر مع الصبر، والوقت عنصر من عناصر النجاح فهو يعمل في صالح الثورة لا في صالح النظام. لكل تلك الاعتبارات والمصالح نحذر من الدعوة إلى حمل السلاح مهما بلغت التضحيات. ففي حمله استنقاذ للنظام من ورطته، وانتشال له من مأزقه الذي أوقع نفسه فيه باعتماده للحل الأمني الذي لا يحسن غيره أصلاً. أيها الشباب الأحرار في سورية: عليكم العض على الجرح والصبر والمصابرة، وضبط النفس، وكبح جماح الحمية والرغبة في الانتقام. ونحن نعلم أن قول ذلك أسهل بكثير من فعله، ولكن مصلحة الوطن تتطلب ذلك، ونجاح الثورة يتطلب ذلك، لأن حمل السلاح الطريق الأقصر نحو إفشال الثورة. إنَّ قلوبنا -والله - تتمزق ونحن نشاهد من بعيد (أو نشهد من قريب) جرائم أولئك النفر من القتلة السفاحين، ولكن الخيار الذي التزمت به الثورة حتى اليوم هو الخيار الممكن الوحيد مع النظام السوري. مهما فقدنا من شهداء أو قدمنا من تضحيات فلن تُعَدّ شيئاً في جنب ما يمكن أن يحل بنا لو تحولت المواجهة إلى حرب أو صدام مسلح، فسوف نقدم للنظام عندها ذريعة مقبولة لضربنا والتنكيل بنا، وسوف نكشف عن أنفسنا الغطاء الذي يوفر لنا حالياً حداً متدنياً من التعاطف الدولي. انظروا -أيها الشباب الأحرار والثوار الأطهار- إلى خسائر إخواننا في ليبيا (مع الأخذ بعين الاعتبار أن نظامنا أقوى بكثير من النظام الليبي وأشد إجراماً، وأن خسائرنا يمكن أن تكون أكثر بعشرات الأضعاف -لا سمح الله- لو وقع في سوريا ما يقع في ليبيا): من تدخل دولي، وسقوط آلاف من الشهداء والجرحى، والاعتداء على أعراض الأخوات الحرائر، والدمار العام الشامل الذي أصر النظام الليبي أن يغرق البلاد فيه حين أيقن بزواله. إن رابطة العلماء السوريين تطالب أبناء سوريا الأحرار: أن يستمروا في مظاهراتهم السلميّة ومطالبهم المشروعة؛ ليشهد العالم بأسره أنَّهم يريدون الخلاص من الظلم والطغيان، ونقول لهم مبشِّرين: لقد قرب الفَرَج -بإذن الله تعالى -، وإن الدماء الطاهرة التي سالت ولا تزال في درعا وقرى ريف دمشق وفي حمص وتلكلخ وبانياس والرستن وفي كل شبر من بلدنا الحبيب لن تذهب سدى، ولن تهدأ الثورة السلميَّة مهما مورس عليها من قمع وعنف. فعذراً أيها الشعب العربي السوري العظيم! فما أعظم ثورتك. كم أدهشت من يتابعها، فهي في هدوئها كجريان نهر بردى، وفي عصيانها كنهر العاصي!! وعذراً للدماء الطاهرة التي تسيل على أرض الشام المباركة بلا ذنب إلا لأنها تنشد الحرية والعدل والكرامة! وعذراً أيها الشباب الثائر الطاهر! فمهما أساء الآخرون لكم فالأمة كلها معكم، وكل القلوب تهفو إليكم، والألسن تهتف لكم، وتدعو من أجلكم! أيها الشباب الأحرار والثوار الأطهار: ثقوا بنصر الله لكم، فقد قال ربُّ العِزَّة والجلال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} [الرُّوم: 47]، ونقول لمن اعتدى على شعبه من الظالمين، بأن العاقبة وخيمة: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]. اللهم ارحم الشهداء، واشف الجرحى، وفرج عن المعتقلين، واكتب النصر للأحرار، وعجل بالنصر لشعبنا السوري الحر الأبي. حفظكم الله وحفظ أهلنا في سوريا.
الأمانة العامة لرابطة العلماء السوريين
محمد بديع
رابطة علماء المسلمين
مايكل مور
عبد الكريم بكار
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة