رابطة العلماء السوريين
تصدير المادة
المشاهدات : 3968
شـــــارك المادة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإن من شعارات الانتفاضة السورية التي رددتها وأكدت عليها وطبَّقتها على أرض الواقع منذ اندلاع شرارتها الأولى لها بعدما هبت رياح التغيير في البلاد العربية الإسلامية، اللاءات الثلاث: لا عنف، لا طائفية، لا للاستقواء بالخارج والتدخل الأجنبي. وقد دعم العلماء والدعاة والمفكرون هذه المبادئ والثوابت حتى لا تنحرف الانتفاضة عن مسارها السلمي والوحدوي والوطني. وأصدرت رابطة العلماء السوريين عدَّة تصريحات وبيانات تؤكد على هذه الدعائم، وتدعو إلى تأصيلها وترسيخها والثبات عليها، وعدم الانحراف عنها مهما كانت الظروف. وما يقع من أعمال ومواقف نتيجة استدراج الدولة الباغية وأجهزتها الأمنية العاتية لبعض القوى المعارضة، وإدخال الجيش في قتال أهله وشعبه، وما يقع نتيجة ذلك من ردود فعل غير مسؤولة، أو ما يصدر من بيانات أو فتاوى من جهات خارجيَّة تخالف هذا التوجُّه لا يعبِّر عن مسار الانتفاضة السلمية ولا عن موقف العلماء، ويتحمَّل أصحاب تلك المواقف والبيانات والفتاوى مسؤولية كل ما يخالف مسار الانتفاضة السلميَّة وداعميها، وإنني وإخواني في رابطة العلماء السوريين نشجب ونستنكر أي فتوى أو بيان يؤجِّج الطائفية، أو يدعو إلى العنف والمواجهة المسلحة، أو يدعو إلى التدخُّل الخارجي بأيِّ صورة من صوره. وإنني وإخواني بعد إصدار البيان الداعي إلى السلميَّة الذي عُمِّم في وسائل الإعلام، نجدِّد المناشدة بالمحافظة على سلميَّة الانتفاضة واستمرارها واستقلالها ومحافظتها على وحدتها الوطنية الجامعة لمكوِّنات الشعب السوري الأبي. ونجدِّد تحذيرنا أن ينجرَّ شباب الانتفاضة الأطهار إلى هذه المكيدة التي تستجرُّ السلطةُ الغاشمةُ المعارضةَ السلميَّةَ إليها، لأنَّ السُلطة خطِّطت لاستدراج بعض الشباب المنتفض ضد الظلم والاستبداد وإرهاب الدولة، وجرِّهم لحمل السلاح، لتكون ذريعة لها لزيادة القتل والبطش بين أفراد الشعب السوري الحرّ الأبيّ. إن النظام البائس اليائس أيقن نهايته، ويريد أن ينجو برأسه بتأجيج الفتن وافتعال المعارك لينصرف الشعب عن مطالبه الأساسية في الحريّة والعدالة والكرامة. ولا تعني الدعوة إلى سلميَّة الانتفاضة الاستسلام والخنوع والذل، والتعرض لقوة البطش والتنكيل، وإنما تعني الحذر والكياسة، وإيجاد البدائل السلمية المتعددة التي تعرِّي قوى البطش والإرهاب ، وتظهر عوار الدولة الأمنية الإرهابية، وأخذ كل أسباب استمرار الانتفاضة الشعبية العارمة ضد الدولة القاتلة الظالمة. وإنني في بياني للحكم الشرعي أقيمه على أدلة كثيرة ، فيها مراعاة مقاصد الشريعة، واعتبار المصلحة، وفقه المقاصد والموازنات، والنظر إلى المآلات، ودرء الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، وأبين بعض هذه المقاصد والاعتبارات فيما يلي: 1- إن فتح باب القتال ضد الدولة المتمكنة القائمة أساسًا على القوة والبطش، إنما هو فتح لمعركة بين طرف يمتلك من متطلبات القتال والقتل كل شيء، وطرفٍ لا يملك من ذلك أي شيء، وهذا النوع من المعارك يعدُّ ضرباً من العبث، ونوعًا من الانتحار، فضلاً عن كونه يعطي مسوِّغاً كاملاً للدولة في القتل والإبادة كما أنه لا يخلو من قتل مسلمين أبرياء قصداً أو عَرَضاً، فضلاً عما فيه من جراحات وترويع للآمنين. 2-إن الإنجازات الهائلة التي تحققت للانتفاضة السورية حتى الآن كانت - بعد فضل الله ومنّته - بفضل سلميَّتها. صحيح أن الثمن غالٍ، ولكن ذلك كان متوقعاً، ومن فاجأه الدم المهراق فهو لا يعي طبيعة هذا النظام. أما التخلص من تراكم أربعين عاماً من الطغيان دون سقوط قطرة دم فخيار وهمي غير متاح أصلاً. 3-إن الموازنات التي يفاضل الشعب السوري البطل بينها لإزاحة الطغمة الحاكمة عن صدر سورية الحبيبة ليست بين حقن الدماء وإراقتها فحسب. وإنما الموازنات بين: أ- تحمّل إراقة الدماء عبر اعتماد الاحتجاج السلمي بصوره المختلفة الذي يكسب تعاطف الرأي العام العالمي، ويحرك منظمات حقوق الإنسان الدولية لنصرة الشعب السوري، ويحرج حكومات الدول الغربية النافذة أمام شعوبها، ويعرضها لضغط شعبي نحو التفاعل مع الحدث، ويُعرّي النظام تماماً عن آخر ما يمكن أن يستر به عواره الهائل. ب - المزيد من إراقة الدماء أضعافاً مضاعفة عبر اعتماد حمل السلاح الذي يؤدي إلى إضفاء المشروعية على رواية النظام المهترئة التي ما فتئ يرددها منذ بدء الانتفاضة حول عصابات مسلحة سلفية، التي أضحت مثار سخرية وتندُّر الإعلام والمنظمات الدولية. كما يهيئ الأجواء لاستخدام مزيد من العنف من قبل أجهزة الدولة بدعوى إخماد ثورة مسلحة، وهذا ما يبرع فيه النظام عُدَّةً وعتاداً وشهوة للقتل، ويتفوق فيه بمراحل على الشعب أياً كان نوع تسليحه. 4- إن أجهزة الدولة هي الجهة الوحيدة المخوَّلة بحمل السلاح من أجل فرض النظام وضمان الأمن للمواطنين كما استقرَّت عليه النظرية السياسية المتداولة والمتعارف عليها في جميع أنحاء العالم. فحمل أجهزة الدولة للسلاح من أجل قتل مواطنين متظاهرين سلمياً، يعدُّ أمراً خارجاً عن الشرعيَّة المسلَّم بها دولياً، وانحرافاً في استخدام السلاح عن غايته الأصلية، يستوجب شجباً واستنكاراً دولياً، وإسقاطاً للشرعية عن ذلك السلاح ومَن يستعمله. أما إذا التبست الصورة فظهرت الدولة بمظهر مَن يخمد ثورة مسلحة تهدد أمن المواطنين -وهذا ما يحاول النظام عبثاً إقناع العالم به-، فإن أسباب التعاطف الدولي والإدانة القانونية الصريحة لأعمال القمع تتوارى بسبب التباس المشهد. 5- إن حدَّ دماء الشهداء في ثورتهم السلمية أكثر مضاءً وأشدُّ قطعاً في عنق النظام من حمل السلاح، وإنما النصر مع الصبر، والوقت عنصر من عناصر النجاح فهو يعمل في صالح الثورة لا في صالح النظام. لكلِّ تلك الاعتبارات والمصالح حذَّرت وإخواني العلماء من الدعوة إلى حمل السلاح مهما بلغت التضحيات. ففي حمله استنقاذ للنظام من ورطته، وانتشال له من مأزقه الذي أوقع نفسه فيه باعتماده للحل الأمني الذي لا يحسن غيره أصلاً. عليكم – أيها الشباب الأطهار الأبرار - العض على الجرح والصبر والمصابرة، وضبط النفس، وكبح جماح الحمية والرغبة في الانتقام. ونحن نعلم أن قول ذلك أسهل بكثير من فعله، ولكن مصلحة الوطن تتطلب ذلك، ونجاح الانتفاضة يتطلب ذلك،لأن حمل السلاح الطريق الأقصر نحو إفشال الانتفاضة لا قدَّر الله. إنَّ قلوبنا – والله - تتمزق ونحن نشاهد من بعيد -أو نشهد من قريب- جرائم أولئك النفر من القتلة السفاحين، ولكن الخيار الذي التزمت به الانتفاضة حتى اليوم هو الخيار الممكن الوحيد مع النظام السوري. مهما فقدنا من شهداء أو قدمنا من تضحيات فلن تُعَدّ شيئاً في جنب ما يمكن أن يحل بنا لو تحولت المواجهة إلى حرب أو صدام مسلح، فسوف نقدم للنظام عندها ذريعة مقبولة لضربنا والتنكيل بنا، وسوف نكشف عن أنفسنا الغطاء الذي يوفر لنا حالياً حداً متدنياً من التعاطف الدولي. انظروا – أيها الشباب الأحرار والثوار الأطهار - إلى خسائر إخواننا في ليبيا -مع الأخذ بعين الاعتبار أن نظامنا أكثر مراوغة وتحايلاً، وأقوى بكثير من النظام الليبي وأشد إجراماً، وأن خسائرنا يمكن أن تكون أكثر بعشرات الأضعاف لا سمح الله لو وقع في سورية ما يقع في ليبيا-: من تدخل دولي، وسقوط آلاف من الشهداء والجرحى، والاعتداء على أعراض الأخوات الحرائر، والدمار العام الشامل الذي أصر النظام الليبي أن يغرق البلاد فيه حين أيقن بزواله. إننا نطالب أبناء سوريا الأحرار: أن يستمروا في مظاهراتهم السلميّة ومطالبهم المشروعة؛ ليشهد العالم بأسره أنَّهم يريدون الخلاص من الظلم والطغيان، ونقول لهم مبشِّريين: لقد قرب الفَرَج -بإذن الله تعالى-، وإن الدماء الطاهرة التي سالت ولا تزال في درعا وقرى ريف دمشق وفي حمص وحماة وتلكلخ وبانياس والرستن واللاذقية وحلب أخيراً وفي كل شبر من بلدنا الحبيب لن تذهب سدى، ولن تهدأ الانتفاضة السلميَّة مهما مورس عليها من قمع وعنف. فعذراً أيها الشعب العربي السوري العظيم! فما أعظم انتفاضتك.كم أدهشت من يتابعها فهي في هدوئها كجريان نهر بردى، وفي عصيانها كنهر العاصي!! وعذراً للدماء الطاهرة التي تسيل على أرض الشام المباركة بلا ذنب إلا لأنها تنشد الحرية والعدل والكرامة! وعذراً أيها الشباب الثائر الطاهر فمهما أساء الآخرون لكم فالأمة كلها معكم، وكل القلوب تهفو إليكم، والألسن تهتف لكم، وتدعو من أجلكم! وإننا ننتظر حراك حلب الشهباء السلمي، وقد عُرف شعبها الحر بإبائه ومروءته ونجدته وغيرته وعزته ورفعته، وكراهيته للظلم والظالمين، والاستبداد والمستبدين، وعدم استدراجه بالفتات والوعود الكاذبة، والحوارات الكاسدة، والإصلاحات المزعومة، ولن يعدم – وهو الشعب الناقم من القهر والاستبداد من نصف قرن – أن يقدم صوراً حضاريةً رائعةً من الممانعة السلميَّة، التي تربك العتاة الجبارين، وتشل أجهزة القمع والإجرام. إننا على ثقة بالتغيير القادم، ولن تهدر قطرة دم أراقتها أجهزة الأمن التي وجَّهت رصاصها إلى رؤؤس وصدور الشباب المنتفض . اللهم انتقم من القتلة المجرمين، وزلزل عروش الطغاة المستبدين، وانتصر لعبادك المؤمنين المستضعفين، واثأر لدماء الشهداء، واشف الجرحى، وفرِّج عن المعتقلين، وعجِّل بالنصر والفتح والتمكين لشعبنا السوري الحر الأبي. حفظكم الله وسدَّد خطاكم وآراءكم يا إخواننا في حلب الشهباء، وجميع أهلنا في سورية الحبيبة، وحقَّق الخير على أيديكم الطاهرة.
وكتبه: مجد مكي صباح الأربعاء: 27/ من رجب الفرد/ 1432هـ - الموافق: 29/ من حزيران/ 2011م
الرابطة الخليجية للتضامن مع الشعب السوري
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
محمد علي الصابوني
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة