نبيل العتوم
تصدير المادة
المشاهدات : 3024
شـــــارك المادة
لفتني مقال تحليلي لجريدة جمهوري إسلامى الإيرانية [1] المقربة من مرشد الثورة والحرس الثوري الإيراني تحت عنوان: هل تهيأت الأرضية لتسوية المشكلة السورية؟ وبالمجمل فإن خلاصة المقال : “أن الشيطان الأصغر “إسرائيل” والغرب عموماً لا يوافقهم أولاً وجود قيادة سورية قوية تستطيع بسط سيطرتها ونفوذها على الأرض السورية ، وأنّ من غير المصلحة لهذه الدول حدوث أي تطور في مسار إيجاد أي تسوية سياسية تُسرّع في إنهاء الأزمة السورية وأسهب المقال بالحديث عن الدور الإسرائيلي لإضعاف بشار الأسد ، و عن السياسات العدوانية الإسرائيلية لها ، من خلال تبنيها للغارات المتكررة لاستهداف البنى الاستراتييجة السورية بين الفينة والأخرى ، كذلك قيامها بشكل مكثف بالدعم التسليحي واللوجستي وحتى الطبي لصالح بعض الجماعات المعارضة للدولة السورية. وأسهب المقال في تحليل دور الشيطان الأصغر ” إسرائيل ” في سبيل تخريب أي أرضية تمهد لوجود تفاهم للتوصّل لاتفاق بين واشنطن وطهران بشأن الأوضاع في سوريا ، ما قد ينعكس سلباً على المحادثات النووية ، للوصول إلى اتفاق نهائي مع مجموعة خمسة زائد واحد ؛ لأنّ من شأن ذلك إيقاف الصراع الدموي السوري، الذي يهدد بتقسيم سوريا إلى كانتونات، ولأنّ ذلك يعني أيضاً بدء نجاح مسار التفاهمات الأميركية- الغربية مع إيران لتتجاوز بذلك القضية السورية، الأمر الذي قد يدفع باتجاه إعادة فتح الملف الفلسطيني من جديد،والذي من المفترض أن يؤدي في نهاية الأمر لإقامة الدولة الفلسطينية ، البعيدة المنال أصلا . كذلك نشرت بعض وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات جريئة للرئيس الإيراني السابق رفسنجاني – رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ، وعضو مجلس الخبراء- وقد أشار فيها إلى استنفاد النظام السوري لأدواته ، وطالب طهران بضرورة الاستعداد لكافة الاحتمالات والسيناريوهات ، وعزا نتيجة ذلك للتطورات الدراماتيكية المتسارعة في سوريا والإقليم ، التي يجب أن يكون لإيران دور في صياغتها -على حد تعبيره – مؤكداً في الوقت عينه إلى أهمية أن تدرك إيران “الدولة والثورة” لحظة الحقيقة ومفادها؛ أن الأسد سوف يرحل في نهاية المطاف “.[2] كذلك خلصت إحدى الندوات المهمة التي رعتها إحدى المؤسسات البحثية الرسمية الإيرانية أن استمرار النهج السياسي الإيراني تجاه الأزمة السورية على هذا المنوال ، بات يعتبر انتحاراً سياسياً للدولة الإيرانية ، وأنه آن الأوان لإيران أن تعدل من سياستها ، وبشكل ينسجم مع طبيعة مصالحها ، حيث استطاعت الثورة الإسلامية خلال فترة تاريخها السياسي الطويل والمحفوف بالمخاطر ،أن تطور سلوكها وأداءها السياسي تجاه الأزمات ، وسجلت نجاحات منقطعة النظير ضمن هذا الإطار [3].
استناداً إلى ما سبق، ما الذي يمكن استنتاجه:
أولاً : أن إيران باتت تدرك أن الغرب وإسرائيل لا يوافقهم بشكل مطلق وجود قيادة سورية قوية تستطيع بسط سيطرتها ونفوذها على الأرض السورية . وبالتالي آن الآوان لإيجاد هذه الشخصية .
ثانياً : اعتبار إيران بشكل مؤكد أن النظام السوري بقيادة بشار الأسد قد استنفد كل أدواته ، ومبررات وجوده ، وأن على طهران أن تستعد لكافة الاحتمالات ؛ خاصة مع تصاعد احتمالية إسقاطه في أية لحظة .
ثالثاً : أن الغرب عموماً ، والولايات المتحدة على وجه الخصوص ، تتقاطع بشكل كبير مع الرؤية الإيرانية ، بأنه يجب الحفاظ على بقاء النظام السوري ، ولا يريدون الإطاحة به ، أو تفكيكه ، لكن الخلاف ببساطة على شخص بشار الأسد .
رابعاً : أن إيران “الدولة والثورة” قد أدركت أن بشار الأسد سوف يرحل في نهاية الأمر ، وأن عليها أن تهيئ نفسها لهذه اللحظة التاريخية وتداعياتها من الآن.
خامساً : ضرورة وأهمية أن يكون لإيران دور في صياغة السيناريوهات التي تحدد مستقبل سورية ، وأن تكون شريكاً أساسياً في اتخاذها .
سادساً : أن الدولة الإيرانية خلال مراحل تاريخها الحديث ، استطاعت أن تخلق حلولاً ابتكارية لسياستها الخارجية ، مما مكنها من التكيف مع المتغيرات المختلفة ، وأن بقاء السلوك الإيراني تجاه الأزمة السوريةعلى هذا المنوال دون تعديل هو بمثابة انتحار سياسي ، وتهديد خطير للمصالح الإقليمية والدولية الإيرانية .
سابعاً : أن تغيير شخص بشار الأسد سوف يفوت الفرصة على إسرائيل لتخريب الاتفاق الغربي – الإيراني من ناحية ، وسوف يسهم في إيجاد الأرضية المناسبة لصفقة نووية مع واشنطن، ويوجه صفعة قوية للدول العربية : لاسيما الخليجية، وبشكل يضمن هيمنة إيران على الإقليم.
على ضوء هذه التغيرات المهمة في الموقف الإيراني، التي من المؤكد أن الضرورات الداخلية والخارجية ”الإقليمية والدولية” قد أسهمت في هذا التحول؛ فلاشك أن المعارضة السورية المسلحة قد حققت انتصارات استراتيجية مهمة قلبت التوازانات، وأربكت الخيارات والبدائل أمام صانع القرار السياسي والأمني الإيراني؛ الممسك بخيوط الأزمة السورية . كذلك كان للتحولات الإقليمية ، وفي مقدمتها التغييرات السياسية التي جرت في السعودية ، والتي أدت إلى تقارب ، وتنسيق مع تركيا ، وقطر ،تجاه الأزمة السورية ، الأمر الذي أدى لقلب المعادلة رأساً على عقب ؛ وهو ما لم تكن تتوقعه طهران . أما المتغيرات الدولية ، فقد قرأتها إيران بعناية ودقة ؛ فهي تكرر ليل نهار رفضها لشخص بشار الأسد ، وليس للنظام السوري . وهذه الرؤية لا تقل خطورة عن الاعتبارات الإيرانية ، بالنسبة لحل الأزمة السورية المتفجرة.
السيناريوهات الإيرانية للتعامل مع الأزمة السورية على ضوء هذه التطورات:
السيناريو الأول: إدراك النظام الإيراني بشكل مؤكد أن بشار الأسد قد استنفد أسباب ومبررات بقائه ، وأنه بات من المحتم على طهران اقتناص فرصتها التاريخية للبحث عن شخصية توافقية بديلة ، خوفاً من أن يفرض عليها ؛ نتيجة للتحولات السورية المتسارعة “الداخلية والإقليمية والدولية “وبموجب هذا السيناريو سيكون التغيير فقط على مستوى رأس النظام، وليس تغيير النظام بمجمله، وقد تمتد لإجراء عملية تجميلية لهذا النظام ، لتحسين صورته الدموية والقبيحة؛ وبموجب هذا السيناريو سيتم الإطاحة بشخص بشار بعد التوافق مع المؤسسة العسكرية والأمنية السورية على شخصية عسكرية علوية تضمن مصالح إيران في سوريا ولبنان .وتسهم في بقاء الدولة السورية موحدة ، وتحت العباءة الإيرانية .
السيناريو الثاني: تنصيب شخصية “علوية” سورية توافقية ذات خلفية سياسية ، مع ضمان بقاء خيوط اللعبة العسكرية والأمنية بيد إيران وحزب الله .
السيناريو الثالث: بقاء بشار الأسد على رأس النظام ، واستمرار تحمل إيران لكلف بقائه العسكرية ، والاقتصادية ، والأمنية . وانعكاسات ذلك على البيئة الداخلية الإيرانية بمتغيراتها المختلفة. وفي ظل استمرار مثل هكذا سيناريو سوف تقوم إيران بإرسال المزيد من المليشيات من إيران ، والعراق ، وباكستان ، وأفغانستان …..،إضافة إلى تعزيز دعم حزب الله نحو المزيد من الانخراط بالأزمة السوريه . لكن السؤال المهم والمحوري: إلى متى ستبقى إيران قادرة على تحمل كلف عملية استنزافها بسبب الأزمة السورية ؛ خصوصًا في ظل ما تعانيه إيران من أوضاع اقتصادية واجتماعية قد تعصف بدولة ولي الفقيه في أية لحظة ، هذا عدا عن إعلان إيران المتكرر بأنها لن تسمح بأن تكون سوريا واليمن فيتنام جديدة بالنسبة لها .
المراجع:
[1] (جريدة جمهورى اسلامى الإيرانية 6/1 /2015 )
[2] ( سياست روز ، 25/ 5/ 2015)
[3]( مركز سياسى منطقه اى ، سياست خارجى ايران در قبال بحران منطقه اى ، كيهان ، 9/ 5/ 2015 )
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
معن طلَّاع
المرصد الاستراتيجي
غازي التوبة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة