..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


سوريا المعاصرة

يوم مشهود في تاريخ دمشق

بدر الدين حسن قربي

١٧ فبراير ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 9174

يوم مشهود في تاريخ دمشق
899789.jpeg

شـــــارك المادة

في وسط بقعة دمشقية مباركة يرقد على جنباتها بعض أكرم الخلق وأطهرهم، فإن قصدت الأنبياء فمنهم يحيى - عليه السلام - (يوحنا المعمدان)، وإن أردت كراماً فمنهم صلاح الدين، وإن عنيت أبراراً أطهاراً فهم بعضٌ من آل بيت النبوة الكرام، وإن كنت ممن يحب الصالحين ففيها مقام سِيدي عامود الذي حمل المكان اسمَه قبل أن يحمل حديثاً مسمّى (الحريقة). وإن أردت الكل معاً أصلاً وفصلاً وفخراً، فهنا كان التاريخ ومن هنا عبر العظماء وشهودنا أحياء، من أنبياء كرام إلى رجالات عظام إلى مباني ومقابر وآثار وأسواق ومساجد وكنائس وأحياء.


من سيدي عامود الحي الدمشقي العريق (الحريقة)، وعند ظهيرة يوم الخميس 17/ شباط/فبراير 2011م، انطلقت شرارة الغضب السوري عندما دخل شاب السوق يبحث عن مصفٍ لسيارته، ولم ير فيه شرطي المرور إلا حيواناً، فقال له بأدبه الجمّ: امش يا حمار..! فردّ عليه الشابّ بنفس لغته المهذبة التي أغضبته، فضربه بعصا المرور التي يحملها، وهو ما دفع بالشاب إلى ردّ الإهانة، غير أن تدخل اثنين من الشرطة الموجودين في المكان ومشاركتهما في ضرب الشاب حتى إدمائه بشكل وحشي مهين، أشعل غضباً غير متوقع. فاستغاثة الشاب المدمى عماد نَسَب وهو ابن أحد أصحاب المحلات التجارية في المنطقة بمن حوله، وصراخه أدّت إلى تجمع المارة والمتسوقين والتجار الذين أغلقوا محلاتهم، ليغدو الأمر تظاهرةً عفوية قدّرت بأربعة آلاف، استمرت ثلاثة ساعات، وانطلق فيها للمرة الأولى نداء الثورة السورية الأشهر والأجلّ: الشعب السوري ما بينذل.
حضور وزير الداخلية بنفسه على غير العادة، وتدخله ووعده بمحاسبة الشرطة، وأخذه الشاب العشريني معه، أنهى المسألة فيما خيّل إليهم، ولاسيما عندما ختم حضوره بسؤال المتجمهرين: (يعني) أنتم متظاهرون.. !؟ وقيل له: أبداً.. لا..! ومع ذلك، فقد تبع التظاهرة يوم الأربعاء التالي 23/ شباط وقوف أحد العاملين في السوق في وضح النهار في منتصف ساحة الحريقة محتجاً صامتاً، ورافعاً لافتةً كَتب عليها: طفح الكيل يا بشار أنقذنا من العصابة.
وللتذكير، فإن ثورات الربيع العربي كانت حتى تاريخه مستمرة في اليمن، وإنما انتهت بهرب ابن علي في تونس، وتنحّي مبارك في مصر، في حين أن الثورة الليبية كان قدر انطلاقتها الملتهبة مع تظاهرة الحريقة الدمشقية في يومٍ ووقت واحد.
ونشير هنا أيضاً إلى أن كل ما كتب وقيل في ذاك الوقت في تنبيه النظام السوري وتحذيره باعتبار تركيبته والأنظمة المتهاوية واحدة ومتقاربة، وفي دعوته لتدارك أمره بالإصلاح والتغيير الفوري والعاجل كان بلا فائدة البتة أمام قناعته الضلالية والعقيمة أن حالته بالمقاومة والممانعة عصيّة حتى على احتمال امتداد الاضطراب السياسي، وأنه غير عن تونس ومصر. ولكن لم تأخذ المسألة أكثر من أسابيع ثلاثة حتى خرجت مظاهرة درعا في 15/ آذار، لتؤكد عقم قناعات النظام المستبد المتألّه وفساده، وزاد في آثار الانفجار الشعبي وامتداده صلف الطغمة المتسلطة وغرورها الذي جعل تدميرها في تدبيرها.
إن ما حصل في سيدي عامود الحريقة قبل عام، وتوهم البعض أنه أنهى مظلومية الشاب الذي ضرب وأهين أبشع أنواع الإهانة، وعمى قلوب وعقول عتاولة النظام وجلاوزته عن أن المسألة أعظم من أن تكون ظلامة فردٍ، وأكبرَ من مكانٍ اسمه الحريقة، بل هم ملايين السوريين في دوّامة الظلم والقمع والامتهان والتجويع على امتداد الوطن.
إن تظاهرة الحريقة التي انطلقت بشعارها الأحلى والأجمل معطّرة بروائح الياسمين الشامي، وما خافه وزير الداخلية منها، فهي قد كانت وقد فاتهم بعدها القطار، لتتوالى بعدها المظاهرات السلمية تباعاً، وتزداد مع قمع النظام وتوحشه في القتل وسفك الدماء قوة وامتداداً على أرض البطولات حتى بلغ عددها 650 مظاهرة في يوم الجمعة السابقة المسمّاة: جمعة روسيا تقتلنا. وهو رقم مفاده واضح، أن حكم مافيا القمع والقتل في سوريا قد سقط وانتهى إلى الأبد. فقد قضي بالحق بين النظام المتوحش وبين شعبه الذي صبر عليه أكثر من أربعين عاماً، وقيل الحمد لله رب العالمين.

المصدر: ورد وشوك

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع